بالطبع هناك من ينقل أقوال الأشاعرة ولا يحقق المسائل على منهج السلف..
قال الأخ أسامة :
وهذا طبعاً من الكتب الأصول في تقرير عقيدة الأشاعرة..
وصاحب المواقف ممن يقررون مسألة العصمة على خلاف اتفاق السلف الذي حكاه شيخ الإسلام،فيمنع صاحب المواقف وقوع الصغائر مرتكباً مع النصوص القطعية سائر أنواع التحريف البدعي،ومثل هؤلاء لا يحقق عنهم إجماع لأهل العلم ولا خلاف في مسألة عقدية..
ثم قال الأخ أسامة :
والقاضي -رحمه الله-أشعري من المبالغين في أبواب العصمة كما وصفه شيخ الإسلام،ويخالف فيها إجماع السلف الذي حكاه شيخ الإسلام على وقوع الأنبياء في الصغائر،فالباب غير محرر عنده على أصول السلف..
أما أهل السنة المحققون لنزاع السلف ووفاقهم فمثالهم شيخ الإسلام القائل :
((وأما قولهم إن شعيبا والرسل ما كانوا في ملتهم قط،وهي ملة الكفر = فهذا فيه نزاع مشهور ،وبكل حال فهذا خبر يحتاج إلى دليل سمعي أو عقلي،وليس في أدلة الكتاب والسنة والإجماع ما يخبر بذلك ،وأما العقل ففيه نزاع،والذي عليه نظار أهل السنة أنه ليس في العقل ما يمنع ذلك....وأما تحقيق القول فيه فالله سبحانه إنما يصطفي لرسالته من كان من خيار قومه ...ومن نشأ بين قوم مشركين جهال لم يكن عليه منهم نقص ولا بغض ولا غضاضة إذا كان على مثل دينهم إذا كان عندهم معروفاً بالصدق والأمانة وفعل ما يعرفون وجوبه واجتناب ما يعرفون قبحه وقد قال تعالى : ((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً)) فلم يكن هؤلاء مستوجبين العذاب قبل الرسالة وإن كان لا هو ولا هم يعرفون ما أرسل به.
وفرق بين من يرتكب ما علم قبحه وبين من يفعل مالم يعرف ؛فإن هذا الثاني لا يذمونه ولا يعيبون عليه ولا يكون فعله مما هم عليه منفراً عنه بخلاف الأول...))
ويقول الشيخ :
((وقد أخبر الله أن لوطا كان من أمة إبراهيم، وممن آمن له ثم أن الله أرسله; والرسول الذي نشأ بين أهل الكفر الذين لا نبوة لهم، ثم يبعثه الله فيهم، يكون أكمل وأعظم ممن كان من قوم لا يعرفونه; فإنه يكون بتأييد الله له أعظم من جهة تأييده بالعلم والهدى، ومن جهة تأييده بالنصر والقهر.
قلت: وبهذا يظهر اختلاف درجات الأنبياء والرسل، وعدم الاحتجاج إلى التكلف في الجواب عن مثل آية إبراهيم ونحوها، وأن قصارى ما يقال في مثل قوله لنبينا:{ وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى} [سورة الضحى آية : 7] ، وقوله:{ مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الأِيمَانُ } [سورة الشورى آية : 52] هو عدم العلم بما جاء من النبوة والرسالة، وتفاصيل ما تضمن من الأحكام الشرعية والأصول الإيمانية.
وهذا غاية ما تيسر لنا في هذا المقام الضنك الذي أحجم عنه فحول الرجال وأهل الفضائل والكمال، ونستغفر الله من التجاسر والوثوب على الكلام في مثل هذا المبحث الذي زلت فيه أقدام، وضلت فيه أفهام واضطربت فيه أقوال الأئمة الأعلام )).
وقال الشيخ : ((وقد أخبر الله أن لوطا كان من أمة إبراهيم، وممن آمن له ثم أن الله أرسله..وكذلك يوشع كان من أمة موسى وكان فتاه ثم إن الله أرسله وكذلك هارون.لكن هارون ويوع كانا على دين بني إسرائيل ملة إبراهيم،وأما لوط فلم يكن قبل إبراهيم من قومه ملة نبي يتبعها لوط،بل لما بعث الله إبراهيم = آمن له)).
وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -:
((قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} ظَاهِرُهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ شُعَيْبًا وَاَلَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ كَانُوا عَلَى مِلَّةِ قَوْمِهِمْ؛ لِقَوْلِهِمْ: {أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} وَلِقَوْلِ شُعَيْبٍ: (أنَعُودُ فِيهَا {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} وَلِقَوْلِهِ: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ} فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا فِيهَا. وَلِقَوْلِهِ: {بَعْدَ إذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا} . فَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَنْجَاهُمْ مِنْهَا بَعْدَ التَّلَوُّثِ بِهَا؛ وَلِقَوْلِهِ: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا} وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الضَّمِيرُ عَائِدًا عَلَى قَوْمِهِ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ فِيهِ بِقَوْلِهِ: {لَنُخْرِجَنَّك يَا شُعَيْبُ} وَلِأَنَّهُ هُوَ الْمُحَاوِرُ لَهُ بِقَوْلِهِ: {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} إلَى آخِرِهَا وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ الْمُتَكَلِّمُ وَمِثْلُ هَذَا فِي سُورَةِ إبْرَاهِيمَ {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُ مْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ} )).
أما كلام ابن القطان = فهو مجمل في عصمة الأنبياء من الكبائر،وهذا الإطلاق نفسه يطلقه شيخ الإسلام،وليس فيه تعرض لمحل النزاع من وقوع الشرك قبل البعثة جرياً على دين أقوامهم؛لأن الكبائر المقصودة هي ما يقع من سرقة وزنا يضر بمقام النبوة ويسقطهم من أعين أقوامهم،ولذلك استوت الكبائر والصغائر المشينة في العصمة..
أما الشرك فيقول الشيخ :
((ومن نشأ بين قوم مشركين جهال لم يكن عليه منهم نقص ولا بغض ولا غضاضة إذا كان على مثل دينهم إذا كان عندهم معروفاً بالصدق والأمانة وفعل ما يعرفون وجوبه واجتناب ما يعرفون قبحه وقد قال تعالى : ((وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً)) فلم يكن هؤلاء مستوجبين العذاب قبل الرسالة وإن كان لا هو ولا هم يعرفون ما أرسل به.
وفرق بين من يرتكب ما علم قبحه وبين من يفعل مالم يعرف ؛فإن هذا الثاني لا يذمونه ولا يعيبون عليه ولا يكون فعله مما هم عليه منفراً عنه بخلاف الأول...))
فلا يُعارض بهذه العبارة المجملة حكاية عالم محقق كشيخ الإسلام للنزاع،خاصة إذا تنبهنا إلى أن ابن القطان ينسب للجمهور عصمة الأنبياء من الصغائر وهذا مخالف لإجماع السلف..