بسم الله الرحمن الرحيم
فصل في علم الغيب انواعه ومن هم الذين سمح الله لهم ان يطلعوا على جزء منه.
وهذا هو عنوان حلقة اليوم الحديث عن علم الغيب من القرآن الكريم, فما احوجنا ان نحيط به علما حتى لا نقع في الكفر والشرك بالله في قدرة من قدراته ونعتقد ان هناك من يملك الاطلاع عليه الا بمقدار لان الله قدر كل شئ ومحيط بكل شئ.

وسبب الحديث عن علم الغيب وما احيط به هو ما نراه اليوم من تنجيم وفتح بالفنجان والودع والسحر والطالع وغيرها من فنون الدجل التي اصبحت مهنة مربحة للكثيرين وطريقة لكسب العيش, والغريب ان وقودهم اناس من مجتمعاتنا ويعيشون بيننا ويدينون بديننا وليس غرباء يقطنون كواكب اخرى!!

ولقد جاء في الحديث عن هاؤلاء الذين يقصدون هذه الفئة ويصدقونهم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ عَرَّافًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "

وبهذا كفر بالله وكتابه الذي انزل على رسول الله وبنبوة رسول الله ورسالته عليه الصلاة والسلام.
وعلم الغيب هو قدرة من القدرات التي لا تنبغي الا لله سبحانه تعالى عما يشركون ويدعون, وهي قدرة حاول الكثير من الجن والانس نسبها لهم بانهم يتطلعون الغيب ويعرفون مصير الناس واحوالهم ومستقبلهم وما سيحصل معهم او من اذاهم, ولا يعلم من يقصدهم حكم الدين في التعامل معهم ولا يعلم ماذا فعل بقبوله لهذه الاكاذيب ولا يعلم حجم المصيبة التي جائها بنفسه لانه خرج بهذا عن الايمان وعن عبادة الرحمن الذي هو الملجئ والمفر الوحيد له وعنده الشفاء والحلول والخلاص الذي هو اولى ان يقصد, الا ان الكثيرون آثروا ان يلجؤوا لغير الله وبهذا جعلوا من هاؤلاء المشعوذين ندا لله او اعتقدوا انهم اولياء لله وحاشا لله ان يتخذ ولدا او شريكا في الملك او شريكا في القدرات التي لا تنبغي الا لعظمته او وليا من الذل فهو الغني عن خلقه جميعا فكيف لولي من اولياء الله ان يكذب على الله ويضلل عباده ويدعي علم الغيب الذي ذكره الله في كتابه العزيز انه خاصته وقدرة من قدراته.

ولقد جاء في كتاب الله العزيز توضيحا ان الغيب الذي كان يطلع الله عليه رسله كان بواسطة الوحي, وهو الغيب الذي اراد لله لرسله ان يصل اليهم, وهذا دليل على ان العلاقة بين الله سبحانه وتعالى وبين ورسلة كانت بالوحي, والوحي لا يتصل الا برسل الله الذين ارسلهم وذكرهم بالقرآن ولقد ارسلوا للانس والجن معا كما سيأتي معنا ولقد توقفوا بامر الله وذلك في قوله تعالى:

ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم اذ يلقون اقلامهم ايهم يكفل مريم وما كنت لديهم اذ يختصمون سورة آل عمران - آية 44
تلك من انباء الغيب نوحيها اليك ما كنت تعلمها انت ولا قومك من قبل هذا فاصبر ان العاقبة للمتقين
سورة هود - آية 49
ذلك من انباء الغيب نوحيه اليك وما كنت لديهم اذ اجمعوا امرهم وهم يمكرون
سورة يوسف - آية 102
اذا علمنا ان الغيب الذي سمح به الله سبحانه وتعالى لا يكون الا بالوحي.

من يعلم الغيب:
الغيب لا يعلمه الا الله وحده ولقد قسمه الى قسمين فمنه غيب بينه وبين رسله وذلك في قوله تعالى: ولا يحيطون بشئ من علمه الا بما شاء(اية الكرسي – سورة البقرة) وهذا دلالة على انه هو الذي يطلعهم على ما شاء من علمه اي رسله الذين ارتضاهم, وغيب لا يطلع عليه احدا وذلك في قوله تعالى:
وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها الا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة الا يعلمها ولا حبة في ظلمات الارض ولا رطب ولا يابس الا في كتاب مبين سورة الأنعام - آية 59
قل لا يعلم من في السماوات والارض الغيب الا الله وما يشعرون ايان يبعثون سورة النمل - آية 65
ويقولون لولا انزل عليه اية من ربه فقل انما الغيب لله فانتظروا اني معكم من المنتظرين سورة يونس - آية 20

علم الغيب صفة من صفات الله وقدرة من قدراته سبحانه كما جاء في قوله تعالى:
وهو الذي خلق السماوات والارض بالحق ويوم يقول كن فيكون قوله الحق وله الملك يوم ينفخ في الصور عالم الغيب والشهادة وهو الحكيم الخبير سورة الأنعام - آية 73
يعتذرون اليكم اذا رجعتم اليهم قل لا تعتذروا لن نؤمن لكم قد نبانا الله من اخباركم وسيرى الله عملكم ورسوله ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون سورة التوبة - آية 94
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون
سورة التوبة - آية 105
عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال سورة الرعد - آية 9
عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون سورة المؤمنون - آية 92
هو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم سورة الحشر - آية 22
قل ان الموت الذي تفرون منه فانه ملاقيكم ثم تردون الى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون سورة الجمعة - آية 8
عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم سورة التغابن - آية 18
ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم سورة السجدة - آية 6
وقال الذين كفروا لا تاتينا الساعة قل بلى وربي لتاتينكم عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الارض ولا اصغر من ذلك ولا اكبر الا في كتاب مبين سورة سبأ - آية 3
قل اللهم فاطر السماوات والارض عالم الغيب والشهادة انت تحكم بين عبادك في ما كانوا فيه يختلفون
سورة الزمر - آية 46

هل الانبياء يعلمون الغيب؟:
نذكر الايات التي ورد فيها ان الله سبحانه وتعالى لا يطلعهم على الغيب متى شاؤوا بل متى شاء سبحانه والايات جائت على لسان رسله يقروون انهم لا يعلمون الغيب:
ما كان الله ليذر المؤمنين على ما انتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما كان الله ليطلعكم على الغيب ولكن الله يجتبي من رسله من يشاء فامنوا بالله ورسله وان تؤمنوا وتتقوا فلكم اجر عظيم
سورة آل عمران - سورة 3 - آية 179
قل لا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول لكم اني ملك ان اتبع الا ما يوحى الي قل هل يستوي الاعمى والبصير افلا تتفكرون
سورة الأنعام - آية 50
قل لا املك لنفسي نفعا ولا ضرا الا ما شاء الله ولو كنت اعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء ان انا الا نذير وبشير لقوم يؤمنون سورة الأعراف - آية 188
ولا اقول لكم عندي خزائن الله ولا اعلم الغيب ولا اقول اني ملك ولا اقول للذين تزدري اعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله اعلم بما في انفسهم اني اذا لمن الظالمين سورة هود - 31

وفي هذا دليل على انهم اي رسل الله لا يعلمون الغيب كامله وهم عباد الله الذين اصطفاهم ليبلغوا دينه وهم خيرة خلقه, فكيف يعلمها اذا بشر عاديين لا يملكون اي مكانة عند الله, وهل يعتقد احدا ان هناك عبد من عباد الله قد يعطيه الله هذا العلم وهذا الشرف وهذه القدرة التي لم يعطيها للانبياء, ولقد ذكرنا ان هناك غيب اراد الله ان يطلع عليه رسله بالوحي ولا يستطيعون ان يتكلمون بالغيب ويردوا على كل ما يسالوا عنه بل كانوا ينتظرون اوامر الله ليطلعهم على ما ارتضى ان يطلعوا عليه؟

فيطلع الله على غيبه الذي اراد الله له ان يصل الى الرسل بقصد التبليغ لمنفعة او تحذير كما ذكر عن صفات الدجال او عن علامات القيامة وغيرها من الاحوال التي تثبت نبوتهم, فنقول هي علوم سمح بها الله ولكن عن طريق الوحي ولرسله الذين يحملون رسالته لخلقه جميعا وبها يثبتوا معجزاتهم انها علم من الله وانهم رسل الله وان هذا العلم الغيبي الذي يبلغونه لخلقه انما هو علم الله وحده, فقد علموا اشراطها اي علاماتها الا انهم لم يعلموا ايان مرساها لان قيام ساعة لا يعلمه الا الله وحده فهي بعض من غيبيات الله التي لا يطلع عليها احد:
عالم الغيب فلا يظهر على غيبه احدا سورة الجن - آية 26 وهنا جاء الجواب مشروطا وبالاسباب التي ارادها الخالق سبحانه وتعالى:
عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا 26 إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا 27 لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا 28


يتسائل المولى عز وجل في كتابه الكريم لمن اعتقد الاخرين ان هذ العبد من عباده او قوم من عباده قد يستطيعون الاطلاع على علم الغيب ولقد ذكرها في الايات التالية:

اطلع الغيب ام اتخذ عند الرحمن عهدا سورة مريم - آية 78
ام عندهم الغيب فهم يكتبون سورة الطور - آية 41
اعنده علم الغيب فهو يرى سورة النجم - آية 35
ام عندهم الغيب فهم يكتبون سورة القلم - آية 47

هل الجن تعلم الغيب؟:
نبداء بهذه الاية الكريمة التي تتكلم عن علاقة الجن بسيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام:
فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته الا دابة الارض تاكل منساته فلما خر تبينت الجن ان لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين سورة سبأ - آية 14
هذه الاية من كتاب الله والتي تذكر قصة الجن بسيدنا سليمان عليه الصلاة والسلام اي انهم في زمن نبي الله سليمان لم يكونوا يعلمون الغيب فكيف لهم ان يعلموه بعد نزول القرآن الكريم وهذا باعتراف الجن ان السماء قد ملئت بالحرس الشديد والشهب وان مقاعد سمعهم لم تعد:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (١)
وهذا دلالة على علم الجن بنزول القرآن الكريم والذي وصفوه كما جاء بالايات التالية والتي تذكر ايضا كل اكاذيبهم واقواويلهم على الله وعن علاقتهم بالانس انهم كانوا لا يزيدون الانس الا رهقا, وردا على ادعائهم انه لن يبعث الله احد بعد عيسى عليه الصلاة والسلام, فوصفوا القرآن الكريم بهذه الاية:
يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا (٢)

واعترفوا باكاذيبهم وعلمهم الخاطئ:
وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا (٣) وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا (٤) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا (٥) وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (٦)

واعترافهم بان اخبارهم كاذبه بأن الله لن يبعث رسولا بعد عيسى عليه الصلاة والسلام:
وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (٧)
لقد تقولوا على الله الاقاويل فنسبوا له زوجة وولدا وانهم كانوا يكذبون على الله الكثير من القصص والروايات فجاء القرآن الكريم ليفندها ويرد على اكاذيبهم وبهذا كان القرآن يرد على الجن والانس فيما نسبوا لله وقالوا عنه اشياء لا تنبغي لوجهه الكريم.

وهنا يعترفون بان السماء اغلقت عليهم ينزول القرآن الكريم ولم يعد لهم مكان منها ليسترقوا السمع ومن حاول منهم تنتظرة الحراسة المشددة والشهب المرصودة لهم:
وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (٩)

هنا نصل الى مرادنا من هذه الحلقة وهو ان نلمس وبعلم الايات الدالة على ان علم الغيب الذي سمح الله به توقف عند توقف الانبياء والرسل صلى الله عليهم وتوقف عند خاتم الانبياء والرسل محمد عليه الصلاة والسلام, وانه ليس هناك من بعده من يتلقى الوحي ليطلع على الغيب والكل يعرف ان اخر عهد الوحي بالارض كان بوفاة رسول الله الكريم.

وبهذا ردا على الدجالين المشعوذين الذين يضللون الناس بكذبهم على الله وعلى الناس ويقودونهم للشرك به انهم يعلمون الغيب, وبما ان الجن والانس مجبرين على ان يقولوا للناس من اين يأخذون معلوماتهم ومن اين يتزودوا بها, فسيقولون لك وهم يكذبون انها من غيب الله اطلعهم عليها, او انهم اولاياء لله ويملكون حق الحصول على هذه العلوم وبهذا يعودون مجبرين ليعترفوا وليذكروا ان الله سبحانه وتعالى وحده من يملك علم خلقه ومصيرهم وبهذا تكون الجن والانس ما زالت مستمرة بالكذب على الله وانهم ينسبون لانفسهم درجة القربة من الله فكيف يكون عبدا مقربا من الله ويقر ويؤمن بان علم الغيب لا ينبغي الا لله عز وجل ويكذب على عباده, وهم ايضا يعلمون ان علم الغيب الذي سمح به الله لا يكون الا بالوحي فهل الجن والانس بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ما زالوا يتلقون وحيا من الله وهل هم رسل الله والرسول الكريم هو خاتمهم.

اما الرؤية الصالحة فهي بشارة او تحذير من الله وهي من الغيب الذي يطلع الله عليه عباده مباشرة وهذا لا يعتبر وحيا ولا يستطيع احد ان يدعي انه يرى منامات لغيره ويخبرهم باحوالهم, وللرؤيا شروطا واعتبارات فهي شهادة صلاح بحق من يراها وهي ما بقى من المبشرات وهي ليس شهادة نبوة ولا جزء من النبوة بل هي تصديق لصفات الانسان بالصلاح على منهاج النبوة.

انتهى بفضل الله.
العبد الفقير الى الله

باب الحكمة