السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عن العرباض بن سارية أنه قال : قام فينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ، فوعظنا موعظة بليغة ... الحديث" وعظنا فالرسول -عليه الصلاة والسلام - يصح أن يقال : واعظ، كما أنه مبشر ومنذر ومبلغ عن الله -جل وعلا-، يصح أن يقال: واعظ، ويصح أن يقال: مذكر، {فَذكِّر بِاْلقُرآنِ} [( 45 ) سورة ق ] وبعض من ينتسب إلى طلب العلم يأنف أن يقال له : واعظ، وجاء الوعظ في القرآن في مواضع، والأنفة من هذا الوصف لأن من الوعاظ من لا ينتسب إلى العلم ، بل هم إلى العامة أقرب ، فيأنف ، يعني لا سيما في الوضع العرفي، من الوعاظ من هو إلى العامية أقرب، فطالب العلم يأنف أن يصنف واعظا، وقد أشرنا على بعض طلاب العلم الذين لديهم خبرة وقدرة على التأثير أن يشرحوا كتب الرقاق، فقال بعضهم : أنا لا أريد أن
أصنف واعظا، لا يريد أن يصنف واعظا، وفي الحديث : "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم" فهو واعظ، وهذه الأنفة وإن كان مردها وسببها خشية التشبه بالوعاظ والقصاص الذين هم إلى العوام أقرب منهم إلى العلماء، لكن لا يضيرك أن يقال : واعظ، فتشبه بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الذي ثبت وصفه بهذ ا، وإن تشبث به بعض من لا ينتسب إلى العلم، فالوعظ لا سيما بالنصوص {فََ ذكِّر بِاْلقُرآن } [( 45 ) سورة ق ] وبالنصوص النبوية من أولويات الوظائف بالنسبة للعالم وطالب العلم؛ لأنه بهذ ا الوعظ وبهذا التذكير و باختيار المادة الصحيحة من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام -، مع اجتناب ما لم يثبت، ومع اجتناب القصص التي لا أصل لها، و بهذا يسوق الناس إلى العمل بالعلم ، فالعالم وطالب العلم الذي يقتصر على متين
العلم من الأحكام فقط فإنه قد يغفل عن العمل، ولا يسوقه ويقوده إلى العمل إلا هذه الأحاديث وهذه الآيات والأحاديث الصحيحة في الرقاق التي ترغب الإنسان في الأعمال الصالحة، فإذا ترك أهل العلم هذا المجال قام به من لا تبرأ الذمة بوعظه، قام به من يعظ الناس بالقصص الواهية ، وبالأحاديث الضعيفة والموضوعة كما هو شأن القصاص من قديم، وما ذلكم إلا لأن أهل العلم تركوه، والنبي -عليه الصلاة والسلام - وعظ أصحابه موعظة بليغة.اهـ.
شرح: مقدمة سنن ابن ماجه ( الشريط 6 ) للعلامة عبد الكريم بن عبد الله الخضير