قراءة في كتاب: "الموفى في معرفة أسماء ونعوت المصطفى"
تأليف: فضيلة العلامة الدكتور محمد خروبات حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وأصحابه الغر الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فإن من أفضل الأعمال التي يتقرب بها المؤمن إلى ربه جل وعلا هو محبته لنبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، هذه المحبة التي لا تتمكن ولا ترسخ في قلب المؤمن إلا بدراسة سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ بدراستها يقف المسلم على الجوانب العملية والأخلاقية والتربوية في حياته صلى الله عليه وسلم، وكل من درس السيرة النبوية بتجرد وإنصاف سواء كان مسلما أو غير مسلم لا شك أنه سيقف على جوانب شتى من الأخلاق الفاضلة، والصفات الجميلة، والخلال الجليلة، التي تميز بها شخص النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والتي تجعل محبته تدخل القلب بلا استئذان.
لذلك عكف العلماء قديما وحديثا على دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع اختلاف مناهجهم في ذلك. فمنهم من اعتنى بجمع الروايات دون النظر إلى درجتها من الصحة والضعف، كما هو الشأن في سيرة ابن إسحاق، ومنهم من اعتنى بجانب الدلائل كما صنع البيهقي وأبو نعيم في دلائل النبوة، ومنهم من اعتنى بجانب الخصائص، كما فعل السيوطي في الخصائص الكبرى، ومنهم اعتنى بقضية استنباط الدروس والعبر والعظات التي اشتملت عليها السيرة النبوية كما هو الشأن عند ابن القيم في زاد المعاد. ومنهم من اعتنى بدراسة أسمائه وصفاته ونعوته صلى الله عليه وسلم كما هو صنيع الإمام أبي الخطاب ابن دحية الكلبي الأندلسي في كتابه: (المستوفى في أسماء المصطفى).
ومن المعاصرين فضيلة العلامة الدكتور محمد خروبات حفظه الله في كتابه القيم:
"الموفى في معرفة أسماء ونعوت المصطفى" وهو الكتاب الذي سنحاول –بإذن الله تعالى- أن نعطي نبذة مختصرة عنه في هذه السطور.
والكتاب يتألف من مقدمة عامة، وخمس فصول، وخاتمة عامة.
وقد تناول المؤلف في مقدمته الكلام عن المعرفة الإسلامية مشيرا إلى أن هذه المعرفة تبدأ بالأسماء، "فهي أول ما يتعلمه الإنسان في حياته، وهي أول ما يعقله العقل".
ومن هذا المنطلق فإن "معرفة الله عز وجل تبدأ بمعرفة أسمائه، فمن غابت عنه أسماء الله الحسنى فقد غابت عنه معرفة ربه عز وجل".
و"كذلك نبيه محمد صلى الله عليه وسلم له أسماء سمي بها, القليل منها معروف، لكنه مهجور، وكثيرها غير معروف.. فالمعرفة الشاملة به صلى الله عليه وسلم لا تتحقق إلا بمعرفة أسمائه".
ولأهمية معرفة أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ونعوته وأوصافه ألف هذا الكتاب، حرصا من مؤلفه حفظه الله على نشر المعرفة الإسلامية، ومساهمة منه في نصرة المصطفى صلى الله عليه وسلم, إذ التعريف به وبنعوته وأوصافه وسيرته من أنجع الوسائل في نصرته، لا مجرد الشعارات التي لا ثمرة لها في الواقع.
وقد كان هذا الكتاب في الأصل أحد فصول كتاب المؤلف: (الأنوار البهية) وهو كتاب في السيرة النبوية، وهو الآن قيد الطبع، فرأى المؤلف بعد تطويله وتطويره أن يخرجه في كتاب مستقل سماه: (الموفى في معرفة أسماء ونعوت المصطفى). وهو الكتاب الذي بين أيدينا الآن.
وقد تعرض المؤلف أيضا في آخر مقدمته إلى نقطة مهمة وتتعلق بفائدة هذا البحث، فأشار إلى أنه أخرج هذا المصنف رغبة منه في "توسيع دائرة الاهتمام بالأسماء النبوية، والأوصاف والنعوت المصطفوية، وجعلها علما يؤخذ بأسبابه المنهجية، وفنا يستخلص بالطرق والأساليب المعرفية، ثم بالدفع بذلك كله في مجال الفهم العام، فما أحوج الناس إلى معرفة أسماء هذا النبي الكريم، ومعرفة أسمائه هو حق من حقوقه على أمته، وهي المدخل الأساس لمعرفة سيرته العطرة".
بالإضافة إلى أن هذا البحث" سيمكن الدعاة إلى الله من تقوية حجتهم، والنجاح في مهمتهم، كما سيمكن الباحثين في العلوم الإسلامية من توسيع مداركهم في مجال السيرة النبوية ودراسة المذاهب والعقائد والفرق، كما أنه سيساعد المتحاورين مع أهل الكتاب، ودعاة حوار الأديان، من الوقوف على أسباب انحراف العقائد الأخرى للتخلص من رواسب الشذوذ الفكري الداعي إلى الانحراف عن عقيدة الإسلام".
هذا باختصار ما حوته المقدمة العامة.
أما محتويات الكتاب فقد ذكرت أنه يتألف من خمسة فصول:
أما الفصل الأول فهو في: علم أسماء النبي صلى الله عليه وسلم
الفصل الثاني: الأسماء التي ذكر بها في القرآن الكريم.
الفصل الثالث: في الأسماء المركبة أو المضافة.
الفصل الرابع: أسماءه على أوزان مختلفة.
الفصل الخامس: أسماءه في الكتب المتقدمة مع بحث الكنية واللقب.
وتحت كل فصل من هذه الفصول مباحث كثيرة مطولة، ومناقشات مفيدة، وتعليقات قيمة، تدل على رسوخ قدم المؤلف في علم السيرة النبوية.
وقد سلك المؤلف في بحثه هذا منهجا قويما يقوم على عرض المسائل وتحليلها ومناقشتها مناقشة علمية، في إطار البحث العلمي الرصين، والخلق الإسلامي القويم. معتمدا في ذلك على الدقة في البحث، مع جزالة العبارة وسلاسة الأسلوب بحيث يفهم القارئ المعنى المراد دون عناء ولا تعب.
وقد تتبع المؤلف أسماء النبي صلى الله عليه وأوصافه ونعوته الوردة في القرآن الكريم والسنة النبوية، والكتب السماوية المتقدمة كالتوراة والإنجيل، معتمدا في ذلك قواعد المحدثين في تمحيص الصحيح من الضعيف، فيما وردت به الآثار من ذلك. مع مناقشة أهل الكتاب فيما ورد في كتبهم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وأوصافه ونعوته مما لم تطله أيدي الطمس والكتمان، وتناولته أيدي التحريف والتبديل والإلحاد، حيث حرفوا وغيروا وبدلوا فيما وجد عندهم من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم، وعدلوا بها عن معناها الصحيح إلى معاني أخرى تتوافق وما هم عليه من الكفر والإلحاد والزندقة، فناقشهم المؤلف حفظه الله في ذلك مناقشة علمية مبينا خطأهم وزيغهم عن الصواب فيما ذهبوا إليه، مع بيان وجه الحق والصواب الذي زاغوا عنه.
وبعد تتبع المؤلف لأسماء النبي صلى الله عليه وسلم وأوصافه ونعوته سواء في القرآن أو السنة أو الكتب المتقدمة، فقد شرحها شرحا وافيا مستفيضا، معتمدا في ذلك معاجم اللغة في تحليل هذه الأسماء والأوصاف من حيث اللغة، مع ما يكتنف ذلك من الإشارات البديعة إلى معانيها القيمية والروحية، وإلى دلالاتها المتنوعة، معتمدا في بيان هذه المعاني كلام كثير من أهل العلم المطلعين، الذين أثروا الموضوع بموروث علمي زاخر كالإمام أبي الخطاب ابن دحية، والإمام القاضي عياض، والإمام الغزالي، والإمام ابن تيمية، وغيرهم كثير.
كما نجد المؤلف قد اعتمد أيضا الميزان الصرفي في تصنيف كثير من هذه الأسماء على حسب الأوزان الصرفية المختلفة، فمنها مثلا ما جاء على وزن مفعل كالمبشر، ومفتعل كالمجتبى، ومفعل كالمزكي. وغيرها كثير جاء على أوزان مختلفة.
كما نجده في أحد المباحث وهو المبحث الخامس من الفصل الأول قد لخص هذه الأسماء ورتبها على حسب حروف المعجم، مما يسهل إحصاءها، والإطلاع عليها مجتمعة.
ولا تفتني الإشارة كذلك إلى أن الكتاب أيضا احتوى على بعض الأشعار الفصيحة التي اشتملت على كثير من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم منسوبة لفحول الشعراء في الجاهلية والإسلام كأبي طالب، وحسان بن ثابت، وغيرهما. مع الإشارة كذلك إلى بعض المنظومات في السيرة النبوية والتي تناولت جانب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم ونعوته وأوصافه، كمنظومة العراقي في السيرة وغيرها.
أما مصادر ومراجع الكتاب التي استفاد منها المؤلف فهي كثيرة ومتنوعة، وهذا ما يبرز القيمة العلمية للكتاب حيث تميز بثراء المادة العلمية، والخصوبة المعرفية، التي ميزت فصول الكتاب ومباحثه.
وهذه المصادر والمراجع يمكن تصنيفها حسب العلوم والتخصصات، فمنها ما يرجع إلى علم التواريخ والسير، ككتب التواريخ عموما، وكتب السيرة النبوية خصوصا.
ومنها ما يرجع إلى علوم اللغة العربية وآدابها كالمعاجم اللغوية، والدواوين الشعرية، والمنظومات العلمية.
ومنها ما يرجع إلى علوم التفسير ككتب التفسير الكثيرة بأنواعها.
ومنها ما يرجع إلى علم الحديث ككتب الحديث المتعلقة بعلومه رواية ودراية.
ومنها ما يرجع إلى علوم العقائد ككتب الفرق الملل والنحل السابقة واللاحقة، وأيضا بعض الكتب السماوية المتقدمة كالتوراة والإنجيل وغيرها.
ومنها كتب الدراسات والأطروحات المعاصرة والتي تعنى بهذا الموضوع. وهي أيضا كثيرة ومتنوعة.
ولم تقف هذه المصادر والمراجع عند هذا الحد بل شملت كذلك كثيرا من المخطوطات، مما يدل على الموسوعية والاستقصاء في البحث.
هذا باختصار ما يتعلق بمحتويات الكتاب.
وأما خاتمة الكتاب فقد لخص فيها المؤلف ما خلص فيه من بحثه:
وهذه الخلاصة تتمثل في:
أن نصرة النبي صلى الله عليه وسلم لا تتأتى إلا بالتعريف به، وفي مقدمة ما يجب أن يعرف عنه أسماءه.
وأن معرفة أسمائه سنة يأخذها الآخر عن الأول.
وأن هذه المعرفة كانت سائدة حيث ألفت فيها الكتب وصنفت فيها المصنفات.
وأن معرفة أسماءه ينبغي أن تكون علما يؤخذ بأسبابه المنهجية.
ويجب أن تترجم إلى لغات العالم، حتى يخرق الحصار المضروب على هذا النوع من المعرفة.
وأن البحث في الكتب المتقدمة عن أسمائه لا ينبغي أن يتوقف بدعوى غلب الباب في وجه الإسرائليات.
وأن الحوار مع أهل الكتاب هو من أجل الوقوف على حقيقة الإسلام الموجودة في كتبهم، وعلى صفة وشأن ومبعث محمد صلى الله عليه وسلم.
وأن عدد الأسماء التي جاء في الحديث لا يفيد الحصر.
وأن هذه الأسماء على تعدادها واختلافها وتنوعها، لا تعني غير محمد صلى الله عليه وسلم فهو المقصود بها.
وأن هذه المحاولة التي قام بها المؤلف لا يدعي بها الاستقصاء في معرفة عدد الأسماء ولا التوقف النهائي عند المعاني والدلالات التي حوتها مباني هذه الأسماء، وإنما هي محاولة توضيح وبيان، الأساس منها كشف هذه الأسماء والنعوت والأوصاف، والتمييز بينها من أجل معرفتها.
هذا ملخص ما خلص إليه المؤلف حفظه الله من بحثه القيم هذا، وفي نظري يعد هذا السفر المبارك موسوعة علمية تضمنت ما يتعلق بأسماء النبي صلى الله عليه وسلم ونعوته وأوصافه، إحصاء وتتبعا، وشرحا وبيانا، كما أنه يشكل مادة علمية دسمة فيما يتعلق بعلوم السيرة واللغة والتفسير والحديث والعقائد بما فيها الملل والنحل, وغيرها من العلوم والمعارف، وهو جهد رفيع، يضاف إلى الجهود الأخرى التي ميزت شخصية العلامة الدكتور محمد خروبات حفظه المولى، والتي حظيت باهتمام بالغ من كثير من المثقفين وطلبة العلم على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم، ودرجاتهم العلمية.
والكتاب في النهاية جهد جبار لم يأت من فراغ بل هو نتاج تجربة طويلة وخبرة كبيرة في ميدان العلم والبحث والتدريس، وهو بحث نفيس يضاف إلى رصيد المكتبة الإسلامية.
وكتبه رشيد الزات: طالب باحث.