درء الخلاف عن مسألة ركن الإيمان (العمل)
بين اهل السنة
الحمدلله وبعد:
أخذ موضوع الإيمان وتأصيله - في مشاركات الإخوة هنا وفي غيرها من المنتديات- الحيز الكبير في الأخذ والرد والمناقشة، وحق له ذلك، فهو أول خلاف نشب في الأمة وسيظل مستمرا ما دام الإبتلاء به قائما، وقد أطلعت على جل من كتب في هذه المسألة لا سيما من المنتسبين للسلف والرافعين شعار الرد على المخالف، فوجدت في بعضها الانتصار للنفس أو الأشخاص وربما المزاودة في حب بعض أهل العلم ونبذ الآخر بتهم لا تمت صلة لطائفة موصوفة بالنجاة والنصرة و الرحمة ومن رحمتها كما قال ابن تيمية أنها ارحم الخلق بالخلق، لكنها ضيعت كثير من خلقها عند أول ابتلاء لها في مبدأ كان ينتظر منها أن لا تفرط فيه ولو على حساب الاقرار بخطأ شيخها او عالمها، وكان الواجب عليها وعلى الجميع هو الإنتصار لمذهب السلف و لزوم الجماعة والسواد الأعظم وترك المعارضة إلا على سبيل الإستفسار و العلم، لكن أبى كثير منهم الا المعارضة و التشويش على مذهب السلف بإسم مدرسة الحديث و الأثر، ولقد رأيت أن من تولى كبر هذه المعارضة لم يستسغ الاعتراف بالخطأ لأمرين: تعصبه لنفسه الذي ستره بالدفاع عن شيخه الذي هو شيخنا وشيخ جميع اهل السنة. والثاني هو غيظه أن يظهر خطأه وخطأ من يعظمه على يد عالم قد عرف عنده بالخارجية والبدعة، لكن شاء الله سبحانه وتعالى أن يظهر فضل من انتصر لدينه رغم انف كل حسود، فكان ما كان من ردود متتابعة على الشيخ في مجالس و نوادي حتى صار عرضه مستباحا لأتباعهم، ويا ويل من أثنى عليه أو سمع محاضراته، إلا أن الله سبحانه وتعالى الذي نصر اولياءه وهم عزّل ليثبّت الأمة بثباتهم، أظهر على يد هذا العالم الجليل ما كاد ان يندثر في بعض أصول الايمان والتوحيد فمن ذلك مسألة ركن الإيمان (العمل) في كتابه " ظاهرة الإرجاء" ولم تأت الردود وتقريرات أهل العلم على المخالفين في مسائل الايمان والتكفير الا بعد التشويش عليها، فكان الفضل بعد الله يرجع اليه، كما أن تنبيهه على تباين منهج المتكلمين الأشاعرة لأهل السنة في مسائل العقيدة يرجع اليه بعد فضل الله واعانته، وكذلك مسألة تسلسل الحوادث الذي خالف فيها من خالف من أهل السنة، وله في فضح الخرافيين و الحداثين باع يطول وصفه، كما أن سعيه لطرح حلول واقعية لتهميش الغلو و التشدد والتشيع ظاهرة للعيان، و اما استشرافه للمستقبل و مجادلة أهل الكتاب و بيان ضعف النظريات الغربية وعجزها عن مسايرة الواقع واشباع النفس، مما شهد بها الاعداء قبل الأصدقاء، وأنا ما كنت لأذكر فضل هذا العالم الجليل إلا لأني رأيت في بعض المواقع من الكذب عليه ما لا يحق أبدا السكوت عليه، وما كنت أظن أن مسلما يعلم أن الكذب من صفات المنافق ثم يستجيز الكذب على عالم كهذا فكيف يسوغ لمن رفع شعار الاثر، فما أعظم جنايته وظلمه، ثم العجب من تكرار مخالفات واشاعتها عنه استدعتها الظروف والتحولات الزمنية لا يظهر وجه الخطأ فيها يقينا لأنها تخضع لتقدير المصالح والمفاسد، وتكرار ذلك عنه كلما ذكر فضل هذا الرجل أو أثني عليه، فيا طلاب العلم هونوا على انفسكم و خذوا بأيدي من يريد تفريقكم و إياكم أن تظلموا من يجاهد لأجل تثبيت عقيدتكم، فإن العاقل من تدبر في سنن الله في اوليائه و سنن الله في مخالفيهم، ليجد أن النصرة ليست في تكثير الشعارات والألقاب وإنما في تثبيت مسائل العلم والاعتقاد.
و الباعث لهذه المقدمة أني قد قرأت قبل فترة مشاركات حول تقييم قول من أظهر الفتنة في مسائل الايمان فوجدت بسبب اتساع الدفاع عنه، استحداث قول آخر في مسألة ترك جنس العمل بين اهل السنة، وهذا كلام ينبغي رفضه فهي مقولة سوء تفتح باب التلفيق بين المسائل العلمية الظاهرة وتقلل شأنها في قلوب الأجيال القادمة، وقد تظافرت اقوال اهل العلم السابقين مع اختلاف عباراتهم في تأكيد الاتفاق عليها واظهار وحدة الكلمة على مضمونها، وخلاصة ذلك: أن الإيمان قول وعمل ظاهرا وباطنا يزيد وينقص، لا يجزيء أحد عن الآخر كما هو قول اجماع السلف، وعليه فإن القول القلبي (التصديق) الملازم للإقرار القولي(النطق بالشهادتين) يتحقق به دخول الإسلام ابتداء، وترك العمل الباطن الملازم للعمل الظاهر يناقض الإلتزام السابق، فالأول إخبار بعد تصديق والثاني انشاء بعد اعتقاد، فتارك الأول يسمى مكذب مستكبر و تارك الثاني معرض متولي ، و كلاهما مذمومان ذم الكفار المخلدين في النار، هذا التقرير بالنظر إلى ترك أقل ما يصدق عليه أنه جزء من الإيمان، لا بالنظر إلى ترك بعض آحاد الجزء فإن هذا مسلك الخوارج المعتقدين عدم تبعيض الإيمان. وعلى هذا ينزل كلام السلف القائلين بالعبارة المشهورة الإيمان قول وعمل يزيد وينقص، وما يذكر من عبارات أخرى إنما لتفصيل هذا المبدأ، وعليه فلا يصح نسبة خلاف لأهل السنة في تصحيح ايمان من ترك ركنا مما تتكون به حقيقة الإيمان، إذ النظر في تحقيق الإقرار والإلتزام لا النظر في تفاصيل كلام اهل العلم في التكفير المنزل على بعض المسائل العينية، فإن هذا مورده وضوح الدليل من عدمه بحسب ما ينقدح في ظن المجتهد. أما مسألة الإيمان كاعتقاد فهي النظر بما يضاد الإلتزام والإقرار الشرعيين فتنبه. وإني لآمل أن تكون مشاركات المنتسبين للسنة المحضة في تقرير معتقد السلف فحسب لا الدفاع عن المخالفين فيه مهما علت منزلته في الدين، فإن إدخال العواطف في هذه المسائل العظام المتقررة يعين على اندثار الحق للأجيال القادمة، ومن خالف فيمن انتسب للسلف في وقتنا الحاضر يذكر كلامه ويبن خطؤه و زلته، لا شماتة فيه أو تجريحا لذاته أو تقليلا من دعوته وفضله، بل تعظيما للسنة والاعتقاد.
و أخيرا أتمنى من الإخوة المعلقين أن يكون همهم هو العلم والإخلاص والمحبة، اسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعلنا ممن ينصر دينه و يحب أولياءه فيا ولي الإسلام وأهله ثبتنا على الإسلام حتى نلقاك به.
كتبه/ العلم الهيّب
3/1/2011م