لغة القرآن الكريم


إعداد الدكتور أمل بن إدريس بن الحسن العلمي

بعث الله جل وعلا الرُّسُل بلسان قومهم ليبينوا لهم سبل الهداية بعبادة الله الواحد الأحد، الفرد الصمد، ويجنبوهم الطاغوت، وطريق الشيطان والشرك ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ[إبراهيم: 4]... وأنزل سبحانه وتعالى القرآن بلغة قريش وهم قوم الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ[الشورى: 7]... فجعله العزيز الحكيم، تبارك اسمه ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ [الزمر: 28] ... ولعلهم يعقلون: ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ [الزخرف: 1 - 3] ... ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ [يوسف: 1 – 2 ] والخطاب موجه للأمة المحمدية على الخصوص، لعلنا نتقي ونعقل... أو يحدث لهم ولنا ذكرا ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ [طه: 113]... وأمر الله سبحانه وتعالى رسوله الكريم أن ينذر ويبشر بالقرآن ويبينه للناس... ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ [الشعراء: 192 – 195]... وبعد هذا المدخل الموجز لنستعرض بعض الآيات التي تخص هذا الموضوع مع الوقوف على تفسيرها بإيجاز، مقتبسين الشروح من كتاب التفسير "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (ت 671 هـ) رحمه الله.

ﭧ ﭨ ﭽ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ إبراهيم: ٤

قوله تعالى: وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ أي قبلك يا محمد إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِأي بلغتهم، ليبيّنوا لهم أمر دينهم؛ ووحد اللسان وإن أضافه إلى القوم لأن المراد اللغة؛ فهي ٱسم جنس يقع على القليل والكثير؛ ولا حجة للعجم وغيرهم في هذه الآية؛ لأن كل من ترجِم له ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ترجمة يفهمها لزمته الحجة؛ وقد قال الله تعالى:وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً]سبأ: 28]. وقال صلى الله عليه وسلم: " أُرسِل كلُّ نبيّ إلى أمته بلسانها وأرسلني الله إلى كلّ أحمرَ وأسودَ من خَلْقه ". وقال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهوديّ ولا نصرانيّ ثم لم يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار ". خرجه مسلم، وقد تقدّم. فَيُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُردّ على القَدَرية في نفوذ المشيئة، وهو مستأنف، وليس بمعطوف على »لِيُبَيِّنَ» لأن الإرسال إنما وقع للتبيين لا للإضلال. ويجوز النصب في »يضل» لأن الإرسال صار سبباً للإضلال؛ فيكون كقوله: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً]القصص: 8[وإنما صار الإرسال سبباً للإضلال لأنهم كفروا به لما جاءهم؛ فصار كأنه سبب لكفرهم. وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ تقدّم معناه.[1]

ﭧ ﭨ ﭽ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ الزخرف: ١ - ٣

قوله تعالى: حـمۤ * وَٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ تقدّم الكلام فيه. وقيل: «حۤم» قسم. «وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ» قسم ثانٍ؛ وللّه أن يقسم بما شاء. والجواب »إِنَّا جَعَلْنَاهُ». وقال ابن الأنباري: من جعل جواب وَالْكِتَابِ» «حۤم» ـ كما تقول نزل والله وَجَب والله ـ وقف على «الْكتَابِ الْمُبِينِ«. ومن جعل جواب القسم «إِنَّا جَعَلْنَاهُ» لم يقف على «الْكِتَابِ الْمُبِينِ». ومعنى: «جَعَلْنَاهُ» أي سمّيناه ووصفناه؛ ولذلك تعدّى إلى مفعولين؛ كقوله تعالى:مَا جَعَلَ ٱللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ]المائدة[103 :. وقال السُّدّي: أي أنزلناه قرآناً. مجاهد: قلناه. الزجاج وسفيان الثَّوْري: بيّناه. عَرَبِيّاً أي أنزلناه بلسان العرب؛ لأن كل نبيّ أنزل كتابه بلسان قومه؛ قاله سفيان الثوري وغيره. وقال مقاتل: لأن لسان أهل السماء عربيّ. وقيل: المراد بالكتاب جميع الكتب المنزلة على الأنبياء؛ لأن الكتاب اسم جنس فكأنه أقسم بجميع ما أنزل من الكتب أنه جعل القرآن عربياً. والكناية في قوله: جَعَلْنَاهُ ترجع إلى القرآن وإن لم يجر له ذكر في هذه السورة؛ كقوله تعالى:إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ]القدر: 1. [لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ أي تفهمون أحكامه ومعانيه. فعلى هذا القول يكون خاصاً للعرب دون العجم؛ قاله ابن عيسى. وقال ابن زيد: المعنى لعلكم تتفكرون؛ فعلى هذا يكون خطاباً عاماً للعرب والعجم. ونعت الكتاب بالمبين لأن الله بيّن فيه أحكامه وفرائضه؛ على ما تقدّم في غير موضع. [2]

ﭧ ﭨ ﭽ
ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ يوسف: ١ - ٢

قوله تعالى: الۤرتقدّم القول فيه؛ والتقدير هنا: تلك آيات الكتاب، على الابتداء والخبر. وقيل: «الۤر» ٱسم السورة؛ أي هذه السورة المسماة «الر» تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ يعني (بالكتاب المبين) القرآن المبين؛ أي المبين حلاله وحرامه، وحدوده وأحكامه وهُداه وبركته. وقيل: أي هذه تلك الآيات التي كنتم توعدون بها في التوّراة. [3]

ﭧ ﭨ ﭽ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ الرعد: ٣٧

قوله تعالى: وَكَذٰلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً أي وكما أنزلنا عليك القرآن فأنكره بعض الأحزاب كذلك أنزلناه حكماً عربياً؛ وإنما وصفه بذلك لأنه أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم، وهو عربيّ، فكذب ٱلأحزاب بهذا الحكم أيضاً. وقيل نظم الآية: وكما أنزلنا الكتب على الرسل بلغاتهم كذلك أنزلنا إليك القرآن حكماً عربياً، أي بلسان العرب؛ ويريد بالحكم ما فيه من الأحكام. وقيل: أراد بالحكم العربي القرآن كله؛ لأنه يفصل بين الحق والباطل ويحكم. وَلَئِنِ ٱتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم أي أهواء المشركين في عبادة ما دون الله، وفي التوجيه إلى غير الكعبة. بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ ٱللَّهِ مِن وَلِيٍّ أي ناصر ينصرك. وَلاَ وَاقٍ يمنعك من عذابه؛ والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد الأمة.

ﭧ ﭨ ﭽ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ طه: ١١٣

قوله تعالى: وَكَذٰلِكَ أي كما بيّنا لك في هذه السّورة من البيان فـ كَذَٰلِكَ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً أي بلغة العرب. وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ ٱلْوَعِيدِ أي بيّنا ما فيه من التخويف والتهديد والثواب والعقاب. لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي يخافون الله فيجتنبون معاصيه، ويحذرون عقابه. أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً أي موعظة. وقال قتادة: حذرا وورعاً. وقيل: شرفاً؛ فالذكر هاهنا بمعنى الشرف؛ كقوله: «وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ». وقيل: أي ليتذكروا العذاب الذي توعدوا به. وقرأ الحسن «أَوْ نُحْدِثُ» بالنون؛ وروي عنه رفع الثاء وجزمها. [4]

ﭧ ﭨ ﭽ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ الزمر: ٢٨

قوله تعالى: وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـٰذَا ٱلْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ أي من كل مثلٍ يحتاجون إليه؛ مثل قوله تعالى: مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ [الأنعام: 38] وقيل: أي ما ذكرناه من إهلاك الأمم السالفة مثل لهؤلاء لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ } يتعظون. قُرْآناً عَرَبِيّاً نصب على الحال. قال الأخفش: لأن قوله جل وعز: فِي هَذَا الْقُرْآنِ معرفة. وقال علي بن سليمان: عَرَبِيًّا نصب على الحال و قُرْآناً توطئة للحال كما تقول مررت بزيد رجلاً صالحاً فقولك صالحاً هو المنصوب على الحال. وقال الزجاج: عَرَبِيًّا منصوب على الحال و قُرْآناً توكيد. غَيْرَ ذِي عِوَجٍ النحاس: أحسن ما قيل فيه قول الضحاك، قال: غير مختلف. وهو قول ابن عباس، ذكره الثعلبي. وعن ابن عباس أيضاً غير مخلوق، ذكره المهدوي وقاله السدي فيما ذكر الثعلبي. وقال عثمان بن عفان: غير متضاد. وقال مجاهد: غير ذي لَبْس. وقال بكر بن عبد الله المزني: غير ذي لَحْن. وقيل: غير ذي شكّ. قاله السدي فيما ذكره الماوردي. قال:
وقد أتاكَ يقِينٌ غيرُ ذي عِوجٍ
مِن الإلهِ وقولٌ غيرُ مكذوبِ
لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ الكفر والكذب. [5]

ﭧ ﭨ ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ فصلت: ١ - ٣

قوله تعالى: حـمۤ * تَنزِيلٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ قال الزجاج: «تَنْزِيلٌ» رفع بالابتداء وخبره كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ وهذا قول البصريين. وقال الفراء: يجوز أن يكون رفعه على إضمار هذا. ويجوز أن يقال: «كِتَابٌ» بدل من قوله: تَنزِيلٌ وقيل: نعت لقوله: «تَنْزِيلٌ». وقيل: «حمۤ» أي هذه «حمۤ» كما تقول باب كذا، أي هو باب كذا فـ«ـحمۤ» خبر ابتداء مضمر أي هو «حمۤ»، وقوله «تَنْزِيلٌ» مبتدأ آخر، وقوله: «كِتَابٌ» خبره. «فُصِّلَتْ آيَاتُهُ» أي بُيِّنت وفسرت. قال قتادة: ببيان حلاله من حرامه، وطاعته من معصيته. الحسن: بالوعد والوعيد. سفيان: بالثواب والعقاب. وقرىء «فَصَلَتْ» أي فرّقت بين الحق والباطل، أو فصل بعضها من بعض باختلاف معانيها؛ من قولك فصل أي تباعد من البلد. قُرْآناً عَرَبِيّاً في نصبه وجوه؛ قال الأخفش: هو نصب على المدح. وقيل: على إضمار فعل؛ أي اذكر «قُرْآناً عَرَبِيًّا». وقيل: على إعادة الفعل؛ أي فصلنا «قُرْآناً عَرَبِيًّا». وقيل: على الحال أي «فُصِّلَتْ آيَاتُهُ» في حال كونه «قُرْآناً عَرَبِيًّا». وقيل: لما شغل «فُصِّلَتْ» بالآيات حتى صارت بمنزلة الفاعل انتصب «قُرآناً» لوقوع البيان عليه. وقيل: على القطع. لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ قال الضحاك: أي إن القرآن منزل من عند الله. وقال مجاهد: أي يعلمون أنه إلٰه واحد في التوراة والإنجيل. وقيل: يعلمون العربية فيعجزون عن مثله. ولو كان غير عربيّ لما علموه. قلت: هذا أصح، والسورة نزلت تقريعاً وتوبيخاً لقريش في إعجاز القرآن. بَشِيراً وَنَذِيراً حالان من الآيات والعامل فيه «فُصِّلَتْ». وقيل: هما نعتان للقرآن «بَشِيراً» لأولياء الله «نَذِيراً» لأعدائه. [6]

ﭧ ﭨ ﭽ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ الشورى: ٧

قوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً أي وكما أوحينا إليك وإلى من قبلك هذه المعاني فكذلك أوحينا إليك قرآناً عربيًّا بيّناه بلغة العرب. قيل: أي أنزلنا عليك قرآناً عربياً بلسان قومك؛ كما أرسلنا كل رسول بلسان قومه. والمعنى واحد. لِّتُنذِرَ أُمَّ ٱلْقُرَىٰ يعني مكة. وقيل لمكة أم القُرَى لأن الأرض دُحيت من تحتها. وَمَنْ حَوْلَهَا من سائر الخلق. وَتُنذِرَ يَوْمَ ٱلْجَمْعِ أي بيوم الجمع، وهو يوم القيامة. لاَ رَيْبَ فِيهِ لا شك فيه. فَرِيقٌ فِي ٱلْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي ٱلسَّعِيرِ ابتداء وخبر. وأجاز الكسائيّ النصب على تقدير: لتنذر فريقاً في الجنة وفريقاً في السعير.

ﭧ ﭨ ﭽ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ الأحقاف: ١٢

قوله تعالى: وَمِن قَبْلِهِ أي ومن قبل القرآن كِتَابُ مُوسَىٰ أي التوراة إِمَاماً يقتدى بما فيه وَرَحْمَةً من الله. وفي الكلام حذف؛ أي فلم تهتدوا به. وذلك أنه كان في التوراة نعت النبيّ صلى الله عليه وسلم والإيمانُ به فتركوا ذلك. و «إِمَاماً» نصب على الحال؛ لأن المعنى: وتقدّمه كتاب موسى إماماً. «وَرَحْمَةً» معطوف عليه. وقيل: ٱنتصب بإضمار فعل؛ أي أنزلناه إماماً ورحمة. وقال الأخفش: على القطع؛ لأن كتاب موسى معرفة بالإضافة، لأن النكرة إذا أعيدت أو أضيفت أو أدخل عليها ألف ولام صارت معرفة. وَهَـٰذَا كِتَابٌ يعني القرآن مُّصَدِّقٌ يعني للتوراة ولما قبله من الكتب. وقيل: مصدّق للنبيّ صلى الله عليه وسلم. لِّسَاناً عَرَبِيّاً منصوب على الحال؛ أي مصدّق لما قبله عربياً، و «لِسَاناً» توطئة للحال أي تأكيد؛ كقولهم: جاءني زيد رجلاً صالحاً؛ فتذكر رجلاً توكيداً. وقيل: نصب بإضمار فعل تقديره: وهذا كتاب مصدّق أعني لساناً عربياً. وقيل: نصب بإسقاط حرف الخفض تقديره: بلسان عربي. وقيل: إن لساناً مفعول والمراد به النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ أي وهذا كتاب مصدّق للنبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه معجزته؛ والتقدير: مصدّق ذا لسان عربي. فاللسان منصوب بمصدّق، وهو النبي صلى الله عليه وسلم. ويبعد أن يكون اللسان القرآن؛ لأن المعنى يكون يصدّق نفسه. لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ قراءة العامة «لِيُنْذِرَ» بالياء خبر عن الكتاب؛ أي لينذر الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والمعصية. وقيل: هو خبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وقرأ نافع وٱبن عامر والبَزِّي بالتاء، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم؛ على خطاب النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٌ [الرعد: 7]. وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ «بُشْرَى» في موضع رفع؛ أي وهو بشرى. وقيل: عطفاً على الكتاب؛ أي وهذا كتاب مصدّق وبشرى. ويجوز أن يكون منصوباً بإسقاط حرف الخفض؛ أي لينذر الذين ظلموا وللبشرى؛ فلما حذف الخافض نصب. وقيل: على المصدر؛ أي وتبشر المحسنين بشرى؛ فلما جعل مكان وتبشر بشرى أو بشارة نصب؛ كما تقول: أتيتك لأزورك، وكرامة لك وقضاء لحقك؛ يعني لأزورك وأكرمك وأقضي حقك؛ فنصب الكرامة بفعل مضمر. [7]

ﭧ ﭨ ﭽ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ الشعراء: ١٩٢ – ١٩٥

قوله تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ عاد إلى ما تقدّم بيانه في أوّل السورة من إعراض المشركين عن القرآن. نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ عَلَىٰ قَلْبِكَ}نَزَلَ } مخفَّفاً قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو. الباقون: «نَزَّلَ» مشدّداً «بِهِ الرُّوحَ الأَمِينَ» نصباً وهو اختيار أبي حاتم وأبي عبيد لقوله: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ وهو مصدر نزل. والحجة لمن قرأ بالتخفيف أن يقول ليس هذا بمقدّر؛ لأن المعنى وإن القرآن لتنزيل رب العالمين نزل به جبريل إليك؛ كما قال تعالى:قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَىٰ قَلْبِكَ]البقرة: 97[. أي يتلوه عليك فيعيه قلبك. وقيل: ليثبت قلبك. لِتَكُونَ مِنَ ٱلْمُنْذِرِين َ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ أي لئلا يقولوا لسنا نفهم ما تقول. وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ ٱلأَوَّلِينَ أي وإن ذكر نزوله لفي كتب الأوّلين يعني الأنبياء. وقيل: أي إن ذكر محمد عليه السلام في كتب الأوّلين. كما قال تعالى:يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ
]
الأعراف: 157] والزُّبُر الكتب الواحد زَبُور كرسول ورسل؛ وقد تقدّم. [8]

ﭧ ﭨ ﭽ
ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ النحل: ١٠٣

قوله تعالى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ اختلف في ٱسم هذا الذي قالوا إنما يعلّمه؛ فقيل: هو غلام الفاكه بن المغيرة واسمه جبر، كان نصرانياً فأسلم؛ وكانوا إذا سمعوا من النبيّ صلى الله عليه وسلم ما مضى وما هو آت مع أنه أمِّيٌّ لم يقرأ قالوا: إنما يعلمه جبر وهو أعجمي؛ فقال الله تعالى: لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ أي كيف يعلّمه جبر وهو أعجمي هذا الكلام الذي لا يستطيع الإنس والجن أن يعارضوا منه سورة واحدة فما فوقها. وذكر النقاش أن مولى جبر كان يضربه ويقول له: أنت تعلّم محمداً، فيقول: لا والله، بل هو يعلمني ويهديني. وقال ابن إسحاق: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم ـ فيما بلغني ـ كثيراً ما يجلس عند المَرْوَة إلى غلام نصراني يقال له جبر، عبدُ بني الحضرمي، وكان يقرأ الكتب، فقال المشركون: والله ما يعلم محمداً ما يأتي به إلا جبر النصراني. وقال عكرمة: اسمه يعيش عبدٌ لبني الحضرمي، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلّقنه القرآن؛ ذكره الماورديّ. وذكر الثعلبيّ عن عكرمة وقتادة أنه غلام لبني المغيرة اسمه يعيش، وكان يقرأ الكتب الأعجمية، فقالت قريش: إنما يعلّمه بشر، فنزلت. المهدويّ عن عكرمة: هو غلام لبني عامر بن لؤي، واسمه يعيش. وقال عبد الله بن مسلم الحضرميّ: كان لنا غلامان نصرانيان من أهل عين التمر، اسم أحدهما يسار واسم الآخر جبر. كذا ذكر الماورديّ والقشيريّ والثعلبي؛ إلا أن الثعلبيّ قال: يقال لأحدهما نَبْت ويكنى أبا فُكَيْهة، والآخر جبر، وكانا صَيْقَلَين يعملان السيوف؛ وكانا يقرأان كتاباً لهم. الثعلبي: يقرأان التوراة والإنجيل. الماورديّ والمهدويّ: التوراة. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمرّ بهما ويسمع قراءتهما، وكان المشركون يقولون: يتعلّم منهما، فأنزل الله هذه الآية وأكذبهم. وقيل: عنَوْا سلمان الفارسي رضي الله عنه؛ قاله الضحاك. وقيل: نصرانيا بمكة ٱسمه بلعام، وكان غلاماً يقرأ التوراة؛ قاله ابن عباس. وكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلمه بلعام. وقال القُتَبِيّ: كان بمكة رجل نصراني يقال له أبو ميسرة يتكلم بالرومية، فربما قعد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الكفار: إنما يتعلّم محمد منه، فنزلت. وفي رواية أنه عدّاس غلام عتبة بن ربيعة. وقيل: عابس غلام حويطب بن عبد العُزَّى ويسار أبو فكيهة مولى ٱبن الحضرمي، وكانا قد أسلما. والله أعلم. قلت: والكل محتمل؛ فإن النبيّ صلى الله عليه وسلم ربما جلس إليهم في أوقات مختلفة ليعلمهم مما علمه الله، وكان ذلك بمكة.وقال النحاس: وهذه الأقوال ليست بمتناقضة؛ لأنه يجوز أن يكونوا أَوْمَأوا إلى هؤلاء جميعاً، وزعموا أنهم يعلمونه. قلت: وأما ما ذكره الضحاك من أنه سلمان ففيه بُعْدٌ، لأن سلمان إنما أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وهذه الآية مكية. لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ الإلحاد: الميل؛ يقال: لحد وألحد، أي مال عن القصد. وقد تقدّم في الأعراف. وقرأ حمزة «يَلْحَدون» بفتح الياء والحاء؛ أي لسان الذي يميلون إليه ويشيرون أعجميّ. والعُجْمة: الإخفاء وضدّ البيان. ورجل أعجم وٱمرأة عجماء، أي لا يُفصح؛ ومنه عُجْم الذنب لاستتاره. والعجماء: البهيمة؛ لأنها لا توضح عن نفسها. وأعجمت الكتاب أي أزلت عجمته. والعرب تسمي كل من لا يعرف لغتهم ولا يتكلم بكلامهم أعجمياً. وقال الفَرّاء: الأعجم الذي في لسانه عجمة وإن كان من العرب، والأعجمي أو العجمي الذي أصله من العجم. وقال أبو علي: الأعجمي الذي لا يفصح، سواء كان من العرب أو من العجم، وكذلك الأعجم والأعجمي المنسوب إلى العجم وإن كان فصيحاً. وأراد باللسان القرآن؛ لأن العرب تقول للقصيدة والبيت: لسان؛ قال الشاعر:
لسانُ الشر تهديها إلينا وخُنت وما حسبتك أن تخونا
يعني باللسان القصيدة. وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ أي أفصح ما يكون من العربية. [9]

الهوامش:
[1] - تفسير الجامع لأحكام القرآن/ القرطبي (ت 671 هـ)
[2] - نفس المصدر السابق
[3] - نفس المصدر
[4] - نفس المصدر
[5] - نفس المصدر
[6] - نفس المصدر
[7] - نفس المصدر
[8] - نفس المصدر
[9] - نفس المصدر.