كلية الشريعة بجامعة الدمام والحاجة الملحّة


الخميس 28, أكتوبر 2010

لجينيات ـ يتنهّد رياض - وهو أحد الزملاء- وهو يتذكّر ابن عمّه الذي كان يفيضُ حيويّة وعزيمةً، وقد وضع نصب عينيه أن يكون داعية يتخرج في كليّة الشريعة، وقد نهل العلم من أصوله الشرعيّة الصحيحة، ليكون في صفوف العلماء العاملين الذين ينيرون للسائرين دروب الحياة، وقد بذل رياض جهدا كبيرا لإقناع ابن عمّه المتفوق بالالتحاق بأحد التخصصات الهندسيّة لما لها من مستقبل في أغنى مناطق العالم بمرافق النفط، ولكنه كان يصرّ، ويتطلع بنظره إلى السماء وهو يشرح لرياض حاجة الناس لمن يأخذ بأيديهم، ويُسهم في حلّ قضاياهم وفق شرع الله، وما أعدّه الله لطالب العلم ومعلم الناس الخير، وتحدث عن قلّة الدعاة والمفتين والخطباء في مدينته.. ثم تمضي الأيام وإذا برياض يدخل علينا وقد أظلمت في وجهه كلّ علامات البشر، وانطفأت أنوار الابتسامة التي لا تفارقه.. وإذا بالخبر المحزن يتحقق بأن ابن عمّه قد توفي في حادث سير على الطريق الطويل المؤدي إلى كليّة الشريعة بالأحساء.. ويخيّم الحزن بأطنابه حينما يخبرنا بأنه وحيد والديه.. رحمه الله رحمةً واسعة....

تلك قصّة واحدة لقصص كثيرة من معاناة شباب الساحل الشرقي وهم يجازفون بحياتهم بطريقة يوميّة لأن منطقتهم –على أهميتها واتساعها- لا تضمّ كلية للشريعة وعلومها المختلفة!!

وأذكر أنّ المنطقة الشرقيّة استضافت قبل عدّة سنوات أحد العلماء الكبار في محاضرة عامّة، حيث ألقى محاضرة هادفة أبهرت الجميع، وفي نهاية المحاضرة داخل أحد الحضور بأن المنطقة الشرقيّة تفتقر إلى العدد الكافي من علماء الشريعة، فكان جواب الشيخ بأن وجّه الملامة إلى أهل المنطقة رجالا ونساء الذين يغرون أولادهم بالتخصصات الهندسيّة والطبيّة وغيرها من العلوم التطبيقية منذ نعومة أظفارهم، ويزهّدونهم في علوم الشريعة من أجل عرض الدنيا الزائل، وبيّن أن هذا من فروض الكفايات حتى يوجد في المجتمع من يسدّ الثغرات ويقيم للناس أمور دينهم ودنياهم، ولم يفت الشيخ أن يؤكد على أهميّة العلوم غير الشرعيّة في حياة الناس، ولكنه أكّد على أنه من السهل أن تستقدم آلاف الأطباء المهرة، ومئات الألوف من المهندسين البارعين، ولكن من أين لك أن تستقدم عالما شرعيّا قد نشأ على كتاب الله ورسوله وأخذ العلوم الشرعيّة من مصادرها الصحيحة؟!

إنها العملة الصعبة والدرّة النادرة!!

إنّها المنطقة الشرقيّة بساحاتها وواحاتها، ومدنها وقراها، وحواضرها وبواديها، ورجالها ونسائها، تقف في هذه الحقبة وكلُّها أمل في أن تحظى –أسوة بسواها من مناطق المملكة- بإنشاء كليّة متخصصة للعلوم الشرعيّة بكامل فروعها كالشريعة وأصول الدين والسنة وعلومها والقراءات والعقيدة والفقه وأصوله والمعاملات الماليّة، وذلك من أجل الوفاء بالحاجات الوظيفيّة المتسارعة لهذه المنطقة الشاسعة، واستيعاب الأعداد المتزايدة من الراغبين في هذه التخصصات الحيويّة والذين تقطعت بهم سبل المواصلات وهم يقطعون مئات الكيلات ذهابا وإيابا بطريقة يوميّة لإكمال دراستهم الشرعيّة في المحافظات المجاورة، ومنهم من قضى نحبه على الطرق الطويلة ومنهم من ينتظر، حيث يخوض طريق المستقبل في دموع الأمهات الصادقة، وعلى ارتجافات قلوبهن الرقراقة على عتبات انتظار مقلق وشوق متأجج!!

وربما حالت هذه الصعوبات دون استكمال هذا الطريق ليخسر المجتمع طاقة كبيرة، ويلقي الشاب رحله –كارها حسيرا- على أرصفة البطالة في عداد العاطلين..


إن من حق المنطقة الشرقيّة – وهي تشكّل جزءا مهمّا ومتميّزا في خارطة الوطن الغالي- أن تنعم بمثل ما أنعم الله به على مناطق المملكة المختلفة من هذه النهضة العلميّة الشاملة التي شملت أطرافها المختلفة، هذه النهضة التي تلمّست الحاجات العلميّة والوظيفيّة ولبّت مطالبات المخلصين في مجال التخصصات الشرعيّة، وذلك بافتتاح كليّة لتخصصات العلوم الشرعيّة بجامعة الدمام الناشئة، مثلما حدث في مثيلاتها في نجران وحائل والجوف وغيرها من جامعات المملكة، بل إن السؤال الاستنكاري المشروع هو: لماذا بقيت المنطقة الشرقيّة إلى الآن دون كليّة للتخصصات الشرعيّة وهي تشكّل مساحة شاسعة من أبقيق جنوبا حتى حفر الباطن شمالا، مع كثافة سكانيّة هائلة؟!

إن السؤال موجّه إلى أبناء المنطقة أنفسهم وإلى المسئولين في جامعة الدمام، إذ إن ولاة الأمر حفظهم الله لا يألون جهدا في دعم احتياجات التعليم بمراحله المختلفة...

إن مما لايخفى على أحد هو أن حكومة هذه البلاد قد قامت على شرع الله عقيدةً وأحكاماً وقضاءً ودعوةً وتعليما، وارتضت منهج الله دستورا، وأقامها الله راعيةً للحرمين الشريفين بما في ذلك من مسئوليات شرعيّة واجتماعيّة وأمنيّة ودعويّة، وجعلها الله قبلة للمسلمين يتطلعون إلى علمائها وأئمتها اقتداءً واستفتاءً وتأثرا، وتصحيحا للعقائد، ووقوفا أمام البدع والأفكار والمذاهب المعاصرة، وهذا يجعل الحاجة إلى المتخصصين في العلوم الشرعيّة في ازدياد، فالموارد البشريّة المتخصصة هي عامل النجاح الأوّل في قيام الأنظمة والأحكام وتصحيح العقائد وصيانة الأفكار، وقد تم احصاء الوظائف الحكوميّة التي يُحتاج إلى إشغالها بالمتخصصين الشرعيين في دليل وظائف الخدمة المدنيّة فكانت أكثر من مائة وأربعين وظيفة لمراحل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه، يُضاف إليها مئات الوظائف في سلك التعليم العام والجامعي ورئاسة الحرس الوطني والدفاع والشركات والبنوك والمكاتب الاستشاريّة ووسائل الإعلام وعالم الاقتصاد وغيرها..

إن الحاجة الكبيرة في سوق العمل تظهر أن الحاجة لخريجي الشريعة والدراسات الإسلامية تصل في العشر سنوات القادمة إلى (118143) مائة وثمانية عشر ألف ومائة وثلاثة وأربعين وظيفة حسب إحصائية وزارة الخدمة المدنية ، بينما بلغ جميع خريجي الجامعات السعودية في تخصصات الشريعة والدراسات الإسلامية (15972) خمسة عشر ألف وتسعمائة واثنين وسبعين خريجا ، فالفرق هو (102171) مائة ألف وألفي خريج ومائة وواحد وسبعين خريجا .

فالحاجة ماسة إلى التوسع في افتتاح كليات شريعة في بلادنا وبجميع الأقسام ، شريعة وأصول دين ودعوة وغيرها من الأقسام الشرعية..

بل إن المتوقع منّ أبناء المنطقة الشرقيّة، وهي المنطقة المعروفة بتميّزها في المجالات الطبيّة والهندسيّة والعمل الخيري والاجتماعي والمتميّزة كذلك بوعي أهلها وسلوكهم الحضاري، أن تتهيأ لهم هذه الكليّة بأقسامها المختلفة ، والتي تواكب طموحاتهم وأن يحلقوا بها في آفاق عالية من نجاح برامجها العلميّة وتميّز مخرجاتها وتفوّق أبنائها، وأن تكون منطقة رائدة لا تابعة، سابقة –كعادتها- لا مسبوقة..

وتجدر الإشارة هنا إلى الجهود المباركة والمحاولات الجادّة التي بذلها قضاة المنطقة الشرقية –بدعم من إمارة المنطقة الشرقيّة- حيث زاروا قبل عام تقريبا معالي وزير التعليم العالي، وقد كان اللقاء إيجابيا جدا، وبلغهم بأن يُبشروا سكان الشرقية بأن كلية الشريعة ستفتح بإذن الله، ولكن لم نعلم ماذا تم بعد ذلك إلا أن لقاءا قريبا جمع رئيس محاكم الاستئناف الشرقية ومعالي مدير الجامعة بهذا الشأن ونرجوا أن تكون النتائج إيجابية.

إن بين المنطقة وبين تحقّق هذا الأمل المتاح إلحاحُ أهل هذه المنطقة الوثّابة التوّاقة، وتجاوب المسئولين في جامعة الدمام الفتيّة لمطالب أهلها ووعيهم بحاجة سوق العمل الحاليّة والمستقبليّة، وهم عند حسن الظنّ في أن يقوموا بمسئولياتهم في نشر العلم وتشجيع أهله وفتح فرصه والتيسير على أبنائنا الطلاب، وصيانة أرواحهم النديّة أن تُزهق في ربيع العمر، وإدخال الفرح والسرور على الأمهات والآباء..

هذه هي المنطقة بعراقتها ووزنها وثقلها، وبتأييد ولاة أمرها وقضاتها وعلمائها ومجتمعها ترفع حاجتها الملحّة.. فهل من مجيب؟!!


المهندس/ الشاعر صالح بن علي العمري
السعوديّة - الظهران

المصدر : http://www.lojainiat.com/index.cfm?d...******id=48521