جزاكم الله خيرا وأحسن إليكم جميعا. تلك شبهة قديمة أجاب عنها علماء المسلمين في بيان حكمة التفريق بين الكفر وبين المعاصي في جواز العفو فقالوا في عدم العفو عن الكافر في الآخرة: إن الكفر مذهب يعتقد، والمذاهب تعتقد للأبد والدوام، فكانت عقوبته للأبد والدوام أيضا، أما سائر الكبائر فإنها لا تفعل للأبد والدوام، بل تفعل في أوقات عند غلبة الشهوات، فكانت عقوبتها غير أبدية، وجاز فيها العفو والإسقاط. ثانيا: الكفر قبيح لعينه لأنه قدح وطعن في رب العالمين سبحانه؛ فلا يحتمل رفع الحرمة عنه عقلاً وشرعاً؛ فكانت عقوبته كذلك لا تحتمل الارتفاع والإسقاط والعفو في الحكمة، أما سائر المحرمات فيجوز عقلاً رفع الحرمة عنها فكذا عقوبتها احتملت الرفع والعفو. ثالثاً: أن العفو عن المشرك عفو في غير محلّه عقلا وشرعاً لأنه منكر للمُنعِم طاعن فيه، ويرى ذلك القدحَ والسبّ دينا وحقّا على الأبد والدوام، وليست المآثم الأخرى كذلك؛ لأن صاحبها يعترف بالمنعم وفضله ولا يقدح فيه، وإنما يعصيه عند غلبة شهوة أو شبهةٍ فجاز العفو عن صاحب الكبيرة في الحكمة. رابعاً: صاحب الكبيرة مكتسب للطاعة في وقت العصيان كخوف عقاب الله، ورجاء رحمته، والثقة بكرم الله، وهذه خيرات جسام قد تقابل ما ارتكبه من الآثام بغلبة شهوةٍ، وقد تترجج عليه، فلا يحسن في الحكمة أن يُحرم صاحب الكبيرة نفع الخيرات ويوجب عليه عقوبة الشر، وأما الكافر فليس له معنى يستحق به مثل ذلك لأنه يكذب الله ويقدح وينكره أمره ونهيه، ولا يكون له خشية من عقوبة الله في كفرياته.
حتى لو بقي الكفار في النار بقدر مقامهم في الدنيا فلن يطهر هذا خبثهم و كفرهم بالله فلو ردوا للدنيا لعادوا للكفر و الدليل قوله تعالى:(وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ . بَلْ بَدَا لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ) الأنعام
فمقامهم في الدنيا لأقامة الحجة على خبثهم و كفرهم