عتاب صديق
صديقي الحميم . . . .
أما السلام فعلى ودّ أضعته ، وعهد نقضته ، بل على أيام شربنا فيها الصفو على غرّة من الليالي ، وليال تساقينا فيها الحبّ على غفلات الأيام
فقد أمتعتني أيها الصديق بنعمة ودادك حيناً من الدهر فما كفرت بتلك النعمة بل حمدتها ، وبالحمد تستدام النعم
وبذلتَ لي من ذات نفسك ما جمعت عليه يدي ، وشددت به عضدي ، وجعلت أتيه به على الزمان كأنما كشف لي من صداقتك عن مادة من الغنى لا ينضب معينها ، ولقد بلوتني فبلوت مني نقيبة حرّة ، ونفساً مرّة ، على أنه ما عرضت حال يؤثر فيها الصديق صديقه على نفسه ويفديه إلا آثرتك ، وفديتك ، غير مستقل منك ، ولا مستكثر عليك ، وبلغ من وثاقتي صلتي بك ، واتصال سببي بسببك ، أنه ما نالتك نعمة إلا حسبتها من دونك خصتني ، ولا نزل بكم ما تكره إلا حسبتك أنه نزل بي من دونك . وكان كل منا لصاحبه خيراً منه لنفسه ، أخوة مزجت نفسي بنفسك حتى لم يكن يرانا أحد إلا قال أخوان حدرهما ظهر ، وضمهما صدر ، فياليت شعري مالذي عرض لودك فحال ، ولعهدك فاستحال ؟ فإن كنت قد هفوت هفوة فإنها زلة من غير عمد ، وما أولى الصديق أن يقيل عثار الصديق
وإن كان قد نفذ إليك من خلال الشك في مودتي وشاية ، فقد علمت أن الوشايات آفة المودات وإن كنت قد زهدت في مودتي فإني أعيذ قلبك أن يتقلب ، ووجه ودادك السافر أن يتنقب .
وبعد فهذا كتابي إليك تلمح طيف الإخلاص يجول في نواحيه ، وتحس في كل سطر منه خفقة من خفقات هذا القلب الذي أحسب أنه لو زايل موضعه مني لم يزايل حبك موضعه منه ، فلا تعن الدهر علي بجنائك ، ولا ترد من مودتي مبذولا ، ولا تقطع منها موصولا ، وكن عند يقيني فيك لا عند ظنك بي والسلام .
محمد صادق عنبر