بسم الله الرحمن الرحيم
في الآونة الأخيرة ورد إلي أكثر من سؤال حول تحرير ترجمة رضى الدين محمد بن أبى نصر بن عبد الله الكرمانى صاحب " شواذ
القراءات " ، و" قراءة الكسائي ".
فحاولت جاهداً أن أقف على ترجمة له في مختلف المصادر المتاحة ، لكن محاولاتي باءت بالفشل ، ووجدت أن خير ترجمة لرضي الدين الكرماني هي تلك التي يمكن جمعها من خلال كتابيه ، اللذين وصلا إلينا ، وهما :
1- " كتاب فيه مجرد قراءة أبي الحسن علي بن حمزة النحوي الكوفي المعروف بالكسائي رواية أبي عمر الدوري من طريق ابن مقسم " ، يوجد منه نسخة خطية وحيدة – فيما نعلم - ، تحتفظ بها مكتبة كوبريلي زاده باستانبول ، وهي متاحة على الشبكة.
وقد حققه الدكتور/ حاتم صالح الضامن ، معتمداً على النسخة السابقة ، وصدر عن دار نينوى بدمشق ، بعنوان : " قراءة الكسائي رواية أبي عمر الدوري من طريق ابن مقسم " ، وصدرت الطبعة الأولى سنة 1426 هـ/ 2005 م ، وهو متاح على الشبكة أيضاً.
2- " كتاب شواذ القراءات شواذ القراءة واختلاف المصاحف ".
وقد حققه الدكتور شمران سركال يونس العجلي، وصدر عن مؤسسة البلاغ ببيروت بعنوان : " شواذ القراءات " ، وصدرت الطبعة الأولى سنة 2001 م ، في مجلد واحد ، 536 صفحة.
وهو متاح – عدا صفحات قليلة من أوله - على هذا الرابط :
http://www.saaid.org/book/open.php?cat=2&book=7802
اعتمد في تحقيقه على نسختين خطيتين :
الأولى : نسخة محفوظة في دار الكتب الشعبية في صوفيا – بلغاريا ، تحت رقم : ( 3153 ح 50 ) ، في 120 ورقة ، بها نقص من أولها بعد الصفحة الأولى بست عشرة صفحة تقريباً.
وعنها مصورة في مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بالرياض ، رقم الحفظ: 1081-ف.
الثانية : مصورة مكتبة كلية دار العلوم بالقاهرة عن نسخة المكتبة الأزهرية رقم : ( 244/ 22251 قراءات ) ، في 136 ورقة ( 273 صفحة ) ، ينقصها أقل من نصف سطر من آخرها ، وكذا اسم الناسخ وتاريخ النسخ. وهي متاحة على الشبكة.
وعنها مصورتان في دار الكتب المصرية بالقاهرة ، تحت رقمي : ( 20073 ب ، 20074 ب ) ، وعن الأصل والمصورتين عدة مصورات في عدة أماكن.
وذهب القائمون على الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط ( القراءات ) صـ 161 إلى أن الكتاب يوجد منه نسختان خطيتان في المكتبة الأزهرية بالقاهرة :
الأولى : تحت رقم : ( 1436/ 8607 ) ، في ( 369 ) ورقة ، نسخت سنة 1369 هـ.
الثانية : تحت رقم : ( 244/ 22251 ) ، في ( 273 ) ورقة.
وقدروا أنه من علماء القرن الخامس الهجري.
وتبعهم القائمون على خزانة التراث التابعة لمركز الملك فيصل بالرياض.
والذي وقفت عليه في فهرس المكتبة الأزهرية 1/ 91 ، وليس صـ 125 – 126 ، هو :
(( شواذ القراءة واختلاف المصاحف : تأليف الشيخ شمس القراء أبي عبد الله محمد بن أبي نصر بن عبد الله الكرماني.
أوله : الحمد لله حق حمده الخ.
نسخة في مجلد بقلم نسخ تنقصه من بعد سورة الفلق.
في 273 ورقة ومسطرتها 21 سطراً في حجم الربع.
[ 244 ] 2225 )).
ولنقف مع ما ذكره المحدثون حول ترجمة المؤلف :
1- المستشرق الألماني شبيتالر ( A.Spitaler ) : رجح أنه من علماء أوائل القرن السابع الهجري.
حكى ذلك عنه المستشرق الألماني كارل بروكلمان.
وقد راسله الدكتور عبد الصبور شاهين بوساطة تلميذه الدكتور رمضان عبد التواب في 30/ 12/ 1963 م ؛ لمعرفة مصدره في هذا الحكم فأخبر أنه ربما يكون قد اعتمد على ما ذكر في صدر الكتاب من المراجع ، وربما يكون بعد البحث في المخطوطة ذاتها ، وبدا للدكتور عبد الصبور شاهين أن الأستاذ شبيتالر لم يتجول في المخطوطة إلا لماماً ؛ نظراً لأنه حدد تاريخ الكرماني في ضوء آخر المراجع صدوراً ، وهو على أقصى تقدير " الغاية " لأبي العلاء الهمذاني – إن كان هو المراد - ، وتاريخ وفاة الهمذاني هو عام ( 569 هـ ).
(( وعلى ذلك فإن الكرماني لايمكن أن يكون قبل النصف الثاني من القرن السادس الهجري . على حين أن ذلك لا يؤدي إلى المقصود مباشرة ، وبطريقة مأمونة ، فمؤلف كتاب " الغاية " كما سنرى – غير محدد ، وعليه فلا يصح أن يقاس غير محدد على مثله ؛ لأن ذلك إمعان في التيه )) تاريخ القرآن صـ 15 – 16.
2- أما بروكلمان فقد ذكره في كتابه " تاريخ الأدب العربي " في الفصل الخاص بمجهولي العصر والمكان – علم القراءات رقم 37 ؛ حيث قال : (( رضي الدين شمس القراء محمد بن أبي نصر الكرماني.
يرجح شبيتالر ( A.Spitaler ) أنه من علماء أوائل القرن السابع الهجري.
وله رسالة في القراءات الشاذة في الأزهر رقم 244 )).
3- وأما الدكتور عبد الصبور شاهين فقد تحدث عن الكتاب ومؤلفه في كتابه " تاريخ القرآن " ، وذهب إلى أنه من علماء أواخر القرن السابع الهجري ، وقد توصل إلى ذلك من خلال ثلاثة أمور استنتجها من دراسته لما حوت مخطوطة كتاب " في شواذ القراءة واختلاف المصاحف " :
الأول : أن الرازي المذكور في الكتاب هو الإمام فخر الدين الرازي ( ت 606 هـ ).
الثاني : أن الدهان المذكور في الكتاب هو أبو الحسن علي بن موسى بن يوسف السعدي المصري المعروف بالدهان ( ت 665 هـ ).
الثالث : أن العبارة التي ذكرها الحافظ ابن الجزري عن شيخه تاج القراء الكرماني (( كان في حدود الخمسمائة ، وتوفي بعدها )) تعني أنه عُمِّر حتى بدأت الستمائة ثم توفي ، وأن الذي دفعه إلى هذا هو أنه نقل قطعاً عن الرازي ( ت 606 هـ ) ، والدهان ( ت 665 هـ ).
وما ذهب إليه الدكتور عبد الصبور شاهين غير مقبول.
فكتاب " الغاية " الذ ي هو أحد مصادر المؤلف هو " الغاية في القراءات العشر " لابن مهران الأصفهاني ( ت 381 هـ ) ، وقد رواه رضي الدين الكرماني عن شيخه تاج القراء الكرماني عن والده حمزة بن نصر ، عن أبي نصر الكركانجي ( ت 481 أو 484 هـ ) عن أبي طاهر الصيرفي ، عن مؤلفه أبي بكر بن مهران.
وأما الرازي المذكور في كتابه فهو أبو الفضل الرازي ( ت 454 هـ ) ، وقد صرح بالنقل عن ثلاثة من كتبه ، وهي : " اللوامح " – مصدره الرئيس - ، و" جامع الوقوف " ، و" الوسيط في القراءات العشر ".
وأما الدهان فهو مقرئ أهل ( مرو ) في عصره أبو الحسين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الدَّهَّان المَرْوَزي ، نزيل ( البصرة ) ، المقرئ المحدث الأديب ، أستاذ أبي نصر الكُرْكانجي وصاحبه، ومؤلف " معرفة ما يتفاضل به القراء " ، و" علل ما يتفاضل به القراء ". توفى في أوائل القرن الخامس الهجري.
وأما تاج القراء الكرماني فقد ذهب الدكتور شمران سركال العجلي – من خلال أدلة قوية واضحة - إلى أن وفاته كانت بعد سنة ( 531 هـ/ 1137 م) ، أو بعد سنة ( 535 هـ/ 1141 م ) ، أو في خلالها ؛ حيث كان حياً في شهر المحرم من هذه السنة.