نصيحة الحيران في مسألة القرقعان
1428 هـ
بقلم
أبي عبد الرحمن القطري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله العليم الحكيم ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتابة والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين . أما بعد فهاتان ) (ونقض) لمحدثة في العادات لهاكلمتان (تأسيس) بالدلائل الشرعية لمنهاج النبي ( علاقة بموسم عظيم من مواسم الطاعات والعبادات وهي (ليلة القرقعان) . أو ما يسمى (بالقرنقعوه) . فنقول وبالله التوفيق :
1- التأسيس :
في بيان النبي صلى الله عليه وسلم لكمال دين الإسلام :
وذلك من خلال استعراض ما في بعض الأحاديث من معان عظيمة ، منها ما رواه أبو داود في سننه عن أنس قال : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما ، فقال :
( ما هذان اليومان ) ؟ قالوا : كنا نلعب فيهما في الجاهلية . فقال رسول الله عليه وسلم :
( إن الله أبدلكما بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر ) ح/ 1134 . ومن هذه الأحاديث قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن لكل قوم عيد وهذا عيدنا ) وهو في الصحيحين ورد في مناسبة وهي إنكار أبي بكر عندما دخل على النبي صلى الله عليه وسلم ووجد عند عائشة جاريتين تغنيان فأنكر عليهما فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك . كذلك إذن النبي صلى الله عليه وسلم : لعائشة أن تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون بالحراب في (يوم عيد) وهو في البخاري. والأحاديث فيها دلالات منها :
1- أن اليومين الجاهليين لم يقرهما النبي صلى الله عليه وسلم ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة .
2- أن هذا الإبدال يقتضي ترك كل ما ليس له أصل أو أصله جاهلي مبدل أو منسوخ .
3- وفيه أن هذا الحكم يقتضي ترك الجمع بين ما هو من الإسلام وبين ما ليس منه .
4- وفيه أن العادات محكومة بعرف الشرع فما أقره الشرع فهو الذي يسوغ إقراره وإبقاؤه . وما ليس كذلك فلا يجوز إقراره فضلا عن الدفاع عن بقائه .
5- أن ترك الصحابة لذلك اليومين دليل على قوة المؤثر وهو الإسلام ففيه أن تأثيره قوى في النفوس حتى إنهم تركوا ما نشأوا عليه بكلمة واحدة .
6- فيه إشارة إلى أن الجاهليين لا أصول لهم معروفة كأهل الكتاب وذلك من قولهم : ( كنا نلعب فيهما في الجاهلية ) بخلاف أهل الكتاب فإنهم قالوا – في يوم عاشوراء : - ( ذلك يوم نجى الله فيه موسى فنحن نصومه ) وكلا الحالين ضلال . إذ ما تمسكوا به من الشرائع يدور بين كونه مبدلا أو منسوخاً ، فلا يجوز العمل بذلك . فكل ما كان جاهلي المنشأ فإنه لا يجوز العمل به أو قبوله . فتنبه .
7- وفيه أن الفرح واللعب والسرور في الأعياد في عادات الأمم والشعوب ، وأن الشريعة بـإزالة مثل هذه العادات التي لا تحقق مقاصد الشريعة ولا تكملها فجواب النبي صلى الله عليه وسلم خرج على جوابهم بأن اليومين من الأيام الجاهلية المخترعة فتأمل .
8- وفيه أن هذا الإبدال ليس لأنهم شابهوا أهل الكتابين ، وإنما اكتفى النبي صلى الله عليه وسلم في التشريع بأن هذين اليومين من أيام الجاهلية فهي مخترعة بالتوارث .
9- وفيه شدة حرص النبي صلى الله عليه وسلم على حماية الديانة من الدخيل ولو كان هذا في باب العادات فإنه كان حريصاً على طمس كل ما كان أجنبياً يضر بصفاء دين الإسلام أو يؤدي إلى مزاحمة الشعائر الإسلامية .
10- تعيين هذين اليومين يعطيهما الشرعية ، شرعية الثبوت والدوام وشرعية الفرح فيهما والابتهاج والتوسع في المآكل والمشارب وغير ذلك مما هو مصاحب لهما وما سواهما فباطل وما يتبع الباطل فهو مثله .
وفيه أن الناس لا يحدثون شيئاً إلا لما يرون فيه من المصلحة إذ لو اعتقدوه مفسدة لما أحدثوه وفعلوه ، إذ الغالب في أمر العادات الالتفات إلى المقاصد والمعاني فإذا وجد في شيء منها معنى للتعبد فلا بد من التسليم والوقوف مع المنصوص . فإن الله تعالى قال : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً ) أي سنة وسبيلا وهي صريحة في أن لكل أمه منهج هم سالكوه ومتبعوه فليس لهذه الأمة التي أنعم الله عليها بالإسلام أن تتبع العادات المؤسسة على الخرافة .
11- وفيه قوة إيمان الصحابة فإنهم لم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن وجوه الحكم أو المفاسد في قوله ذلك مع أنهم يعلمون أن هذا تغيير لما ورثوه عن آبائهم لما تقرر في النفوس أن هديه حجة على العالمين فهو سبحانه الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ، فاكتفوا بهذا الأصل العام ولم يبحثوا في تفاصيل زائدة ، فأكثر الناس لا يدركون المفاسد التي في البدع ومع ذلك تجدهم يعترضون ويعارضون أوامر الشرع ومقرراته بل ومقاصده في بعض الأحيان بعادات موروثة أشبه بالخرافات منها بالحقائق .
12- وفيه أن كل عمل كان المتبع فيه الهوى بإطلاق من غير التفات إلى الأمر أو النهي فهو باطل باتفاق . وليلتنا هذه ليس لها تاريخ تأسيسٍ لا من جهة دينية ولا تاريخية أدبية . فعلم بذلك أنها من الخرافات الرافضية ، وما أكثرها ؟!
13- وفيه أن العادات إذا لم تكن متممة مكملة للمشروع من العبادات إما أن تكون لغواً ولهواً لا فائدة فيه ومنه ، وإما أن تكون موضوعة لمزاحمة مقاصد الشريعة ، وكلا الأمرين موجود في هذه الليلة . ولكن أكثر الناس لايعلمون
فتخصيص أيام معينة بعمل زائد من المباحات كالفرح والاجتماع والتوسع في المآكل والمشارب والملابس زيادة في الدين معناها تعظيم هذا اليوم ، ولا معنى لهذا التخصيص إلا ما قام في قلوب المعظَّـمين من خصوصية هذا اليوم ، وحيث لا أصل يعتمد عليه في تخصيص ليلة النصف من رمضان بهذا الاحتفال فإننا نقول : إن اعتياد ذلك من الإحداث في الدين ، هذا إذا لم تكن هذه الأيام في مواسم طاعة فكيف إذا كانت كذلك ، ودلالة هذا ظاهرة في الأحاديث التي سقناها فإن الرسول صلى الله عليه وسلم بـيّن في الحديثين الأخيرين أنه بسبب العيد أجاز ما أجاز ، فبسبب هذه الخصوصية حدّ الشرع قاعدة في المباحات التي تخالط مواسم العبادات هذا أولا ، وثانيا : لم يلزم الشرع أحداً باعتياد فعل هذه الأمور – مع كونها مباحة- في كل عيد ومناسبة وهذا ظاهر لذوي الألباب وإنما بين كمال الشريعة زماناً في الأيام وبين مقاصد التشريع نوعاً في الأفعال ، فمن زاد في شريعته بعد ما سمعه فإنه محدث فيها شيئا ما أنزل الله به من سلطان .
وفي الأحاديث : تقرير الشرع الحاجة إلى مثل هذا النوع من الأيام التي يباح فيها التوسع في المآكل والمشارب . فلذلك شرع ما فيه الكفاية من الأيام التي تكون فيها هذه الأمور موجودة عادةً مقصودة شرعاً ، وبناء عليه فإنه لا يجوز إحداث أيام مثل الأعياد الشرعية ولا أن يفعل فيها ما يفعل في الأعياد والأيام الشرعية لئلا تكون مضاهية لها .
تعريف العيد : قال في لسان العرب : العيد كل يوم فيه جمع يعود كأنهم عادوا إليه وقيل اشتقاقه من العادة والعيد عند العرب الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن. 3/318- 319 قال شيخ الإسلام : ( فالعيد يجمع أموراً منها يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة ، ومنها اجتماع فيه ، ومنها : أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات وقد يكون مطلقا وكل هذه الأمور قد تسمى عيدا) انتهى من الاقتضاء 1/496. وهذا الضابط يصحح مفاهيم الناس لـمعنى العيد .
فعلى هذا لم يرد في الشرع تخصيص ليلة النصف من رمضان بفضيلة . فالزمن الفاضل في الشريعة لا بد من النص عليه بعينه (كليلة القدر في رمضان ) والعيدين ، ولابد من تعيين الفضيلة التي فيه سواء كانت في العبادة أو في المباحات التي تفعل في المناسبات الدينية كقوله صلى الله عليه وسلم: ( يوم الفطر ، ويوم النحر ، وأيام التشريق ، عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب ) رواه أحمد وأصحاب السنن إلا ابن ماجة عن عقبه بن عامر .
- كما أنه لم يرد عن واحد من السلف الصالح عبر القرون الثلاثة الأولى المفضلة أنه احتفى بهذه الليلة لا من طريق صحيح ولا ضعيف ولا موضوع .
- اعتياد الاحتفال بليلة في زمن ديني شرعي دون غيره زيادة في الدين بلا حجة ولا دليل والله تعالى قال : |(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) قال ابن عباس في تفسير الآية : فإنها نزلت يوم عيدين في يوم الجمعة ويوم عرفة . رواه الترمذي ح/ 3044 وعن طارق بن شهاب أن أناسا من اليهود قالوا : لو نزلت هذه الآية فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً ، فقال عمر : آية ؟ فقالوا : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) فقال عمر إني لأعلم أي مكان أنزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة .. الحديث . رواه البخاري ح/3005 قال ابن رجب (شرح البخاري 1/172) :فهذا قد يؤخذ منه أن الأعياد لا تكون بالرأي والاختراع كما يفعله أهل الكتابين من قبلنا إنما تكون بالشرع والأتباع .
- ثم قال ص / 174: والأعياد هي مواسم الفرح والسرور وإنما شرع الله لهذه الأمة الفرح والسرور بتمام نعمته وكمال رحمته كما قال تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا) فشرع لهم عيدين في سنة وعيداً في كل أسبوع ..انتهى . قلت : والرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بمخالفة المشركين عامة واليهود والنصارى خاصة فقال صلى الله عليه وسلم خالفوا المشركين) (خالفوا اليهود ..) ومقتضى هذه المخالفة ألا نفعل كفعلهم وأن نقصد إلى مخالفتهم ، فاللبيب يفهم من قول اليهودي لعمر (لا تخذنا ذلك اليوم عيدا ) يرى حرص اليهود ومارعتهم إلى الإحداث في الدين ومن نتائجه الحتمية تبديل معالم الشريعة . فالآية والحديث أصلان من أصول الإسلام في رد كل محدثة اخترعها الناس في العبادات أو في العادات التي لها صلة بموسم ديني ، وها هنا سؤالان يدلان على أن هذا من الإحداث في الدين .
الأول : لماذا يكون الاحتفال في شهر رمضان دون غيره ؟
الثاني : ولماذا ليلة النصف منه ؟ فهذان سؤالان يحتاجان إلى إجابة صحيحة صريحة ، فإن الشريعة جاءت بتعيين فضائل في بعض الأزمة الفاضلة فدل هذا على تحريم تجاوز هذه المعـيِِنـات بالنص وعليه فإن اختراع أزمنة وأيام للاحتفال بها يعتبر مضاهاة لأيام الله أو إحداث زيادة فيها بغير إذن الشرع ، فانظر يا رعاك الله إلى فضيلة يوم عاشورا عند أهل السنة كيف زاد فيه الرافضة البكاء والنياح ولطم الخدود ولبس السواد .. ما إن صار فعلهم هذا سُـبَّةً لأهل الإسلام ، فإن النهي عن إحداث مثل هذه الأيام علته كمال هذه الدين وتمام نعمة رب العالمين على المؤمنين .
2- أما النقض : فمن وجوه :1.
من جهة الإجماع العملي : ( فإن ترك النبي صلى الله عليه وسلم (العمل بمثل هذا) في جميع عمره وترك السلف الصالح له على توالى أزمنتهم نص في الترك وإجماع من كل من ترك لأن الإجماع العملي كالإجماع النصي ) انظر الاعتصام 2/273-ط/ مشهور حسن .
2. المداومة على فعلها حتى صارت سـنّة فإن هذا يعد من المضاهاة لمقاصد الشريعة في هذا الشهر ومنها : الاعتناء بالتعبدات السُنية من تلاوة القرآن وقيام الليل ونحو ذلك فهذا يؤثر سلباً في حياة المسلمين من ناحية إدخال ما هو غريب على شريعتهم ولكن أكثر الناس عن هذا غافلون فالبدع – خاصة في باب العادات – متغيرة متزايدة لا يقف الناس فيها عند حدّ فها نحن نرى حدة تزايد اعتناء الناس بهذه المناسبة في أسواقهم وبيوتهم بل وفي مؤسساتهم الثقافية الأدبية فإن بعضها يرعى الاحتفال بهذه المناسبة لأنها من التراث الموروث مع أنهم ضد (الموروث) باسم التقدمية ؟
3. كل عادة لابد أن يكون لها سبب لإيجادها ، وبما أن هذه العادة قد أقحمت في هذا الشهر إقحاماً فأصبح لها نصيب من التعظيم في القلوب ، فإنها يستعد لها الاستعداد اللائق بها لأجل أنها في رمضان ، ومن المعلوم – كما هو في علم الاجتماع – أن العادات المتكررة في المواسم الدينية لابد أن يكون لها رصيد تاريخي في حياة الأمم المتدينة .وعليه فإن الاحتفال بهذه الليلة لا أصل له في الشريعة فيكون ما تبع هذه الليلة من عادات باطل كالأصل . ومثاله : عادة ( الحية بية ) فإنها منتقلة إلى عرب الساحل من الأعاجم بحكم المجاورة والمخالطة وهي عند اهلها مقرونة بما يسمى عندهم بعيد النيروز، ولا شك في بدعيتها ، ومثلها : ما يسمى : بــ(ليلة النافلة ) فإن الناس يتهادون مأكولات خاصة في ليلة النصف من شعبان وهو يوم مولد آخر أئمة الشيعة الإمامية فهذه عادات انتقلت بخفية على حين غفلة ، فإذا كانت هذه العادات من جنس واحد فليكن حكمها مـتّحد.
4. من جهة الاعتبار والنظر : وذلك من أوجه عديدة : -
الأول : أن الشريعة وُضعتْ على مقاصد كلية وفرعية تابعة لها ، ومما يعرف به مقصد الشريعة في أمر ما السكوت عن التشريع مع قيام دواعيه المقتضية له ، فرمضان زمن فاضل وفيه ليلة خير من ألف شهر .. فلمَ حثَّ الشرع على قيامها والدعاء فيها ولم يلتفت إلى مثل ليلتنا هذه ، بل ولم يأمرنا أن نفرح ونلهو ونشتري الحلويات ونوزع المأكولات في ليل القدر مع إنها أولى من غيرها فكيف بليلتنا هذه ، فهذان وجهان يبينان أن الذي وضع أهمية لهذه الليلة ليس عنده أثارة من علم النبوة وإنما هي أيدي العابثين وغفلة الغافلين فصار هذا من الإحداث الضار بالدين ومقاصده .
الثاني : أن ارتباط العادات بالعبادات من السرور والابتهاج والتوسع في المأكل والملبس له أصل في الشريعة وهو الأعياد الشرعية ( الفطر والأضحى ) وقد تقرر أن الأعياد الإسلامية من جملة الشريعة المحمدية التي لا يجوز تعدي حدودها ، فلا يجوز إحداث أوقات ومواسم ليس لها أصل لتضاهي الأيام والمواسم الشرعية ، ولا يجوز كذلك إحداث شعائر ومشاعر كالتوسع في المآكل والملابس في هذه المناسبات لتزاحم قداسة الأيام الإسلامية ، فقد نهى العلماء عن مثل هذه المناسبات وعللوا هذا النهي بمثل ما قلت وأن هذا مضاهاة لأعياد الإسلام .
الثالث : مما يبين أنها من المحدثات : تخصيص هذه الليلة دون غيرها ، وما يصرف فيها من أموال لشراء مآكل خاصة لتلك الليلة ، وإلباس الأطفال ألبسة خاصة لتلك الليلة ، والتجوال في الشوارع مع إنشاد أناشيد خاصة بتلك الليلة ، فالشرع جعل الاحتفال بالأعياد الإسلامية من المقاصد الفرعية المكملة للمقاصد الكلية ، فالمقصد الكلي الفرح بنعمة الإسلام وكمال الدين وإتمام النعمة ، قال تعالى : " ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون " فجعل الفرح بإكمال عبادة الصوم وشكران النعمة من الموصلات إلى رضوان الله ثم الاحتفال والتكبير في العيد ولبس الجديد فكذلك ، أما الاحتفال بليلة ليس لها في قاموس الشريعة دليل إحداث فيها ، ومزاحمة للأيام الشرعية المقصودة بعينها .
الرابع : نهىُ الله عن أن نقفُ ما ليس لنا به علم (والمعنى ما ليس له أصل شرعي) قال تعالى : ( ولا تقفُ ما ليس لك به علم .. ) الآية ، نقل ابن مفلح الحنبلي في الآداب الشرعية (ج3/ص236ط/ ابن تيمية) عن ابن عقيل الحنبلي قوله : لو تمسك الناس بالشرعيات تمسكهم بالخرافات لاستقامت أمورهم فإنهم لا يَكـبُّون الرغيف على وجهه ولا يتزوج أحدهم في صفر .. ولعل الواحد منهم لو عوتب على ترك الجمعة والجماعات لأهون العتبة . فهذا قدر الدين عندهم يدّعون أنهم من أهله ولعل أحدهم يقول لا يحل طرح الرغيف على وجهه ثقة بما يسمع من النساء البله والسفساف ... انتهى كلامه ؛ ثم قال ابن مفلح : ومن هذا ترك عيادة المريض يوم السبت وغير ذلك مما لا أصل له في الشرع ومنه تخصيص بعض الأيام بشيء كتخصيص بعضهم يوم الأربعاء بدخول الحمام والاستراحة وبعضهم له بالدعاء وزيارة القبور . انتهى . قلت : ومثله ما في بعض العادات الشعبية !! ( المحلية ) فالحائض والنفساء لا تزور من تزوجت حديثاً خوفاً على العروس من العقم !! ، ومن تزوجت حديثاً لا تزور قريـبتها التي تزوجت بعدها خوفاً من العقم كذلك !! وهناك من يكره ويتشاءم من الزواج بين العيدين ، و من يـبخر المولود ( بالشبة والسويدا ) طرداً للعين والحسد وهكذا في مسلسل طويل من العادات مخالفة للشرع وبعضها قادح في الاعتقاد أتكون شريعة الرحمن الحكيم الخبير منسوباً إليها مثل تلكم الخزعبلات الخرافية ؟!!
الخامس : تغليظ فعل المخالفات في الأمكنة والأزمنة الفاضلة ، أما الأمكنة – فكالحرم- قال الله تعالى : ( ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم ). وأما الأزمنة : فكقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " ، وهذا في حال الصيام . قال شيخ الإسلام : [[ المعاصي في الأيام المعظمة والأمكنة المعظمة تغلظ معصيتها وعقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان ]] . انتهى من الآداب الشرعية 3/430 وهذا المفعول هو في أيام عبادة وذكر لله . وفيه ما فيه من المخالفات كما سيأتي
السادس : من المعلوم أن العلماء نهوا عن التزام لبس السواد حال الحداد على الميت لأن هذا لا أصل له ، ومثله نهيهم عن التزام الأخضر من اللباس للمرأة المحرمة لأنه لا أصل له ، فإذا علم هذا فإن مدار الحكم عندهم على أنه لا أصل لهذه العادة التي أدخلت على هذه العبادات والشرائع فليكن حكم مسألتنا مثلها .
5. النقض باستعمال قاعدة سد الذرائع : وذلك من عدة جهات :
الأولى : إضاعة المال فيما لا فائدة فيه وفيما لا أصل له . وهذا منهي عنه شرعاً . فهاهنا مخالفتان : الأولى : إضاعة المال والثانية : فيما لا أصل له . فما الفائدة المرجوة من صرف هذه الأموال ؟ والنبي صلى اله عليه وسلم قد نهى عن ( قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال ) رواه مسلم .
الثانية : أن فشو هذا الأمر بهذه الطريقة إذا لم ينكر فإنه سيؤثر على الأصل المشروع (رمضان) كونه زمناً فاضلاً شرع فيه الصيام لتحقيق التقوى فهل هذا الاحتفال من وسائل تحقيق التقوى ؟ إن السكوت على مثل هذا يفضي إلى تنامي هذه المحدثات لتصبح هذه المواسم الإيمانية مواسم للبدع المحدثة كما هو الحاصل في بعض الدول الإسلامية . وكما هو الحال في سائر البدع التي عظُمت بتقبل الناس لها وعُظمتْ حتى شب عليها الصغير وهرم عليها الكبير واتخذت سنة !!
6. أن القلوب إذا اشتغلت بالبدع واجتهدت في إحيائها والعمل بها أضاعت السنن والعمل بها ، كمن يكثر الاستماع للغناء طلباً لصلاح قلبه فتنقص الرغبة عنده للاستماع إلى القرآن الذي به شفاء قلبه إذ القلب لا يتسع للعوض والمعوض عنه . فإذا علمنا أن هذه الآثار السلبية موجودة من جراء تعاطي هذه العادة ، وعلمنا ما ينتج عن هذا من مفاسد فالشريعة جاءت بدفع مثل هذه المفاسد وجلب المصالح وليس في إبقاء هذه العادة مصلحة شرعية واحدة ظاهرة فالواجب تركها .
7. مفاسد أخلاقية ظاهرة : (الدخول على النساء) من قبل غلمان قاربوا سن الاحتلام ، فإن الله أمر – ترسيخا لأصل الحياء الإيماني – أولاد المسلمين بالاستئذان في ثلاثة أوقات حال دخولهم على آبائهم وأمهاتهم ، هذا إذا لم يبلغوا الحلم وهي أوقات راحة ووضع للثياب ، فترسيخاً لمبدأ الحياء لأنه من الإيمان طولبنا بهذا ديناً فكيف إذا كان الداخل على النساء ليس من الأولاد ؟ بل كيف تهدر هذه الفضيلة من أجل تقديس عادة لا أصل لها ، فالأولى بذوي العقول الرشيدة أن يمنعوا هذا عطفاً للنفوس على السنة ، وتنفيراً لها من البدعة وما تفضي إليه.
8. النقض من جهة التاريخ : رجعنا إلى المادة التاريخية كدليل قائم شاهد لنقض هذه البدعة فيقال :
( أ ) إنه لا يعرف تاريخ نشوء هذه المحدثة على وجه التحديد عبر التاريخ الإسلامي الممتد على مدى (15) قرناً من الزمان ، هذا في العموم .
(ب) وعلى وجه الخصوص فإني اطلعت على عدة مقالات وأبحاث فيما يتعلق بالكركعان خاصة وما يتعلق بموضوع التراث الشعبي بشكل أعم ولم يستطع أحد من هؤلاء الباحثين أصحاب المقالات والكتابات أن ينسب هذه العادة إلى زمن أو تاريخ معين وأحسنهم من ينسبها إلى بعض الفرق الباطنية من الفاطميين أو العهد الصفوي الشيعي الإمامي . وهذه كلها اجتهادات في نطاق البحث التراثي ، وعليه فإن المقرر شرعاً أن ما كان هذا حاله فإنه لا أصل له في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم فلا محل للقول بالجواز هنا ، ثم إن هاهنا أصل مهم وهو : أن العادات والتقاليد محكومة بالشرع فإذا وافقت قواعد الشرع فإنها تقبل بناء على هذا الأساس وإلا فإنها ترد ، والحجة علىالناس جميعاً ما كان في عصر الرسالة أو الخلفاء الراشدين .
3- اعتراضان وبيان خطئهما :
الأول : الاحتجاج من قبل بعض المسلمين (بأن هذا عمل المسلمين منذ زمن ولا منكر لذلك ) : والجواب : ما قال شيخ الإسلام رحمه الله : [ ومن اعتقد أن أكثر هذه العادات المخالفة للسنن مجمع عليها بناء على أن الأمة أقرتها ولم تنكرها فهو مخطئ في هذا الاعتقاد فإنه لم يزل في كل وقت من ينهى عن عامة العادات المحدثة المخالفة للسنة ولا يجوز دعوى الاجماع بعمل بلد . فكيف بعمل طوائف منهم ؟ .... والاحتجاج بمثل هذه الحجج والجواب عنها معلوم : أنه ليس من طريقة أهل العلم .. ] انتهى من الاقتضاء ص/271 – 272 فأقول : إن الواجب على كل مسلم أن يتحاكم إلى الكتاب والسنة وقواعد الشريعة السمحاء فيما يتعلق بمسائل الدين ، لأن الشرع هو الذي يجب اتباعه لا العادات والموروثات (الشعبية ) !! . والله تعالى قال : ( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً ) .
الثاني : أنها عادة من العادات لا مدخل لها إلى الابتداع لأن الابتداع في العبادات وهذه من العادات : والجواب : أن نقول : إن خلط مواسم الطاعات بأمر زائد على المشروع إحداث في الدين داخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " ثم إليك أخي المسلم هذه الدرر مما قاله شيخ الإسلام رحمه الله : [ لا يخفى ما جعل الله في القلوب من التشوق إلى العيد والسرور به والاهتمام بأمره إنفاقاً واجتماعاً وراحة ولذة وسروراً ... فصار ما وسع على النفوس فيه من العادات الطبيعية عوناً على انتفاعها بما خص به من العبادات الشرعية فإذا أعطيت النفوس في غير ذلك اليوم حظها أو بعض الذي يكون في عيد الله فترت عن الرغبة في عيد الله وزال ما كان له عندها من المحبة والتعظيم فنقص بذلك تأثير العمل الصالح فيه فخسرت خسراناً مبيناً ..... ] انتهى من الاقتضاء .. قلت : فإذا جعلت أيام تضاهي هذه المواسم قَـلتْ العناية بالأيام الشرعية من قبل المؤمنين وتكاسلوا عن القيام بالمشروع فيها كما هو مشاهد في الواقع من انتظار كثير من الناس ليلة النصف من رمضان والاستعداد لها بشراء الألبسة الخاصة والأطعمة الخاصة ، وكأنهم يستعدون للعيد الشرعي .. ثم تضيع هذه الأموال في لهو الأطفال وشهوات النساء اللاتي أخذن يتفنن في تزويق الحلويات وتنويعها وبذل المئات من الريالات في شراء أنواع منها لتداس بعد ذلك بالأقدام لهواً ولعباً أو لتؤكل حتى يتخم الآكل .. ولا فائدة مرجوة في الدنيا أو الآخرة من هذا الفعل والله جل وعلا يقول : [ ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله .. ] . وقال رحمه الله : [ .. فينبغي للمسلم إذا طلب منه أهله وأولاده شيئاً من ذلك أن يحيلهم على ما عند الله ورسوله ويقضي لهم في عيد الله من الحقوق ما يقطع استشرافهم إلى غيره ، فإن لم يرضوا فلا حول ولا قوة إلا بالله ، ومن أغضب أهله لله أرضاه الله وأرضاهم ، فليحذر العاقل من طاعة النساء في ذلك ، وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء " انتهى من الفتاوى 25/323 ، فالشرع جاء بأصل عظيم وهو سد الذرائع المفضية إلى الفساد وأعظمها هي تلك التي تفضي إلى إلحاق الضرر بالديانة وكلما عظمت المفسدة الناتجة عن ارتكاب الممنوع كلما اتسع المنع في الذريعة وشدد فيه ، فمن المفاسد في هذه المحدثة : أنها وسيلة لدخول المحدثات في الدين ، وفيها إضاعة المال ، وتضييع مقاصد الشريعة في هذا الشهر بإدخال محدثات فيه ، فعل أمر لا أصل له في الشريعة .. وغيرها من المفاسد المتوقعة طالما تُرك اتباع سنن الشريعة وما عليه خير قرن من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم...
فنسأل الله العظيم بأسمائه وصفاته : أن يمن علينا بالمغفرة والرحمة وأن يتقبل منا صالح أعمالنا وأن يجعل علمنا نافعاً لنا وحجة لنا لا علينا وأن يختم لنا بالحسنى إنه ولي ذلك والقادر عليه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله.ا.هـــ
ملف وورد
تفضل من هنـــــا