بارك الله فيكم
يظهر لي ان المقصود ضعف الشريعة وذهاب العلم والعلماء حتى لايبقى من يجتهد في الاحكام
وقد حكى الغزالي اجماع اهل الاصول على جواز وقوع ذلك في شرع من قبلنا
واختلفوا هل يحصل هذا في شريعة الاسلام ؟؟
فمنهم من منع ذلك ومنهم من جوزه .
الاان الجويني امام الحرمين المتوفى( 478هـ). قال في البرهان : ولكنا نقول إن قامت القيامة في خمسمائة سنة فيغلب على الظن أن الشريعة لا يندرس أصلها ولا تفاصيلهاالدواعي على تعلمها متوفرة وإن تمادت الآماد فيتوقع اندراسها بقبض العلماء الناقلين لها فانطماسها بقبض ( حملتها ) هذا نهاية القول في غلبة الظن
قال العطار الشافعي (المتوفى: 1250هـ) في حاشيته متعقبا الجويني
وقوله: وإن امتدت إلى خمسمائة مثلا أي من عصره وقد مضت الخمسمائة بالنسبة إلى عصرنا والشريعة بحمد الله محفوظة ولكنه بعد مجاوزة الألف اشتد التناقض وفي عصرنا وهو القرن الثالث عشر ضعف الطالب والمطلوب بتراكم عظائم الخطوب نسأل الله السلامة. والله اعلم
واتماما للفائدة
وهل يجوز خلو العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه ؟
تحرير محل النزاع:
الاجتهاد قسمان: عام وخاص.
فالعام:
بذل الجهد في تطبيق أحكام الشريعة في حياتنا العملية، وهذا يكون من المجتهد ويكون من المقلد، وقد اتفقوا على أنه لا يخلو منه زمان.
والخاص:
بذل الجهد في استنباط الأحكام الشرعية من الأدلة، وهذا وظيفة المجتهد المطلق، وهو محل النِّزاع، فاختلف فيه العلماء هل يخلو العصر منه أم لا؟ على مذهبين:
المذهب الأول:
أنه يجوز خلوُّ العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه، وإليه ذهب الغزالي والرازي والزركشي والرافعي وغيرهم.
المذهب الثاني:
أنه لا يجوز خلو الزمان عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه، وإليه ذهب الحنابلة وغيرهم.
الأدلة والمناقشة :
استدل أهل المذهب الأول القائلون بجواز خلو العصر عن المجتهد بأدلة شرعية ودليل عقلي:
أما الأدلة الشرعية فهي:
الأول: قوله -عليه الصلاة والسلام-: " بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ " .
ووجه الاستدلال:
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبر أن الإسلام سيعود غريبًا، وهذا يدل على أنه يأتي زمان يخلو فيه عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه.
وناقش أهلُ المذهب الثاني الدليلَ:
بأن الغربة لا تدل على عدم وجود من يدافع عن الحق ممن تقوم بهم الحجة، من المجتهد الذي يرجع إليه الناس في فتاويهم، بل ربما أشعرت بوجوده، بدليل قوله آخر الحديث: فطوبى للغرباء، الذين يصلحون إذا فسد الناس، أو يصلحون ما أفسد الناس .
الثاني: قوله -صلى الله عليه وسلم-: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقَ عالم اتخذ الناس رؤساء جهالًا، فسئلوا فأفتَوْا بغير علم، فضلُّوا وأضلوا " .
ووجه الدلالة:
أن الحديث دل على أنه يكون زمان لا عالم فيه يفتِي بعلم، ولازمُ هذا أن يكون زمان لا مجتهد فيه؛ لأن العلم أعمَّ من الاجتهاد، والاجتهاد أخصّ من العلم، فإذا انتفى الأعم انتفى الأخص ضرورة.
ونوقش هذا الدليل:
بأن الحديث محمول على أن ذلك يحصل بعد إرسال الريح اللينة التي يقبض عندها روح كل مؤمن ومؤمنة، جمعًا بين الأدلة.
الثالث: قوله -صلى الله عليه وسلم-: " تعلَّموا الفرائض وعلِّموها الناس، فإني امرؤ مقبوض، وإن العلم سيُقبض وتظهر الفتن، حتى يختلف الاثنان في الفريضة، فلا يجدان من يفصل بينهما " .
ووجه الاستدلال:
أن الحديث دل على أنه يكون زمان لا يجد الاثنان من يفصل بينهما في الفريضة، ولازم هذا خلوُّ الزمان عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه.
ونوقش هذا الدليل:
بأن الحديث غير صحيح، فقد رواه أحمد من حديث أبي الأحوص عنه نحوه بتمامه، والنسائي والحاكم والدارمي والدارقطني كلهم من رواية عوف عن سليمان بن جابر عن ابن مسعود وفيه انقطاع .
الرابع: قوله -عليه السلام-:" لتركبُنَّ سنن من كان من قبلكم شبرًا بشبرًا، وذراعًا بذراع " .
ووجه الدلالة:
أن الحديث يدل على أن هذه الأمة تتبع سنن من كان قبلها، ويلزم من هذا خلوُّ العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه.
ونوقش هذا الدليل: بأن الحديث لا يفيد أن الأمة كلها تتبع سنن من كان قبلها، وإنما المراد: الأغلب، ولا تزال طائفة من هذه الأمة على الحق منصورة، مستقيمة عليه حتى تقوم الساعة كما ورد في الحديث .
على أن من كان قبلنا قد بقيت منهم بقية على الدين الصحيح، حتى آمنوا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- كعبد الله بن سلام وغيره.
الخامس: قوله -صلى الله عليه وسلم-: " خير القرون قرني الذي أنا فيه، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه، ثم تبقى حثالة كحثالة التمر، لا يعبأ الله بهم " .
ووجه الاستدلال: أن النبي -عليه السلام- أخبر أنه يكون بعد القرون المفضلة، حثالة كحثالة التمر، ولازم هذا خلو العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه.
وأجيب عن هذا الدليل بجوابين:
أحدهما: أن قوله: ثم تبقى حثالة كحثالة التمر. لم تصحّ.
الثاني: على تقدير صحة هذه الجملة، فإنه يُحْمل على ما بعد الريح اللينة، وقبض أرواح المؤمنين جمعًا بين الأدلة.
وأما الدليل العقلي:
فهو: أنه لو امتنع خلو الزمان عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه لامتنع إمَّا لذاته، وإمَّا لأمر خارج عنه، وامتناعه لذاته محال، فإنه لو فرض وقوعه لم يلزم عنه لذاته محال عقلًا، وأما امتناعه لأمر خارج فالأصل عدمه، وعلى مدعيه البيان.
ونوقش هذا الدليل:
بأن هذا الاستدلال غير صحيح؛ لأنه استدلال على إثبات الإمكان الخارجي بمجرد الإمكان الذهني، وهو غير كافٍ في ذلك؛ لأن الإمكان الخارجي إنما يثبت بالعلم بعدم الامتناع، والإمكان الذهني عبارة عن عدم العلم بالامتناع، وعدم العلم بالامتناع لا يستلزم العلم بعدم الامتناع .
استدل أهل المذهب الثاني، القائلون بأنه لا يجوز خلوُّ الزمان عن مجتهد، يمكن تفويض الفتاوى إليه بثلاثة أدلة شرعية ودليلين عقليين:
أما الأدلة الشرعية فهي:
الأول: قوله -صلى الله عليه وسلم-:" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله " .
ووجه الاستدلال:
أن ظهور طائفة على الحق في زمان ما، يلزم منه وجود الاجتهاد فيه؛ لأن القيام بالحق لا يمكن إلا به، وقد أخبر -عليه الصلاة والسلام- أنه لا يخلو عصر من قائم على الحق، فيكون هذا إخبارًا بعدم خلو عصر عن مجتهد.
الثاني: قوله -عليه الصلاة والسلام-: " واشوقاه إلى إخواني، قالوا يا رسول الله، ألسنا إخوانك؟ فقال: أنتم أصحابي، وإخواني قوم يأتون بعدي، يهربون بدينهم من شاهق إلى شاهق، ويصلحون إذا فسد الناس " .
ووجه الدلالة:
أن النبي -عليه السلام- أخبر بأنه يوجد إخوان له يصلحون عند فساد الناس، والصلاح إنما يكون بالعلم والاجتهاد، وهذا يلزم منه عدم خلو عصر من مجتهد، وإلا لصار الناس كلهم جهَّالًا وفسدوا.
الثالث: قوله -صلى الله عليه وسلم-:" وأن العلماء ورثة الأنبياء " .
ووجه الدلالة:
أن أحقَّ الأمم بإرث العلم: هذه الأمة، وأحق الأنبياء بإرث العلم عنه: نبيُّ هذه الأمة، وهذا دليل على أنه لا يخلو عصر عن مجتهد.
وعندي: أن هذا الدليل لا يدل على المطلوب؛ إذ قد يورث العلم ولا يوجد الاجتهاد؛ لأن العلم أعم من الاجتهاد، ووراثة الأعم، وهو العلم، لا تستلزم وراثة الأخصّ وهو الاجتهاد.
وأما الدليلان العقليان:
فالأول: أن الاجتهاد والتفقه في الدين فرض كفاية، إذا تركه الكل أثموا، فلو جاز خلو العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه، لزم منه اجتماع الأمة على الخطأ والضلالة، وهذا باطل ممتنع؛ للأدلة التي تدل على عصمة الأمة فيما أجمعت عليه.
الثاني: أن الاجتهاد طريق لمعرفة الأحكام الشرعية، فلو جاز خلو العصر عن مجتهد يُرجع إليه في معرفة الأحكام، لزم منه تعطيل الشريعة وذهابها واندراس الأحكام، وهذا باطل ممتنع؛ للأدلة الدالة على حفظ الشريعة وبقائها إلى قيام الساعة.
وناقش أهل المذهب الأول - القائلون بأنه يجوز خلو العصر عن المجتهد- الدليلان العقليان، فقالوا:
متى يكون الاجتهاد والتفقه في الدين فرض كفاية، ويلزم من فقده تعطيل الشريعة واندراس الأحكام، هل ذلك إذا أمكن أن يعتمد العوام في عصرهم على الأحكام المنقولة إليهم في العصر الأول عمن سبقهم من المجتهدين ؟ وهذا ممنوع.
أو إذا لم يمكنهم الاعتماد على أحكام المجتهدين السابقين لعصرهم؟ وهذا مسلَّم، ولكننا لا نسلّم امتناع هذا وعدم إمكانه، بل هو ممكن وغير ممتنع.
وأجاب أهل المذهب الثاني على المناقشة:
بأن الوقائع في الوجود لا تنحصر، فلا يصح دخولها تحت الأدلة المنحصرة، فلا بد من فتح باب الاجتهاد؛ للنظر فيما يحدث من الوقائع التي لا تكون منصوصًا عليها، ولا يوجد للأولين فيها اجتهاد، فلو جاز خلو العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه للزم الوقوع - عند حدوث الوقائع المتجددة - في أحد محذورين:
أحدهما: أن يُترك الناس فيها مع أهوائهم، وهذا باطل ممتنع.
الثاني: أن ينظر فيها بغير اجتهاد شرعي، وهذا اتباع للهوى أيضًا، وهو باطل ممتنع، وحينئذ لا بد من أحد أمرين:
1- التوقف لا إلى غاية، وهذا يلزم منه تعطيل التكليف.
2- أو تكليف ما لا يطاق، وهذا باطل.
فظهر أنه لا بد من الاجتهاد في كل زمن، ولا يمكن خلوُّ العصر عن مجتهد تفوَّض إليه الفتاوى؛ لأن الوقائع تتجدد، ولا تختص بزمن دون زمن.
الترجيح:
بعد أن سقنا أدلة المذهبين، ومناقشة كلٌّ منهما للآخر، يبدو لي أن الراجح من المذهبين هو: المذهب الثاني، وهو القول بأنه لا يجوز خلو العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه.
وجه ترجيحه:
1- ما سبق من مناقشة أدلة أهل المذهب الأول، وهو القول بجواز خلو العصر عن مجتهد، والإجابة عن مناقشتهم لأدلة أهل المذهب الثاني.
2- أن الله تعالى لو أخلى زمانًا من مجتهد قائم لله بالحجة لزال التكليف؛ إذ التكليف لا يثبت إلا بالحجة الظاهرة، وإذا زال التكليف بطلت الشريعة.
3- أنه لو عدم الفقهاء المجتهدون لم تقم الفرائض كلها، ولو عطّلت الفرائض كلها لحلت النقمة كما في الحديث: لا تقوم الساعة إلا على شِرار الناس .
4- ادعاء خلو العصر عن مجتهد يمكن تفويض الفتاوى إليه في الأزمنة المتأخرة، حصر لفضل الله على بعض خلقه، وقصر فهم هذه الشريعة على من تقدم عصره، وهذا -مع أنه لا دليل عليه، بل هو دعوى- فيه جرأة على الله، ثم على شريعته الموضوعة لكل عبادة، ثم على عباده الذين تعبَّدَهم الله بالكتاب والسنَّة .
منقول من موقع هدى الاسلام