بسم الله الرحمان الرحيم
الحمد لله رب العالمين ؛ والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للناس أجمعين ، محمد بن عبد الله الرسول الأمين ؛ وبعد : لقد كنت أود – منذ وقت طويل – كَتْبَ شيء عن أخطاء كثير من الناس – بل أكثرهم – في استعمال كلمة " بسيط " ، ومن أخطائهم – في ذلك – قولهم :
1 - هذا رجل بسيط ، ويعنون بذلك أنه مغفل .
2 – هذا خطأ بسيط ، ويعنون بذلك أنه صغير .
3 – هذا كتاب بسيط ، ويعنون بذلك أنه سهل ، وغير ذلك ، وهذا كله خطأ ، غير صحيح ، ورحم الله الإمام أبا الحسن علي بن أحمد النيسابوري الشافعي الواحدي الذي ألف في التفسير ثلاثة كتب ، سمى الصغير منها ( الوجيز ) ، والمتوسط ( الوسيط ) والكبير ( البسيط ) ، وكذلك فعل أبو حامد الغزالي في كتبه الثلاثة الفقهية .
قلت : كنت أريد الكتابة في ذلك ، ولكن كان يبعدني عنها الصوارفُ والشواغلُ . ولما دخلت اليوم على شبكة المعلومات العنكبوتية وجدت بعضَ الإخوة ينفي هذا الخطأ المشار إليه ، ويصحح ذلكم الاستعمال الخاطئ ويسوغه ؛ فوقع في نفسي : الكتابة في ذلك ، والرد على ذلك الأخ ! ، ولكن لضيق الوقت عن الكتابة اكتفيت بنقل كلام نفيس لأحد العلماء ممن تكلموا عن هذا الخطأ الشائع الذائع المنتشر . ولعل فيما نقلته كفايةً ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
قال الشيخ العلامة تقي الدين الهلالي – رحمه الله – في كتابه الشائق ( تقويم اللسانين ) ص (32-34) طبعة مكتبة المعارف / الدار البيضاء / المغرب / الطبعة الثانية ، أو (29-30) طبعة دار الكتاب والسنة / القاهرة / مصر / الطبعة الأولى ، أو ص (27-28) من مجلة ( دعوة الحق ) السنة العاشرة ، العدد السادس والسابع ، سنة 1387 هجرية : البساطة : يقال : هذا شيء بسيط ، وتكلم ببساطة ، وهذا لا يعتقده إلا البسطاء = وذلك كله خطأ .
قال صاحب اللسان : ورجل بسيط : منبسط بلسانه ، وقد بسط بساطة . الليث : البسيط المنبسط اللسان ، والمرأة بسيط ، ورجل بسيط اليدين : منبسط بالمعروف ، وبسيط الوجه متهلل ، وجمعهما : بسط .اهـ .
أقول ( القائل هو الهلالي ) : فقد رأيت أن البسيط والبساطة لا يدلان على ما يريد الكُتَّاب بهما ؛ فإنهم يريدون بالبسيط من الناس : الغِرَّ والمغفل ، ويريدون بالبسيط من الأمور : السهلَ الهينَ = وذلك كله بعيد عن استعمال العرب ، بل هو ضده ؛ لأن البسيط في اللغة العربية = هو الواسع ، ومن أجل ذلك سميت الأرض البسيطة لسعتها .
والبساطة كما تقدم في كلام العرب طلاقة الوجه ، وأصل هذا الخطأ آت من اصطلاح الأطباء في تسميتهم الدواء الذي هو من مادة واحدة بسيطا ، ويقابله : المركب الذي يتألف من أجزاء ، كل جزء من مادة .
وقد استعمله الفلاسفة - أيضا - فقسموا الجهل إلى قسمين : جهل بسيط ، وجهل مركب ؛ فالجهل البسيط هو أن يكون الشخص جاهلا ، ويعلم أنه جاهل ، والجهل المركب أن يكون الشخص جاهلا ، ويجهل أنه جاهل ؛ فجهله مركب من جهلين .
قال بعض الشعراء على لسان حمار الطبيب توما :
قال حمار الحكيم توما لو أنصفوني ما كنت أُرْكب
لأن جهلي غَدَا بسيطا وراكبي جهلُه مُركب
ومما يحكى من أخبار هذا الطبيب أنه قرأ في كتاب " الحبة السوداء شفاء من كل داء " ؛ فقرأها خطأً " الحية السوداء شفاء من كل داء " ؛ فأخذ حية سوداء وصار يعالج بها المرضى ؛ فكانوا يموتون من سمها .
وليس بالكاتب حاجةٌ إلى أن يترك اللغة الفصحى ، ويستعمل اصطلاحا طبيا ؛ ليعبر به عما يريده ، إلا إذا كان بَاقِـلِـيًّا من أهل العَي والحصر.
وقد ارتقى الكاتب من ذلك إلى خطأ آخر ، وهو استعمال التبسيط ؛ فيقولون : كتاب مبسط ، يعني : أنه ألف بلغة سهلة غير معقدة. ويقولون: يجب تبسيط قواعد النحو، أي تسهيلها وتيسيرها، فانتقلوا من خطأ إلى خطأ ؛ لأن التبسيط هو التوسيع ؛ فهو بمعنى القتل ، أي كثرته ، وفعل المضاعف إذا اشترك مع الثلاثي في معنى واحد دَلَّ الرباعي على الكثرة والمبالغة في اللغة العربية ، وفي أختيها العبرانية والآرامية .انتهى .
وقال في ص (125-126) من طبعة مكتبة المعارف / الدار البيضاء / المغرب / الطبعة الثانية ، أو ص (104) من طبعة دار الكتاب والسنة / القاهرة / مصر / الطبعة الأولى ، أو ص (58) من مجلة ( دعوة الحق ) السنة الرابعة عشرة ، العدد العاشر ، سنة 1391 هجرية : ومن الكلمات الدخيلة التي جاء بها هذا العصر : التبسيط ؛ يقال : شرح الكتاب شرحا بسيطا ، ويقال : يجب تبسيط كتب النحو ، يريدون بذلك التسهيل . أخذ ذلك من لفظ بسيط ، وقد تقدم انتقاد استعماله في نقد استعمال البساطة للتعبير عن السهولة في النقد الثاني عشر من تقويم اللسانين ، وهذا – أيضا – مما أخذ من اللغات الأجنبية بلا علم ، ولا هدى .
قال صاحب " القاموس المحيط " : بسطه ، نشره كبسَّطه بالتشديد .اهـ .
فالبسط والتبسيط معناهما التوسيع والنشر . قال الله – تعالى – في سورة الشورى (( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ )) [ الشورى : آية 27 ] .
وقال – تعالى – في سورة القصص – في قصة قارون لما رآه الذين يريدون الحياة الدنيا وزينتها حين خرج عليهم بزينته وأمواله (( يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ )) [ القصص : آية 79 ] ؛ فرد عليهم الذين أوتوا العلم والإيمان بقولهم (( وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا )) [ القصص : آية 80 ] ، مما أوتي قارون من بَـهجة الحياة الدنيا وزينتها ؛ فلما رأوا ما حل به من الهلاك – حين خسف اللهُ به وبداره الأرض – ندموا على ما فرط منهم ، كما حكى اللهُ – عنهم – بقوله – (( وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ )) [ القصص : آية 82 ] .
قوله ((يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ )) أي : يوسعه لمن يشاء من عباده ، ويقدر : أي يضيقه على من يشاء من عباده .
وقولهم : شيء بسيط = هو ترجمة للكلمة الأجنبية ( simple ) ؛ يراد به شيء سهل ، غير مركب ، غير معقد ، وأخذوا منه – بجهلهم – بسطه بتشديد السين – جعله بسيطا ، أي : سهلا ، غير معقد ، أو قليلا ، أو حقيرا ، وكل ذلك ضلال مبين .
قلت ( أشرف ) : وارجع – من باب الاستفادة لا الإقرار على كل ما هنالك - لمعرفة المزيد حول ( البسط ) و( البسيط ) إلى كل من :
( معجم أخطاء الكتاب ) للزعبلاوي – رحمه الله - ص (51) / دار الثقافة والتراث / دمشق – سورية / الطبعة الأولى .
( 2000 خطأ شائع ) للزايد ص (140) / دار النفائس / عمان – الأردن / الطبعة الأولى .
( معجم الأخطاء الشائعة ) للعدناني – رحمه الله – ص (37) / مكتبة لبنان / بيروت – لبنان / الطبعة الثانية .
( معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة ) للعدناني – رحمه الله – ص (60) مكتبة لبنان / بيروت – لبنان / الطبعة الأولى .
( الكليات ) للكفوي ص (241-242) مؤسسة الرسالة / بيروت - لبنان / الطبعة الثانية .
ملحوظة : الملون باللون الأحمر سقط من طبعة دار الكتاب والسنة .
والله الموفق
.