{{ لا حول و لا قوة إلا بالله }}
تعرف هذه الجملة الطيبة الكريمة ( بالحوقلة ) ، وهي لفظة مبنية من قول ( لا حول ولا قوة إلا بالله) والمعنى إظهار الفقر إلي الله تعالى وطلب المعونة على ما يزاوله القائل من الأمور ، و هذا من تحقيق العبودية لله عز وجل ، كما جاء في سورة الفاتحة : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ،،،، أي نستعين بك على عبادتك .
و معنى الحول الحيلة ، والقوة ، و لما سئل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن معنى ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) قال : ( لا حول عن معصية الله إلا بعصمة من الله ، ولا قوة على طاعة الله إلا بمعونة الله ) جامع الأصول.
ومما جاء في فضائلها قوله صلى الله عليه و سلم لعبد الله بن قيس رضي الله عنه : " ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ " فقال: بلى يا رسول الله ، قال : " قل لا حول ولا قوة إلا بالله" . رواه البخاري .
و عن حازم بن حرمله رضي الله عنه قال : مررت بالنبي صلى الله عليه و سلم فقال: " يا حازم أكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله ، فإنها من كنوز الجنة " رواه الترمذي .
وعن سعد بن عباده رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال له : " ألا أدلك على باب من أبواب الجنه ؟ " قال : قلت : بلى يا رسول الله ، قال : " لا حول ولا قوة إلا بالله " . رواه الترمذي.
ولقد سمعت يوما تسجيلا للعلامة الخطيب الشيخ عبد الحميد كشك رحمه الله يفسر هذه الجملة المباركة ،، وقبيل انتهاء التسجيل قال إن لها خصوصية إعرابية ( نحوية ) عجيبة ،، ذلك أن لها خمسة أوجه من وجوه الإعراب ،، قل من يجمع بينها ،،، ثم إنه ما أن بدأ يبين وجوه إعرابها حتي انتهي التسجيل ،،، وكأنه يحث المهتمين باللغة العربية علي البحث عن وجوه إعرابها في كل مكان ،، وانطلاقا من اهتمامي بلغتنا العربية العظيمة ، لغة القرآن الكريم ،، ذهبت أسأل بعض أرباب الصناعة ، وأبحث فى المظان ،، فلما وجدت طلبتي ومبتغاي ،، كنت كمن عثر علي كنز ثمين ، وهئنذا أقدمه للباحثين ، وقد كفيتهم جهدا كبيرا ووقتا غير قليل . ولله الحمد رب العالمين .
إعراب
{ لاحول ولاقوة إلا بالله }
قال ابن مالك رحمه الله تعالي في باب لا النافية للجنس :
وركب المفرد فاتحا كلا *** حول ولا قوة والثاني اجعلا
مرفوعا أو منصوبا أو مركبا *** وإن رفعت أولا لا تنصبا
إذا تكررت ( لا ) النافية للجنس فإنها :
1 ــ تعمل فيهما عمل ( إن ) ،
2 ــ تعمل فيهما بعمل ( ليس ) ، أو تهمل إلا،
3 ــ بناء الأول على الفتح ، ورفع الثاني ،
4 ــ رفع الأول ، وبناء الثاني على الفتح ،
5 ــ بناء الأول على الفتح ، ونصب الثاني .
أولا : بفتح الاسمين ( حول ) و ( قوة ) ،، أي إعمال لا النافية للجنس في كليهما عمل إن ،،
لاحولَ ولا قوةَ إلا بالله ،،
ودليل هذا الوجه من الإعراب من كلام الله قوله تعالى { من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة } على قراءة ابن كثير وأبي عمرو وغيرها
فنعرب: لا : النافية للجنس مبنية على السكون ،
حول: اسم لا مبني على الفتح ،
و: حرف عطف مبني على الفتح ،
لا: كإعراب الأولى ،
قوة: كإعراب ( حول ) ،
وخبرهما محذوف تقديره ( موجود ) ،
الباء : حرف جر مبني على الكسر،
الله : لفظ الجلالة ، اسم مجرور بالباء، وشبه الجملة من الجار والمجرور في محل نصب بدل ،
أو تقول: وشبه الجملة من الجار والمجرور في محل نصب مستثنى ،
هذا: لأن الجملة تامة وغير موجبة ، فيجوز الوجهان كما هو مقرر عند النحاة.
ثانيا : [ بضم الاسمين وإلغاء عمل لا في كليهما ،،، ] لا حولٌ ولا قوةٌ إلا بالله. ( [ على أن تكون بمعنى ليس ،، أو على أنها مهملة ]
ودليل هذا الوجه من الإعراب ، الآية نفسها على قراءة الكوفيين ونافع وابن عامر،
ودليله أيضا ما قال عبيد الراعي:
وما هجرْتُك حتى قلتِ مُعْلِنَة *** لا ناقةٌ لي في هذا ولا جملُ
لا : حرف نفي ناسخ مبني على السكون ، أو حرف نفي مهمل ،
حولٌ: اسم لا مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة في آخره ، أو مبتدأ مرفوع
و: حرف عطف مبني على الفتح ،
لا قوةٌ : كإعراب سابقتها ،
والخبر محذوف تقديره ( موجود ) ،
إلا : حرف استثناء ،
بالله: جار ومجرور،
وشبه الجملة في محل رفع بدل ، أو في محل نصب مستثنى ،، (الجملة تامة وغير موجبة ، فتعرب الكلمة بعد ( إلا (بدلا، أو مستثنى).
ثالثا : بناء الأول على الفتح ، ورفع الثاني ،،
لا حولَ ولا قوةٌ إلا بالله
[ بفتح ( حول ) وضم ( قوة) ،، أي بإعمال لا الأولى ، وإلغاء الثانية ، والواو استئنافية ]
ودليل هذا الوجه من الإعراب ،،،، لا نعلم أن القرآن الكريم نزل بهذه اللغة في القراءات المتواترة ،،،، ولكن فيه قول الشاعر :
لا نسب اليوم ولا خلة *** اتسع الخرق على الراقع بفتح ( نسب ) ، وتنوين بالضم في ( خلة (
ودليل هذا الوجه أيضا ماقاله هُني بن أحمر الكناني، وقيل هو لزُرافة الباهلي:
هذا لعمرُكم، الصغار بعينه *** لا أُمَّ لي إن كان ذاك ولا أبُ
حول: اسم لا مبني على الفتح
قوةٌ: مبتدأ، أو اسم لا العاملة عمل ليس
رابعا : رفع الأول ، وبناء الثاني على الفتح ،،
لا حولٌ ولا قوةَ إلا بالله
[ بضم ( حول ) وفتح ( قوة ) ،، أي بإلغاء عمل لا الأولى ، وإعمال الثانية ] . أي عكس سابقتها تماما.
ودليل هذا الوجه قول الله تعالى : { فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج}
على قراءة ابن كثير وأبي عمرو بتنوين ( رفث ، فسوق ) ،، والبناء على الفتح في ( جدال ) بإجماع القراء .
ودليل هذا الوجه أيضا ما قاله أمية بن أبي الصلت:
فلا لغوٌ ولا تأثيمَ فيها *** وما فاهو به أبدا مقيمُ
خامسا : بناء الأول على الفتح ونصب الثاني ، على أنه معطوف على محل اسم "لا"
لا حولَ ولا قوةً إلا بالله
[ بفتح ( حول ) ونصب ( قوة ) المعطوفة على محل اسم ( لا ) الأولى ،، لأن الثانية ملغاة ]
ودليل هذا الوجه من الإعراب ،، لا نعلم أن القرآن الكريم نزل على هذه اللغة فيما تواتر من القراءات ،،،،،،،،، ودليله من كلام العرب :
فلا أب وابنا مثل مروان وابنه *** إذا هو بالمجد ارتدى وتأزرا
ودليل هذا الوجه أيضا ما قاله أنس بن العباس بن مِرْداس السلمي :
لا نسبَ اليوم ولا خلةً *** اتسع الفتق على الرَّاتِقِ
وهذه الحالة الأخيرة أضعف الحالات ،،، وأقواها الأولى والثانية.
والله أعلي وأعلم .
ويحسن فى كل آخر الحمد لله رب العالمين
صلاح جاد سلام