التواطؤ على الرؤيا
قَدْ يتواطأَ قومٌ على رؤيا رأوها جميعاً ، و يتفقونَ فيها إمَّا على تمامها و إما على أغلبها ، سواءً علموا بذلك أم لم يعلموا ، و لقد اعتبرَ أهل التعبيرِ ذلك مُستندين في ذلك لقصةِ تواطؤ رؤيا الصحابةِ ليلةَ القدرِ في السبع الأواخر ، و فيها يقول لهم النبيُّ صلى الله عليه و سلم : " أرى رؤياكم قد تواطأت على في السبع الأواخر فمن كان منكم متحريها فيلتحرها في السبع الأواخر " البخاري (2015) .
فالنبيُّ صلى الله عليه و سلمَ اعتبر تواطؤ رؤيا المؤمنين فهم لا يكذبون في روايتهم ولا في رؤياهم إذا تواطأت [انظر : " الروح " ( ص: 139) وَ ( ص : 9 ) ] ، فتوافُقُ الجماعةِ على رؤيا واحدةٍ دالٌّ على كونها صِدقاً و صحيحةً ، كما اعتُبِرَ ذلك في الروايةِ و تواتُرِها [ " الفتح ( 12/397) ] .
و اشتُرِطَ في اعتبارِها ألا تُخالفَ القواعدَ الشرعية . [" الفتح " (4/302) ]
و هل يَلْزَمُ مِن اتفاقِهم في الرؤيا صدقها ؟
حيثُ قُوْرِنَتْ الرؤيا المُتواطأ عليها بالروايةِ المتواطيءِ عليها يُصارُ إلى ما قِيْلَ في بحثِ أهل المُصطلَحِ في لُزومِ صِدْقَ الروايةِ حيثُ اتفاقُ المتواطئين عليها ، و أهل الفنِّ _ أي : فنَّ المُصطلح _ ذكروا في شرطِ الاتفاقِ في المتواترِ فَرْقاً بين شيئين هُما باعثانِ للاتفاق [ " ظفر الأماني" ( ص : 36) ] :
أولهما : التواطؤُ ، و هو أن يتَّفِقَ قومٌ على اختراعِ شيءٍ مُعَيَّنٍ بَعْدَ المُشاورَةِ و التقرير ، بأن لا يقولَ أحدٌ خلافَ الآخر ، و هذا لا يكونُ صِدقاً في الرؤيا أنها متواطئةٌ دونَ قصدٍ ، و هذا اتفاقٌ على الكذبِ ، و هو ملمحٌ لطيفٌ .
ثانيهما : التوافُقُ ، و هو حصولُ ذلك مِن غيرِ مُشاورَةٍ بينهم و لا اتفاق ، و هذا مما اتفقَ عليه أهل المصطلح ، و هو الذي يُرادُ بِهِ في هذا المطلَبِ ، فلْيُتَنَبَّه فإنه مُهمٌ .
فبانَ من هذا أنَّ الرؤيا إذا كانت قد رآها جماعةٌ فهيَ مُحتملَةٌ أن تكون اتفاقاً على اختراعها و اختلاقها ، و إما أن تكونَ توافقاً كلٌّ رآها دون معرفةِ الآخر ، فالأولُ مرفوضٌ و هو كذبٌ ، و الثاني هو مبحثُ أهل التعبيرِ فيه .
و لا يُسْتَدَلُّ بحديثِ تواطؤِ رؤيا الصحابة في إثباتِ كلِّ ما تُوُوْطِيءَ عليه ، و خاصةَ في الأحكام الشرعية ، فالعِبْرَةُ بِصِدْقِهم ، و كونِ رؤياهم موافقةً للقواعد الشرعية ،و لا يكون بها الاحتجاج إلا استئناساً .[" الروح " ( ص : 9) ]