يقول الشيخ الفاضل, ذو القلمِ السيّال, ذياب الغامدي - حفظه الله ونفع به - في كتابه النفيس
" المَنهجُ العلمي لِطُلابِ العِلْمِ الشّرْعِي,":
أمَّا العَائِقُ الخَامِسُ :
فَهُوَ فُضُوْلُ المُبَاحَاتِ، ومَا أدْرَاكَ مَا فُضُوْلُ المُبَاحَاتِ؟ إنَّهَا المُهْلِكَاتُ، فإذَا كَانَ المَاءُ لا يَجْتَمِعُ مَعَ النَّارِ، فَكَذِلَكَ طَلَبُ العِلْمِ لا يَجْتَمِعُ مَعَ فُضُوْلِ المُبَاحَاتِ .
وحَسْبُكَ مِنْها : فُضُوْلُ النَّظَرِ، والكَلامِ، والطَّعامِ، والنَّوْمِ، ومُخَالَطَةِ النَّاسِ، فإنَّ التَّوَسُّعَ فِي هَذِه المُبَاحَاتِ بَرِيْدُكَ يَا طَالِبَ العِلْمِ إلى الانْقِطَاعِ أو الفُتُوْرِ، كَما أنَّها مُجْلِبَةٌ للمَعَاصِي!
فَيَا للأَسَفِ!؛ لَقَدْ تَوَسَّعَ كَثِيْرٌ مِنْ طُلابِ العِلْمِ مِنْ أهْلِ زَمَانِنا فِي فُضُوْلِ المُبَاحَاتِ؛ مِمَّا أبْعَدَهُم عَنِ التَّحْصِيْلِ، ورُبَّمَا انْقَطَعَ بِهِم الطَّلَبُ، وهُم بَعْدُ لَمْ يَتَغَرْغَرُوا بالعِلْمِ!
فالحَذَرَ الحَذَرَ يَا طَالِبَ العِلْمِ مِنْ فُضُوْلِ المُبَاحَاتِ،
يَقُوْلُ ابنُ الجَوْزِيُّ رَحِمَهُ اللهُ :
"واعْلَمْ أنَّ فَتْحَ بَابِ المُبَاحَاتِ رُبَّمَا جَرَّ أذَىً كَثِيْرًا فِي الدِّيْنِ!".
ويَقُوْلُ ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ :
"إمْسَاكُ فُضُوْلِ النَّظَرِ، والكَلامِ، والطَّعامِ، ومُخَالَطَةِ النَّاسِ؛ فإنَّ الشَّيْطَانَ إنَّمَا يَتَسَلَّطُ عَلَى ابنِ آدَمَ، ويَنَالُ غَرَضَه مِنْه مِنْ هَذِه الأبْوَابِ الأرْبَعَةِ!" .
وقَالَ أيضًا رَحِمَهُ اللهُ :
"قَسْوَةُ القَلْبِ فِي أرْبَعَةِ أشْيَاءٍ إذَا جَاوَزَتْ قَدْرَ الحَاجَةِ : الأكْلُ، والنَّوْمُ، والكَلامُ، والمُخَالَطَةُ!" .
* * *
ومَا أحْسَنَ هَذِه النَّصِيْحَةَ السَّنِيَّةَ إذْ يَقُوْلُ فِيْهَا ابنُ القَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ :
"قَالَ لِي شَيْخُ الإسْلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ ـ قَدَّسَ اللهُ رُوْحَهُ ـ فِي شَيْءٍ مِنَ المُبَاحِ : هَذَا يُنَافِي المَرَاتِبَ العَالِيَةَ، وإنْ لَمْ يَكُنْ تَرْكُه شَرْطًا فِي النَّجَاةِ" .
وأخْتِمُ بِهَذِه النَّصِيْحَةِ مِنْ قَوْلِ الحَسَنِ البَصْرِيِّ رَحِمَهُ اللهُ :
"كَانَ الرَّجُلُ إذَا طَلَبَ العِلْمَ؛ لَمْ يَلْبَثْ أنْ يُرَى ذَلِكَ فِي تَخَشُّعِهِ، وبَصَرِه، ويَدِه، وصَلاتِه، وزُهْدِه، وإنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُصِيْبَ البَابَ مِنْ أبْوَابِ العِلْمِ فَيَعْمَلَ بِه؛ فَيَكُوْنَ خَيْرًا لَه مِنَ الدُّنْيا ومَا فِيْها".