تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 6 من 6

الموضوع: 12- حديث:"من قال حين يُمسي:باسم الله،الذي لا يضر مع اسمه.." للشيخ أبي الحسن السليماني

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    56

    افتراضي 12- حديث:"من قال حين يُمسي:باسم الله،الذي لا يضر مع اسمه.." للشيخ أبي الحسن السليماني

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحلقة الثانية عشر
    (بعض أذكار الصباح والمساء والثابت منها)


    حديث عثمان بن عفان – رضي الله عنه-: "من قال حين يُمسي: باسم الله، الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ، في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات؛ لم تُصِبْه فَجْأَةُ بلاء حتى يُصبح، ومن قالها حين يُصْبح ثلاث مرات؛ لم تُصبْه فجْأة بلاء حتى يُمسي" قال: فأصاب أبان بن عثمان – راوي الحديث عن أبيه- الفالج، فجعل الرجل الذي سمع منه الحديث ينظر إليه، فقال له: مالَكَ تنظر إليّ؟ فوالله، ما كَذَبْتُ على عثمان، ولا كَذَبَ عثمان على النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- وفي رواية: فوالله ما كَذَبْتُ، ولا كُذِبْتُ، لكن اليوم الذي أصابني فيه ما أصابني؛ غضبْتُ؛ فنسيتُ أن أقولها، حتى يُمْضي الله قَدَرَه.
    (حسن بمجموع طرقه إن شاء الله تعالى)
    هذا حديث عثمان – رضي الله عنه- وله طرق:
    أولاً: من طريق أبي مودود – واسمه عبد العزيز بن أبي سليمان الهذلي مولاهم المدني القاصّ- عمن سمع أبان بن عثمان، قال: سمعت عثمان يقول: سمعت النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول:... فذكره.
    هذ الحديث من هذه الطريق، أخرجه:
    أبو داود (5088) ثنا القعنبي، وابن أبي شيبة في "المصنف" (6/35/برقم 29266) عن زيد بن الحُبَاب العُكْلي، دون ذِكْر قصة الفالج، كلاهما ، أعني: القعنبي وزيد بن الحُباب – وهو ثقة إلا في حديث الثوري فربما وهم، وليس هذا منها- عن أبي مودود به.
    هكذا رواه أبو مودود بإبهام رجل واحد، وتلميذ القعنبي هنا هو أبو داود السجستاني الإمام الحافظ، صاحب "السنن".
    ثانيًا: وقد أخرجه النسائي أيضًا في "عمل اليوم والليلة" (ص142/برقم 16): أخبرني محمد بن علي، حدثنا القعنبي، ثنا أبو مودود عن رجل، قال: حدَّثنا من سمع أبان بن عثمان، قال: سمعت عثمان بن عفان، قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ....فذكره بنحوه لكن بإبهام رجُلَيْن.
    وقد أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" (5/412-413/عند رقم 2079) من طريق ابن مهدي، قال: أَمْلى عليَّ أبو مودود: حدثني رجل عن رجل، أنه سمع أبان بن عثمان ... به، دون ذكر قصة الفالج، والحديث من طريق ابن مهدي عزاه الحافظ في "نتائج الأفكار" (2/369) إلى علي بن المديني في "العلل" عن ابن مهدي به.
    ففي هذه الطريق مبهمان، وقد اختُلف على القعنبي، فرواه عنه أبو داود السجستاني بذكر مبهم واحد، ورواه محمد بن علي - وهو شيخ ثقة- عن القعنبي، بذكر مُبْهَمَيْن في السند، وقد تابع أبو زرعة الرازي محمدَ بن علي هذا في روايته عن القعنبي بذكر مبهمين، كما في "العلل" للرازي (5/452/برقم 2105).
    وقد رواه ابن أبي حاتم أيضًا في "العلل" (5/413/عند رقم 2079) من طريق أبي عامر العقدي – وهو عبد الملك بن عمرو- كما رواه ابن مهدي: قال: ثنا أبو مودود، قال: حدثني رجل، حدثني من سمع أبان ..... فذكره.
    وقد أخرجه ابن أبي حاتم في "العلل" (5/413/عند رقم 2079): أخبرنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا أنس بن عياض – وهو أبو ضمرة-، عن أبي مودود عن رجل – قال يونس: لا أعلمه إلا محمد بن كعب- عن أبان بن عثمان، أن رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: ....فذكره، هكذا رواه مرسلا، ولم يذكر "عثمان" – رضي الله عنه- ودون ذكر قصة الفالج.
    وقد رواه الطحاوي في "مشكل الآثار" (8/83/3073) كذلك، ومن طريق ابن مهدي أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (9/42).
    قلت: وقد خُولِف يونس في روايته المرسلة هذه عن أبي ضمرة أنس بن عياض، فرواه الجم الغفير عن أبي ضمرة جازمين بروايته عن محمد بن كعب – بخلاف قول يونس: لا أعلمه إلا محمد بن كعب- ورووا الحديث مسندًا، كما سيأتي - إن شاء الله تعالى- بخلاف رواية يونس المرسلة.
    ثالثًا: ومن طريق أبي مودود عن محمد بن كعب عن أبان بن عثمان عن عثمان عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ..... به، وفي بعض المواضع دون ذِكر "ثلاث مرات" وبدون ذكر قصة الفالج.
    أخرجه أبو داود (5089): ثنا نصر بن عاصم الأنطاكي عن أبي ضمرة أنس بن عياض،... ولم يذكر لفظ الحديث، وقد أحاله على ما قبله، وفيما قبله ذِكر "ثلاث مرات"، وقال أبو داود بعد إخراجه: نحوه اهـ.
    وأخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص141-142/برقم 15) وابن حبان في "صحيحه" (3/132/برقم 852) بذكر "ثلاث مرات" وعبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (1/546/برقم 528) ثنا محمد بن إسحاق المسيَّبي ثنا أنس بن عياض، وفيه ذكر "ثلاث مرات" وأخرجه البزار في "البحر الزخار" (2/19/برقم 357): ثنا أحمد بن أبان القرشي نا أنس بن عياض، وأخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (8/85/برقم 3075) من طريق قتيبة بن سعيد عن أبي ضمرة، وأخرجه الدارقطني في "العلل" (3/8) عند السؤال رقم (254) من طريق الزبير بن بكار عن أبي ضمرة، وأخرجه الطبراني في "الدعاء" (2/939-940/برقم 317) من طريق قتيبة، وابن المديني، وإبراهيم بن بشار، وإبراهيم بن حمزة الزبيري: أربعتهم عن أبي ضمرة، وفيه ذكر "ثلاث مرات"، وأخرجه أبو الطاهر السلفي الأصبهاني في "المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي" برقم (464) من طريق هارون بن معروف، وعلي بن بحر القطان، وفيه ذكر "ثلاث مرات"، وأخرجه البغوي في "شرح السنة" (5/113/برقم 1326) من طريق هارون بن موسى الفروي عن أبي ضمرة، وفيه "ثلاث مرات" وليس فيه "وهو السميع العليم"، وأخرجه الحافظ في "نتائج الأفكار" (2/368) من طريق الزبير بن بكار، وهارون بن موسى عن أبي ضمرة، وعزاه للمعمري عن هشام بن عمار عن أبي ضمرة، ثلاثتهم، أعني: أبا ضمرة، وعلي بن بحر، وهارون بن معروف – وكلهم ثقات- عن أبي مودود به، وذكر الدارقطني في "العلل" (3/8/السؤال 254) أن خالد بن يزيد العمري قد تابع أبا ضمرة في روايته هذه عن أبي مودود، إلا أن العمري كذبه أبو حاتم وغيره.
    وقد رواه هكذا عن أبي ضمرة أنس بن عياض كل من:
    1- نصر بن عاصم
    2- قتيبة بن سعيد
    3- الزبير بن بكار
    4- محمد بن إسحاق المسيبي
    5- أحمد بن أبان
    6- علي بن المديني
    7- إبراهيم بن بشار الرمادي
    8- إبراهيم بن حمزة الزبيري
    9- هشام بن عمار
    10- هارون بن موسى

    وقد ظهر مما سبق خلاف على أبي مودود: هل رواه عن رجل عن أبان بن عثمان؟ أم رواه عن رجل عمن سمع أبان بن عثمان؟ أم رواه عن محمد بن كعب القرظي عن أبان بن عثمان؟ وهل رواه مسندًا، أم مرسلاً دون ذكر "عثمان" – رضي الله عنه-؟
    ومما ينبغي ذكره هنا أمور، منها:
    1- أبو مودود، واسمه عبد العزيز بن أبي سليمان الهذلي مولاهم المدني القاصُّ، ترجمه الحافظ في "التقريب" بقوله: "مقبول" مع أن الرجل قد وثقه الأئمة، وانفرد البرقي بتضعيفه، وأين البرقي من أحمد بن حنبل، وابن معين، وابن المديني وغيرهم ممن وثقه؟ فلا أدري ما سبب هذا القول من الحافظ، والرجل قد روى عنه ابن مهدي وجماعة، وإطلاق توثيقه هو الأولى، والله أعلم.
    2- اختُلف في سماع أبان بن عثمان من أبيه – رضي الله عنه-: فنفاه أحمد، وقد سأله الأثرم: أبان بن عثمان سمع من أبيه؟ فقال: لا، من أين سمع منه؟ اهـ انظر "المراسيل" للرازي (ص16/برقم 48)، قال ابن رجب الحنبلي – رحمه الله- في "شرح علل الترمذي" (1/367) معلقًا على قول أحمد: ومراده من أين صحَّتِ الرواية بسماعه منه، وإلا فإمكان ذلك واحتماله غير مُسْتَبْعَد اهـ، وقال ابن معين: أبان عن عثمان مرسل اهـ "تاريخ ابن أبي خيثمة" (2/369).
    لكن قد أثبت البخاري سماعه من أبيه، كما في "التاريخ الكبير" (1/451) وكذا أثبته أبو حاتم، انظر "الجرح والتعديل" للرازي (2/295) وفي كلام مالك ما يشير إلى سماعه من أبيه، فقد قال - كما في "التاريخ الكبير" للبخاري-: وكان أبان علم أشياء – وفي نسخة شيئًا- من القضاء من أبيه عثمان اهـ.
    ونقل أبو زرعة العراقي في "تحفة التحصيل" (ص13) ترجمة أبان بن عثمان قول أحمد، ثم قال: قلت: في "صحيح مسلم" وفي "سنن أبي داود" التصريح بسماعه من أبيه... اهـ.
    وعلى ذلك: فالمثبت مقدم على النافي، والسماع ممكن كما قال ابن رجب الحنبلي، ومن عَلِم حجة على من لم يعلم، والله أعلم.
    3- اختُلف على أبي مودود، وعلى بعض تلامذته، كما يظهر من هذا الشكل:




    ومن نظر فيما سبق، وفي هذا الشكل، تبين له أمور، منها:
    أ- أن أحمد بن محمد بن عيسى القاضي – وهو ثقة ثبت كما في "تاريخ بغداد" (6/219)- قد انفرد بالرواية عن القعنبي عن ابن أبي الزناد، وأما أبوداود السجستاني الإمام، وأبو زرعة الرزاي الحافظ، ومحمد بن علي – وهو ثقة- فقد رووه عن القعنبي عن أبي مودود، فالمحفوظ عن القعنبي أن شيخه أبو مودود، وليس أبا ضمرة أنس بن عياض، والله أعلم.
    ب- أن يونس بن عبد الأعلى – وهو ثقة- انفرد عن أبي ضمرة عن أبي مودود عن رجل لا أعلمه إلا محمد بن كعب، عن أبان، والثقات من أصحاب أبي ضمرة يروونه عن أبي ضمرة عن أبي مودود عن رجل عن رجل عن أبان، أي بإبهام رَجُلَيْن، وأسندوا الحديث، ولذلك فقد عدَّ ابن مهدي ذكر محمد بن كعب هنا باطلاً، فقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث أبي ضمرة عن أبي مودود عن محمد بن كعب عن أبان عن أبيه مرفوعًا ... الحديث، فقال: ذُكِر هذا الحديث لابن مهدي، فقال: أمْلى عليَّ أبو مودود: حدثني رجل، عن رجل، أنه سمع أبان بن عثمان، عن عثمان، عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ، وأنكر أن يكون عن محمد بن كعب القرظي...، قال ابن أبي حاتم: قال ابن مهدي: حدثني أبي، حدثنا حماد بن زاذان، حدثنا ابن مهدي من كتابه أملاه علينا، وذلك أن علي بن المديني قال: حدثني اثنان بالمدينة، عن أبي مودود عن محمد بن كعب، فقال ابن مهدي: هو باطل، ثم أخرج ابن مهدي كتابه فأملاه علينا اهـ.
    ج- القعنبي – وهو ثقة عابد-، وزيد بن الحباب، وهو ثقة ربما وهم في حديث الثوري – وليس هذا منه- أي أنه ثقة في هذه الرواية، قد روياه عن أبي مودود عن رجل عن أبان، أي بإبهام رجل واحد، وخالفهما ابن مهدي الإمام وأبو عامر العقدي – وهو ثقة- فروياه عن أبي مودود عن رجل عمن سمع أبان عن أبان، أي بإبهام رجلين، ولاشك أن ابن مهدي وحده أرجح من القعنبي وزيد بن الحُباب، فكيف إذا انضم إليه أبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو الثقة؟ بل قد تابعهما أبو ضمرة أنس بن عياض – وهو ثقة- في الراجح عنه من رواية الجم الغفير من الرواة، وفيهم من الأئمة الحفاظ ما لا يخفى أمرهم.
    لكن قد يقول قائل: القعنبي روى عنه أبو داود السجستاني بإبهام رجل واحد، وروى عنه أبو زرعة ومحمد بن علي بإبهام رجلين، وإن كانت هذه الرواية الثانية رواها الأكثر عددًا؛ إلا أن توهيم الإمام أبي داود هنا شاقٌّ على النفْس، فلماذا لا يقال: القعنبي حفظ الحديث بالوجهين عن أبي مودود، وطالما أننا رجحنا إطلاق توثيق أبي مودود؛ فلا حاجة لدعوى اضطرابه هنا، ويحتمل أن يكون أبو مودود قد حفظ الحديث نازلاً بواسطة رجلين بينه وبين أبان، ثم لقي شيخ شيخه المبهم أيضًا فرواه عنه، وعلا في الإسناد، فصارت الواسطة واحدة، وإن كانت مبهمة؟ وعلى ذلك فيكون القعنبي قد حفظ الحديث على الوجهين – العالي والنازل- عن أبي مودود، وهنا يقال: لا يُعد القعنبي واهمًا في الرواية العالية، أي التي فيها مبهم واحد، لأن لسان حاله يقول لابن مهدي والعقدي: إنني أحفظ ما عندكما عن أبي مودود برواية الحديث بواسطتين بينه وبين أبان، لكني أحفظ أيضًا ما ليس عندكما، وهو رواية أبي مودود الحديث عن رجل عن أبان.
    قلت: وهذا الكلام ليس بعيدًا عن صنيع الأئمة، كما هو ظاهر لمن تتبع صنيعهم في كتب العلل، لولا كلام الأئمة في تصحيح الرواية التي فيها إبهام رجلين، وإن كان كلامهم أو كلام بعضهم يمكن حمله على أنهم أرادوا تخطئة من سمى محمد بن كعب، لا مجرد ترجيح إبهام رجلين على إبهام رجل واحد، ولاشك أن الرواية التي فيها مبهم واحد، أخف ضعْفًا من التي فيها مبهمان على التوالي، ومع ما في النفس من تردد بسبب ما ذكرته قبل قليل؛ إلا أن القول الراجح عن أبي مودود روايته بإبهام رجلين بينه وبين أبان بن عثمان، وهذا ما رجحه الأئمة، كالآتي:
    1- سبق قول ابن مهدي في ذلك.
    2- قال أبو زرعة، وقد سئل عن رواية أبي ضمرة عن أبي مودود عن محمد بن كعب عن أبان به: هذا خطأ، والصحيح: ما حدثنا القعنبي ثنا أبو مودود عن رجل ثنا من سمع أبان ...الحديث اهـ من "العلل" للرازي (5/452/برقم 2105).
    3- البزار: فقد أشار في "البحر الزخار" (2/19/برقم 357) إلى أن الأكثر على رواية الإبهام، فقال: وقد رواه غير واحد عن أبي مودود عن رجل عن أبان، وأنس بن عياض وصَلَه، وسمَّى الرجل، وقال: هو محمد بن كعب اهـ، فالظاهر من كلام البزار ترجيح من روى الرواية التي فيها مبهم واحد، إلا أنه لم يتعرض هنا أصلا للرواية التي فيها مبهمان، وسيأتي كلام الحافظ ابن حجر عن البزار وغيره في ذلك.
    4- وقال الدارقطني في "العلل" (3/8) مرجِّحًا رواية ابن مهدي: وهذا القول المضبوط عن أبي مودود ومن قال فيه: "عن محمد بن كعب القرظي" فقد وهم اهـ.
    5- قال الحافظ في "نتائج الأفكار" (2/369) مرجِّحًا الرواية التي بإبهام رجلين: وهي علة خفيَّة، راجتْ على البزار وابن حبان اهـ.
    د- روى أبو ضمرة، وعلي بن بحر القطان، وهارون بن معروف – وكلهم ثقات- ثلاثتهم عن أبي مودود عن محمد بن كعب، وخالفهم ابن مهدي، وأبو عامر العقدي، والقعنبي، وزيد بن الحباب العُكْلي، وكلهم رووه بإبهام شيخ أبي مودود – وهم وإن اختلفوا في جعْل المبهم واحدًا أو اثنين؛ إلا أنهم اتفقوا على إبهام شيخ أبي مودود- والمبْهِمون أكثر وأحفظ، فَهُمْ إذًا أرجح، وهذا يدل على صحة ما قاله الأئمة في إنكار تسمية شيخ أبي مودود بمحمد بن كعب، والله أعلم.
    هـ- الرواية المرسلة لا تضر الرواية المسندة، لكثرة وحفْظ من روى المسندة.
    بقي الكلام في الطرق الأخرى لحديث عثمان:
    رابعًا: من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه أبي الزناد – وهو عبد الله بن ذكوان- عن أبان بن عثمان، سمعت عثمان يقول: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- يقول: "ما من عبد يقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة: بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم، ثلاث مرات؛ فيضرَّه شيء" وذكر قصة الفالج.
    أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/94/10178) وفي "عمل اليوم والليلة" (ص291/برقم 346) وأخرجه الترمذي (5/396-397/برقم 3388) وابن ماجه (2/1273/برقم3869) والطيالسي في "مسنده" (ص14/برقم 79) دون ذِكر "ثلاث مرات" وأحمد في "مسنده" (1/498/برقم 446) دون ذكر "ثلاث مرات" ولا الصباح والمساء، وأخرجه في (1/515/برقم 474) والبخاري في "الأدب المفرد" (1/345-346/برقم 660) وابن أبي خيثمة في "تاريخه" (2/370/برقم 3439) والبزار في "البحر الزخار" (2/19/برقم 357) دون ذكر "ثلاث مرات" والدولابي في "الكنى" (1/20/برقم 55) دون ذكر "ثلاث مرات" وأبو القاسم البغوي في "معجم الشيوخ" (4/328/برقم 1779) ترجمة عثمان، ولم يذكر لفظه، والطحاوي في "المشكل" (8/84/3074) دون ذكر "ثلاث مرات" وكذا في (8/85/برقم 3076) وابن السني في "عمل اليوم والليلة" برقم (44) دون ذكر "ثلاث مرات" وأبو الطاهر السلفي الأصبهاني في "المنتقى من مكارم الأخلاق للخرائطي" برقم (463) دون ذكر "ثلاث مرات" والبيهقي في "الأسماء والصفات" (1/124/برقم 72)، وفي الدعوات الكبير " (ص24/برقم 34) دون ذكر "ثلاث مرات"، وفي (ص25/برقم 35)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (6/149) وعبد الغني المقدسي في "الترغيب في الدعاء" (ص418/برقم92) والضياء في "المختارة" (1/433-434/برقم 309)، في (1/434/برقم 310) لكن دون ذكر "ثلاث مرات"، وعزاه الضياء لأبي يعلى الموصلي في "مسنده" وأخرجه الحافظ في "نتائج الأفكار" (2/366-367)، كلهم عن ابن أبي الزناد عن أبيه به.
    وابن أبي الزناد متكلم فيه من قِبل حفظه، لاسيما فيما حدث به في بغداد، فهو علة هذه الطريق.
    وقد قال الدارقطني في هذا السند: وهذا متصل، وهو أحسنها إسنادًا اهـ من "العلل" (3/9) قلت: وقوله: "وهو أحسنها إسنادًا" لا يلزم منه التحسين، ولعله يريد أن هذا أحسن ما في الباب، هذا إذا لم يكن الدارقطني حسن الرأي في ابن أبي الزناد، والله أعلم.
    وقد اختُلف عليه في ذِكْر جملة "ثلاث مرات":
    فرواه عنه بدونها:
    1- الطيالسي في "مسنده" 2- عبيد بن أبي قرة
    3- أحمد بن أبان القرشي 4- داود بن عمرو الضبي
    5- أبو ضمرة أنس بن عياض (والراجح عنه عدم ذكر أبي ضمرة في روايته هذه الرواية، بل المحفوظ عنه أنه تلميذ لأبي مودود لا ابن أبي الزناد)
    6- سعد بن عبد الحميد.
    والذين رووا عنه بذكر "ثلاث مرات":
    1- الطيالسي في رواية أصحاب "السنن" عنه 2- سريج بن النعمان
    3- سعد بن عبد الحميد 4- أبو ضمرة – وقد سبق ما فيه-
    5- يحيى الحماني، وهو متروك متهم 6- داود بن عمرو.
    فأنت ترى أن الاختلاف على ابن أبي الزناد في ذِكْر جملة "ثلاث مرات" وعدمه قوي، بل ترى أن هناك من رواه بالوجهين عنه، وهذا يدل على اضطراب ابن أبي الزناد في هذه الجملة في هذا الحديث.
    خامسًا: ومن طريق يزيد بن فراس عن أبان بن عثمان عن أبيه عن النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- قال: "من قال حين يُصبح: باسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم؛ لم يصبه فجْأةُ بلاء، ومن قالها حين يمسي – يعني: لم يصبه في ليلته فجأة بلاء-".
    أخرجه النسائي في "الكبرى" (6/94-95/برقم 10179) وفي "عمل اليوم والليلة" (ص291-292/برقم 347) وعبد بن حميد في "المنتخب" (1/109/برقم 54).
    ويزيد بن فراس: مجهول، إلا أنه يتقوى بما سبق من طريق ابن أبي الزناد، ولم يذكر يزيد جملة "ثلاث مرات" فحتى الآن لا يصح ذِكرها.
    سادسًا: ومن طريق قدامة بن محمد بن قدامة المديني نا المنذر بن عبد الله الحزامي نا أبان بن عثمان، قال: سمعت عثمان بن عفان، قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم-: "من قال إذا أصبح أو أمسى ثلاث مرات: بسم الله الحيّ الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء، وهو السميع العليم؛ لم يصبه شيء" وذكر قصة الفالج، فقال: فأصبح أبان قد ضَرَبَه الفالج، فنظر إليه بعض جلسائه، فقال: أما والله، ما كَذَبْتُ ولا كُذِبْتُ، ولازلتُ أقولها منذ ثلاثين سنة، حتى كانت هذه الليلة، فأُنسيتُها، وكان ذلك للقضاء والقدر.
    أخرجه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" (2/369-370/برقم 3438) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (6/148) ولم يذكر تصريح المنذر بالسماع من أبان.
    وهذا سند لا يُحتج به: قدامة: صدوق يخطئ، وقد وثقه أبو زرعة وأبو حاتم، وذكر ابن عدي عنه مناكير من روايته بغير هذا السند، وكذا ذكر ابن حبان عنه مناكير من روايته عن أبيه ومخرمة، فهل يقال: مناكيره في روايته عن أناس مخصوصين وليس فيهم هذا الحديث، أم يُطلق القول فيه بأنه يخطئ؟ والراجح الثاني.
    وأما المنذر فقد ترجمه الحافظ بقوله: "مقبول"، لكنه في نظري أرفع من ذلك، ولو قال: صدوق؛ لما أبْعد، فإن الرجل قد روى عنه جماعة، ومنهم مشاهير، وهو من سروات قريش، ولو كان فيه جَرَحٌ لذُكر، ووثقه ابن حبان، إلا أن العلة الكبرى هنا: أن المزي ذكر في "تهذيب الكمال" (28/503) بأن روايته عن أبان مرسلة، ونقل ذلك أبو زرعة العراقي في "تحفة التحصيل" (ص317) والمنذر ذكره الحافظ في الطبقة الثامنة، وأبان في الطبقة الثالثة، فاحتمال عدم السماع وارد فإن قيل: إن المنذر قد صرح بالسماع من أبان في "تاريخ ابن خيثمة" قلت: لكن السند إليه لم يصح بذلك، بسبب قدامة بن محمد، والله أعلم.
    ومع هذا، فهذا السند يتقوى بما سبق من طريق ابن أبي الزناد، دون زيادة كلمة: "الحيّ" التي انفرد بها هذا الطريق.
    فلو نظرنا في طريق أبي مودود، وفيها مبهمان؛ فإن في الاستشهاد بها ما يُكدِّر الصَّفْوَ، فبقي معنا طريق ابن أبي الزناد، وطريق يزيد بن فراس، وطريق المنذر، كل ذلك يقوي الحديث، لكن يبقى التردد في جملة: "ثلاث مرات" والأصل عدم تكرار الذِّكْر، حتى يثبت ذلك، ثم تأملتُ فوجدت أنه لا مانع من تحسينها أيضًا إن شاء الله تعالى؛ لأنها وردت من طرق، كالآتي:
    1- من طريق أبي مودود، وفيه مبهمان على التوالي – على الراجح- وفي الاستشهاد بما هذا حاله تردد كبير.
    2- ووردت أيضًا في طريق ابن أبي الزناد، لكنه اضطرب فيها.
    3- ووردت أيضًا من طريق قدامة بن محمد عن المنذر، وفيه قدامة، وهو لين، وانقطاع بين المنذر وأبان.
    إلا أنه قد يقال: طريق قدامة هذا يشهد لمن رواه عن ابن أبي الزناد بذكر "ثلاث مرات" وبهذا تثبت هذه الجملة أيضًا مع ما في النفْس من نوع حرج.
    وهذه الشهادة من طريق قدامة ليست بغريبة على صنيع الأئمة، فإنهم قد يرجحون أحد الوجوه عن الراوي الضعيف، إذا جاء ما يؤيده من طريق أخرى، على ما في الرواية الثانية من غمز أيضًا، وبعد هذا فإن طريق أبي مودود إن نفعْت؛ وإلا ما ضرَّتْ، والله أعلم.
    وعلى هذا فأقول في الحديث: "حسن لغيره إن شاء الله تعالى"، والله تعالى أعلم.
    هذا، وقد أشار النسائي إلى علة، لو صحَّت لأودتْ بالحديث بالكلية، لكن سندها لا يصح:
    فقد قال النسائي في "عمل اليوم والليلة" (ص142/بعد رقم 16): وقد رُويَ عن أبان بن عثمان بغير هذا اللفظ: وساق سنده إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبان بن عثمان أنه قال: "من قال حين يمسي: سبحان الله العظيم وبحمده، لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لم يضره شيء حتى يصبح، وإن قال حين يصبح؛ لم يضره شيء حتى يُمسي" وذكر قصة الفالج.
    أخرجه النسائي برقم (17)، ثم قال: تابعه الزهري على روايته فوقفه – أي على أبان بن عثمان: وساق سنده في رقم (18) إلى إسماعيل بن إبراهيم الصائغ عن الحجاج بن فرافصة عن عُقَيْل عن الزهري عن أبان بن عثمان، قال: "من قال حين يمسي وحين يصبح ثلاث مرات: سبحان الله العظيم وبحمده، لا حول ولا قوة إلا بالله؛ لم يصبه شيء يضره" وذكر قصة الفالج.
    فالسند الأول فيه أبو بكر بن عبد الرحمن بن المسور، ترجمه الحافظ بقوله: مقبول.
    والسند الثاني فيه الصائغ: مجهول، والحجاج بن فرافصة صدوق يهم.
    وليس هذان السندان - اللذان جعلا الحديث بهذا اللفظ من قول أبان بن عثمان- بأولى من الأسانيد السابقة التي جعلت اللفظ الآخر مرفوعًا.
    ولا يقال في مثل هذا: لأبان رواية مرفوعة، وأخرى مقطوعة، أو موقوفة عليه؛ لأن هذا اضطراب من الرواة، ولا يُحمل هنا على تعدد القصة؛ لأن قصة الفالج ما حصلتْ – والله أعلم- لأبان إلا مرة واحدة، والكل قد ذَكَرها.
    والحديث قد حسنه البغوي في "شرح السنة" وقال الحافظ في "نتائج الأفكار" (2/367): هذا حديث حسن صحيح اهـ.
    وقد صححه شيخنا الألباني – رحمه الله- في تعليقه على "الأدب المفرد" للبخاري، وعزاه لأكثر من موضع من كتبه، وصححه في "صحيح الجامع" برقم (6426)، وقد سبق أن الحديث حسن لغيره أي بمجموع طرقه، والله أعلم.
    (تنبيه): الفالج: هو استرخاء لأحد شقَّي البدن، أو ريح يأخذ الإنسان فيذهب بشقه، انظر "لسان العرب" (2/346) و "القاموس"، والعلم عند الله تعالى، والله الكريمَ نسألُ العافيةَ لنا، ولوالدينا، وأهلنا، وذرياتنا، والمؤمنين من جميع الأسقام والآلام.

    كتبه/ أبو الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني
    دار الحـديث بمأرب
    24/ محرم /1432هـ
    منقوووول

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    10,732

    افتراضي رد: 12- حديث:"من قال حين يُمسي:باسم الله،الذي لا يضر مع اسمه.." للشيخ أبي الحسن السلي

    جزاك الله كل خيرٍ ..
    أعجبني كثيراً التخريج بطريقة الرسم البياني زيادة للتوضيح وللشمولية الاطلاع على الطرق

    بارك الله فيكم ، أول مرة ارا هذا ، هل هذه الطريقة معروفة ؟؟
    لا إله إلا الله
    اللهم اغفر لي وارحمني ووالديّ وأهلي والمؤمنين والمؤمنات وآتنا الفردوس الأعلى

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    56

    افتراضي رد: 12- حديث:"من قال حين يُمسي:باسم الله،الذي لا يضر مع اسمه.." للشيخ أبي الحسن السلي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رضا الحملاوي مشاهدة المشاركة
    جزاك الله كل خيرٍ ..
    أعجبني كثيراً التخريج بطريقة الرسم البياني زيادة للتوضيح وللشمولية الاطلاع على الطرق

    بارك الله فيكم ، أول مرة ارا هذا ، هل هذه الطريقة معروفة ؟؟
    جزيت الجنة على هذا المرور الكريم........ هذه الطريقة في رسم شجرة الإسناد لتقريب الفهم نحن نعرفها في دروس شيخنا أبي الحسن وفقه الله منذ أكثر من 15 سنة وأكثر،، وغالب دروس العلل للشيخ تحضر فيها سبورة لرسم الشجرة وتوضيح الدرس واستنتاج الفوائد ولله الحمد والمنة.. ولعل تعليقات الشيخ على علل الدارقطني تنـزل على النت وكلها رسومات للأحاديث وأشجار إسنادية مجموعة في ملزمة يسّر الله نزولها..

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    10,732

    افتراضي رد: 12- حديث:"من قال حين يُمسي:باسم الله،الذي لا يضر مع اسمه.." للشيخ أبي الحسن السلي

    شكرا لك ... بارك الله فيك ...
    هنيئاً لكم ... في الحقيقة أنا طالب مبتدئ لكن خطرت في ذهني شجرة الاسناد إذ كنت ارسم شجرة الأنساب
    لا إله إلا الله
    اللهم اغفر لي وارحمني ووالديّ وأهلي والمؤمنين والمؤمنات وآتنا الفردوس الأعلى

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    10,732

    افتراضي رد: 12- حديث:"من قال حين يُمسي:باسم الله،الذي لا يضر مع اسمه.." للشيخ أبي الحسن السلي

    جزاك الله خيراً ووفقك
    لا إله إلا الله
    اللهم اغفر لي وارحمني ووالديّ وأهلي والمؤمنين والمؤمنات وآتنا الفردوس الأعلى

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jun 2011
    المشاركات
    11,596

    افتراضي رد: 12- حديث:"من قال حين يُمسي:باسم الله،الذي لا يضر مع اسمه.." للشيخ أبي الحسن السلي


الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •