الوحدة العقائدية في الإسلام هي الرباط الأقوى لأحكام الدين، فبقية أجزائه لا تعدو أن تكون تطبيقات لمباحث العقيدة، وإن شئت قلت لمقتضى صفات الباري تعالى، ومن هنا لا يمكن لأبناء المجتمع الإسلامي، أن يستتموا وحدتهم إن لم يقفوا على هذا المنهل العذب الذي يروي علوم دينهم، وحضارتهم، وفي حال لم يراع قادة المسلمين، ومنظروهم هذا المبدأ، فإنهم أمام ما حذر منه ربنا تبارك وتعالى بقوله:ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣﯤ pالأنعام/65، i، وخوّف منه نبينا r، بقوله: (( إني سألت ربّي U: أن لا يُهلِك أمّتي بسنةٍ بعامّةٍ[1]، وأن لا يسلِّطَ عليهم عدوّاً، فيهلكَهُمْ بعامَّةٍ، وأن لا يلبِسَهُم[2] شيعاً[3]، ولا يُذيقَ بعضَهم بأسَ بعضٍ، وقال: "يا محّمد إنّي إذا قضيت قضاءً فإنه لا يردّ، وإني قد أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنةٍ بعامّةٍ، ولا أسلّط عليهم عدواً، ممن سواهم، فيهلكوهم بعامّة، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً، وبعضُهم يقتل بعضاً، وبعضُهم يسبي بعضاً [4]))، وقال النبي r: ((إني لا أخافُ على أمّتي إلا الأئمةَ المضلِّينَ، فإذا وُضِعَ السيفُ في أُمَّتي، لم يُرْفَعْ عَنْهُمْ إِلى يَومِ القيامةِ))[5]، ولأجلِ هذا ثبت بالدليل الصحيح: أنّ حال الاختلاف بين المسلمين إذا وصل حد الاقتتال، فليس هذا إلا خطوة متقدمة باتجاه الخروج من الدين جملة، يقول r: (( لا ترجعوا بعدي كفاراً[6] يَضْرِبُ بعضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ ))[7] .
فيَتَبَيَّن أن أي مشروع نهوض للأمة، سواءً قام عليه أفراد أو جماعة، لا يكون صحيحاً، إلا إن أخذ بعين الاعتبار الحفاظ على وحدة مجتمعات الأمة، وإيجادها إن كانت مفتقدة.
وأساس وحدة دين الأمة الذي لا يجوز الاختلاف فيه هو العقيدة، بحيث تكون صافية صحيحة .

[1]ـ سنة عامة: "بِقَحْط عامٍّ يَعُمُّ جَميعهم"، انظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، باب العين مع الميم، مادة (عمم)، 3/302.

[2]ـ "اللبْس : الخَلْط . يقال : لَبَسْت الأمر ـ بالفتح ـ ألْبِسُه إذا خَلَطْتَ بعضَه ببعض : أي يَجْعلكم فِرقَاً مختلفِين". انظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، باب اللام مع الباء، مادة (لبس)، 4/225.

[3]ـ " الشِّيَع: الفِرَق أي يجعلَكم فِرَقاً مختلفين"، انظر: ابن الأثير، النهاية في غريب الحديث، باب الباء مع الياء، مادة (شيع)، 2/519.

[4]ـ أحمد، مسند أحمد، ط. الرسالة، مسند شداد بن أوس، رقم/17114، 6/76.

[5]ـ أحمد، مسند أحمد، مسند شداد بن أوس، رقم/17115، 6/76. قال الهيثمي في المجمع عن الحديثين، 7/452: "رواه أحمد والبزار، ورجال أحمد رجال الصحيح".

[6]ـ حول تفسير (كفاراً) انظر: النووي، شرح صحيح مسلم، 2/54، وانظر: البدر العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، 2/281، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1421هـ. وقد رجحا أن يكون المقصود تشبيهاً للكفار بقتالهم، أو ـ بوجه أضعف ـ طريقاً للتكفير، واستحلال ما يستحله المقاتل من المقاتل الكافر.

[7]ـ متفق عليه، عن جرير بن عبد الله البجلي، انظر: البخاري، صحيح البخاري، كتاب العلم، باب الإنصات للعلماء، رقم/121، ص13، ومسلم، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان معنى قول النبي r: ((لا ترجعوا بعدي كفاراً))، رقم/223، ص691.