تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 13 من 13

الموضوع: قراءةٌ نقديةٌ لبحث سعود السرحان : ( الحكمة المصلوبة )

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    المشاركات
    25

    افتراضي قراءةٌ نقديةٌ لبحث سعود السرحان : ( الحكمة المصلوبة )

    بسم الله الرحمن الرحيم


    قراءةٌ نقديةٌ لبحث سعود السرحان:
    « الحكمة المصلوبة : مدخل إلى موقف ابن تيمية من الفلسفة »

    قرأتُ ما كتبه سعود السرحان في بحثه « الحكمة المصلوبة: مدخل إلى موقف ابن تيمية من الفلسفة » ، ومع أني تهيَّبتُ أوَّلَ أمري ولوجَ « مدخل مظلم » عُلِّقتْ على بابه « حكمة مصلوبة » تقطر دماً! إلا أني اتخذتُ شيئاً يشبه ذاك الذي يضعه مرتادو الأغوار والكهوف على رؤوسهم فينير لهم الطريق.. ودخلتُ.
    تكمُنُ مشكلة بعض زملائنا الذين تسرّبوا من مدرستنا السلفية في تَوَهُّمه أنه حين يكتب شيئاً ثقافياً؛ إنما يؤسس لمرحلة مهمة من تاريخ حياتنا الثقافية، وتظلُّ تُداعب خيالَه أسماءُ: الطهطاوي، والأفغاني، وقاسم أمين، ومحمد عبده، وعلي عبدالرازق، وأحمد لطفي السيد، وطه حسين... فيلقي في « شيئه الثقافي » هذا بعض الكلمات؛ عسى أن يهتدي إليها دارسو تراثه في المهرجان الذي سيقام بمناسبة الاحتفال بالمئوية الأولى لولادته!
    وذلك كقول صاحبنا في مقدمة بحثه: « تتجاوز أهمية هذا البحث مجرد كونه عرضاً لموقف ابن تيمية من الفلسفة إلى توضيح آثار هذا الموقف على الواقع العلمي والثقافي في السعودية » ! وقوله: « وحسبي أن أكون مهدت الطريق أمام هذه الدراسات، التي سيكون لها الأثر الكبير ليس على الفكر السلفي فقط، بل وعلى الفكر الإسلامي بصورة عامة » !

    هنا أسئلةٌ تتردد في ذهني كثيراً حين أرى بعض من فشلوا في مشروعهم السلفيِّ يعودون فيشغبون على مدرستنا:
    ما بالهم لا يذهبون إلى المدارس المجاورة فيقذفون نوافذهم بالحجارة كما يفعلون معنا؟
    أهي نظرية الثَّأْر التي تملكُ على الإنسان عقلَه فتُحيلَه إلى مَوْتورٍ يحمل سلاحه ويمشي يترنَّحُ به في الطرقات على غير هدى؟
    أشعورٌ بالنقص ينتاب هذه الأنفس كحال كلِّ من عَجَزَ عن تحقيق كمالٍ كان ينشُدُه؛ يحملها على أن تعْمَدَ في تفكيرها إلى شيءٍ من الشذوذ، حتى يكون لها نوعٌ من خصوصية الذات وتفرُّدها؟
    أم هي نشوة المعرفة المُتوهَّمة تمشَّتْ في عقول هؤلاء؛ فأرادوا للطُّهْر أن يشاركهم اللذة الأثيمة، بكأس المخرج الإباحي فاديم، على ألحان اغتراب الوجودي كافكا، لنشيد نيرودا الذي ترنَّم به قيفارا مع الرِّفاق في أحراش بوليفيا؟
    ستة محاور رئيسة في هذا البحث أَودُّ أن أقرأها مع صاحبنا، ثم أعرض بَعْدُ لشيءٍ من مثل ما نحن بسبيله.
    المحور الأول: النظرةُ التقليديَّةُ الجامدة التي تعامل بها السلفيُّون مع تراث ابن تيمية في الفلسفة.
    المحور الثاني: تأخُّر دراسة ابن تيمية للفلسفة.
    المحور الثالث: اعتمادُ ابن تيمية على مصادر غير دقيقة في حكايته لمقالات فلاسفة اليونان.
    المحور الرابع: بناءُ ابن تيمية دراستَه للفلسفة على « التلفيق » و« النفعية » .
    المحور الخامس: مآخذُ أخَذها الباحثُ على ابن تيمية.
    المحور السادس: موقفُ ابنِ تيمية من المنطق.

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    607

    افتراضي رد: قراءةٌ نقديةٌ لبحث سعود السرحان : ( الحكمة المصلوبة )

    هل السرحان له رسالة علمية عن ابن حزم
    وقلَّ من جدَّ في أمر ٍ يؤملهُ **** واستعملَ الصبرَ إلا فازَ بالظفرِ

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    240

    افتراضي رد: قراءةٌ نقديةٌ لبحث سعود السرحان : ( الحكمة المصلوبة )

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالله العلي مشاهدة المشاركة
    هل السرحان له رسالة علمية عن ابن حزم
    نعم أخي عبد الله العلي ،،
    رسالة الماجسير ، أظنها بعنوان : ( موقف ابن حزم من المعتزلة ) ،
    ولم يحصل على درجة الماجستير .
    وما عبَّرَ الإنسَانُ عن فضلِ نفْسِهِ ** بمثلِ اعتقادِ الفضلِ في كلِّ فاضلِ
    وليسَ من الإنصافِ أنْ يدفعَ الفتى ** يدَ النَّقصِ عنهُ بانتقاصِ الأفاضل !

  4. #4

    افتراضي رد: قراءةٌ نقديةٌ لبحث سعود السرحان : ( الحكمة المصلوبة )

    قرأت بحث الشيخ الفاضل عبدالله الهدلق, وأسأل الله تعالى أن يثيبه لقاء جهده في الذب عن الامام الجبل شيخ الاسلام ابن تيمية, الذي بدلاً من الدعاء لهذا العلم لقاء جهاده في الحق تحول بعض الشبان المسلمين الى الاستهتار به, فما أحسن أثر ابن تيمية على الناس وماأقبح أثر هؤلاء الشباب على ابن تيمية.
    وعلى أية حال فقد بدا لي بعض الملاحظات التي خطرت في بالي وأنا أقرأ هذا البحث المشكور, والتي لعلها تسدد البحث وتزيده في تحقيق مقصوده.
    -المسألة الاولى:
    قول السرحان أن ابن تيمية لم يقرأ الفلسفة اليونانية في مصادرها الأصلية هذا كلام صحيح وحقيقة تاريخية لاغبار عليها, ولايجوز مكابرتها, ذلك أن المشكلة ليست في هذه الحقيقة التاريخية, وإنما فيما بناه عليها السرحان من اللوازم.
    فقد قال شيخ الاسلام في درء التعارض (فإنا نحن لا نعرف لغة اليونان) وهذا أمر مشهور معروف, فليس الرد بمغالطة هذه الحقيقة, وإنما الرد يكون من وجوه:
    الوجه الأول:
    أن القراءة باللغة الأصلية ليست الطريق الوحيد لتصور الأفكار والمفاهيم والفلسفات, فإن الفلاسفة الألمان كنيتشة وكانت وهايدجر, لم يقرأهم المفكرون البريطانيون والأمريكيون ونحوهم بلغتهم الاصلية, بل قرؤوهم من خلال ترجماتٍ الى الانجليزية, وكذلك الفلاسفة الفرنسيين كديكارت وفولتير وفوكو ودريدا تمت ترجمة أعمالهم الى بقية اللغات الاوروبية, وكذلك الفلسفة اليونانية لم يقرأها الغربيون بلغتها الاغريقية, بل قرؤوها بترجمات الى لغاتهم الانجليزية والفرنسية والالمانية, وكذلك ماكتبه الغربيون عن الفلسفات الشرقية الصينية والهندية لم يقرؤوه بلغاته الاصلية الصينية والهندية بل بترجمات الى لغاتهم.
    بل يلزم على كلام السرحان أنه لايجوز له هو أصلاًَ الكلام عن الفلسفة اليونانية طالما أنه لايعرف اللغة الاغريقية! فكيف حكم السرحان على وجود أخطاء في فهم ابن تيمية للفلسفة اليونانية وهو لم يطلع أصلاً على الفلسفة اليونانية في مصادرها الأصلية؟!
    الوجه الثاني:
    أن السرحان لم يأت بتصور فلسفي واحد يثبت فيه أن ابن تيمية أخطأ في نقل أفكار الفلاسفة اليونانيين, ونقلها نقلاً مشوهاً, فتظل هذه الدعوى المرسلة بلاخطام عيباً في الباحث السرحان وليس في الامام ابن تيمية.
    وجوهر نقد ابن تيمية على المنطق اليوناني كان يدور على ثلاثة محاور: نقد شكلنة العقل (أي الشروط الشكلية للمعرفة العقلية) , ونقد حصر التصورات بالحدود, ونقد حصر التصديقات بالقياس. وهذه المحاور الثلاث كلها مما اتفق المؤرخون على نسبتها للفلاسفة اليونانيين, فأين التشوه المزعوم؟!
    الوجه الثالث:
    أن الترجمات العربية في أواسط الاسلام والتي عربت الفلسفة اليونانية حاولت تقريبها للمجال التداولي الاسلامي (أي الروح العامة لمناخ التصورات الاسلامية) وذلك عبر صبها في بعض المصطلحات الشرعية المقبولة, أو تخفيف حمولة انحرافاتها, فاذا كانت الصورة المحسَّنة تكشفت عن كل هذه الانحرافات التي ذكرها الامام ابن تيمية فكيف بالصورة الاصلية؟!
    وقد أشار الامام ابن تيمية الى هذا المعنى في درء التعارض بقوله:
    (وهذا مقام يتبين فيه جهل هؤلاء القوم وضلالهم لكل من تدبر نصوص كلامهم الموجود في كتبهم الذي ينقله أصحابه عنهم, فإنا نحن لا نعرف لغة اليونان, ولم ينقل ذلك عنهم بإسناد يعرف رجاله, ولكن هذا نقْل أئمة أصحابهم الذين يعظمونهم ويذبون عنهم بكل طريق, وقد نقلوا ذلك إلينا وترجموه باللسان العربي, وذكروا أنهم بينوه وأوضحوه وقدروه وقربوه إلى أن تقبله العقول ولا ترده, فكيف إذا أخذ الكلام أولئك على وجهه؟! فإنه يتبين فيه من الجهل بالله أعظم مما يتبين من كلام المحسِّنين له)
    فاذا كان هذا حجم الفساد بعد سلسلة التحسينات والعمليات التجميلية واعادة الانتاج فكيف بالصورة الاصلية التي تحدث بها فلاسفة اليونان؟!
    ومن المعلوم أن بيان فساد جنس مقالات هؤلاء وأصولهم المشتركة هو غاية مقصود شيخ الاسلام, وليس مقصوده التنقير في الفروق الداخلية لهؤلاء الفلاسفة, فهذا شأن الفلاسفة ومؤرخي الافكار, وليس شأن أئمة الدين وعلماء العقيدة الاسلامية.
    ومن المقرر انه ليس من منهجية البحث العلمي محاسبة الاطروحات لغير وظيفتها التي تصدت لها, فما حال السرحان إلا كمن يذم أحد علماء الاسلام في رده على أصول السحر بأنه لم يفهم تفاصيل اجراءات أعمال السحرة وفروقاتهم بلغاتهم الأصلية!
    الوجه الرابع:
    ان ابن تيمية اعتمد بشكل أساسي على نقل ابن ملكا وابن رشد لعنايتهم بتحرير مقاصد أرسطو, فاذا كانت الصورة التي نقلها ابن تيمية عن المشائية مشوهة, فيلزم على هذا أن الصورة التي تصورها ابن ملكا وابن رشد هي صورة مشوهة أيضاً, فاذا كان أهم فيلسوفين أرسطيين يعانيان من معرفة مشوهة, فمن هو ياترى الذي فهم أرسطو إذاً؟!
    بل إن الفلسفة الغربية الوسيطة لم تعرف كثيراً من نصوص أرسطو إلا عبر ترجمات ابن رشد من العربية الى العبرية الى الانجليزية, فيلزم عليه أن الغرب ذاتهم لم يفهموا الفلسفة اليونانية أيضاً.
    وخلاصة هذه اللوازم: أنه يلزم على اعتبار اعتماد ابن تيمية على ترجمة ابن ملكا وأرسطو معرفة مشوهة أن الفلاسفة الاسلاميين والفلاسفة الغربيين كلهم يحملون عن ارسطو معرفة مشوهة, ووحده سعود السرحان هو الذي فهم ارسطو والفلسفة اليونانية برغم أنه لايعرف اللغة اليونانية ولا العبرية ولا الانجليزية!
    الوجه الخامس:
    ان شيخ الاسلام ابن تيمية لم يدَّع لنفسه أنه قرأ الفلسفة اليونانية باللغة اليونانية, بل هو يتكلم عن المنطق والفلسفة "المعرَّبة" كما يقول في مجموع الفتاوى:
    (قد كتبت فيما تقدم ملخص المنطق "المعرَّب", الذي بلغته العرب عن اليونانيين, وعربته لفظا ومعنى, فإنها أحسنت ألفاظه وحررت معانيه, وهو المنسوب إلى أرسطو اليوناني)
    -المسألة الثانية:
    قول السرحان ان ابن تيمية وظف كلام الفلاسفة في نقض بعضهم, هذه أيضاً حقيقة تاريخية, وليس طريق تزييف كلام السرحان فيها المكابرة عنها والتعسف بردِّها, ولكن بتبيين غرض شيخ الاسلام الذي لم يفهمه السرحان للأسف.
    حيث لايمكن فهم مقصود شيخ الاسلام بايراد أقوال الفلاسفة في نقيض بعضهم إلا بفهم معطيات البيئة الفلسفية التي تحرك فيها شيخ الاسلام, ذلك أن تلك البيئة الفلسفية لعصر شيخ الاسلام ابتليت بعنصرين, أولهما: المذهبية الفلسفية(أي الجمود على رأي أساطين الفلاسفة) , وثانيهما: معارضة النصوص بالعقليات.
    ولذلك حرص شيخ الاسلام ابن تيمية على إيراد تناقض الفلاسفة ليحقق هذين الغرضين, فلايمكن إقناع مقلدة الفلسفة إلا بنصوص لفلاسفة أي من الداخل الفلسفي ذاته, ولايمكن تبديد ارهاب العقليات في مواجهة النصوص إلا ببيان تناقضها ليتطاير وهج قطعيتها وتهتز مطلقاتها, فاذا كانوا متفاوتين في هذه العقليات بطلت مواجهة النصوص بها.
    وقد تحدث الامام ابن تيمية عن الظاهرة الأولى وهي أزمة "مقلدة الفلاسفة" وحاجتها الى نصوص الفلاسفة ذاتهم بقوله في درء التعارض:
    (ويسمونها عقليات وإنما هي عندهم تقليديات, قلدوا فيها ناسا يعلمون أنهم ليسوا معصومين, إذا بين لأحدهم فسادها لم يكن عنده ما يدفع ذلك, بل ينفي تعظيمه المطلق لرؤوس تلك المقالة, ثم يعارض ما تبين لعقله فيقول: كيف يظن بأرسطو وابن سينا وأبي الهذيل أو أبي على الجبائي ونحو هؤلاء أن يخفي عليه مثل هذا؟ أو أن يقول مثل هذا؟)
    وقال أيضاً في درء التعارض متحدثاً عن الظاهرة الثانية:
    (ولهذا أذكر من كلام رؤوس الطوائف من العقليات ما يبين ذلك, لا لأنا محتاجون في معرفتنا إلى ذلك, لكن ليعلم أن أئمة الطوائف معترفون بفساد هذه القضايا التي يدعي إخوانهم أنها قطعية, مع مخالفتها للشريعة, ولأن النفوس إذا علمت أن ذلك القول قاله من هو من أئمة المخالفين استأنست بذلك واطمأنت به, ولأن ذلك يبين أن تلك المسألة فيها نزاع بين تلك الطائفة, فتنحل عقد الإصرار والتصميم على التقليد, فإن عامة الطوائف ـ وإن ادعوا العقليات ـ فجمهورهم مقلدون لرؤوسهم فإذا رأوا الرؤوس قد تنازعوا واعترفوا بالحق انحلت عقدة الإصرار على التقليد)
    وقال في تأصيل "الاستعانة بأقوال الفلاسفة ضد بعضهم" لتحقيق هذا الغرض:
    (والمقصود بيان فساد أمثال هذه الكلام بالحجج العقلية المحضة, فإن هؤلاء النفاة يستعينون على معارضة النصوص الإلهية بأقوال الفلاسفة وغيرها المخالفة لدين المرسلين, فإذا احتج لنصر النصوص الإلهية بما هو من هذا الجنس: كان ذلك خيرا من فعلهم)
    وقال أيضاً في درء التعارض:
    (فإذا خوطبوا على موجب أصولهم, وبين أنه ليس في العقليات ما ينافي النصوص الإلهية, على كل مذهب كان هذا من تمام نصر الله لرسوله وإظهار لنوره)
    وقد شبهه الامام ابن تيمية بتشبيه لطيف يقول فيه في درء التعارض:
    (وقد تبين لك أن الطوائف التي في كلامها ما يعارضون به كلام الشارع من العقليات, سواء عارضوا به في الظاهر والباطن, كل منهم يقول جمهور العقلاء: إن عقلياته تلك باطلة, ويبينون فساد عقلياته بالعقليات الصحيحة الصريحة التي لا يمكن ردها, وهذا مما ينصر الله به رسله والذين آمنوا في الحياة الدنيا, فإن الله تعالى إذا أقام لكل طائفة تعارض الرسول من جنسها من يبين فساد قولها المعارض له ويكشف جهلها وتناقضها: كان بمنزلة أن يقيم لكل طائفة تزيد محاربته من جنسها من يحاربها بالسلاح, ثم المؤمن المجاهد يمكنه جهاد هؤلاء كما يمكنه جهاد هؤلاء, ويمكنه أن يستعين بما فعلته كل طائفة بالأخرى, فإذا أغارت طائفة على أخرى وهزمتها أتاها من الناحية الأخرى ففتح بلادها, وإن كان هو لم يستعن بأولئك ابتداء, لكن الله يسر بما فيه الهدى والنصر لعباده المؤمنين وكفى بربك هاديا ونصيرا)
    المسألة الثالثة:
    مسألة ان ابن تيمية هل تعلم الفلسفة على كبر ام على صغر؟ في تقديري أنها قضية غير موضوعية ولاصلة لها أصلاً بمحتوى خطاب ابن تيمية, ولايتعلق بمثل ذلك إلا من أفلس في التفنيد الموضوعي.
    بل إن القول بأن ابن تيمية تعلم الفلسفة على كبر فيه ثناء على ابن تيمية من جهتين:
    الوجه لأول: نقاء شرعيته, حيث لم يخالط تعليمه في الصغر غير أنوار القرآن والسنة وعلومهما المساعدة, ولم يزاحمهما شئ من العلوم المنحرفة, وهذا أصلا هو الموافق لمنهج القرون المفضلة, وليس مما يتمدح به الانسان أن يكون قد قرأ الفلسفة المنحرفة في صغره, ولا مما يمدح به ابن تيمية كونه خاض في الفلسفة اليونانية في صغره, بل الذي نعتقده أنه تفرغ في صغره للتضلع من علوم الوحيين.
    والوجه الثاني من الثناء: ان ابن تيمية استطاع تقديم كل هذا النتاج الفلسفي الغزير الذي حول عصرنا الى عصر النقاش حول ابن تيمية مع انه لم يولها كل اهتمامه بل طالعها في كبره, ومع ذلك كشف فيها كل هذه التناقضات, فهذا مما يزيدنا انبهاراً بعبقرية الرجل وليس مما يرخصه في عيوننا, ومما يعمق في نفوسنا الايمان بموهبة هذا الامام وعبقريته, لا أنه مذمة له لو كان السرحان يستوعب الأمر على وجهه.
    -وأخيراً:
    ثمة اساليب في البحث وعبارات غير لائقة بطالب علم, فكنت أتمنى من الشيخ الفاضل لو تجنبها, كبعض العبارات المتناثرة هنا وهناك وفيها شئ من الزهو بالذات بما يخالف المنهج القرآني النبوي, تمنيت أنه تحاشاها وتجنبها, ومن ذلك قول الشيخ وفقه الله:
    (أحيله إليهما دون ذكر الصفحات حتى يشتدَّ عُوده في البحث، لأننا وقَفْنا على ما نذكره في هذه القراءة بعرق الجبين وسهر الليل، ولم نتلقَّها عن الشيخ «قوقل» عفا الله عنه!)
    وكذلك بعض العبارات المشحونة بمايخدش الفضيلة ويسهم في تطبيع رموز الانحلال السلوكي, سيما أنه ليس لذكرها حاجة وانما ذكرت استطراداً, من مثل قول الشيخ وفقه الله:
    (فأرادوا للطُّهْر أن يشاركهم اللذة الأثيمة، بكأس المخرج الإباحي فاديم، على ألحان اغتراب الوجودي كافكا، لنشيد نيرودا الذي ترنَّم به قيفارا مع الرِّفاق في أحراش بوليفيا؟)
    إضافة الى استخدام بعض العبارات التي فيها مبالغة تضر القضية أكثر مما تخدمها, وفيها من التطريق لهدم الحق المصاحب لها, كقول الشيخ وفقه الله:
    (إنك فشلت في أن تكون مشروعَ شيخٍ في الإسلام، وتريد
    ـ ويْحَكَ ـ أن تَنْقُضَ شيخَ الإسلام كلِّه)

    فالامام ابن تيمية يظل شيخاً من شيوخ الاسلام وليس شيخ الاسلام كله, فإن هذا الغلو في التفخيم فيه إزراء بأئمة الدين قبله كالخلفاء الأربعة وابن عباس ومعاذ وأبي بن كعب وابوعبيدة بن الجراح, الذين لهم في الاسلام وعلوم الشريعة ماليس لابن تيمية مده ولانصيفه, وكذلك من بعدهم من أئمة التابعين وأئمة المذاهب المتبوعة, فينبغي أن لاتنسينا حميتنا لأئمتنا الذين نحبهم ثوابتنا الأخرى العزيزة على قلوبنا هي أيضاً, وأعتقد ان الامام ابن تيمية لايرضيه هذا الغلو ويتعارض مع قواعده وكلامه الكثير حول الاقتصاد في تعظيم العلماء وأئمة الدين.
    وعلى اية حال .. هذه الملحوظات لاتغض من قيمة البحث المشكور, بل هي كما قال الامام ابن تيمية عن كتاب تهافت الفلاسفة "وثمة أدلة أخرى يعان بها أبوحامد على غرضه الصحيح" .
    وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه, وشكر الله للشيخ الهدلق بحثه, وهدى الله الأخ سعود السرحان وأراه الحق حقا ورزقه اتباعه, وأراه الباطل باطلا ورزقه اجتنابه, وصلى الله وسلم على نبينا محمد. والله أعلم.

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jun 2007
    المشاركات
    240

    افتراضي رد: قراءةٌ نقديةٌ لبحث سعود السرحان : ( الحكمة المصلوبة )

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ابوعمر التميمي مشاهدة المشاركة
    قول السرحان أن ابن تيمية لم يقرأ الفلسفة اليونانية في مصادرها الأصلية هذا كلام صحيح وحقيقة تاريخية لاغبار عليها, ولايجوز مكابرتها, ذلك أن المشكلة ليست في هذه الحقيقة التاريخية, وإنما فيما بناه عليها السرحان من اللوازم..
    جزاك الله خيراً أخي أبا عمر ..
    تنبيه مهم يغفل عنه كثيرٌ من الكتاب !
    وما عبَّرَ الإنسَانُ عن فضلِ نفْسِهِ ** بمثلِ اعتقادِ الفضلِ في كلِّ فاضلِ
    وليسَ من الإنصافِ أنْ يدفعَ الفتى ** يدَ النَّقصِ عنهُ بانتقاصِ الأفاضل !

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,642

    افتراضي رد: قراءةٌ نقديةٌ لبحث سعود السرحان : ( الحكمة المصلوبة )


    بارك الله في الشيخين الفاضلين (عبدالله الهدلق وأبي عمر التميمي) ونفع بهما

    يسرني متابعتك لصفحتي على الفيسبوك
    http://www.facebook.com/profile.php?...328429&sk=wall

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Dec 2006
    المشاركات
    135

    افتراضي رد: قراءةٌ نقديةٌ لبحث سعود السرحان : ( الحكمة المصلوبة )

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
    جميلُ ما سطرته .. بارك الله فيكم ..
    لا أدري لماذا حين أقرأ عن هؤلاء أتذكر الأعرابي وبئر زمزم !
    سبحان الله وبحمده ، سبحان الله العظيم

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    964

    افتراضي رد: قراءةٌ نقديةٌ لبحث سعود السرحان : ( الحكمة المصلوبة )

    بارك الله في الأستاذ الباحث عبدالله الهدلق ..
    ==========
    أخي أباعمر التميمي :
    1- قلتم : ( قول السرحان أن ابن تيمية لم يقرأ الفلسفة اليونانية في مصادرها الأصلية هذا كلام صحيح وحقيقة تاريخية لاغبار عليها, ولايجوز مكابرتها ) . ( فليس الرد بمغالطة هذه الحقيقة ) !
    لم يكابر أو يغالط كاتب البحث ، فهو يقول : ( إن ابن تيمية قد عرف مقالات فلاسفة اليونان - ولاسيما أرسطو - في أدق صُوَره وأجلاها؟ ) .
    =========
    2- قلتم : ( قول السرحان ان ابن تيمية وظف كلام الفلاسفة في نقض بعضهم, هذه أيضاً حقيقة تاريخية, وليس طريق تزييف كلام السرحان فيها المكابرة عنها والتعسف بردِّها ) !
    كاتب البحث لم يكابر أو يتعسف . فهو يقول : ( هل ما كان يقوم به ابن تيمية «تلفيقاً» كما فهم صاحبنا، أم هو عملٌ ينمُّ على عمق اطلاع ابن تيمية على مناهج الفلاسفة؟ ) . فهو يخالفه في الوصف.
    ==========
    3- قلتم : ( ثمة اساليب في البحث وعبارات غير لائقة بطالب علم .. ) .
    هذا رأيكم . وغيركم يرى أن لا تثريب على كاتب البحث ؛ لأن أمثال المردود عليه لا يليق بهم إلا هذا الأسلوب ؛ لكشف تعالمه . والله يقول : ( إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ) .
    وفقكم الله ..

  9. #9

    افتراضي رد: قراءةٌ نقديةٌ لبحث سعود السرحان : ( الحكمة المصلوبة )

    أشكر للمشايخ الكرام إثراء هذا الموضوع
    مع الترحيب الوافر بالشيخ إبي عمر - عمر الله قلبه باليقين ونفع به الإسلام والمسلمين...
    والشكر الجزيل للباحث القدير الأستاذ عبدالله الهدلق
    وبخصوص ما ذكره الشيخ الخراشي، ثمت نصوص تبين أن الأصل في الرد والتوجيه الرفق إلا في حال المكابرة والمعاندة
    كما في حديث:" من تعزى بعزى الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا"
    وحديث:" العنوهن فإنهن ملعونات" وذلك في حديث النساء الكاسيات العاريات
    وحديث:" من آذى المسلين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم"
    وحديث:" إنك امرؤ فيك جاهلية" والخطاب موجه لأبي ذر لما عير بلالا بأمه
    وقول أبي بكر رضي الله عنه:" امصص بظر اللات"، ولم يوبخه النبي صلى الله عليه وسلم
    وأبيات شعراء الصحابة في هجاء الكفر وأهله، ولم يرد عنه صلوات الله وسلامه عليه ما يشعر بذم السخرية بالمخالف المعاند.

    إلا أننا نلحظ في سيرته صلى الله عليه وسلم الرحمة واللين في الخطاب، والبعد عن الشدة في القول حتى مع اليهود وأهل النفاق تأليفا لقلوبهم، وربما لعدم الجدوى من ذلك...
    فيمكن أن يقال بأن الشدة مقبولة إذا أدت إلى مصلحة شرعية:
    بالتأثير على الطرف الآخر المردود عليه بإحداث هزة تعيده إلى توازنه وتبعد عنه الهوى...
    أو بالتأثير على من يقرأ مقاله، ممن التبست شبهات المردود عليه في قلبه.
    ويمكن للإخوة النظر في أوجه جمع أخرى
    مع التأكيد على أن الأصل في المسلم أن يسلم المسلمون من لسانه ويده
    وأن الشدة إنما حال استثنائية لاستصلاح المردود عليه أو من يتابعه على خطئه
    وكما قيل:
    البس لكل حالة لبوسها
    إما نعيمها وإما بوسها

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    المشاركات
    25

    افتراضي رد: قراءةٌ نقديةٌ لبحث سعود السرحان : ( الحكمة المصلوبة )

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله، وبعد فأشكر لكل من قرأ البحث، وأخص بالشكر الأستاذ الفاضل أبا عمر التميمي لما أبداه من ملاحظات، وإن كنت تمنيت أن لو تريّث قليلاً قبل تعليقه، وأن لم يقل في فاتحة ملاحظاته: "فقد بدا لي بعض الملاحظات التي خطرت في بالي وأنا أقرأ هذا البحث"؛ لأن طبيعة هذا الموضوع الفلسفي الذي نحن بسبيله لاتسمح بأن تقيّد ملاحظاتُه بما يخطر في البال هكذا وقت قراءته... ولعل أخانا الفاضل إنما أُتي في كثير مما علّق به من هذه الجهة.
    أودّ قبل أن أقف مع ملاحظات الأستاذ أبي عمر أن أُصدّر بأربعة أمور:
    الأول: علينا أن نتذكر أن مانحن فيه دِين ندين الله ـ عز وجل ـ به، وليس مذهباً إنسانياً، أو جنساً أدبياً، تنازع المرءَ فيه نوازعُ نفسه، وتغالبُه عليه محض طبيعته؛ فلا يكون فيه من طلب الحق إلا بقدر مافي هذه المنازعة والمغالبة من الظَّفَر بالخصم، والظهور عليه.
    الثاني: أن كتابه الرّد على المخالف؛ تحكمها ضوابطُ شرعية، وأنظارٌ علمية، وعواملُ نفسية.. ليست تحكم العمل الذي ينشئه الكاتب ابتداءً.
    الثالث: أن في الحق من القوة مايجعله غنياً عن أن نستشهد له بالباطل، وأنت إذا ذهبت تستشهد بشيءٍ من الباطل على ما معك من الحق؛ ردّ الناس حقّك وقالوا: آفته يافلان هذا الباطل الذي أفسده.
    الرابع: كثرة المعلوم، وبسطة الثقافة، لاتغني في النقاش وحدها؛ بل لابدّ معها من حسن توظيفها في خدمة الحوار، وجودة الاستدلال بها في مورد النزاع، ذاك أن الربا حرام، لكن ليس يستدل على حرمته بقوله تعالى: "الطلاق مرتان".
    1- قال الأستاذ أبو عمر: "المسألة الأولى: قول السرحان أن ابن تيمية لم يقرأ الفلسفة اليونانية في مصادرها الأصلية هذا الكلام صحيح، وحقيقة تاريخية لاغبار عليها، ولايجوز مكابرتها، ذلك أن المشكلة ليست في هذه الحقيقة التاريخية، وإنما فيما بناه عليها السرحان من اللوازم. فقد قال شيخ الإسلام في درء التعارض (فإنا نحن لانعرف لغة اليونان) وهذا أمر مشهور معروف، فليس الرد بمغالطة هذه الحقيقة".
    *أ- أين وجدت في بحثي كله ـ عافاك الله ـ مكابرة هذه الحقيقة التاريخية ومغالطتها. نعم، فشيخ الإسلام لم يقرأ الفلسفة اليونانية في مصادرها الأصلية، ولم يكن يعرف اللغة اليونانية، فعُد إلى بحثي وادفع في صدري بحرفٍ واحد من كلامي ذكرت فيه أن ابن تيمية قرأ الفلسفة اليونانية في مصادرها الأصلية، أو أنه كان يعرف اللغة اليونانية.
    قال شيخ الإسلام رحمه الله في "المنهاج 6/303": "وكثير من الناقلين ليس قصده الكذب، لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس من غير نقل ألفاظهم، وسائر مابه يُعرف مرادهم قد يتعسر على بعض الناس، ويتعذّر على بعضهم".
    *ب- قال أبو عمر: "فليس الرد بمغالطة هذه الحقيقة، وإنما يكون الرد من وجوه:
    الوجه الأول: أن القراءة باللغة الأصلية ليست الطريق الوحيد لتصوّر الأفكار والمفاهيم والفلسفات، فإن الفلاسفة الألمان كنيتشة وكانت وهايدجر، لم يقرأهم المفكرون البريطانيون والأمريكيون ونحوهم بلغتهم الأصلية، بل قرؤوهم من خلال ترجمات إلى الانجليزية، وكذلك الفلاسفة الفرنسيين كديكارت وفولتير وفوكو ودريدا تمت ترجمة أعمالهم إلى بقية اللغات الأوروبية، وكذلك الفلسفة اليونانية لم يقرأها الغربيون بلغتها الإغريقية، بل قرؤوها بترجمات إلى لغاتهم الانجليزية والفرنسية والالمانية، وكذلك ماكتبه الغربيون عن الفلسفات الشرقية الصينية والهندية لم يقرؤوه بلغاته الأصلية الصينية والهندية بل بترجمات إلى لغاتهم.
    بل يلزم على كلام السرحان أنه لايجوز له هو أصلاً الكلام عن الفلسفة اليونانية طالما أنه لايعرف اللغة الاغريقية! فكيف حكم السرحان على وجود أخطاء في فهم ابن تيمية للفلسفة اليونانية وهو لم يطلع أصلاً على الفلسفة اليونانية في مصادرها الأصلية؟".
    قلت: هنا كثرة معلوم، وبسطة ثقافة، لكن لم يحسن صاحبها توظيفها في خدمة الحوار، ولم يُجِد الاستدلال بها في مورد النزاع.
    فإن السرحان لم يقل: إن السبب "الوحيد" لمعرفة ابن تيمية المشوّهة بالفلسفة اليونانية هو أنه لم يقرأها بلغتها الأصلية، حتى يقال له: "إن القراءة باللغة الأصلية ليست الطريق الوحيد لتصور الأفكار...".
    كان السرحان يريد أن يسدّ على ابن تيمية جميع منافذ المعرفة الدقيقة بالفلسفة اليونانية فقال: "وسبب هذه المعرفة المشوهة:
    1- هو أن ابن تيمية لم يطلع على النصوص الأصلية للفلاسفة اليونانيين سواءً بلغتهم لعدم معرفته باليونانية.
    2- ولا على النصوص المترجمة لفلاسفة اليونان.
    3- وواضح [أي بعد هذا من خلال قراءة نصوص ابن تيمية، هدلق] أن ابن تيمية اعتمد على مصادر غير دقيقة في حكايته لمقالات فلاسفة اليونان".
    فهذه الأمور الثلاثة هنا هي التي سببت "بمجموعها" لابن تيمية هذه المعرفة المشوهة بالفلسفة اليونانية في نظر السرحان، وليس عدم معرفة ابن تيمية باللغة اليونانية فقط.
    وقد كنت تنبهت لهذا الذي ظن أخونا التميمي أنه تفطّن له دوني، لكني كنت أحاذر من أن يكون في ردي فجوة يُنفذ عليّ منها، فذهبت في ردي إلى مايراه القارئ في البحث؛ من إثبات اطلاع ابن تيمية على الفلسفة اليونانية من خلال مصادر دقيقة مستعيناً بنصوص السرحان نفسه في ذلك حتى لا يكابر.
    ماذا لو قال السرحان للأستاذ أبي عمر: هذا صحيح، فإني ونيتشه وكانت وهايدجر وديكارت وفولتير وفوكو ودريدا و.. لم نقرأ الفلسفة اليونانية بلغتها الأصلية، لكنا اطلعنا عليها في مصادرها الدقيقة، وأما ابن تيمية فهو لم يقرأ الفلسفة اليونانية بلغتها الأصلية، ولم يطلع عليها في مصادرها الدقيقة؟
    إذن لانتقض على أبي عمر هذا الوجه كله، فليت أن أبا عمر فهم عن السرحان كلامه قبل أن يأخذ في بسط ثقافة ليس هذا موضعها من النقاش، وليته فهم عني جوابي الذي رتّبته على نصوص السرحان؛ قبل أن يأتي ليعلمني كيف تكون وجوه الردود.
    ج- قال أبو عمر: "الوجه الثاني: أن السرحان لم يأت بتصور فلسفي واحد يثبت فيه أن ابن تيمية أخطأ في نقل أفكار الفلاسفة اليونانيين، ونقلها نقلاً مشوهاً، فتظل هذه الدعوى بلا خطام عيباً في الباحث السرحان وليس في الإمام ابن تيمية".
    ونحن لانحب لأبي عمر أن يتجنى على السرحان ولانتكثّر بكلامه هنا.. لئلا يرد الناس مامعنا من الحق بما شابه من الباطل، وواضح أن أبا عمر لم يقرأ بحث السرحان ولابحثي بعناية، لأن السرحان قد أورد في بحثه تصورات فلسفية كثيرة أراد أن يثبت من خلالها معرفة ابن تيمية المشوهة بالفلسفة اليونانية، ومنه على سبيل المثال قوله: "فقدماء الفلاسفة قبل أرسطو كما يرى ابن تيمية كانوا... يثبتون عالماً فوق هذا العالم يصفونه ببعض ماوصف النبي صلى الله به الجنة = واضح أن هذه صورة مشوهة وساذجة عن "نظرية المثل" التي قال بها أفلاطون".
    كيف يقال بعد هذا: "أن السرحان لم يأت بتصور فلسفي واحد يثبت فيه أن ابن تيمية أخطأ في نقل أفكار الفلاسفة اليونانيين". كيف يستقيم أن يقول هذا من قال في تعليقه: "هذه أيضاً حقيقة تاريخية، وليس طريق تزييف كلام السرحان فيها المكابرة عنها".
    سبيل الإنصاف هنا أن يناقش السرحان في هذه التصورات الفلسفية التي زعم أن ابن تيمية فهمها فهماً مشوهاً وساذجاً كما فعلُت في مناقشته في "نظرية المثل"، لا أن يُتجنى عليه بالباطل فيها، فيقال: إنه "لم يأت بتصور فلسفي واحد...".
    2- قال أبو عمر: "المسألة الثانية: قول السرحان أن ابن تيمية وظف كلام الفلاسفة في نقض بعضهم، هذه أيضاً حقيقة تاريخية، وليس طريق تزييف كلام السرحان فيها المكابرة عنها والتعسف بردّها، ولكن بتبيين غرض شيخ الإسلام الذي لم يفهمه السرحان للأسف".
    هل كان أبو عمر يعلّق على بحثٍ آخر غير بحثي؟
    لقد بنيت المحور الرابع كله تقريباً على مناقشة هذه النقطة، وكان هذا المحور من أكثر المحاور إجهاداً لي لما فيه من صعوبة الكلام على المنهج... فهل ماقمت به في هذا المحور هو "تزييف كلام السرحان...".
    أذكّر أبا عمر ـ هداه الله للحق ـ بما كنت قلتُه: من أن مانكتبه هنا دين ندين الله ـ عز وجل ـ به.. وليس مذهباً إنسانياً أو جنساً أدبياً، تنازع المرء فيه نوازعُ نفسه، وتغالبه عليه محضُ طبيعته، فلا يكون فيه من طلب الحق إلا بقدر مافي هذه المنازعة والمغالبة من الظَّفَر بالخصم، والظهور عليه.
    كنت قلت في البحث: "هل ماكان يقوم به ابن تيمية "تلفيقاً" كما فهم صاحبنا، أم هو عمل ينم على عمق اطلاع ابن تيمية على مناهج الفلاسفة؟ لما أراد ابن تيمية أن ينقض على الفلاسفة أقوالهم؛ عمد إلى الفلسفة من الداخل فنقضها بأدواتها وليس بشيءٍ خارج عنها، وكان من المنهج سلوك طريق الفلاسفة أنفسهم مع بعضهم البعض في جدلهم: "هذه الحركة الديالكتيكية هي ماهية الفلسفة..".
    إلى آخر مافي هذا المحور من نقاش لتأصيل منهج ابن تيمية في توظيف كلام الفلاسفة في نقض بعضهم، وتخريجه على طرائق الفلسفة وقوانين الفكر.
    3- قال أبو عمر: "مسألة أن ابن تيمية هل تعلم الفلسفة على كبر أم على صغر؟ في تقديري أنها قضية غير موضوعية ولا صلة لها أصلاً بمحتوى خطاب ابن تيمية.. بل إن القول بأن ابن تيمية تعلم الفلسفة على كبر فيه ثناء على ابن تيمية من جهتين: الوجه الأول: نقاء شرعيته، حيث لم يخالط تعليمه في الصغر غير أنوار القرآن والسنة... بل الذي نعتقده أنه تفرغ في صغره للتضلع من علوم الوحيين.
    والوجه الثاني من الثناء: أن ابن تيمية استطاع تقديم كل هذا النتاج الفلسفي الغزير الذي حول عصرنا إلى عصر النقاش حول ابن تيمية مع أنه لم يولها كل اهتمامه بل طالعها في كبره..".
    لو كان ماذهبتُ إليه من أن ابن تيمية عرف الفلسفة مبكراً هو من قبيل الاستنتاج لكان لي مع هذا الكلام وقفة، لكن كيف يقال هذا بعد أن أثبتُّ من كلام ابن تيمية نفسه أنه عرف الفلسفة مبكراً؟
    قلت في البحث: "مافي كلام ابن تيمية هنا يغنينا عن كل ماكنا فيه، لو لا مابلينا به من هذه الرعونة، قال ابن تيمية "وقد كنت (في أوائل معرفتي بأقوال الفلاسفة بعد بلوغي بقريب) وعندي من الرغبة في طلب العلم...".
    فما في تهويمات الأستاذ المعلّق ألصق بالعمل الأدبي منه بالبرهان العلمي... فهل يسرّه أن نبتلى ـ فوق مابلينا به ـ بقول من يقول: إن تعلّم ابن تيمية الفلسفة في صغره ـ وهذا ثابت من قوله نفسه ـ أفسد نقاء شرعيته فخالط تعليمه في الصغر غير أنوار القرآن والسنة؟
    4- قال أبو عمر: "ثمة أساليب في البحث وعبارات غير لائقة بطالب علم، فكنت أتمنى من الشيخ الفاضل لو تجنبها، كبعض العبارات المتناثرة هنا وهناك وفيها شيء من الزهو بالذات بما يخالف المنهج القرآني النبوي، تمنيت أنه تحاشاها وتجنبها، ومن ذلك قول الشيخ وفقه الله: أحيله إليهما دون ذكر الصفحات حتى يشتد عوده في البحث، لأننا وقفنا على مانذكره في هذه القراءة بعرق الجبين وسهر الليل، ولم نتلقها عن الشيخ "قوقل" عفا الله عنه!".
    وكنت قد قلت في صدر كلامي هنا:
    إن كتابة الرد على المخالف؛ تحكمها ضوابط شرعية، وأنظار علمية، وعوامل نفسية، ليست تحكم العمل الذي ينشئه الكاتب ابتداءً... فليت أن الأستاذ أباعمر قرأ ماكتبته في ضوء هذا المعنى، لأن طبيعة الرّد على من يتهمنا بعدم الفهم، وبالجمود والتقليد وضعف العقل؛ أوجبت إبراز شيء مما ظنه الأستاذ الفاضل زهواً، ولو طالع القارئ ردود بعض السلف كنقض الدارمي ـ مثلاً ـ لأحس بشيءٍ من ذلك، ومابهم الزهو بالذات ـ حاشاهم ـ وإنما هو ماذكرت.
    5- قال أبو عمر: "إضافة إلى استخدام بعض العبارات التي فيها مبالغة تضر القضية أكثر مما تخدمها، وفيها من التطريق لهدم الحق المصاحب لها، كقول الشيخ وفقه الله: "إنك فشلت في أن تكون مشروع شيخ في الإسلام، وتريد ـ ويحك ـ أن تنقض شيخ الإسلام كله" فالإمام ابن تيمية يظل شيخاً من شيوخ الإسلام وليس شيخ الإسلام كله، فإن هذا الغلو في التفخيم فيه إزراء بأئمة الدين قبله.. وأعتقد أن الإمام ابن تيمية لايرضيه هذا الغلو ويتعارض مع قواعده وكلامه الكثير حول الاقتصاد في تعظيم العلماء وأئمة الدين".
    ليتني كنت أعرف من يكون أبو عمر التميمي هذا؛ فإن بي حاجة إلى أن يقرضني مبلغاً من المال مادام بمثل هذه الذاكرة! أبا عمر: ماعدا عما بدا؟ أتقول في أول بحثك: "لقاء جهده في الذبّ عن الإمام الجبل شيخ الإسلام ابن تيمية"، ثم تأخذ عليَّ في آخره أن قلت عن ابن تيمية: إنه شيخ الإسلام؟ إلا أن تكون لفظة "كله" هذه هي التي أشكلت عليك، فهلا قلت في وصفك لابن تيمية: الإمام الجبل شيخ "بعض" الإسلام؟
    دونك "كلّي"، "ببعضك" جعلتُ فداك ولا مثل هذا الكلام "الكبير"، فشيخ الإسلام في وصفي هو شيخ الإسلام في وصفك، لكن أضفتُ "كله" في مقابل من يريد أن ينال منه، وهذا من طبيعة الرّد، ولست من السّفه والغلو في التفخيم حتى أقول في كلام غير ماكنت فيه: وهذه المسألة الفقهية هي اختيار شيخ الإسلام كلّه!
    6- قال أبو عمر: "وعلى أية حال.. هذه الملحوظات لاتغض من قيمة البحث المشكور، بل هي كما قال الإمام ابن تيمية عن كتاب تهافت الفلاسفة: "وثمة أدلة أخرى يعان بها أبو حامد على غرضه الصحيح".
    وأخونا أبو عمر هذا الفاضل التميمي نمط غريب؛ فهو ـ أيده الله ـ يستدل لكلامي بكلامي، ويقوى لي بي!

    قلت في البحث مخاطباً السرحان: "أي خير لك في أن تثبت أثر هذين الفيلسوفين في ابن تيمية وتدعو إلى دراسة ذلك؛ وأنت تزعم أن معرفته بمقالات فلاسفة اليونان: "معرفة مشوهة"؟ ألا تعلم أن ابن ملكا وابن رشد هما الفيلسوفان اللذان خلصا التراث اليوناني من اشتباكه، وحررا النص الأرسطي كما لم يحرّره أحد؟".
    فقال أبو عمر: "إن ابن تيمية اعتمد بشكل أساسي على نقل ابن ملكا وابن رشد لعنايتهم بتحرير مقاصد أرسطو".
    وقلت: "لما أراد ابن تيمية أن ينقض على الفلاسفة أقوالهم، عمد إلى الفلسفة من الداخل فنقضها بأدواتها وليس بشيءٍ خارج عنها".
    فقال أبو عمر: "فلا يمكن إقناع مقلدة الفلسفة إلا بنصوص الفلاسفة أي من الداخل الفلسفي ذاته"!
    هذا إنسان أخذ بِرَجُل الإطفاء يهزّه إليه..
    قال: لكثرة ماأهرق من الماء.
    قلت: وأين أنت ممن أشعل النار؟
    وختاماً، أشكر للأستاذ الفاضل أبي عمر ماكان فيه، وأسأل الله سبحانه أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله.

    عبدالله بن عبدالعزيز الهدلق
    1428

  11. #11

    افتراضي رد: قراءةٌ نقديةٌ لبحث سعود السرحان : ( الحكمة المصلوبة )

    شكر الله للشيخ الفاضل عبدالله الهدلق توضيحه وبيانه, وجعل تعقيبه وبحثه الاصلي -كلاهما- مما يبيض وجهه يوم القيامة, وأنا لاأشكك في علمكم وفضلكم ودقة بحثكم واستفادتنا جميعاً من بحثكم المميز, وأنا أقل من أن أعلمكم وجوه الرد, بل أنتم أعلم وأفضل, وأؤكد ياشيخنا أنني في مركب رجل الاطفاء لافي مركب مثقاب الحريق, وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يزكي قلوبنا جميعاً بالايمان والاخلاص والتفات القلب عن ثناء المخلوقين..

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Jul 2007
    المشاركات
    18

    افتراضي رد: قراءةٌ نقديةٌ لبحث سعود السرحان : ( الحكمة المصلوبة )

    بسم الله الرحمن الرحيم
    بارك الله في الشيخ الهدلق ، ونفع بعلمه ، لا جرم ألا يقوم أمامك قائم ، فإنك تفحم الخصم ، وتفلي النص ، وتأتي بالمعجب من القول ، حري أن تذهب في الناس مثلا فيقال : "هَدْلَقةُ ولا كالسرحان"!
    ويكون مثلا لمن أفحم الخصم المتعالم الثالب العلماء ،
    والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ......

  13. #13
    تاريخ التسجيل
    Mar 2008
    الدولة
    المملكة العربية السعودية حرسها الله
    المشاركات
    1,496

    افتراضي رد: قراءةٌ نقديةٌ لبحث سعود السرحان : ( الحكمة المصلوبة )

    بارك الله فيكم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •