المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الفداء
نعم صحيح، ولا نماري في ذلك بارك الله فيك، ولكن قد تقدم الجواب عن محل هذا الإشكال، وبيان أنه لا يتعارض - عقلا - مع مقصد تخويف من يراه!
التخويف المقصود ليس على نحو ما تقيس، بارك الله فيك، وإلا لكان المشروع والمسنون في ديننا أن نفر من الكسوف فرارنا من البراكين والعواصف! إنما التخويف يقصد به استحضار جملة من الأعمال القلبية عند رؤية الكسوف، لا ينبغي أن تتأثر - كما أسلفت - بحقيقة أنه صار محسوبا معلوما وقته ومدته ومساره.. الخ!
تقول قد صار الكسوف من شعائر الإسلام، وأقول وهكذا كان من قبل، وأضيف إلى كلامك أن أساس تلك الشعيرة: أعمال قلبية ينبغي تحقيقها كما كانت تتحقق من قبل، ولا يمتنع ذلك بسبب كوننا اليوم قد علمنا ما علمنا من أمر الكسوف، والله أعلم.
أما قولك "لو كان تخويفا ... "، فيا أخي أنت بذلك تعارض صحيح النص، فانتبه! النبي عليه السلام يقرر بعبارة واضحة أن الكسوف يخوف الله به عباده، فكيف يكون توجيه طالب العلم لهذا النص في ضوء ما استجد اليوم من كذا وكذا = برد حقيقة معناه على نحو ما تقول؟
قولك لو كان تخويفا لكان الوثنيون أولى به من المسلمين قياس لا يصح، لأن جميع بني آدم مخاطبون بالتكليف، فالتخويف يتوجه إليهم جميعا ولا فرق! والهنود والصينيون وغيرهم من شعوب العالم يرون الكسوف، فحقيقة أنهم حينئذ يلجأ الوثنيون منهم إلى أوثانهم وأساطيرهم، ويعبث الملاحدة منهم ويتخذونها هزوا كما نرى = هذا لا يعني أنها ليست تخويفا في الحقيقة! حتى الأعاصير المدمرة التي يفزع كل عاقل سليم الفطرة من مجرد رؤيتها وهي تدمر البيوت وتقذف بها في الهواء، صرنا نرى اليوم أناسا يطاردونها في ولايات أمريكا على سبيل الهواية والمتعة والإثارة!
هذه فتنة من فتن الحياة الدنيا: فتنة الإلف والاعتياد! الإنسان يألف النعمة فلا يشعر أنها نعمة حتى يفقدها! ويألف الآيات الكبرى التي بثها الله في السماوات والأرض فلا يراها كذلك، وهذا مطرد في سائر ما يصح أن يوصف بأنه آية من آيات الله، وهو من الابتلاء ولا ريب! وقد عظمت هذه الفتنة في زماننا لكثرة ما تراكم عندنا من العلوم والمعارف الطبيعية المتعلقة بتلك الآيات!
فإذا قلنا للناس استحضروا عظمة الله تعالى وقدرته كلما نظرتم إلى الكسوف والخسوف، واستحضروا الهيبة من انقلاب العادات وانخرامها بمشيئة خالقها كما كان يصنع نبيكم، فلا يقال لنا لقد صارت تلك الآيات من معتاد الناس ولا وجه لإرادة التخويف منها أصلا!
الحديث يقرّ يأن الكسوف يتكرر، والتكرار بمجرده يورث الاعتياد، حتى مع جهل الجاهلين بالأفلاك ومساراتها، والظاهر من النص أن الناس يوم تكلم النبي بهذا الحديث لم يفزعوا، وإنما زعموا اعتقادا جاهليا عن سبب الكسوف، فنفاه النبي عليه السلام، ثم أخبرهم بوجه حدوث هذه الآية متى حدثت وظهرت لهم، فسواء كانوا يعلمون حسابها كما هو حالنا اليوم، أو لم يكونوا يعلمون = الخطاب واحد، والله أعلم.