قال العلامة الفُلّاني في " إيقاظ همم أولي الأبصار " ط. دار الفتح :
[قال ابن عبدالبر : وأنشد الصولي عن المراغي قال : أنشدني أبو العباس الطبري عن أبي سعيد الطبري قال أنشدني الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن عمر بن علي لنفسه ، وكان من أفضل أهل زمانه :
تريد تنام على ذي الشُّبَهْ *** وعلّك إنْ نمتَ لم تنتبِهْ
فجاهد وقلّدْ كتاب الإله *** لتلقى الإله إذا مُتَّ بهْ
فقد قلد الناس رهبانهم *** وكل يجادل عن راهبهْ
وللحق مستنبطٌ واحدٌ *** وكلٌّ يرى الحق في مذهبهْ
ففيما أرى عجبٌ غير أنَّ *** بيان التفرق مِنْ أعجبهْ
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [يذهب العلماء ثم يتخذ الناس رؤوسا جهالا يسألون فيفتون بغير علم فيضلون ويضلون ] .
وهذا كله نفي للتقليد وإبطال له لمن فهمه وهدى لرشده.
وقال أيوب : " ليس تعرف خطأ معلمك حتى تجالس غيره "
وقال عبيدالله بن المعتز : " لا فرق بين بهيمة تنقاد وإنسان يقلد ".
وهذا كله لغير العامة ، فإن العامة لا بدل لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها ، لأنها لا تتبين موقع الحجة ، ولا تصل بعدم الفهم إلى علم ذلك ، لأن العلم درجات لا سبيل منها إلى أعلاها إلا بنيل أسفلها ، وهذا هو الحائل بين العامة وبين طلب الحجة والله تعالى أعلم.
ولم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها ، وأنهم المرادون بقول الله عز وجل { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } ، وأجمعوا على أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره ممن يثق بخبره بالقبلة إذا أشكلت عليه ، فكذلك من لا علم له ولا بصر بمعنى ما يدين لا بد له من تقليد عالم" انتهى كلام الحافظ أبي عمر بن عبدالبر.
قال شيخ مشايخنا محمد حياة السندي ، ناقلا عن خزانة الروايات : " المراد بالعامي هنا هو : العامي الصرف الجاهل الذي لا يعرف معنى النصوص والأحاديث وتأويلاتها ، وأما العالم الذي يعرف معنى النصوص والأخبار وهو من أهل الدراية ، وثبت عنده صحتها من المحدثين ، أو من كتبهم الموثوقة المشهورة المتداولة ، فيجوز له العمل عليها وإن كان مخالفا لمذهبه" إلى أن قال : " وأما قول أبي يوسف أنه يجب على العامي الاقتداء بالفقهاء فمحمول على العامي الصرف الذي لا يعرف معنى الأحاديث وتأويلاتها لأنه أشار إليه صاحب الهداية بقوله : " لعذر عدم الاهتداء إلى معرفة الأحاديث " ، وكذا قوله : " وإن عرفت تأويله يجب الكفارة " يشير إلى أن المراد بالعامي غير العالم.
وفي الحميدي : " العامي منسوب إلى العامة وهم الجهال "
فعلم من هذه الإشارات أن مراد أبي يوسف بالعامي : الجاهل الذي لا يعرف معنى النصوص".
انتهى ملخصا].
قلت(علي) : من كلام العلامة السندي يتبين أن العوام قسمان : عوام صرف ، وغير صرف ، وأن العوام الصرف هم : الذين لا يعرفون معاني النصوص ولا الضعيف من الصحيح في الأحاديث فهؤلاء حقهم التقليد ؛ وأن العوام غير الصرف – ولعلها المرتبة الوسطى بين التقليد والاجتهاد ، وهؤلاء هم : الذين يعرفون معاني النصوص ، والصحيح من الضعيف من كتب الأئمة الموثوقين.
والله أعلم.