الرد على زعم الملاحدة أن نظرية النسبية تسقط وجود المسبب الأول




إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له .




و أشهد أن لا إله إلى الله ، و أن محمدا عبده ورسوله بلغ الرسالة ونصح الأمة و كشف الله به الغمة و جاهد في سبيل الله حتى أتاه اليقين .




أما بعد :










فقد قال بعض الملاحدة هداهم الله : بعد نظرية النسبية نعلم أن الزمن ليس منفصل عن الكون ، و الزمن ضمن النسيج الكوني و فرضية وجود سبب يلزمها وقت لتسبيب ، وبما أن السببية خاضعة للزمن حتى يمكن أن تستقيم فلا جدوى ولا منطق في الحديث عن سببية لنشأة الكون و لا يوجد مسبب أول أي قول المسلمين و غيرهم إن الله هو الذي خلق الكون كلام لا يصح .


و الجواب أن الملاحدة يقيسون رب الخلق على الخلق و الله أول بلا ابتداء أزلي لا يحده حادث عارض كالزمان أو المكان و قبل خلق الكون لا يوجد زمان بل يوجد الأزل و الأزل أزمنة متوهمة لا يطلق عليها زمان في الواقع؛ لأن الزمان هو اسم للوحدات المعروفة بالليل والنهار، و ما كان قبل خلق السماوات والأرض ليس فيه ليل ولا نهار فلا يوصف بالزمان، لكن يسمى بالأزل .



و غاية النظرية النسبية الدلالة على حدوث الكون فالزمن مرتبط بالكون و هو منسوج فيه , و الزمن لا يوجد إلا بوجود المادة , و المادة لا توجد إلا فى فضاء , و الفضاء لابد له من حيز يحتويه , و عندما أشارت نظرية النسبية إلى أن الزمن بعد رابع كان من البديهي عدم وجود الزمن في عالم لم تخلق بعد أبعاده الأخرى لأن الشيء لا يوجد إلا إذا وجدت أبعاده و بما أن الزمن له بداية وهو الذى يشكل البعد الرابع للكون يكون الكون أيضا له بداية .



ويفسر عالم الفيزياء الفلكية المعروف هيو روس Hugh Ross كيف أن خالق الكون يفوق كل الأبعاد : (( إن الزمن، بطبيعة الحال، هو ذلك البعد الذي تحدث فيه ظاهرة السبب والنتيجة وبدون الزمن، لن يكون هناك سبب ولا نتيجة و إذا توافقت بداية الزمن مع بداية الكون ، وفقا لنظرية الزمان والمكان، ينبغي أن يكون السبب في ظهور الكون كيانا يعمل في بعد زمني مستقل تماما عن البعد الزمني للكون وسابق لوجوده ··· و يخبرنا هذا أن الخالق يعلو فوق الوجود المادي، ويعمل وراء حدود الأبعاد الكونية· ويخبرنا أيضا أن الله ليس الكون نفسه، و أن الله لا يحتويه الكون )) .




و لا يتصور خضوع الخالق لقوانين مخلوقاته فالسببية قانون للمخلوقات و الله الذي خلق الزمان و المكان هو بالضرورة فوقهما و لا يخضع لقوانينهما و الله هو الذي خلق قانون السببية و لا نتصوره خاضعا للقانون الذي خلقه لمخلوقاته و القول بخضوعه لهذا القانون تشبيه له بمخلوقاته .





و الله ليس كمثله شيء ، لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله[1] فكيف نشبهه سبحانه بخلقه و التشبيه قياس للربِّ الكامل العظيم بالمخلوق الناقص الضعيف[2] .





و من أدلة بطلان تشبيه الله بخلقه :
الدليل الأول : التباين بين الخالق و المخلوق في الذات و الوجود ، و هذا يستلزم التباين في الصفات ، لأن صفة كل موصوف تليق به ، فالمعاني و الأوصاف تتقيد و تتميز بحسب ما تضاف إليه .

الدليل الثاني : أن القول بالمماثلة بين الخالق والمخلوق يستلزم نقص الخالق سبحانه ؛ لأن تمثيل الكامل بالناقص يجعله ناقصا ً.




و كونه تعالى علّة للموجودات ليس بمعنى أنه شرط لوجودها بل بمعنى أنه الموجِد لها و العلة الموجدة توجِد معلولها من العدم أي تخلقه بعد أن لم يكن ، و هي قسم من أقسام العلة الفاعلية ، و لا يمكن أن نجد لفاعلية الله تعالى نظيرا في سائر العلل الفاعلية، ذلك أن الله تعالى هو الفاعل الوحيد الذي يوجِد معلوله بدون أن تكون فاعليته سبحانه و تعالى مشروطة بأي شرط كالوقت أو المكان .





هذا و الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات





[1] - شرح العقيدة الطحاوية
[2] - تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي ص 60