معالم في منهج التربية النبوية [صلاة التهجد]
نقلاً عن كتاب حكمة الدعوة
تبدأ أحكام منهج التربية كما بدأت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أولاً؛ التهجد: وهو من أول ما أمر الله به نبينا عليه الصلاة والسلام بقوله سبحانه (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا) [سورة المزمل الآيات: 1 - 4].
وفيه لتكوين عدة عناصر:
الإخلاص: وهو أن يبتغي الداعية بدعوته وجه الله سبحانه وتعالي، والممارسة العلمية التي تنشئ الإخلاص في نفس المسلم هو أن يعمل عملاً لا يراه فيه أحد من البشر، وكلما كان هذا العمل الخفي فيه جهد كلما كان أكثر حماية من الرياء وتثبيتاً للإخلاص، إذ أن الرياء أقرب إلى الإنسان في العمل الخفي المجهد.
التميز: وهو ضرورة شخصية للداعية. لأن الشعور بالتميز هو الذي يعطي من تفرد وتميز بالعزم والقوة.
والتهجد مصدر أساسي لهذا الشعور حيث أن هذه الصلاة لا يقوي عليها إلا من تفرد وتميز بالعزم والقوة.
وكما أن التهجد شعور بالتميز فهو في نفس الوقت حماية من الغرور لأنه تميز من خلال عبادة الله عز وجل.
وقد قصد النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤكد شعور التميز من خلال صلاة العشاء فأخرها إلى أن قال عمر: يا رسول الله نامت النساء ونامت الأولاد. فقال رسول الله: (ابشروا، إنه لا يصلي في هذا الوقت على وجه الأرض أحد غيركم)[1].
فوضح أن تميز الصحابة بالصلاة في وقت لا يصلي فيه أحد غيركم كان هدف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تأخير الصلاة.
وصلاة التهجد بوقتها من الليل تحقيق لهذا الهدف.
الإرادة: وهي نوعان في الإنسان، إرادة البدء: وشواهد هذا النوع أنك قد تجد صعوبة في أن تجعل إنساناً يبدأ عملاً ولكنه بمجرد أن يبدأ يسهل استمراره.
وإرادة الاستمرار: وشواهد هذا النوع أنك لا تجد صعوبة في أن تجعل إنساناً يبدأ عملاً ولكنه بمجرد أن يبدأ لا يلبث أن يتوقف.
وصلاة التهجد معالجة لنوعي الإرادة: البدء والاستمرار، وهذه المعالجة تتم من خلال كيفيتين ثابتتين لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كيفية لمعالجة إرادة البدء وهي الواردة عن ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعتين ثم ركعة)[2].
حيث نجد في هذه الكيفية ست بدايات يتم من خلالها تربية الداعية على إرادة البدء.
وكيفية لمعالجة إرادة الاستمرار وهي الواردة عن عائشة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أربعاً لا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم أربعاً لا تسل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً)[3].
حيث نجد في هذه الكيفية طول الصلاة ليتم من خلالها تربية الداعية على إرادة الاستمرار.
الاتزان النفسي:
والتهجد يحقق في الداعية صفة الاتزان النفسي في ظروف الاستضعاف التي قد تفقد الداعية تلك الصفة لأن الاستضعاف شعور بالضعف وقلة حيلة وهوان على الناس وهي أمور قد تحيط بالمستضعف فتدفعه إلى محاولة الإفلات من هذا الشعور والتخلص من هذا الحال فلا يتحرك بمقتضيات المرحلة بل يتصرف برغبة الإفلات والتخلص.
ولذلك كانت الصلاة هي التوجيه الأساسي لتحقيق صفة الاتزان لأن الصلاة هي التي تصب في كل كيان المستضعف الإحساس بذاته ومكانته في هذا الوجود فتتم معالجة الآثار الناشئة عن حال الاستضعاف وذلك في قول الله عز وجل: (كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ) [سورة النساء الآية: 77].
ثبت المراجع
[1] البخاري (49/2) ومسلم رقم (638) عن عائشة.
[2] البخاري (287 /1) ومسلم رقم (763) عن ابن عباس.
[3] البخاري (33/3) ومسلم رقم (738) عن عائشة.