تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: أركون وتهافت مشروعه الفكري

  1. #1

    افتراضي أركون وتهافت مشروعه الفكري

    أركون .. المشروع المستحيل والمناهج العاجزة

    سيظل التاريخ شاهداً على ثلة من المفكرين الذين تموضعوا في خانة الجناية على موروث الأمة الديني . محمد أركون عنوان بارز للفكر المناوئ للتراث الإسلامي الهادف إلى تفريغ الإسلام من محتواه ومساواته بالديانات المحرفة عبر التشكيك في الأسس المتينة للعقيدة الإسلامية . أركون أخطأ منهجياً حين حاول أن يمارس " الأشكلة " حسب تعبيره في التشكيك في ثوابت يقوم عليها الإيمان (اليقين) الذي لا يحتمل الشك . وهذه الأشكلة التي يطرحها أركون كأداة معرفية تهدف إلى فهم أعمق بحسب ادعائه ليست سوى محاولة فاشلة للتشكيك ومحاولة هز عقائد المتلقين , وعلى مدى عقود دأب أركون بنفَس استشراقي في بث المغالطات التاريخية ومحاولة نقد ركائز العقيدة عبر شعارات " إعادة القراءة " و" الأشكلة " ومحاولة الفهم ... ولكن تلك النقدات كانت مفتقرة إلى العلمية وعارية من المنهجية الموضوعية ولم تكن إلا اجتراراً لافتراءات المستشرقين .ثم عاب تلك الأطروحات تكرارها وتردادها في أعماله المتمحورة حول موضوعات معينة وآراء فجة لا يعضدها منطق معرفي ولا تدعمها شواهد مؤيدة , ولم تكن إلا آراءً مرسلة خالية من البرهنة الفكرية ولا تثبت في ميدان الحجاج العقلي واتسم طرحه الفكري بالمديونية للفكر الغربي والارتهان للعقلية الاستشراقية المغرضة.وكما يقول د.عبدالمجيد الصغير : " إن أعمال أركون لم تستطع التخلص من التبشيرية والاستشراقية القديمة , بل إنه قد أضاف إلى تلك الطروح أسلوباً استفزازياً مليئاً بالقدح والتجريح والقذف. ما ينم عن العجز عن تقديم البديل مع الركون إلى التكرار و " التبشير " بالعلوم الإنسانية والقراءة الحداثية بعيداً عن ضوابط القراءة مع الغفلة عن الخصوصيات التاريخية والفكرية . ما يجعل كل أعمال أركون عن الفكر الإسلامي نموذجاً ممتازاً للفكر الإسقاطي البعيد عن الضوابط المنهجية المراعاة في العلوم الإنسانية عامة , خاصة إذا أدركنا طغيان النزعة النسبية لديه , والتي تكرسها الرؤية العلمانية التبسيطية للأديان " .(من تقديمه لكتاب :القرآن الكريم والقراءة الحداثية: دراسة تحليلية نقدية لإشكالية النص عند محمد اركون لمؤلفه د. الحسن العباقي ) . يتجلى من خلال مهاجمة أركون للتراث الإسلامي في ثوابته محاولة زعزعة المسلمات الضرورية التي يتأسس عليها اليقين العقدي , فكان مجمل طرح أركون مساءلات غير منطقية لتشكيك المتلقي في صوابيته المطلقة عبر مساواة الدين الإسلامي الخاتم المهيمن مع ديانات أهل الكتاب المحرفة كما في قوله " الإسلام دين كباقي الأديان , والمسلمون بشر كباقي البشر,وليسوا مسجونين في خصوصية أبدية , لا تختزل إلى أي شيء آخر " وكذلك تناول أركون القرآن الكريم بالتشكيك في كتابته وجمعه في المصحف ودعا إلى التعاطي مع النص القرآني كمدونة تاريخية والبحث فيه بأدوات معرفية من نتاج الفكر الحداثي الغربي إلى درجة أن يقول : " ولكن المعركة من أجل تحقيق القرآن لم تفقد أهميتها اليوم إطلاقاً " فبدا كما يقول د . الحسن العباقي " كأنه يتحدث عن نص غير كامل ولا مضبوط , الموجود من نسخه معيب, والكامل منها مفقود, مع أنه ليس على وجه الأرض كتاب أصح منه نقلاً, ولا أتم منه ضبطاً ... وهذا اليقين غير المؤسس في القول بتاريخية النص القرآني ومحاولة ربطه بواقع العرب يظهر مدى توغل الحضور الإيديولوجي في فكر أركون " ( القرآن الكريم والقراءة الحداثية ) .. وإن تعجب فاعجب لمدى علم من يدعو إلى " اختراق متن القرآن " و" إعادة تحقيقه " كما في مثال على إعجاب الشخص بأفكاره حيث يقول أركون " آمل بوساطة هذا الكتاب - الفكر الإسلامي : نقد واجتهاد- قد ساهمت في نشر معرفة على غرار تلك الزيتونة التي تحدث عنها القرآن : (يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ) ثم حاول المترجم هاشم صالح (مسوق فكر أركون عربيا) إتمام الآية التي ساقها محمد أركون فأخطأ حيث قال : ( زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار على نور ) والصواب ( يكاد زيتها يضيء ولم لم تمسسه نار نور على نور ) .إن النتاج الأركوني اتسم بثغرات تتصل بالمنهج المعرفي تتمثل في دعاوى كبرى يزعم أنها حقائق أكيدة ولكنه يعجز عن إقامة الدلائل عليها , ففي حين أنه لا يفتأ يدعو إلى درس ثوابت دينية هي في درجة الحقائق المطلقة وتتحدى الناقد بلغة وثوقية باهرة يبني اركون إشكالياته على " أدلة " واهية لا ترقى إلى مرتبة الاستدلال في الحجاج الفكري وكذا استخدامه لحشد من المنهجيات في غير محلها و "تحميل النصوص مالا
    تحتمل مع خلط الشبهة بالدليل" مما يظهر أن البناء الفكري لأركون يقوم على أركان متداعية ويفتقر إلى أرضية صلبة . وثمة قوادح عابت سيرة أركون تتمثل في كيله الشتائم الثقافية لخصومه وهو الناعي على غياب التسامح داخل الفكر الإسلامي من قبيل نعته مخالفيه بـ : العقلية الدغمائية , الأرثوذكسيين المنغلقين , الخطاب الإسلامي المعاصر وكلامه الرديء المبتذل , قضايا محملة بالهلوسة , الإيمان المتعصب الظلامي
    وأيضاً سجل أركون موقفاً فكرياً مشينا سيظل التاريخ يحفظه له في تعامله بروح غير متسامحة على الإطلاق إزاء مسائل دينية كما في مسألة الحجاب حيث " كان عضواً في (لجنة ستازي) الفرنسية التي أوصت بحظر الحجاب في المدارس الفرنسية , هو أحد أبرز المدافعين عن علمانية فرنسا وأحد المتحمسين لخلع الحجاب ".
    ومما يلفت النظر في المنهج الأركوني غياب الشجاعة الأدبية ومناوراته الفكرية عبر تخفيف درجة النقد أو بالأصح التجديف عند ترجمته من الفرنسية إلى العربية كما في كتاب " نقد الفكر الديني " عند ترجمته إلى العربية حمل عنوان " تاريخية الفكر العربي " . " فاختياره الفرنسية لغةً لتأليف كتبه إنما هو لاختيار فضاء ثقافي له أن يقول من خلاله ما شاء , متجنباً سخط فئات واسعة لن تقبل بكثير من الأفكار التي ينشرها بغير اللغة العربية , وهو يدرك تمام الإدراك أن التعامل مع القرآن كما تعامل فلاسفة الأنوار مع نصوص العهدين القديم والجديد أمر غير مقبول لدى الجماهير المسلمة التي ترفض نزع القداسة عنه , أو التعامل معه كأي نص بشري يعتريه الخطأ والصواب, ولا أدل على هذا من الترجمات التلبيسية أحياناً التي يتعمد فيها " هاشم صالح " إخفاء المعاني الحقيقة التي في النص الأصلي , كترجمته لعنوان الفصل الثاني من كتاب " القرآن من التفسير الموروث إلى تحليل الخطاب الديني " على نحو لا يمت بصلة إلى الترجمة , فكأن القارئ أمام نص آخر , حيث جعل " موقف المشركين من ظاهرة الوحي " ترجمة للعنوان الفرنسي
    le Probleme de l authenticite diveine du Coran " "
    مع أن الترجمة الأقرب " مشكلة المصدر الإلهي للقرآن " أو " معضلة صحة نسبة القرآن إلى الله " وحيث أن هذه القضية محسومة لدى عموم المسلمين , ولا أحد يشك في صحة نسبة القرآن الكريم إلى الله تعالى , فضل المترجم وبطبيعة الحال بإشراف المؤلف تهذيب الحكم والموقف الذي يتخذه أركون من الوحي عموماً ومن القرآن خصوصاً , مخالفاً به عقيدة الأمة في النص الخاتم . وإذا حصل هذا على مستوى العناوين , فماذا يقع على مستوى النصوص ؟! " ( د. الحسن العباقي :القرآن الكريم والقراءة الحداثية ). رحل محمد أركون " الذي درس المرحلة الثانوية في مدرسة تنصيرية , وحضر الحلقات الصوفية , ودرس في السوربون على عدد من المستشرقين الفرنسيين وكان له اهتمام واضح بالفكر الباطني " رحل بعد أن خلف وراءه كتباً حوت أفكاراً تتمثل في :" دعوى تاريخية (النص) القرآني , ودعوى الأسطورة في كتاب الله ومشابهة التوراة والإنجيل , ونفي المصدر التشريعي للقرآن الكريم , والتشكيك في القصص القرآني , والطعن في منهج السلف في التفسير , والتشكيك في جمع القرآن الكريم , والطعن فيما ورد من أخبار الغيب في القرآن الكريم"
    (الأثر الإستشراقي في موقف محمد أركون من القرآن الكريم:د. محمد سعيد السرحاني ).إن النص الشرعي حجة ومحجة , يتضمن المعرفة التي ينشدها طالب الحق وإن النص الصريح لا يعارض العقل الصحيح ورحم شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يقول في قاعدة عامة لتقويم الفلاسفة وغيرهم : " إن كل من كان إلى السنة وإلى طريقة الأنبياء أقرب كان كلامه في الإلهيات بالطرق العقلية أصح, كما أن كلامه بالطرق النقلية أصح , لأن دلائل الحق وبراهينه تتعاون وتتعاضد , لا تتناقض ولا تتعارض " .

  2. #2

    افتراضي رد: أركون وتهافت مشروعه الفكري

    المتن المعرفي الاسلامي بين أركون وقسوم


    د/عبد الحفيظ بورديم (*)
    الاشكالية:

    تنشأ إشكالية هذه الورقة من ملاحظة انتهاء التماثل إلى تباين، ومحاولة تبيان المكونات المعرفية التي تساعد على تفسير مثل هذه الظاهرة. ومثال التماثل هو اشتراك الباحثين الجزائريين قسوم وأركون في الاشتغال بالفلسفة الإسلامية، وأما مثال التباين فمرده إلى نقض أحدهما دعاوى الآخر من منطلق عقلاني.


    وبمثل هذا تنشأ أسئلة التلقي والمراجعة...

    - ما الذي يجعل الكتابات الاركونية تتبنى تجديد المنهج في قراءة المتن المعرفي الإسلامي من منطلق عقلاني يمزج بين البنيوية- اللسانية- السيميائية- الأنثربولوجية- التفكيكية- التأويلية.
    - هل حالة الاستهواء -التي يفرضها الاشتغال الفلسفي الاركوني على كثير من المثقفين العرب- ترجع إلى عقلانيته أم ترجع إلى هشاشة البنية المعرفية عندهم؟
    - ما هو شكل المحاورة العقلانية التي ينشئها قسوم مع النص الاركوني تحليلا وتركيبا؟

    وقصد معرفة الصيرورة التي تجعل التماثل تباينا تأتي هذه الورقة لمتابعة مظاهر نقض قسوم للنص الاركوني من منطلقات معرفية أربعة هي:

    1/ مصادرة القضايا الكبرى
    2/ ذاتية تنويع المنهج
    3/ تهافت المصطلح
    4/ وهم العقلانية

    أولا: مصادرة القضايا الكبرى

    إن المشروع الفلسفي الاركوني يقوم منذ أطروحته عن مسكويه على اعتماد ابستمي الأنسنة معيارا للإسلاميات التطبيقية[1]، فهو يقول :"خضت معاركي الفكرية الأولى من أجل فرض الانسنة الحية في السياقات الإسلامية منذ اندلاع حرب التحرير الجزائرية وفيما بعدها".[2]والأنسنة عنده تعني "الاعتناء بمصير الإنسان اعتناء شاملا نقديا منيرا محررا بدون التساؤل الفلسفي عن آفاق المعنى التي يقترحها العقل ويدافع عنها"[3].

    ولإنزال التفكيك المنهجي على المعارف النظرية اختار محمد أركون مراجعة الخطاب الإسلامي في مستوياته الكتابية والشفاهية كما في مستوياته العليمة والوحشية كما في مستوياته الرسمية والهاشمية، معتمدا على القضايا التسعة الكبرى[4] نقتصر منها على ثلاث هي:

    1/ الوحي:ويمثل الحادث القرآني وما لم يفكر فيه
    2/ التراث: وتمثله نزعة التنزيه والبحث عن معيار العرفان العميق
    3/ التاريخ: ويبرزه المفهوم الخطي للزمن.

    ويبدو أن المقاربات الأركونية لهذه القضايا الثلاث هي التي ستجعل فكره إشكاليا لأنه سيعلن مواقف جديدة مخالفة للمألوف ومصادمة للأطر الاجتماعية للمعرفة، لذلك يحق السؤال

    كيف تلقى قسوم هذه القضايا الثلاث؟

    ونقتصر على الأولى منها تمثيلا.

    يقول : "إن الرجل في تحليله للوحي يرفض كل تعريف إسلامي له فيقوض بذلك دعائم وأركان العقيدة الإسلامية دون حرج أو حذر ويضع مقابل ذلك بدعا من الفكر الديني الجديد يتجاوز التجارب البشرية للتقديس أي لمفهوم الوحي وما ينجر عنه من تبعات"[5].

    هذا النص يراجع مفاهيم أركون عن الوحي، ويعتبرها رفضا للمفاهيم الإسلامية وتعلقا بالتجارب البشرية. ومعنى هذا أن التسليم بالمفاهيم الأركونية هو تقويض للعقيدة الإسلامية. يظهر ذلك في الأمور التالية:

    * الوحي في الفهم الإسلامي هو الكلام القطعي الثبوت تواترا، ولذلك فهو خاص بالقرآن والصحيح من الحديث.
    * يجعله أركون ظاهرة ثقافية ولغوية قبل أن يكون عبارة عن تركيبات ثيولوجية أو لاهوتية، وعليه فإنه يتسع ليشمل البوذية والكونفشية.
    * الوحي في الفهم الإسلامي تنزيل إلهي مرتبط بأسباب النزول.
    *أسباب النزول في الفهم الأركوني أسطورية أكثر منها تاريخية.
    *الله في الخطاب القرآني رحمن رحيم.
    * يستنبط أركون من سورة التوبة[6] أن الله متحيز، وأن الخطاب القرآني يوجه العنف المطلق.

    حين يعيد الدكتور عبد الرزاق قسوم مراجعة التعسف الأركوني يكتشف أن "فكرة اللامفكر فيه...تتخذ حيزا كبيرا في عقل الأستاذ محمد أركون"[7]. وهي عنده بداية الاستعلاء المعرفي على المنجز الثقافي الإسلامي. إن ظاهرة تجاوز التحديدات المعرفية لمسألة بالغة الأهمية كالوحي هي بداية المصادرة على المطلوب، والتي تمهد لمصادرات أخرى، مثل التاريخ والتراث. ولا يمكن فهم الإسلاميات التطبيقية التي يدعو إليها أركون إلا بعد إدراكها.

    ثانيا: ذاتية تنويع المنهج

    المشروع الفلسفي الأركوني إذن يقوم على ضرورة القطيعة الابستمية مع محددات الثقافة الإسلامية، ولأن تلك المحددات كانت وليدة مناهج فإن محمد أركون لم يأل الجهد في الانتقاص منها ليصفها بأنها «تقليدية" محكومة بنظرة مدرسية فرضها الشافعي حين وضع في الرسالة "فكرة تأصيل الأحكام الشرعية في نصوص القران والحديث مع البحث عن العلة فعمت...عملية التنزيه للأحكام والممارسات الايديويوجية البشرية"[8].

    ولأن مبدأ الانتقاص عنده بلغ الغاية التي يريد لها أن تقنع غيره فقد حرص على أن يعرض المناهج الكفيلة بتحقيق العلمية والتي سيعتمدها حين قال:"إذا ما أردنا أن نؤسس علما تاريخيا جديدا للأديان فإنه ينبغي على هذا العلم أن يدمج في أحضانه ثلاثة أبعاد لا تنفصل للمعرفة. أقول ذلك على الرغم من أننا نراها متفتتة ومتقطعة أكثر فأكثر. وأقصد بهذه الأبعاد الثلاثة المشكلة للمعرفة البشرية: البعد الأسطوري، والبعد التاريخي، والبعد الفلسفي"[9].

    إن المنهج عند محمد أركون يجب أن يكون علمانيا[10] يسترفد من الانثربولوجيا واللسانيات والتأويليات، وكل معطيات العلوم الإنسانية الحديثة، بما يحقق له القدرة على التحكم في النصوص وإعادة تشكيلها وفق التاريخانية التي يراها. لذلك فإنه اشترط البعد الأسطوري[11] معيارا ضروريا إذ هو عنده بنية أساسية في الفكر البشري، كما أنه يرى في الجدالية الفلسفية ضامنا من خطر الدوغمائية.

    إذا استوى هذا كله وجب أن نتساءل كيف تلقى قسوم هذه المخاطرات ؟

    يقول:" حجة أركون على بطلان المنهجية الكلاسيكية للتفسير أنها تربط كل آية أو جملة آيات بسبب تاريخي أو واقعة حصلت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأدت إلى نزول الآية ويفصل أركون هذا المنهج التفكيكي لأسباب النزول بحكم تعسفي خطير يعلن فيه أن عملية الربط هذه للآية بأسباب النزول تبقى أسطورية أكثر منها تاريخية"[12].

    المنهج عند أركون هو وسيلة تخدم المصادرة على المطلوب، وليس إجراء للكشف عن الحقيقة. إنه حين يزعم أن الوحي ظاهرة لغوية لا تقدم الحقيقة المتعالية، يضطر إلى مجابهة المناهج البيانية والعقلية الداعية إلى افتراض القرائن لتحقيق الاستنباط، ومن ثم يستبيح إلغاء التفاسير السابقة بدعوى عدم علميتها مادامت تجعل أسباب النزول تاريخية في حين يؤكد هو أنها أسطورية.

    نخلص من هذا إلى أن الإجراء المنهجي عند أركون يتركب من مجموعة معطيات:

    * المناهج الكلاسيكية قاصرة لأنها تجعل النص متعاليا.
    * مناهج المستشرقين الفلولوجية عاجزة عن إدراك البنية المعرفية للنص الإسلامي لأنها تغفل عن مستجدات علم الإنسان والمجتمع.
    * المنهج التفكيكي المستند إلى معطيات الانثربولوجيا واللسانيات هو الكفيل بتحفيز العقل الفلسفي النقدي.
    * يجزم قسوم أن أركون يقع في التعسف المنهجي حين يجاوز الخصوصية المعرفية للإسلام ويحاول أن يفرض عليها مسلمات المناهج الغربية الحديثة.
    * لا يتردد الدكتور قسوم في توصيف الاختيار المنهجي عند أركون بأنه "المنهج الإلحادي الذي يصدم معتقدات المؤمنين ومنطق العاقلين "[13].

    ثالثا: تهافت المصطلح

    كل مشروع فلسفي هو صياغة للمصطلح. والمتتبع لكتابات أركون يجده كثير التوظيف لمصطلحات أغلبها إشكالي، والسبب في ذلك هو انقطاع رمزية التواصل بين اختياراته المنهجية الناشئة من ثورة المعارف الغربية وبين الأطر الاجتماعية للمعرفة عند المتلقي العربي والمسلم. وقد فطن هو نفسه لخطورة اللغة في صياغة المصطلح فقال:" أدركت مرارا أن القراء العرب الذين لم يطلعوا على المعاني الفلسفية الغزيرة والمقصود الانثروبولوجي الخصب لمفهوم MYTHE يقعون في أغلاط خطرة وسوء التفاهم يؤدي إلى الجدال العقيم"[14]. وحين أعجزه أن يقنع المسلمين بعلمية مصطلح الميثي في نسبة البنية القرآنية إليه عاد ليفسر بأن الميثية غير الأسطورية لأنها تعني القصصية.

    ومن هنا وجب أن نسائله ما الذي منعه أولا أن يستخدم مصطلح القصص بدلا من استيراد مصطلح لا يجد له مقابلا في العربية وهو ملتبس أشد الالتباس بالأسطورية التي ينفيها القرآن عن نفسه في أكثر من موضع. وغالب الظن أن استمساك محمد أركون بالعلوم الإنسانية هي التي تفرض عليه كثيرا من المصطلحات، فتكون سببا في تجاوز حدود الممكن العقلي، بل تكون سببا في إثارة المتلقي. ذلك أن الاختيارات المنهجية ليست بريئة من المعنى الفلسفي.

    ويبدو أن الدكتور عبد الرزاق قسوم قد اصطدم بهذا الحشد الهائل للمصطلحات من قبل أركون، بعد أن استقاها من خلفيات معرفية متعددة ومتباينة وحاول أن يلبس بها مباحثه في الإسلاميات. ويصف مثل هذه الصياغة بأنها "توفيقية أو تلفيقية، يغرف ناحتها من أكثر من ينبوع حضاري أو لغوي قبل وضع مفاعيلها...كما أن كل أداة منها تتطلب شرحا وتوضيحا لجدة معناها على العقل العربي..فكل مفردة منها تحيل إلى مفهوم غريب إما في حضارته الأصلية أو في لغته الاشتقاقية"[15].

    هل نحن أمام عقلانيتين متباينتين؟

    *عقلانية توجب الأخذ الاصطلاحي من مستويات معرفية مختلفة
    * وعقلانية تجعل المصطلح مثقلا بالمعاني الفلسفية التي تنتجه.

    إذا كان محمد أركون يجد أن صياغة مشروعه الفلسفي المسمى الإسلاميات التطبيقية التي تحاول أن تبز المتغير المختلف فيه، فإن العقلانية التي يأخذ بها قسوم تجعله يميز بين دائرتين اثنتين إحداهما هي الوحي الثابت والأخرى هي التراث المختلف. ولذلك فإن أركون لا يجد حرجا في توظيف مجموعة من المصطلحات الشائكة وغي المبررة معرفيا مثل: الأرثوذكسية-العقلية الدوغمائية-اللاايمان-اللاعقائد-اليوطوبيا-الابستمية-السيكولاستيكية- المعارف القروسطية- الثيولوجيا-العلمنة والعلمانية-عامل التقديس...

    إن المراجعة التي ينشئها قسوم في هذه المسألة تعيد إلى الأذهان الضرورة المنطقية التي توجب الوظيفة الدلالية للمفردات وللحدود. وإذا كان من خلاف فلسفي بين الباحثين فمرجعه إلى أن أركون جاوز العقلانية حين انزاحت المصطلحات عنده من مستويات معرفية متغايرة وربما متناقضة فأحدثت ارتباكا دلاليا وتواصليا.

    هل يجب بعد هذا التأكيد على أن التحيز المنهجي عند أركون هو الذي فرض عليه التحيز الاصطلاحي. وإن مثل هذا التساؤل هو الذي يلجئنا إلى غيره..

    ما الذي يجعل التباين شديدا بين الباحثين؟

    رابعا: وهم العقلانية

    تسلمنا المقاربة التحليلية السابقة إلى أن اعتماد العقلانية كان اختيارا منهجيا لأركون في نقده لما يسميه التراثات الإسلامية، وأن العقلانية نفسها كانت الذريعة المنهجية التي تبناها قسوم إعادة القراءة النقدية لمشروع أركون.

    فكيف نعيد تأملهما؟

    1/ تقوم الدراسات عند محمد أركون على:

    - انتقاد الأسس المعرفية للدراسات الإسلامية معتبرا إياها خاضعة للثابت ومرسخة للسيادة
    - تركيزه على تعدد التراثات داخل الثقافة الإسلامية معتبرا إياها خاضعة للتغير.
    - اعتباره نصوص الوحي ظاهرة لغوية قابلة لإعادة التفكيك والتأويل.
    - تأكيده على ضرورة استرفاد مناهج علوم اللسان والإنسان.
    - إلباسه الكلمات العربية الطابع الكاثوليكي وإلباسه الفك الإسلامي قبعة الفلاسفة العلمانيين.

    2/تقوم المراجعة عند قسوم على

    - إبراز الخصوصية الثقافية للمنهج والمصطلح، وخطورة إسقاط المفاهيم.
    - فساد مقتضيات العقلانية عند أركون لوقوعه في المصادرات والتعسف المنهجي.


    (*) أستاذ محاضر بجامعة تلمسان *الجزائر bourdim@maktoob.com

    نقلاُ عن موقع الشهاب للإعلام
    http://www.chihab.net/modules.php?na...ticle&sid=2305

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •