أحفاد ابن العلقمي.. والصيد في الماء العكر
بقلم/ أحمد زكريا
لا أدري لماذا تذكرت ابن العلقمي.. عندما قرأت مقال شيخنا فضيلة الدكتور/ ناجح – حفظه الله – "فرح ابن العمدة.. ومشروع مقترح لمنع الفتنة الطائفية".
هذا المقال الماتع الذي يحمل دستورا ًومنهجا ً إسلاميا ً لحل مشكلة مصر كلها.. ولا أقول مشكلة الشراكة الوطنية.
لقد ارتسمت أمام عيني سيرة هذا الوزير الخائن وأنا أقرأ عبارة شيخنا:
" لقد كشفت حادثة تفجير الكنيسة بالإسكندرية عن قدر هائل من محاولة استغلال الحادث للتشفي من كل ما هو إسلامي.. وكأن هناك ثأرا ً بينهم وبين كل ما هو إسلامي.. وهذا الثأر لم يدركوه منذ فترة.. فجاءت حادثة تفجير الكنيسة بمثابة المبرر لإنفاذ هذا الثأر".
فابن العلقمي اسم تفوح منه رائحة الخيانة والغدر.. اسم ارتبط بجريمة من أفظع الجرائم.. وكارثة من أخطر الكوارث.. وهي سقوط بغداد حاضرة الخلافة الإسلامية في أيدي التتار.. فهو اسم خائن متربص بالشريعة.. لا يخلو منه عصر من عصور هذه الأمة الإسلامية.
هو أبو طالب محمد بن أحمد بن علي.. مؤيَّد الدين الأسدي البغدادي الرافضي المعروف "بابن العلقمي" (593-656هـ - 1197-1258م).. وقال عنه الزركلي:
" وزير المستعصم العباسي .. وصاحب الجريمة النكراء في ممالاة هولاكو على غزو بغداد.. اشتغل في صباه بالأدب.. ووثق به المستعصم فألقى إليه زمام أموره.. وكان حازمًا خبيرًا بسياسة الملك.. كاتبًا فصيح الإنشاء" (الأعلام، الزركلي، (4/248).
وهكذا مع توالي الأزمات يظهر ألف ابن علقمي.. يريد أن يصطاد في الماء العكر ويستغل أزمة الوطن لتحقيق مآربه وأجندته الخاصة .. وهؤلاء لا يستحون من الأكل على كل الموائد.. بل يتحالف أحدهم مع الشيطان لتحقيق غرضه الدنيء.
ليس غريبا أن يستقوي على وطنه ودينه بأعداء الوطن والدين.. فقد فعلها قديما ابن العلقمي وقد اختير للوزارة.. وذلك سنة 642هـ.
وقد أورد ابن كثير ذلك في كتابه قائلا ً:
" استوزر الخليفة المستعصم بالله مؤيد الدين أبا طالب محمد بن أحمد بن علي بن محمد العلقمي المشؤوم على نفسه وعلى أهل بغداد.. الذي لم يعصم المستعصم في وزارته.. فإنه لم يكن وزير صدق ولا مرضي الطريقة، فإنه هو الذي أعان على المسلمين في قضية هولاكو وجنوده قبَّحه الله وإياهم" البداية والنهاية.. ابن كثير، (13/192).
وكان داهية استطاع أن يستغل صفات الضعف في الخليفة لينفث سمومه وينفذ مخططاته.. يقول الذهبي:
" فأقاموا المستعصم.. ثم ركن إلى وزيره ابن العلقمي.. فأهلك الحرث والنسل.. وحسَّن له جمع الأموال، والاقتصار على بعض العساكر، وقطع الأكثر، فوافقه على ذلك .. وابن العلقمي يلعب به كيف أراد، ولا يطلعه على الأخبار، وإذا جاءته نصيحة في السر أطلع عليها ابن العلقمي.. ليقضى الله أمراً كان مفعولاً" تاريخ الإسلام، الذهبي (11/177).
ولا عجب إن حاول أحفاد ابن العلقمي أن يفتتوا الوطن إلى دويلات.. ويستعينون لتحقيق ذلك بالأمريكان واليهود.. أو يدعون لإلغاء الدين من الحياة عموما.. ومن المناهج الدراسية ومن الدستور الذي ينص على إسلامية الدولة وعروبتها.
حتى يصرح المتبجحون بأنهم يريدونها علمانية لا دينية.. فليسقط الإسلام وكذبوا وخابوا وخسروا.. فسيسقطون هم ويبقى الإسلام.
فعلها قبلهم إمامهم ابن العلقمي.. فانظر إلى قبيح فعله هو وأتباعه في كل زمان ومكان .
خطته لإسقاط الخلافة
وقد كرَّس ابن العلقمي حياته للقضاء على الخلافة العباسية.. ومحاربة أهل السنة أينما حلَّوا أو ارتحلوا.. بل وحرب الإسلام نفسه بغية القضاء عليه.
وقام لتحقيق أهدافه بعمل الآتي:
1- إضعاف الجيش:
حيث قطع من أرزاق العسكر وسعى في تقليل النفقات على الجهاد.. وهذا ما يؤكده ابن كثير بقوله:
"وكان الوزير ابن العلقمي يجتهد في صرف الجيوش.. وإسقاط اسمهم من الديوان.. فكانت العساكر في آخر أيام المستنصر قريبًا من مائة ألف مقاتل.. فلم يزل يجتهد في تقليلهم إلى أن لم يبق سوى عشرة آلاف" البداية والنهاية، ابن كثير، (13/235).
2- استقوائه بالعدو الأجنبي والتخابر معه:
وهذه يقوم بها باقتدار الآن أحفاد ابن العلقمي.. بل فاقوه خسة ونذالة وتعريضا ً لمقدرات الأوطان للضياع.
حيث كاتب ذلك الوزير التتار.. ليعرض عليهم معونتهم في اقتحام بغداد وإسقاطها.. وأمدَّهم بما يحتاجونه من المعلومات.
ويحكي ابن كثير عن ذلك قائلا ً:
" ثم كاتب التتار.. وأطمعهم في أخذ البلاد.. وسهَّل عليهم ذلك.. وحكى لهم حقيقة الحال.. وكشف لهم ضعف الرجال" البداية والنهاية، ابن كثير، (13/235).
3- النهي عن قتال التتار.. وتثبيط الخليفة والرعية:
ثم ضم إلى العقد غير الفريد لخياناته حلقة ثالثة.. حيث بدأ في تثبيط همة الخليفة في جهاد التتار.. والتخذيل في جماعة المسلمين.
ويؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على هذه الحقيقة.. حين قال عن ابن العلقمي:
" وكان وزير الخليفة ببغداد الذي يقال له ابن العلقمي منهم ـ أي من الرافضة ـ فلم يزل يمكر بالخليفة والمسلمين ويسعى في قطع أرزاق عسكر المسلمين وضعفهم .. وينهى العامة عن قتالهم أي التتار .. ويكيد أنواعًا من الكيد" منهاج السنة النبوية، ابن تيمية، (5/155).
ولم يكتفِ بالتأثير على العامة.. بل راح يثبط من عزيمة الخليفة في جهاد التتار.. ويقاوم كل من أشار عليه بالثبات في وجههم.
وفي ذلك يحكي ابن كثير في كتابه البداية والنهاية قائلا ً:
" وأوهم .. أي ابن العلقمي.. الخليفة وحاشيته أن ملك التتار يريد مصالحتهم.. وأشار على الخليفة بالخروج إليه.. والمثول بين يديه لتقع المصالحة على أن يكون نصف خراج العراق لهم.. ونصفه للخليفة.. فخرج الخليفة إليه في سبعمائة راكب من القضاة والفقهاء والأمراء والأعيان" البداية والنهاية، ابن كثير، (13/201).
وأشار على الخليفة بالخروج إلى هولاكو.. قائلا ً:
" فليجب مولانا إلى هذا.. فإن فيه حقن دماء المسلمين" تاريخ الخلفاء، السيوطي، (1/403).
وتمَّ بهذه الحيلة قتل الخليفة ومن معه من قواد الأمة وطلائعها بدون أي جهد من التتر.
وقد أشار أولئك الملأ من الرافضة وغيرهم من المنافقين على هولاكو أن لا يصالح الخليفة.
وقال الوزير ابن العلقمي:
" متى وقع الصلح على المناصفة لا يستمر هذا إلا عامًا أو عامين.. ثم يعود الأمر إلى ما كان عليه قبل ذلك.. وحسنُّوا له قتل الخليفة" البداية والنهاية، ابن كثير، (13/201).
أفيقوا يا أمة الإسلام
انظروا إلى من ضيع بغداد قديما؟
ومن ضيعها حديثا؟
من قسم السودان؟
من تمالأ على أفغانستان؟
من زرع الفتنة في مصر؟
من تاجر بملف فلسطين ؟
هو هو من دمر بغداد.. وأسقط الخلافة وتسبب في قتل مليونين من المسلمين ودمر مكتبة بغداد العظيمة.. وهي أعظم مكتبة على وجه الأرض في ذلك الزمن.. وهي الدار التي كانت تحوي عصارة فكر المسلمين في أكثر من ستمائة عام.. وجمعت فيها كل العلوم والآداب والفنون.
" لقد ألقى التتار بمجهود القرون الماضية في نهر دجلة حتى تحول لون مياه نهر دجلة إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب.. وحتى قيل إن الفارس التتري كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى ضفة أخرى" محنة الإسلام الكبرى د/ مصطفى طه ص(177-178).
وبعد ذلك خرج الجيش التتري بكامله من بغداد.. لكيلا يصاب بالطاعون نتيجة الجثث المنتشرة في كل مكان.. ويكفي في التعبير عن بشاعة ذلك العدوان ما قاله الواعظ محمد بن عبيد الله الكوفي.
وقد شاهد تلك المأساة :
إن ترد عبرة فتلك بنو العبـــاس حلت عليهم الآفات
استبيح الحريم إذ قتل الأحـــياء منهم وأحرق الأموات
الصغار والذل ينتظر الخائنين
ولم يتوقف منصبه الجديد عند حد كونه حاكمًا صوريًّا.. بل إن الأمر تزايد بعد ذلك ووصل إلى الإهانة المباشرة للحاكم الجديد مؤيد الدين العلقمي.. ولم تكن الإهانة تأتي من قبل هولاكو.. بل كانت تأتي من صغار الجند في جيش التتار.. وذلك لتحطيم نفسيته.. فلا يشعر بقوته ويظل تابعًا للتتر.
ويروي السبكي رحمه الله طرفًا من تلك الإهانات.. فيقول:
" وأما الوزير ـ أي ابن العلقمي ـ فأنه لم يحصل على ما أمَّل وصار عندهم أخس من الذُباب.. وندم حيث لا ينفعه الندم.. ويحكي أنه طُلِب منه يومًا شعير فركب الفرس بنفسه ومضى ليُحصِّله لهم.. وهذا يشتمه وهذا يأخذه بيده.. وهذا يصفعه بعد أن كانت السلاطين تأتي فتُقبِّل عتبة داره.. والعساكر تمشي في خدمته حيث سار من ليله ونهاره".
وإذا بامرأة تراه من طاقٍ.. فقالت له:
"يا ابن العلقمي.. هكذا كنت تركب في أيام أمير المؤمنين.. فخجل وسكت وقد مات غَبنًا بعد أشهر يسيرة.. ومضى إلى دار مقبره ووجد ما عمل حاضرًا" طبقات الشافعية الكبرى، السبكي، (8/159).
ومات بعد شهور قليلة جدًّا من نفس السنة التي دخل فيها التتار بغداد سنة 656هـ - 1258م.. ولم يستمتع بحكم ولا ملك ولا خيانة.. وليكون عِبْرة بعد ذلك لكل خائن.
وهذا موعدكم أيها المتصيدون في الماء العكر.

الأربعاء الموافق

14-2-1432هـ