انتشرت في الآونة الأخيرة صيغٌ تعاطاها بعض المتديِّنة، ولقد يظن بعضهم أنها سببٌ مقرب إلى الله تعالى، أو إلى القربة ما هي، بيد أنها ليست من (أوضاع) الشرع، ولا من الأوضاع المعهودة في الصدر الأفضل.
ومن نمــاذج هذه الظاهرة المتجددة:
أ ـ تعليق جهاز على الأبواب، ينطق بقوله: اذكر الله، صل على محمد - صلى الله عليه وسلم -...!
ب ـ لوحة دُعائية - تشتمل على الأذكار البعدية - تنسدل انسدال الستارة أمام المصلين بضغطة زر من إمام المسجد إثر كل صلاة !
ج ـ نغمات هاتفية جعلت على صيغة تلاوات قرآنية، وأدعية قنوتية، وترانيم وتسابيح ...!
د ـ لاصقات على الجدران والأبواب والطرق السريعة تتضمن عبارات التسبيح والأمر بالذكر بأعداد معينة...!
هـ ـ بث الأذان مسجلاً، والاستغناء به عن الأذان المعهود وهو الأذان المباشر.
في قائمة تتوالى من المخترعات التي أراد بها فاعلوها الخير والبر، وحاك في نفسي منها حائك، فصرتُ أقول: ( آلبرَّ يردنَ ) !.
إن هذه الصيغ لا يحتفل بها العلماء [عادة]، لعلمهم- أو بعضهم على الأقل - بأنها ليست مما يفرح به شرعاً، وإنما يأنس بها الأميون والمبتدئون وأوساط المتنسكة ونحوهم.
قال ابن الجوزي: " فصل ومن تلبيس إبليس على قوم من الزهاد الذي دخل عليهم فيه من قلة العلم: أنهم يعملون بواقعاتهم ولا يلتفتون إلى قول الفقيه، قال ابن عقيل: كان أبو اسحق الخراز صالحا وهو أول من لقنني كتاب الله وكان من عادته الإمساك عن الكلام في شهر رمضان فكان يخاطب بآي القرآن فيما يعرض إليه من الحوائج فيقول في أذنه أدخلوا عليهم الباب ويقول لابنه في عشية الصوم من بقلها وقثائها آمرا له أن يشتري البقل فقلت له هذا الذي تعتقده عبادة هو معصية فصعب عليه فقلت أن هذا القرآن العزيز أنزل في بيان أحكام شرعية فلا يستعمل في أغراض دنيوية، وما هذا إلا بمثابة صرك السدر والأشنان في ورق المصحف، أو توسدك له فهجرني ولم يصغ إلى الحجة "اهـ [ تلبيس إبليس (1/195)].
ولست أقول بالتحريم في كل ذلك، وأما ما دونه فالأصل فيه الإباحة، لكن إن وجد قصد التعبد بها فهي من جنس البدع الإضافية، وإن لم يوجد فخلاف الأولى، وهي درجة بين الكراهة والإباحة، وبالجملة فلا ينبغي أن تجعل من صيغ التدين والتقرب إلى الله جل جلاله، والتقوى لها مراتب، وليست هذه من علامات أهل المراتب العليا.
وقد قال أبو الوفاء ابن عقيل - رحمه الله -: " لما صعبت التكاليف على الجهال والطغام عدلوا عن أوضاع الشرع إلى تعظيم أوضاع وضعوها لأنفسهم، فسهلت عليهم إذ لم يدخلوا بها تحت أمر غيرهم ...".
ولعلي أذكر لاحقاً ما روي عن السلف مما يشتبه بهذا الجنس وليس به.
والله تعالى أعلم