الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن من البدع المنتشرة بين أوساط كثير من الناس؛ ما يمسى بالاحتفال بالمولد النبوي، وقد كتب كثير من أهل العلم قديما وحديثاً عدة كتب ورسائل وفتاوى في التحذير من هذه البدعة؛ فجزاهم الله خير الجزاء على ما بينوا ونصحوا.
ولقد وفقني الله عزوجل- وله الحمد والمنة - في جمع بعض الفوائد التي وقفت عليها والمتعلقة بالرد على الشبهات التي يثيرها من يقول بجواز الاحتفال بالمولد.
فأحببت نشر ما قمت بجمعه، لعل يكون في ذلك فائدة لي ولمن يطلع عليه.
سائلاً الله أن يجعل أعمالي خالصة لوجهه الكريم، موافقه لسنة نبينا محمد r.
وأرجو ممن كان عنده ملاحظة أو فائدة ألا يبخل بها على أخيه وجزاكم الله خيراً.
وصلى الله على نبينا وقدوتنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتبه / أبو معاذ السلفي ( السني الحضرمي )
* * *
الفصل الأول:
بيان أن الاحتفال بالمولد النبوي لم يقع من السلف الصالح وأنه من البدع
اتفق أهل العلم ممن قال بجواز الاحتفال بالمولد ومن قال بعدم جواز الاحتفال به على أن السلف الصالح لم يحتفلوا به وإليك بعض أقوالهم في بيان ذلك:
1- قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - عن الاحتفال بالمولدالنبوي في «اقتضاء الصراط المستقيم» (2/619):( لم يفعله السلف، مع قيام المقتضى له وعدم المانع منه، ولو كان هذا خيراً محضا، أو راجحاً لكان السلف أحق به منا، فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله r وتعظيماً له منا، وهم على الخير أحرص، وإنما كمال محبته وتعظيمه في متابعته وطاعته واتباع أمره، وإحياء سنّته باطناً وظاهراً، ونشر ما بعث به، والجهاد على ذلك بالقلب واليد واللسان، فإن هذه طريقة السابقين الأولين، من المهاجرين والأنصار،والذين اتبعوهم بإحسان ) اهـ.
2- قال الإمام تاج الدين عمر بن سالم اللخمي المشهور بالفاكهاني- رحمه الله - في «المورد في عمل المولد» (1/8-9 ضمن «رسائل في حكم الاحتفال بالمولد»): ( لا أعلم لهذا المولد أصلا في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة ).
3- قال العلامة ابن الحاج - رحمه الله - في «المدخل» (2/312) نقلاً من «القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل» للعلامة اسماعيل الأنصاري - رحمه الله- (2/442 ضمن «رسائل في حكم الاحتفال بالمولد»):( فإن خلا - أي عمل المولد- منه - أي من السماع - وعمل طعاماً فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الاخوان، وسلم من كل ما تقدم ذكره - أي من المفاسد- فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ إن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله r، وتعظيماً له ولسنته r، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم... الخ ).
4- قال العلامة عبدالعزيز بن باز - رحمه الله - في «حكم الاحتفال بالمولد النبوي وغيره» (1/57 ضمن «رسائل في حكم الاحتفال بالمولد»):( الرسول r لم يفعله - أي المولد النبوي -، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم، ولا التابعون لهم بإحسان في القرون المفضلة، وهم أعلم الناس بالسنة، وأكمل حباً لرسول الله r ومتابعة لشرعه ممن بعدهم... الخ ).
5- وقال الشيخ محمد بن عبد السلام الشقيري في «السنن والمبتدعات المتعلقة بالأذكار والصلوات» (ص138-139):( فاتخاذ مولده موسماً والاحتفال به بدعة منكرة ضلالة لم يرد بها شرع ولا عقل، ولو كان في هذا خير كيف يغفل عنه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الصحابة والتابعون وتابعوهم والأئمة وأتباعهم؟).
وفيما يلي أنقل أقوالاً لبعض من يرى مشروعية الاحتفال بالمولد يتضح من خلالها كذلك أن الرسول r لم يحتفل بالمولد وأنه لم يكن من فعل السلف:
1- قال السيوطي - رحمه الله - في «حسن المقصد» ضمن «الحاوي للفتاوى» (1/189):( أول من أحدث فعل ذلك - أي فعل المولد- صاحب إربل الملك المظفر)( ).
2- قال أبو شامة - رحمه الله - في «الباعث على إنكار البدع والحوادث» (ص95):( ومن أحسن! ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل: ما كان يفعل بمدينة إربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي r من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور... الخ ).
3- قال الإمام السخاوي - رحمه الله - نقلاً من «المورد الروي في المولد النبوي» لملا علي قارى (ص12):( أصل عمل المولد الشريف لم ينقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعدها بالمقاصد الحسنة ).
4- قال محمد بن علوي المالكي في«حول الاحتفال بالمولد» (ص19): (فالاحتفال بالمولد وإن لم يكن في عهده r، فهو بدعة، ولكنها حسنة لاندراجها تحت الأدلة الشرعية،والقواع د الكلية ).
5- قال يوسف الرفاعي في «الرد المحكم المنيع» (ص153):( إن اجتماع الناس على سماع قصة المولد النبوي الشريف، أمر استحدث بعد عصر النبوة، بل ما ظهر إلا في أوائل القرن السادس الهجري )!.
( وبهذه النقول يتضح أن السلف الصالح لم يحتفلوا بمولد النبي r بل تركوه، وما تركوه لا يمكن أن يكون تركهم إياه إلا لكونه لا خير فيه كما أوضحه ابن الحاج في «المدخل» (4/278)؛ حيث قال بصدد استنكاره لصلاة الرغائب ما نصه:( ما حدث بعد السلف لا يخلو إما أن يكونوا علموه وعلموا أنه موافق للشريعة ولم يعملوا به؟! ومعاذ الله أن يكون ذلك، إذ إنه يلزم منه تنقيصهم وتفضيل من بعدهم عليهم، ومعلوم أنهم أكمل الناس في كل شيء وأشدهم اتباعاً.
وإما أن يكونوا علموه وتركوا العمل به؟ ولم يتركوه إلا لموجب أوجب تركه، فكيف يمكن فعله؟! هذا مما لا يتعلل.
وإما أن يكونوا لم يعلموه فيكون من ادعى علمه بعدهم أعلم منهم وافضل واعرف بوجوه البر وأحرص عليها!
ولو كان ذلك خيراً لعلموه ولظهر لهم ومعلوم أنهم أعقل الناس وأعلمهم ... الخ ).
وفيه دليل من ناحية أخرى على أن ما تركه السلف الصالح لابد أن يكون النبي r قد تركه وتركه r للشيء مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه سنة كما ان فعله سنة فمن استحب فعل ما تركه النبي r كان كمن استحب ترك ما فعله ولا فرق )( ).
ولا يقول قائل ما هو الدليل على أن الرسول r وصحابته لم يحتفلوا بالمولد لأنه لو وقع لنقل إلينا، ولذكره من يحتفل بالمولد النبوي لأن الحجة تكون حينئذ أقوى.
ومما يدل كذلك على أن السلف الصالح لم يحتفلوا بيوم المولد النبوي اختلافهم في تحديد اليوم الذي ولد فيه النبي r، وقد بسط الكلام على ذلك الخلاف الإمام ابن كثير في «البداية والنهاية» (2/260 - 261).
* * *
الفصل الثاني:
إثبات أن الفاطميين( ) أول من احتفل بالموالد
وهذا الفصل مختصر من «القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل» للعلامة إسماعيل الأنصاري - رحمه الله - (2/451-465 ضمن «رسائل في حكم الاحتفال بالمولد»):
1 - قال تقي الدين المقريزي - رحمه الله - في «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» (1/490)؛ تحت عنوان «ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم » :( كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي موسم رأس السنة وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي r، ومولد علي بن أبي طالب ، ومولد الحسن ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه...) اهـ.
2 – وقال أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي في «صبح الأعشى في صناعة الإنشاء» (3/498) في كلام له طويل في جلوسات الخليفة الفاطمي، قال بعد أن ذكر جلوسه في المجلس العام أيام المواكب، وجلوسه ليلة أول رجب وليلة نصفه وليلة أول شعبان وليلة نصفه للقاضي والشهود في ليالي الوقود الأربع من كل سنة قال: (الجلوس الثالث: جلوسه في مولد النبي في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ).
3- وقال مفتي الديار المصرية سابقاً الشيخ محمد بن بخيت المطيعي - رحمه الله- في «أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام» (ص44):( مما أحدث وكثر السؤال عنه الموالد، فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله.. الخ).
4 - وقال الشيخ علي محفوظ - رحمه الله - وهو من كبار علماء مصر- في «الإبداع في مضار الابتداع» (ص251):( قيل أول من أحدثها - أي الموالد- بالقاهرة الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد الإمام علي ، ومولد السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ومولد الحسن والحسين رضي الله عنهما، ومولد الخليفة الحاضر... الخ ).
5 - وقال الدكتوران حسن إبراهيم حسن مدير جامعة أسيوط سابقاً وطه أحمد شرف مفتش المواد الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم في كتابهما «المعز لدين الله» (ص284) تحت عنوان «الحفلات والأعياد»:( ان المعز كان يشترك مع رعاياه في الاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية، ومولد النبي r، وليلة أول رجب ونصفه، وأول شعبان ونصفه، وموسم غرة رمضان، حتى لا يثير نفوس السنيين! ويقرب مسافة الخلف بين المبادئ السنية والعقائد الشيعية!! وكذلك كان المعز لدين الله يستغل هذه الأعياد التي كان زخر بها عهده في نشر خصائص المذهب الإسماعيلي وعقائده!! لذلك كان يحتفل بيوم عاشوراء ليحيي فيها ذكرى الحسين ، كما كان يحي ذكرى مولد كثير من الأئمة، وذكرى مولد الخليفة القائم بالأمر، وهكذا اتخذ المعز من الاحتفال بهذه الأعياد وسيلة لجذب رعاياه إليه ونشر مبادئ المذهب الإسماعيلي ) اهـ.
من هم العبيديون؟
قال الإمام ابن كثير- رحمه الله - في «البداية والنهاية» (12/267): ( كان الفاطميون أغنى الخلفاء وأكثرهم مالا وكانوا من أغنى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم وأنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات وكثر أهل الفساد وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد وكثر بأرض الشام النصرانية والدرزية والحشيشية ).
وقال الإمام الذهبي - رحمه الله - في «العبر في خبر من عبر» (2/199): (المهديُّ عبيد الله والد الخلفاء الباطنية العبيدية الفاطمية افترى انه من ولد جعفر الصادق وكان بسلمية فبعث دعاته إلى اليمن والمغرب وحاصل الأمر انه استولى على مملكة المغرب وامتدت دولته بضعًا وعشرين سنة ومات في ربيع الأول بالمهدية التي بناها وكان يظهر الرَّفض ويبطن الزندقة).
وقال أيضاً: (سنة اثنتين وأربعمائة فيها أذن فخر الملك أبو غالب الذي وليّ العراق بعد عميد الجيوش بعمل المأتم يوم عاشوراء.
وفيها كتب محضر ببغداد في قدح النسب الذي تدّعيه خلفاء مصر والقدح في عقائدهم وأنهم زنادقة وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرَّمي إخوان الكافرين شهادة يتقرَّب بها إلى الله شهدوا جميعًا أن الناجم بمصر وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار.
إلى أن قال: فانه لما صار - يعني المهدي - إلى المغرب وتسمى بعبيد الله وتلقّب بالمهدي وهو مع من تقدّمه من سلفه الأنجاس أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد عليّ ولا يعلمون أن أحدًا من الطالبيين توقّف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج إنهم أدعياء وقد كان هذا الإنكار شائعًا بالحرمين وأن هذا الناجم بمصر وسلفه كفّار وفسّاق لمذهب الثَّنويّة والمجوسية معتقدون قد عطّلوا الحدود وأباحوا الفروج وسفكوا الدماء وسبُّوا الأنبياء ولعنوا السَّلف وادّعوا الربوبية ).
وقال السيوطي – رحمه الله – في «تاريخ الخلفاء»: (ص4): (ولم أورد أحدا من الخلفاء العبيديين لأن إمامتهم غير صحيحة لأمور منها أنهم غير قرشيين وإنما سمتهم بالفاطميين جهلة العوام وإلا فجدهم مجوسى قال القاضي عبد الجبار البصرى اسم جد الخلفاء المصريين سعيد كان أبوه يهوديا حدادا نشابة وقال القاضي أبو بكر الباقلاني القداح جد عبيد الله الذي يسمى بالمهدى كان مجوسيا ودخل عبيد الله المغرب وادعى أنه علوى ولم يعرفه أحد من علماء النسب وسماهم جهلة الناس الفاطميين وقال ابن خلكان أكثر أهل العلم لا يصححون نسب المهدى عبيد الله جد خلفاء مصر ).
قال الإمام الشاطبيّ في «الاعتصام» (2/44):( العبيدية الذين ملكوا مصر وأفريقية زعمت أن الاحكام الشرعية إنما هى خاصة بالعوام وأما الخواص منهم فقد ترقوا عن تلك المرتبة فالنساء بإطلاق حلال لهم كما أن جميع ما فى الكون من رطب ويابس حلال لهم أيضا مستدلين على ذلك بخرافات عجائز لا يرضاها ذو عقل ).
( قلت : والأئمة متفقون على ذمهم ، لخبث ملتهم وفشو البدع في عهدهم ، وإنما ذكرت ذلك حتى يعلم المخالفون الذين يحيون الموالد من هو سلفهم في هذا الأمر ، فيرغبون عن هديهم والتشبه بهم ، فإنه من غير المعقول أن تكون هذه الأعياد المحدثة محمودة مندوباً إليها ، فتقصر عنها الأمة كلها طوال القرون الفاضلة، ويسبقهم إليها أولئك الظلمة الضلال )( ) .
الفصل الثالث:
بيان كذب من يزعم أن من ينكر الاحتفال بالمولد بأنه مبغض
للرسول r ومكفر لمن يحضر ذلك الاحتفال
لقد أشاع الكثير ممن يقيمون الاحتفال بالمولد النبوي أن من ينكر هذا الاحتفال إنما هو يكره الرسول r!! وهذا من الكذب الصريح!
كما أشاعوا أن من ينكر ذلك الاحتفال يعتبره شركاً اكبر!
وأن من يحتفل بالمولد يعتبر مشركاً! وهذا أيضاً كذب صريح!!
وإليك أخي القارىء بعض أقوال أولئك المحتفلين حول هذا الأمر وبيان كذبهم في ذلك:
1- قال يوسف الرفاعي في «الرد المحكم المنيع» (ص15- 16) وهو يشير إلى مقال له نشره في جريدة السياسة الكويتية:( وكان عنوان وموضوع مقالي ( الرد على الشيخ عبدالعزيز بن باز ) عندما هاجم الاحتفال بالمولد النبوي واعتبره شركاً وبدعة … الخ).
2- قال راشد المريخي في «إعلام النبيل» (ص17- 18):( وإذا احتفل أحد بليلة مولده r تعظيما له وإقامة لأبهة الإسلام قالوا: هذا مشرك … فنعوذ بالله من ناشئة تكفر الأمة بمدح النبي r أو الاحتفال بمولده ) انتهى باختصار.
ولبيان كذب أولئك أنقل فيما يلي بعض أقوال المنكرين للاحتفال بالمولد وتصريحهم بأن إنكارهم للمولد هو بسبب انه بدعة وليس شركاً:
قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله - في «مجموع فتاوى ومقالات
متنوعة» (2/380):( كتبت منذ أيام مقالاً يتضمن جواب سؤال عن حكم الاحتفال بالمولد، وأوضحت فيه أن الاحتفال بها من البدع المحدثة في الدين.
وقد نشر المقال في الصحف المحلية السعودية وأذيع من الإذاعة.
ثم علمت بعد ذلك أن إذاعة لندن نقلت عني في إذاعتها الصباحية أني أقول بأن الاحتفال بالموالد كفر.
فتعين علي إيضاح الحقيقة للقراء فأقول إن ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية في إذاعتها الصباحية في لندن منذ أيام عني أني أقول بأن الاحتفال بالموالد كفر، كذب لا أساس له من الصحة وكل من يطلع على مقالي يعرف ذلك.
وإني لآسف كثيراً لإذاعة عالمية يحترمها الكثير من الناس ثم تقدم هي أو مراسلوها على الكذب الصريح.
وهذا بلا شك يوجب على القراء التثبت في كل ما تنقله هذه الإذاعة خشية أن يكون كذباً كما جرى في هذا الموضوع... الخ ).
2- قال الشيخ أبو بكر الجزائري - حفظه الله - في «الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف» (1/379 ضمن «رسائل في حكم الاحتفال بالمولد»):( إن مثل هذه البدعة - أي بدعة الاحتفال بالمولد النبوي- لا تكفر فاعلها ولا من يحضرها، ووصم المسلم بالكفر والشرك أمر غير هين).
3- وقال أيضاً في المصدر السابق (1/328 ضمن «رسائل في حكم الاحتفال بالمولد»):( يشاع بين المسلمين أن الذين ينكرون بدعة المولد هم أناس يبغضون الرسول r ولا يحبونه، وهذه جريمة قبيحة كيف تصدر من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ إذ بغض الرسول r أو عدم حبه كفر بواح لا يبقى لصاحبه أية نسبة إلى الإسلام والعياذ بالله تعالى ) اهـ.
4- قال الشيخ علي بن حسن الحلبي - حفظه الله - في تعليقه على «المورد في عمل المولد» للفاكهاني (1/7 ضمن «رسائل في حكم الاحتفال بالمولد»):( يظن بعض الجهلة في زماننا أن الذين لا يجيزون عمل المولد والاحتفال به لا يحبون النبي r، وهذا ظن آثم، ورأي كاسد، إذ المحبة وصدقها تكون في الاتباع الصحيح للنبي r، كما قال تعالى:قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ]آل عمران:31[ ) اهـ.
* * *
الفصل الثاني:
إثبات أن الفاطميين( ) أول من احتفل بالموالد
وهذا الفصل مختصر من «القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل» للعلامة إسماعيل الأنصاري - رحمه الله - (2/451-465 ضمن «رسائل في حكم الاحتفال بالمولد»):
1 - قال تقي الدين المقريزي - رحمه الله - في «المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار» (1/490)؛ تحت عنوان «ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعياداً ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم » :( كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي موسم رأس السنة وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي r، ومولد علي بن أبي طالب ، ومولد الحسن ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه...) اهـ.
2 – وقال أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي في «صبح الأعشى في صناعة الإنشاء» (3/498) في كلام له طويل في جلوسات الخليفة الفاطمي، قال بعد أن ذكر جلوسه في المجلس العام أيام المواكب، وجلوسه ليلة أول رجب وليلة نصفه وليلة أول شعبان وليلة نصفه للقاضي والشهود في ليالي الوقود الأربع من كل سنة قال: (الجلوس الثالث: جلوسه في مولد النبي في الثاني عشر من شهر ربيع الأول ).
3- وقال مفتي الديار المصرية سابقاً الشيخ محمد بن بخيت المطيعي - رحمه الله- في «أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام» (ص44):( مما أحدث وكثر السؤال عنه الموالد، فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله.. الخ).
4 - وقال الشيخ علي محفوظ - رحمه الله - وهو من كبار علماء مصر- في «الإبداع في مضار الابتداع» (ص251):( قيل أول من أحدثها - أي الموالد- بالقاهرة الخلفاء الفاطميون في القرن الرابع، فابتدعوا ستة موالد: المولد النبوي، ومولد الإمام علي ، ومولد السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها، ومولد الحسن والحسين رضي الله عنهما، ومولد الخليفة الحاضر... الخ ).
5 - وقال الدكتوران حسن إبراهيم حسن مدير جامعة أسيوط سابقاً وطه أحمد شرف مفتش المواد الاجتماعية بوزارة التربية والتعليم في كتابهما «المعز لدين الله» (ص284) تحت عنوان «الحفلات والأعياد»:( ان المعز كان يشترك مع رعاياه في الاحتفال بعيد رأس السنة الهجرية، ومولد النبي r، وليلة أول رجب ونصفه، وأول شعبان ونصفه، وموسم غرة رمضان، حتى لا يثير نفوس السنيين! ويقرب مسافة الخلف بين المبادئ السنية والعقائد الشيعية!! وكذلك كان المعز لدين الله يستغل هذه الأعياد التي كان زخر بها عهده في نشر خصائص المذهب الإسماعيلي وعقائده!! لذلك كان يحتفل بيوم عاشوراء ليحيي فيها ذكرى الحسين ، كما كان يحي ذكرى مولد كثير من الأئمة، وذكرى مولد الخليفة القائم بالأمر، وهكذا اتخذ المعز من الاحتفال بهذه الأعياد وسيلة لجذب رعاياه إليه ونشر مبادئ المذهب الإسماعيلي ) اهـ.
من هم العبيديون؟
قال الإمام ابن كثير- رحمه الله - في «البداية والنهاية» (12/267): ( كان الفاطميون أغنى الخلفاء وأكثرهم مالا وكانوا من أغنى الخلفاء وأجبرهم وأظلمهم وأنجس الملوك سيرة وأخبثهم سريرة ظهرت في دولتهم البدع والمنكرات وكثر أهل الفساد وقل عندهم الصالحون من العلماء والعباد وكثر بأرض الشام النصرانية والدرزية والحشيشية ).
وقال الإمام الذهبي - رحمه الله - في «العبر في خبر من عبر» (2/199): (المهديُّ عبيد الله والد الخلفاء الباطنية العبيدية الفاطمية افترى انه من ولد جعفر الصادق وكان بسلمية فبعث دعاته إلى اليمن والمغرب وحاصل الأمر انه استولى على مملكة المغرب وامتدت دولته بضعًا وعشرين سنة ومات في ربيع الأول بالمهدية التي بناها وكان يظهر الرَّفض ويبطن الزندقة).
وقال أيضاً: (سنة اثنتين وأربعمائة فيها أذن فخر الملك أبو غالب الذي وليّ العراق بعد عميد الجيوش بعمل المأتم يوم عاشوراء.
وفيها كتب محضر ببغداد في قدح النسب الذي تدّعيه خلفاء مصر والقدح في عقائدهم وأنهم زنادقة وأنهم منسوبون إلى ديصان بن سعيد الخرَّمي إخوان الكافرين شهادة يتقرَّب بها إلى الله شهدوا جميعًا أن الناجم بمصر وهو منصور بن نزار الملقب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار.
إلى أن قال: فانه لما صار - يعني المهدي - إلى المغرب وتسمى بعبيد الله وتلقّب بالمهدي وهو مع من تقدّمه من سلفه الأنجاس أدعياء خوارج لا نسب لهم في ولد عليّ ولا يعلمون أن أحدًا من الطالبيين توقّف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج إنهم أدعياء وقد كان هذا الإنكار شائعًا بالحرمين وأن هذا الناجم بمصر وسلفه كفّار وفسّاق لمذهب الثَّنويّة والمجوسية معتقدون قد عطّلوا الحدود وأباحوا الفروج وسفكوا الدماء وسبُّوا الأنبياء ولعنوا السَّلف وادّعوا الربوبية ).
وقال السيوطي – رحمه الله – في «تاريخ الخلفاء»: (ص4): (ولم أورد أحدا من الخلفاء العبيديين لأن إمامتهم غير صحيحة لأمور منها أنهم غير قرشيين وإنما سمتهم بالفاطميين جهلة العوام وإلا فجدهم مجوسى قال القاضي عبد الجبار البصرى اسم جد الخلفاء المصريين سعيد كان أبوه يهوديا حدادا نشابة وقال القاضي أبو بكر الباقلاني القداح جد عبيد الله الذي يسمى بالمهدى كان مجوسيا ودخل عبيد الله المغرب وادعى أنه علوى ولم يعرفه أحد من علماء النسب وسماهم جهلة الناس الفاطميين وقال ابن خلكان أكثر أهل العلم لا يصححون نسب المهدى عبيد الله جد خلفاء مصر ).
قال الإمام الشاطبيّ في «الاعتصام» (2/44):( العبيدية الذين ملكوا مصر وأفريقية زعمت أن الاحكام الشرعية إنما هى خاصة بالعوام وأما الخواص منهم فقد ترقوا عن تلك المرتبة فالنساء بإطلاق حلال لهم كما أن جميع ما فى الكون من رطب ويابس حلال لهم أيضا مستدلين على ذلك بخرافات عجائز لا يرضاها ذو عقل ).
( قلت : والأئمة متفقون على ذمهم ، لخبث ملتهم وفشو البدع في عهدهم ، وإنما ذكرت ذلك حتى يعلم المخالفون الذين يحيون الموالد من هو سلفهم في هذا الأمر ، فيرغبون عن هديهم والتشبه بهم ، فإنه من غير المعقول أن تكون هذه الأعياد المحدثة محمودة مندوباً إليها ، فتقصر عنها الأمة كلها طوال القرون الفاضلة، ويسبقهم إليها أولئك الظلمة الضلال )( ) .
الفصل الثالث:
بيان كذب من يزعم أن من ينكر الاحتفال بالمولد بأنه مبغض
للرسول r ومكفر لمن يحضر ذلك الاحتفال
لقد أشاع الكثير ممن يقيمون الاحتفال بالمولد النبوي أن من ينكر هذا الاحتفال إنما هو يكره الرسول r!! وهذا من الكذب الصريح!
كما أشاعوا أن من ينكر ذلك الاحتفال يعتبره شركاً اكبر!
وأن من يحتفل بالمولد يعتبر مشركاً! وهذا أيضاً كذب صريح!!
وإليك أخي القارىء بعض أقوال أولئك المحتفلين حول هذا الأمر وبيان كذبهم في ذلك:
1- قال يوسف الرفاعي في «الرد المحكم المنيع» (ص15- 16) وهو يشير إلى مقال له نشره في جريدة السياسة الكويتية:( وكان عنوان وموضوع مقالي ( الرد على الشيخ عبدالعزيز بن باز ) عندما هاجم الاحتفال بالمولد النبوي واعتبره شركاً وبدعة … الخ).
2- قال راشد المريخي في «إعلام النبيل» (ص17- 18):( وإذا احتفل أحد بليلة مولده r تعظيما له وإقامة لأبهة الإسلام قالوا: هذا مشرك … فنعوذ بالله من ناشئة تكفر الأمة بمدح النبي r أو الاحتفال بمولده ) انتهى باختصار.
ولبيان كذب أولئك أنقل فيما يلي بعض أقوال المنكرين للاحتفال بالمولد وتصريحهم بأن إنكارهم للمولد هو بسبب انه بدعة وليس شركاً:
قال الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله - في «مجموع فتاوى ومقالات
متنوعة» (2/380):( كتبت منذ أيام مقالاً يتضمن جواب سؤال عن حكم الاحتفال بالمولد، وأوضحت فيه أن الاحتفال بها من البدع المحدثة في الدين.
وقد نشر المقال في الصحف المحلية السعودية وأذيع من الإذاعة.
ثم علمت بعد ذلك أن إذاعة لندن نقلت عني في إذاعتها الصباحية أني أقول بأن الاحتفال بالموالد كفر.
فتعين علي إيضاح الحقيقة للقراء فأقول إن ما ذكرته هيئة الإذاعة البريطانية في إذاعتها الصباحية في لندن منذ أيام عني أني أقول بأن الاحتفال بالموالد كفر، كذب لا أساس له من الصحة وكل من يطلع على مقالي يعرف ذلك.
وإني لآسف كثيراً لإذاعة عالمية يحترمها الكثير من الناس ثم تقدم هي أو مراسلوها على الكذب الصريح.
وهذا بلا شك يوجب على القراء التثبت في كل ما تنقله هذه الإذاعة خشية أن يكون كذباً كما جرى في هذا الموضوع... الخ ).
2- قال الشيخ أبو بكر الجزائري - حفظه الله - في «الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف» (1/379 ضمن «رسائل في حكم الاحتفال بالمولد»):( إن مثل هذه البدعة - أي بدعة الاحتفال بالمولد النبوي- لا تكفر فاعلها ولا من يحضرها، ووصم المسلم بالكفر والشرك أمر غير هين).
3- وقال أيضاً في المصدر السابق (1/328 ضمن «رسائل في حكم الاحتفال بالمولد»):( يشاع بين المسلمين أن الذين ينكرون بدعة المولد هم أناس يبغضون الرسول r ولا يحبونه، وهذه جريمة قبيحة كيف تصدر من عبد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ إذ بغض الرسول r أو عدم حبه كفر بواح لا يبقى لصاحبه أية نسبة إلى الإسلام والعياذ بالله تعالى ) اهـ.
4- قال الشيخ علي بن حسن الحلبي - حفظه الله - في تعليقه على «المورد في عمل المولد» للفاكهاني (1/7 ضمن «رسائل في حكم الاحتفال بالمولد»):( يظن بعض الجهلة في زماننا أن الذين لا يجيزون عمل المولد والاحتفال به لا يحبون النبي r، وهذا ظن آثم، ورأي كاسد، إذ المحبة وصدقها تكون في الاتباع الصحيح للنبي r، كما قال تعالى:قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ]آل عمران:31[ ) اهـ.
* * *
الفصل الرابع:
الرد على الشبهات التي اعتمد عليها من قال بمشروعية
الاحتفال بالمولد النبوي
لقد استدل من يرى مشروعية الاحتفال بالمولد النبوي ببعض الشبه؛ وفي هذا الفصل اذكر تلك الشبه مع ردود العلماء عليها.
ولكن قبل ذكر الشبه التي استند إليها من يقول بجواز إقامة الموالد؛ أنقل تنبيه مهم لأهل العلم متعلق باستدلال أهل البدع على بدعهم عموماً، وقد ذكره الشيخ علي الحلبي في «علم أصول البدع» (ص137-145) حيث قال:
( يستدل كثير من الناس بالنصوص العامة لتمشية بدعهم، والتدليل على واقعهم!
وفي هذا خطأ كبير، يناقض قاعدة مهمةً في علم الأصول، سيأتي تقريرها - بعد- إن شاء الله.
فمثلاً: لو أن عدداً من الناس قَدِموا مسجداً للصلاة فيه، فما إن دخلوا؛ حتى اقترح أحدهم عليهم أن يصلوا تحية المسجد جماعة!!
فجابهه بعض أصحابه بالإنكار و الرد!!
فاستدل عليهم المقترِح بحديث: « صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل » !!
فافترقوا رأيين!!
بعضهم وافق على هذا الاستدلال، والبعض الآخر خالف؛ لأن هذا الدليل إنما مورده في غير هذا المقام! فما هو القول الفصل؟
قال الإمام ابن تيمية في «مقدمة في أصول التفسير» (ص8-9):( يجب أن يعلم أن النبي r بين لأصحابه معاني القرآن كما بين لهم ألفاظه، فقوله تعالى:وَأَنْزَل ْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ]النحل:44[ يتناول هذا وهذا، وقد قال أبو عبد الرحمن السلمي حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن - كعثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما - أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي r عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن و العلم جميعاً.
ولهذا كانوا يبقون مدة في حفظ السورة.
وقال أنس: كان الرجل إذا قرأ البقرة وآل عمران جلَّ في أعيننا.
وأقام ابن عمر على حفظ البقرة عدة سنين – قيل ثمان سنين – ذكره مالك.
وذلك أن الله تعالى قال:كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِه ]ص:29[ وقال:أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآن ]النساء:82[ وقال:أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ ]المؤمنون:68[.
وتدبر الكلام بدون فهم معانيه لا يمكن.
وكذلك قال تعالى:إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ]يوسف:2[، وعقل الكلام متضمن لفهمه ومن المعلوم أن كل كلام فالمقصود منه فهم معانيه دون مجرد ألفاظه، فالقرآن أولى بذلك.
وأيضاً فالعادة تمنع أن يقرأ قوم كتاباً في فن من العلم كالطب والحساب ولا يستشرحوه فكيف بكلام الله الذي هو عصمتهم وبه نجاتهم وسعادتهم وقيام دينهم ودنياهم؟ ) اهـ.
وقال الإمام الشاطبي في «الموافقات» (3/72) رداً على من يستدل بالأدلة العامة على خلاف فهم السلف؛ والدعاء إلى العمل به على غير الوجه الذي مضوا عليه في العمل به ماملخصه:( لو كان دليلاً عليه؛ لم يعزب عن فهم الصحابة والتابعين ثم يفهمه هؤلاء، فعمل الأولين كيف كان مصادم لمقتضى هذا المفهوم ومعارِض له، ولو كان ترك العمل.
فما عمل به المتأخرون من هذا القسم مخالف لإجماعِ الأولين، وكل من خالف الإجماع؛ فهو مخطئ، وأمة محمد r لا تجتمع على ضلالةٍ، فما كانوا عليه من فعلٍ أو تركٍ؛ فهو السنة والأمر المعتبر، وهو الهدى، وليس ثم إلاَ صواب أو خطأ فكل من خالف السلف الأولين؛ فهو على خطأ، وهذا كافٍ… ومن هنالك لم يسمع أهل السنة دعوى الرافضة: أن النبي r نص على علي أنه الخليفة بعده؛ لأن عمل كافة الصحابة على خلافه دليل على بطلانه أو عدمِ اعتباره؛ لأن الصحابة لا تجتمع على خطا.
وكثيراً ما تجد أهل البدعِ والضلالة يستدلون بالكتاب والسنة؛ يحملونهما مذاهبهم، ويغبرون بمشتبهاتهما على العامة، ويظَنون أنهم على شيء ).
ثم قال (3/77):( فلهذا كله؛ يجب على كل ناظر في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به؛ فهو أحرى بالصواب، وأقوم في العلم والعمل ).
وقال الإمام الحافظ ابن عبد الهادي - رحمه الله - في «الصارم المنكي في الرد على السبكي» (ص318):( ولا يجوز إحداث تأويل في آيةٍ أو سنةٍ لم يكن على عهد السلف
ولا عرفوه ولا بينوه للأمة؛ فإن هذا يتضمن أنهم جهِلوا الحق في هذا، وضلوا عنه، واهتدى إليه هذا المعترض المستأخر ) اهـ.
وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله - في «الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة»
(2/128مختصره):( إن إحداث القول في تفسير كتاب الله الذي كان السلف والأئمة على خلافه يستلزم أحد أمرين:
إما أن يكون خطأ في نفسه، أو تكون أقوال السلف المخالفة له خطأ ولا يشك عاقل أنه أولى بالغلط والخطأ من قول السلَف ).
إلا عند ساقطٍ رقيعٍ يقول في مثل هذا المقام:( نحن رجال وهم رجال )!!
فمثل هذا المغرور قد سقطَ معه الخطاب، وسد في وجهه الباب!!
والله الهادي إلى نهج الصواب!
قلت - مازال الكلام للشيخ علي الحلبي-: فإذا وضحت هذه القاعدة ظهر لك أي الفريقين أهدى في المثال الذي صدرنا لك الكلام به!
إذ ذاك الدليل العام لم يجرِ عليه عمل السلف أو فهمهم؛ استدلالاً به على الجماعة في غيرِ الوارد؛ كالفرائض أو التراويح ونحوهما.
فهو جرى - إذاً - على جزءٍ من أجزاء عمومه لا على جميع أجزائه.
ومثال آخر تطبيقي سلفي:
روى أبو داود في «سننه» (رقم 538) بسند حسن عن مجاهد؛ قال:( كنت مع ابن عمر، فثوب رجل في الظهرِ أو العصر، فقال: اخرج بنا؛ فإن هذه بدعة )!
و( معنى التثويب: هؤلاء الَذين يقومون على أبواب المساجد، فينادون: الصلاة؛ الصلاة ) كما قال الطرطوشي في «الحوادث والبدع» (ص149).
فلو جاء أحد قائلاً: هل من ضيرٍ على من ذكر بالصلاة والله سبحانه يقول: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ ]الذريات:55[؟! لما قبل قوله، بل رد عليه فهمه، إذ لم يفهم السلف من هذه الآية هذا الإطلاق وهذا العموم، ومعلوم عن ابن عمر رضي الله عنهما شدة اتباعه، ودقة التزامه.
ومثال آخر وهو ما رواه الترمذي، والحاكم وغيرهما عن نافع أن رجلاً عطس إلى جنب ابن عمر رضي الله عنهما، فقال: الحمد لله، والسلام على رسوله قال ابن عمر:
( وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله وليس هكذا علمنا رسول الله r، علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حالٍ ) .
فقد أنكر ابن عمر رضي الله عنهما على هذا الرجل مع أن عموم قولِ الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ]الأحزاب:56[ تدخل فيه تلك الصلاة!
ولكن، ما هكذا فهمها الصحابة فمن بعدهم وما هكذا طبقها السلف الصالح ، وفهمهم أولى، ومرتبتهم أعلى.
ورحم الله الإمام الأوزاعي حيث قال:( اصبر نفسك على السنة، وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا، وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح؛ فإنه يسعك ما وسعهم ).
وعليه؛ نقول:( الحذر الحذر من مخالفة الأولين! فلو كان ثَمَّ فضل ما؛ لكان الأولون أحق به، والله المستعان )) انتهى كلام الشيخ علي الحلبي حفظه الله بتصرف يسير.
فكن أخي القارئ على ذكر لهذا الكلام لان مناقشة الشبهات ستكون في البداية بالإحالة عليه غالباً.
وبعد بيان ما سبق؛ أذكر الشبه التي اعتمد عليها من قال بجواز الاحتفال بالمولد مع ردود أهل العلم عليها بالتفصيل، علماً أني في بعض الشبه أكتفي بنقل الشبهة دون الإحالة على مرجع لانتشار هذه الشبهة أما إذا كان هناك خطأ آخر متعلق بالشبهة فسوف أنقل من ذكر الشبهة وأنقل كلام أهل العلم في الرد على كلامه.
* * *
الشبهة الأولى:قوله تعالى:قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ]يونس:58[.
حيث يفسر بعضهم الرحمة هنا بالرسول r!
الجواب:
أولاً: يفهم الجواب مما سبق (ص13-17).
ثانياً:( قد فسر هذه الآية الكريمة كبار المفسرين، كابن جرير وابن كثير والبغوي و القرطبي وابن العربي وغيرهم، ولم يكن في تفسير واحد منهم أن المقصود بالرحمة في هذه الآية رسول الله r، وإنما المقصود بالفضل والرحمة المفروح بهما ما عنته الآية السابقة لهذه الآية، وهو قوله تعالى:يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ]يونس:57[ ذلك هو القرآن الكريم.
فقد قال ابن كثير في «تفسيره» (2/421):( وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ]يونس:57[ أي: يحصل به الهداية والرحمة من الله تعالى، وإنما ذلك للمؤمنين به، والمصدقين الموقنين بما فيه، كقوله تعالى:وَنُنَزِّ لُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً ]الاسراء:82[ وقوله:قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ ]فصلت:44[ وقوله:قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ]يونس:58[ أي بهذا الذي جاءهم من الله من الهدى ودين الحق، فليفرحوا فإنه أولى ما يفرحون به ) اهـ.
وقال ابن جرير:( يقول تعالى ذكره لنبيه محمد r: قل يا محمد لهؤلاء المكذبين بك، وبما أنزل إليك من عند ربك: بفضل الله؛ أيها الناس الذي تفضل به عليكم وهو الإسلام، فبينه لكم ودعاكم إليه، وبرحمته التي رحمكم بها فأنزلها إليكم، فعلمكم ما لم تكونوا تعلمون من كتابه، فبصركم بها معالم دينكم؛ وذلك القرآن.
فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ يقول: فإن الإسلام الذي دعاهم إليه والقرآن الذي أنزله عليهم، خير مما يجمعون من حطام الدنيا وأموالها وكنوزها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ) اهـ.
وقال القرطبي: قال أبو سعيد الخدري و ابن عباس رضي الله عنهما:( قل فضل الله القرآن، ورحمته الإسلام )، وعنهما أيضا:( فضل الله القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله ).
وعن الحسن والضحاك ومجاهد وقتادة:( فضل الله الإيمان ورحمته القرآن ) على العكس من القول الأول ) اهـ )( ).
وقد قال ابن القيم - رحمه الله - في «اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة
والجهمية» (ص38) في تفسير قوله تعالى: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا: ( وقد دارت أقوال السلف على أن فضل الله ورحمته - أي في هذه الآية - الإسلام والسنة ) اهـ.
ثالثاً:( إن الرحمة للناس لم تكن بولادة النبي r، وإنما كانت ببعثه وإرساله إليهم، وعلى هذا تدل النصوص من الكتاب والسنة.
أما الكتاب فقول الله تعالى:وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ]الانبياء:107[ فنص على أن الرحمة للعالمين إنما كانت في إرساله r، ولم يتعرض لذكر ولادته.
وأما السنة ففي «صحيح مسلم» عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله ادع علَى المشركين. قال: « إني لم أبعث لعاناً.وإنما بعثت رحمة ».
وروى الإمام أحمد وأبو داود بإسناد حسن عن سلمان أن رسول الله r خطب فقال: « أيما رجل من أمتي سببته سبة أو لعنته لعنة في غضبي فإنما أنا من ولد آدم أغضب كما يغضبون وإنما بعثني رحمة للعالمين فاجعلها عليهم صلاة يوم القيامة »)( ).
* * *
الشبهة الثانية: قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ]الأحزاب: 56[.
ويقولون ان المولد يحث على الصلاة على الرسول r.
الجواب:
أولاً: يفهم الجواب مما سبق (ص13-17).
ثانياً:( يستحب الإكثار من الصلاة على النبي r في كل وقت لما رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: « من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا.. » وقد حث النبي r على الإكثار من الصلاة عليه في أوقات معينه كيوم الجمعة وبعد الأذان وعند ذكره r إلى غير تلك الأوقات ومع ذلك لم يأمر أو يحث على الصلاة عليه في ليلة مولده فيعمل بما أمر به رسول الله r، ويرد ما لم يأمر به لأن النبي r قال:« من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد »)( ).
الشبهة الثالثة: يقولون ان الله كرم بعض الأماكن المرتبطة بالأنبياء مثل مقام إبراهيم r حيث قال الله تعالى:وَاتَّخِذ ُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً ]البقرة:125[ وهذا فيه حث على الاهتمام بكل ما يتعلق بالأنبياء ومنها الاهتمام بيوم مولد النبي r.
الجواب:
أولاً: يفهم الجواب عن هذا الاستدلال مما سبق (ص13-17).
ثانياً:( أن العبادات مبناها على التوقيف والإتباع لا على الرأي والابتداع. فما عظمه الله ورسوله r من زمان أو مكان فانه يستحق التعظيم وما لا فلا.
والله تبارك وتعالى قد أمر عباده أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى و لم يأمرهم أن يتخذوا يوم مولد النبي r عيداً ويبتدعوا فيه بدعاً لم يؤمروا بها )( ).
وقد صح عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما أنه كان يستلم أركان الكعبة الأربعة فقال له ابن عباس رضي الله عنهما:( إنه لا يستلم هذان الركنان ).
فقال معاوية :( ليس شيءٌ من البيت مهجوراً ) رواه البخاري ومسلم والترمذي وأحمد.
وزاد أحمد:( فقال ابن عباس رضي الله عنهما: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ]الأحزاب:21[ فقال معاوية :(صدقت ).
* * *
الشبهة الرابعة: أن النبي r كان يصوم يوم الاثنين فلما سئل عن ذلك قال:« ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه » واه أحمد ومسلم وأبو داود.
استدل به محمد المالكي في «حول الاحتفال بالمولد» (ص10).
حيث قال:( أنه r كان يعظّم يوم مولده، ويشكر الله تعالى فيه على نعمته الكبرى عليه، وتفضله عليه بالوجود لهذا الوجود، إذ سعد به كل موجود، وكان يعبر عن ذلك التعظيم بالصيام كما جاء في الحديث عن أبي قتادة:( أن النبي r سئل عن صوم يوم الاثنين فقال:« ذلك يوم ولدت فيه وأنزل علي فيه ») رواه الإمام مسلم في «الصحيح» في كتاب الصيام.
وهذا في معنى الاحتفال به إلا أن الصورة مختلفة ولكن المعنى موجود سواء كان ذلك بصيام أو إطعام طعام أو اجتماع على ذكر أو صلاة على النبي r أو سماع شمائله الشريفة ) انتهى.
الجواب:
أولاً: يفهم الجواب عن هذا الاستدلال مما سبق (ص13-17).
ثانياً:( إذا كان المراد من إقامة المولد هو شكر الله تعالى على نعمة ولادة الرسول r فيه فإن المعقول والمنقول يحتم أن يكون الشكر من نوع ما شكر الرسول r ربه وهو الصوم؛ لأن الرسول r لا يختار إلا ما هو أفضل، وعليه فلنصم كما صام، وإذا سئلنا قلنا: إنه يوم ولد فيه نبينا فنحن نصومه شكرا لله تعالى.
ثالثا: أن الرسول r لم يصم يوم ولادته وهو اليوم الثاني عشر من ربيع الأول إن صح أنه ذلك، وإنما صام يوم الاثنين الذي يتكرر مجيئه في كل شهر.
رابعـاً: هل النبي r لما صام يوم الاثنين شكراً على نعمة الإيجاد والإمداد وهو
تكريمه ببعثته إلى الناس كافة بشيراً ونذيراً أضاف إلى الصيام احتفالاً كاحتفال أرباب
الموالد من تجمعات ومدائح؟
والجواب: لا، وإنما اكتفى بالصيام فقط إذاً ألا يكفي الأمة ما كفى نبيها، ويسعها
ما وسعه؟ وهل يقدر عاقل أن يقول: لا؟
وإذاً فلم ألافتيات على الشارع والتقدم بالزيادة عليه، والله يقول: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ]الحشر:7[ ويقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ]الحجرات:1[ ورسوله r يقول:« إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالَة »)( ).
وحال من قال بجواز إقامة المولد زيادة على صيام يوم الاثنين الثابت في السنة يشبه حال من صلى سنة المغرب مثلاً ثلاث أو أربع ركعات بحجة أنه أتى بالركعتين التي ثبتت بالسنة ثم أضاف إليها ركعتين زيادة في الخير!!.
خامساً:( أن النبي r لم يكن يخص اليوم الثاني عشر من ربيع الأول إن صح أن ذلك هو يوم مولده بالصيام ولا بشيء من الأعمال دون سائر الأيام ولو كان يعظم يوم مولده، كما يزعمون لكان يتخذ ذلك اليوم عيداً في كل سنة، أو كان يخصه بالصيام أو بشيء من الأعمال دون سائر الأيام.
وفي عدم تخصيصه بشيء من الأعمال دون سائر الأيام دليل على أنه لم يكن يفضله
على غيره وقد قال تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو
اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ]الأحزاب:21[ )( ).
سادساً:( أما قول المالكي عن صيام الرسول r يوم الاثنين:( وهذا في معنى الاحتفال به، إلا أن الصورة مختلفة، ولكن المعنى موجود ) فالجواب عنه يفهم من الجواب عن السؤال التالي:
هل يجوز لنا أن نقول: أن مشروعية الصلاة في الأوقات الخمسة تعني مشروعية
الصلاة في الجملة، وأنه يجوز لنا أن نحدث وقتا أو وقتين زيادة على الصلوات الخمس
المكتوبة؟
وأنه يجوز لنا أن نقول: أن مشروعية صيام رمضان، تعني مشروعية الصيام في الجملة!
وأنه يجوز لنا أن نحدث صيام شهر آخر غير رمضان على سبيل الوجوب؟
هل يجوز لنا أن نقول: أن مشروعية الحج في زمان مخصوص، تعني مشروعيته في الجملة، وأنه يجوز لنا أن نقول: بتوسعة وقت الحج طوال العام كالعمرة تخفيفا على الأمة وتوسعة عليها؟
إننا حينما نقول بذلك لا نقول بأن الصورة مختلفة، بل الصلاة هي الصلاة، والصوم هو الصوم، والحج هو الحج، إلا أن الجديد في ذلك الزيادة على المشروع فقط.
يلزم المالكي أن يقول: بجواز ذلك كما قال: بأن صيام رسول الله r يوم مولده، يدل على جواز إقامة الاحتفال بذكرى المولد )( ).
* * *
الشبهة الخامسة: ما ثبت في «الصحيحين» أن النبي r لما قدم المدينة رأى اليهود تصوم عاشوراء فقال: « ما هذا؟ » قالوا:( يوم صالح نجى الله فيه موسى وبني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى ) فقال: « أنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه ».
ورد الاستدلال بهذا الحديث في جواب للحافظ ابن حجر العسقلاني عن سؤال وجه إليه عن عمل المولد حسبما ذكره السيوطي في «حسن المقصد في عمل المولد» ضمن «الحاوي للفتاوى» (1/196) حيث جاء فيه:( أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عنأحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ولكنها مع ذلك قد اشتملت على محاسن وضدها فمن تحرى في عملها المحاسن وتجنب ضدها كان بدعة حسنة وإلا فلا.
وقد ظهر لي تخريجها على أصل ثابت وهو ما ثبت في «الصحيحين» ( ثم ذكر الحديث ) فيستفاد منه فعل الشكر لله على ما من به في يوم معين من إسداء نعمة أو دفع نقمة ويعاد ذلك في نظير ذلك اليوم من كل سنة والشكر لله يحصل بأنواع العبادة كالسجود والصيام والصدقة والتلاوة. وأي نعمة أعظم من النعمة ببروز هذا النبي نبي الرحمة في ذلك اليوم وعلى هذا فينبغي أن يتحرى اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى في يوم عاشوراء.
ومن لم يلاحظ ذلك لا يبالي بعمل المولد في أي يوم من الشهر بل توسع قوم فنقلوه إلى يوم من السنة وفيه ما فيه… إلى آخر كلامه ).
وقد نقل محمد بن علوي المالكي كلام الإمام ابن حجر مختصراً في «البيان والتعريف» (ص10-11) وقال في رسالته «حول الاحتفال بالمولد» (ص11-12):( أن النبي rكان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية العظمى التي مضت وانقضت فإذا جاء الزمان الذي وقعت فيه كان فرصة لتذكّرها وتعظيم يومها، لأجلها
ولأنه ظرف لها.
وقد أصّل r هذه القاعدة بنفسه كما صرح في الحديث ( ثم ذكر حديث صيام يوم عاشوراء )) اهـ.
الجواب:
أولاً: يفهم مما سبق (ص13-17).
ثانياً:( أن المحاسن التي وردت في فتوى الحافظ أن من تحراها في عمل المولد وتجنب ضدها كان عمل المولد بدعة حسنة لا تعد هي بنفسها من البدع وإنما البدعة فيها جعل ذلك الاجتماع المخصوص بالهيئة المخصوصة في الوقت المخصوص واعتبار ذلك العمل من قبيل شعائر الإسلام التي لا تثبت إلا بنص من كتاب أو سنة بحيث يظن العوام الجاهلون بالسنن أن عمل المولد من أعمال القرب المطلوبة شرعا!.
وعمل المولد بهذه القيود بدعة سيئة وجناية على دين الله وزيادة فيه تعد من شرع
ما لم يأذن به الله ومن الافتراء على الله والقول في دينه بغير علم.
ثم أن حديث صوم يوم عاشوراء لنجاة موسى عليه السلام فيه وإغراق فرعون فيه ليس فيه سوى أن النبي rصامه وأمر بصومه دون زيادة على ذلك )( ).
ثالثاً: أن الشرط الذي أشترطه الحافظ ابن حجر للاحتفال بالمولد النبوي وهو تحري ذلك اليوم بعينه حتى يطابق قصة موسى عليه السلام لا يلتزمه كثير ممن تبعوه في الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية الاحتفال بالمولد فقد قال محمد بن علوي المالكي في «حول الاحتفال بالمولد» (ص6):( أننا لا نقول بسنية الاحتفال بالمولد المذكور في ليلة مخصوصة بل من اعتقد ذلك فقد ابتدع في الدين، لأن ذكره r والتعلق به يجب أن يكون في كل حين، ويجب أن تمتلئ به النفوس … الخ ).
وعلى كلامه فإن الإمام ابن حجر العسقلاني يكون قد وقع في الابتداع في الدين فإنه خصص الاحتفال بيوم واحد في العام كما هو واضح في كلامه السابق!.
رابعاً:( أن الرسول r قد صام يوم عاشوراء وحث على صيامه فكان صيامه سنة وسكت عن يوم ولادته الذي هو الثاني عشر من ربيع الأول كما يقول به اكثر المحتفلين فلم يشرع فيه شيئاً فوجب أن نسكت كذلك، ولا نحاول أن نشرع فيه صياماً ولا قياماً فضلاً عن احتفالاً )( ).
ثم أقول للمالكي حيث أجاز الاحتفال بالمولد في أي يوم:
هل يجوز أن نصوم أو نعمل أي عمل صالح في أي يوم غير يوم عاشورا شكراً لله لأنه نجى موسى عليه السلام وقومه من فرعون؟! وما هو ثواب ذلك ؟!.
وأما بالنسبة لقول المالكي:( إن النبي rكان يلاحظ ارتباط الزمان بالحوادث الدينية العظمى التي مضت وانقضت فإذا جاء الزمان الذي وقعت فيه كان فرصة لتذكرها وتعظيم يومها لاجلها ولأنه ظرف لها)؛ فقد أجاب عنه الشيخ التويجري رحمه الله في «الرد القوي» (1/133-134ضمن «رسائل في حكم الاحتفال بالمولد») بقوله:( ان من أعظم الأمور التي وقعت في زمن النبي r، مجيء الملك إليه بالنبوة وهو في غار حراء وتعليمه أول سورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ]العلق:1[.
ومن أعظم الأمور أيضاً الإسراء به إلى بيت المقدس والعروج به إلى السموات السبع وما فوقها وتكليم الرب تبارك وتعالى له وفرضه الصلوات الخمس، ومن أعظم الأمور أيضاً هجرته r إلى المدينة، ومن أعظم الأمور أيضاً وقعة بدر وفتح مكة، ولم يرد عنه r أنه كان يعمل الاجتماع لتذكر شيء من هذه الأمور العظيمة وتعظيم أيامها.
ولو كانت قاعدة ابن علوي التي توهمها وابتكرها صحيحة لكان النبي r يهتم بأوقات هذه الأمور العظيمة ويعقد الاجتماعات لتذكرها وتعظيم أيامها.
وفي تركه r ذلك أبلغ رد على مزاعم ابن علوي وغيره وتقولهم على النبي r) انتهى بتصرف واختصار.
* * *