بارك الله فيك أبا البركات. أحسنت.
بارك الله فيك أبا البركات. أحسنت.
أحسنت .. جزاك الله خيرًا.
مثال لمعارضة ظني النقل للدليل العقلي القطعي:
لدينا قطعي عقلي وهو أن الله عز وجل لا يمكن أن يمرض أو يموت سبحانه وتعالى، لكن قد يعارضه أخذ بعض الناس بظاهر حديث (عبدي مرضت فلم تعدني).
ففي الحديث إثبات إضافة المرض لله سبحانه و تعالى، وهو معارض بالدليل العقلي القاطع وهو أنه يستحيل أن يمرض الخالق جل شأنه، فوجب على الواقف على الحديث أن يرد هذا المعنى المحتمل في ظاهر اللفظ بدلالة العقل القطعية إلى معنى صحيح.
لأننا لوقلنا أن هذا النقل يسلم على ظاهره ويثبت منه صفة المرض لله فهذا يعارض إثبات كون الله يستحيل عليه النقص .
أليست الأحاديث ظنية الثبوت ؟
الأخ الفاضل أسامة،
هل الأحاديث الضعيفة فقط هي ظنية الثبوت ؟
بارك الله فيكم.
الأحاديث من ناحية الثبوت على درجات: ثابت (صحيح وحسن) وظني الثبوت (ضعيف) ولا يثبت (موضوع).
والثبوت على درجات. فهناك المتفق عليه وهو أعلى درجات الثبوت، ومثله الصحيح المتواتر.
وظني الثبوت على درجات. فمنه الصالح للمتابعات والشواهد، ومنه ما دون ذلك.
والذي لا يثبت بأي حال.. هو الذي عرف وضعه.
وجميع ذلك بميزان علم الحديث وبالأخص علم العلل.
هل يعني كلامك أن كل الأحاديث الصحيحة والحسنة قطعية الثبوت ؟
لم أفهم حقيقة
الحمد لله وحده...
حفظ الله أخي الكريم ووفقه..
وفي كلامه نظر ظاهر.
أما قطعي الثبوت عندهم فهو المتواتر إجماعًا.
ثم حصل بينهم الخلاف في الحديث الصحيح غير المتواتر وهو ما اصطلحوا على تسميته آحادًا.
فمن قائل إنه يفيد العلم بثبوته عن منتهاه كالمتواتر، غير أن المتواتر حاصل بالضرورة والآحاد حاصل بالنظر.
ومن قائل إنه لا يفيد علمًا مطلقًا، بل هو مفيد للظن الراجح عن قائله دائمًا، فهو ظني الثبوت عندهم لنسبةٍ من احتمال الخطإ على الرواة.
وطائفة ثالثة من المحققين منهم على أنه مفيد للعلم متى احتفت به قرائن ترفعه من حطة الظن، فالأصل أنه مفيد للظن عندهم إلا بقرينة تفيد العلم بثبوته عن منتهاه لا الظن حسب.
وبدهي أن العلم الحاصل حينئذ نظري لا ضروري كالمتواتر.
فالحديث إذا صح على رسم أهل الحديث ليس مفيدًا للعلم ضربة لازب.
وأما الضعيف غير شديد الضعف عندهم فليس ظني الثبوت، بل متوهم الثبوت، فإن اشتد ضعفه أو حكم بوضعه كان أحط من ذلك.
هذا والله أعلم.
===
وبخصوص المسألة المطروحة فقد حصل الخلط - فيما يظهر لي - بين المظنون ثبوتًا والمظنون دلالة، فليحرر.
====
لقائل أن يقول، التعارض (في نفس الأمر) بين القطعي والظني الصحيحين محال أصلا!
والذي غلب على الظن صدقه من أخبار الرسول على وَفق قانون أهل الحديث؛ لا يمكن أن يتعارض مع ما قطع العقل بصدقه.
وهذا هو ما أفهمه من كلام شيخ الإسلام المنقول عن «جواب الاعتراضات» إذ قال:
(فإن قيل: هذا بشرط أن لا يُعلم بالعقل ولا بالشرع انتفاء مضمونه.
قلنا: نعم, لابد من هذا الشرط, وإلا فما قطعنا باستحالة مضمونه يستحيل أن يغلب على ظننا صدقه؛ فإن هذا جمع بين نقيضين) اهـ كما نقل فوق.
وعليه؛ فقولهم: (بشرط ألا يُعلم بالعقل...) إلخ أقرب إلى كونه صفة كاشفة لا قيدًا ولا شرطًا.
تأمل قول شيخ الإسلام: (ما قطعنا باستحالة مضمونه يستحيل أن يغلب...) إلخ.
فالمعنى واضح:
ما غلب على الظن صدقه (من المنقول) = يستحيل أن يقطع العقل [السليم] باستحالة مضمونه.
وهذا النص يصلح - كغيره - متمسكًا لقول من قال: يستحيل التعارض بين صريح العقل ومظنون الشرع في نفس الأمر.
أما توهم أو ظن التعارض فنعم.
====
للنقاش:
القاعدة المذكورة ينبغي تأملها لا على افتراض صدق طرفيها في نفس الأمر، فإن صدق التعارض في نفس الأمر لا يقع كما سبق.
فيمكن أن يقال:
1- العقل السليم الصريح لا يتعارض مع النقل الصحيح وإن كان مظنون الثبوت في نفس الأمر.
2- إذا توهم التعارض بين العقل السليم الصريح، مع النقل الصحيح المظنون ثبوته، قُدِّم العقل الصريح السليم.
لا تكذيبًا للنقل المظنون، ولا ردًّا له مع غلبة الظن بثبوته كما يفعله بعضهم!
ولكن لعدم معرفة معناه المراد شرعًا على وجه يوافق المقطوع به عقلا بطريقة عقلية لا يخرمها فساد.
أي: كل هذا مع افتراض سلامة الاستدلال العقلي الصحيح من كل معارض وخلوه من كل خطإ = القطع بصحته في نفس الأمر دون كون متعارضًا مع النص المظنون ثبوته في نفس الأمر، بل من جهة نظر الناظر.
وكل ما عسى أن يورد من أمثلة على هذه القاعدة لا يمكن أن يخرج عن ذلك إن شاء الله.
أما النفور من الأدلة العقلية السليمة جملة فخطأ وتفريط وأحد طرفي نقيض كما قال شيخ الإسلام:
(وإنما جماع الشر: تفريطٌ في حق أو تعدّ إلى باطلٍ، وهو تقصيرٌ في السنّةِ، أو دخولٌ في البدعةِ، كترك بعض المأمور وفعل بعض المحظور.
أو: تكذيبٌ بحقٍّ وتصديقٌ بباطلٍ.
ولهذا عامةُ ما يؤتى الناس من هذين الوجهين؛ فالمنتسبون إلى أهل الحديث والسنة والجماعة يحصل من بعضهم كما ذكرتُ تفريطٌ في معرفة النصوص، أو فهمِ معناها، أو القيام بما تستحقه من الحجةِ ودفع معارضها؛ فهذا عجز وتفريط في الحق.
وقد يحصل منهم دخولٌ في باطلٍ، إما في بدعةٍ ابتدعها أهل البدع وافقوهم عليها واحتاجوا إلى إثبات لوزامها، وإما في بدعة ابتدعوها هم لظنهم أنها من تمام السنة، كما أصاب الناس في مسألة كلام الله وغير ذلك من صفاته.
ومن ذلك: أن أحدَهم يحتجُّ بكلِّ ما يجدُه من الأدلةِ السمعيةِ وإنْ كان ضعيفَ المتنِ والدَّلالةِ، ويدَعُ ما هو أقوى وأَبينَ؛ من الأدلّة العقليةِ، إمّا لعَدَمِ عِلمه بها، وإمّا لنفورِه عنها، وإمّا لغير ذلك) اهـ، الصفدية (ص292- أضواء السلف).
وقال أيضًا رحمه الله:
«... ولهذا انتصر هؤلاء بمن وافقهم على نفي علو الله على خلقه ونفي الصفات الخبرية وغير ذلك مما يخالف الكتاب والسنة مما دخل فيه من دخل من أهل الكلام الأشعرية وغيرهم.
كما ينتصر أولئك الملاحدة بالشيعة وكان مما سلط هؤلاء جميعًا على النفي: قصور المنتسبين إلى السنة وتقصيرهم، تارة بأن لا يعرفوا معاني نصوص الكتاب والسنة، وتارة بأن لا يعرفوا النصوص الصحيحة من غيرها وتارة لا يردون ما يناقضها ويعارضها مما يسميه المعارضون لها العقليات.
ومعلوم أن العلم إنما يتم بصحة مقدماته والجواب عن معارضاته ليحصل وجود المقتضي وزوال المانع.
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: معرفة الحديث والفقه فيه؛ أحب إلي من حفظه.
وكثير من المنتسبين إلى السنة المصنفين فيها لا يعرفون الحديث ولا يفقهون معناه ...» في كلام نفيس، فليتأمل.
هذا؛ والله وحده أعلم.
الأخت الفاضلة.
جميع ما صح عليه الوصف بالصحة (الصحيح والحسن) فإنه قطعي الثبوت -في نفسه أو لقرائن- ويوجب العلم والعمل.
بارك الله فيك.أما قطعي الثبوت عندهم فهو المتواتر إجماعًا.
في هذا الاضمار نكتة. ولسنا منهم، ولا نقول بقولهم. وإن كنا لنلزمهم بإجماعهم، إلا أننا لسنا بملزمين به.
فأهل الكلام -ومن تابعهم، ومن تأثر بهم في علم الأصول- ليسوا بأهل الصنعة، بل أهلها هم أهل الحديث، ونحن نسير على منهجهم.
بخصوص كلام شيخ الإسلام، وفهمك لكلامه، يتبين أن كلاً من الصحيح والحسن قد خرجا من نطاق المخالفة مع صريح المعقول.
هذا صحيح من ناحيتي التنظير والتطبيق. ولا خلاف بيننا حول هذا.
مسألة ظنية الثبوت ردها الأئمة، كالإمام الشافعي في مناظراته حول السنة، كما في الرسالة وجماع العلم.
ومن لطائف المتكلمين -بخصوص أحاديث الآحاد-: أنهم يجوزون القول بظنيتها (وهذا بتطرق الباطل ولا شك -بناء على تقعيدهم-) ثم يوجبون العمل بها. (ابتسامة)
سلطوا على أنفسهم أعداء الملة وأضحكوا عليهم العقلاء.
ومسألة الآحاد، فإن أصحاب هذا القول غالبا ما يردون أحاديث الآحاد ويقولون بظنيتها في "العقائد" إلا جماعة اختلفوا في أحاديث الآحاد والقياس وأيهما يقدم.
وهذا لا يخفى عن من لديه اطلاع بسيط على علم الأصول. ولسنا بحاجة لنقاش هذه المسائل.
نحن نثبت الشرع، ونثبت العقل، ولا يوجد عندنا تعارض بينهما. وما يتوهم من التعارض فإنه يدفع بطرقه الصحيحة. كما في الدرء، ودفع إيهام الاضطراب، وغيرهما.
والله أعلم.
بارك الله فيك.
ولكن أليس لقائل أن يقول وتعالى الله عما يقول علوا كبيرا: نثبت لله مرضا يليق بذاته (!) جريا على الظاهر؛ وهذا المرض إنما يكون من الله إذا مرض العبد؟!
وقد يستأنس في ذلك بإثبات العثيمين عليه الرحمة لصفتي الملل والهرولة مثلا!
على كل: دعك من هذا المثال، وإليك مثالا آخر من كلام ابن تيمية رحمه الله..
قال -رحمه الله- (الرسلة المدنية 6/360-362):
"إن الرسول صلى الله عليه وسلم إذا تكلم بكلام وأراد به خلافَ ظاهره وضدَّ حقيقته فلابد أن يبين للأمة أنه لم يرد حقيقتَه وأنه أراد مجازَه سواء عينه أو لم يعينه لا سيما فى الخطاب العلمى الذي أريد منهم فيه الاعتقاد والعلم دون عمل الجوارح فإنه سبحانه وتعالى جعل القرآن نوراً وهدى وبياناً للناس.. ثم هذا الرسول الأمي العربي بُعث بأفصح اللغات وأبين الألسنة والعبارات ثم الأمة الذين أخذوا عنه كانوا أعمق الناس علماً وأنصحهم للأمة وأبينهم للسنة فلا يجوز أن يتكلم هو وهؤلاء بكلام يريدون به خلاف ظاهره إلا وقد نصب دليلاً يمنع من حمله على ظاهره إما أن يكون عقلياً ظاهراً مثل قوله "وأوتيت من كل شيء" فان كل أحد يعلم بعقله أن المراد أوتيت من جنس ما يؤتاه مثلها.. أو سمعياً ظاهراً مثل الدلالات فى الكتاب والسنة التى تصرف بعض الظواهر...).
ويقول أيضًا في خلال رده على من ينازع في إثبات محبة الله ورضاه وغضبه وكراهته:
«والسمع قد دل عليه، ولم يعارض ذلك معارض عقلي ولا سمعي، فيجب إثبات ما أثبته الدليل السالم عن المعارض المقاوم». الرسالة التدمرية: ص 14.
بارك الله فيك أخانا عبد الله الأعصر.
الكلام لا يقتطع من سياقه وتركيبه، ولذلك فالسياق يوضح بعضه بعضا دون تكلف ولا عناء.
وليس معنى ذلك إلغاء العقل. ولكن النص واضح، ولا يخفى على ذكي ولا بليد. والنفي في هذا المقام بدلالة النص ودلالة العقل، والنص أعلى مرتبة، ولم ينفرد العقل بذلك وحده.
هذا المثال على تقديم السلف لدليل عقلي قطعي على دليل سمعي ظني
قال الإمام الدَّارميُّ رحمه الله:
"... أَنَّه قد عقل كُلُّ ذي عقل ورأْي أَنَّ القولَ لا يتحوَّل صورةً لها لسان وفَم ينطق ويشفع، فحين اتَّفقت المعرفةُ من المسلمين أنَّ ذلك كذلك، علموا أنَّ ذلك ثَوابٌ يُصوره الله بقدرته صورةَ رَجل يُبشِّر به المؤمنين؛ لأنَّه لو كان القرآنُ صورةً كصورة الإِنسانِ لم يتشعَّبْ أكثرَ من ألف ألف صورة، فيأتي أكثر من ألف ألف شافعاً وماحلاً؛ لأنَّ الصورة الواحدةَ إذا هي أتت واحداً؛ زالت عن غيره، فهذا معقولٌ لا يَجهلُهُ إلاَّ كُلُّ جهولٍ"اهـ (النقض :[1/501]).
وقال الإمام ُ أحمد رحمه الله:
"فادَّعوا (أي الجهمية) أنَّ القرآن مخلوقٌ من قِبَلِ هذه الأحاديث.. وإنَّما معنى أَنَّ القرآن يَجيءُ: إنَّما يجيء ثواب القرآن فيقول: يا ربِّ!.."(الرَّد على الزنادقة والجهميَّة، ص: [321-322]).
وقد وقع الإجماع على تأويل ماظاهره قبيح من الأدلة النقلية .
والله أعلم