من خطب العرب
حظيت الخطابة بمكانة مرموقة، وأهمية بالغة، ومنزلة رفيعة عند العرب وقد أولوها عناية فائقة منذ العصر الجاهلي ، وحتى يومنا هذا ، والخطابة من وسائل السيادة والزعامة وكانوا يعدونها شرطا للإمارة ، وبها يرتفع الإنسان إلى ذرا المجد والشرف فقلما ارتفع نجم سيد من سادة العرب إلا والخطابة صفة من صفاته وسجية من سجاياه
ولا عجب إن قلت : إن الخطيب البارع يزاحم الشاعر المجيد ، وذلك لأن الخطبة لا تقل أهمية عن الشعر فكما كان لكل قبيلة شاعر أو أكثر ينطق بلسانها، ويصدح بأمجادها، ويشدو بمحاسنها، ويدافع عن حماها، ويذب عن حوضها، ويتعرض لمن يتجرأ عليها فيرد كيده إلى نحره، كان لكل قبيلة خطيب أو أكثر يدافع عنها، ويشيد بمحاسنها، ويتغنى بصفاتها ومآثرها ، وقد تفوقت بعض القبائل على غيرها في هذا المجال، فاحتلت الصدارة قبيلة تميم بفضل خطيبها أكثم بن صيفي ، وقبيلة إياد بفضل خطيبها قس بن ساعدة .
وللخطبة تعريفات كثيرة أوجزها في هذا التعريف : فن نثري لساني يلقيه الخطيب مشافهة في جمهور من المستمعين لإقناعهم واستمالتهم والتأثير فيهم .
ولا بد للخطبة من مناسبة تحدد مضمونها وتشجع الخطيب على إلقائها ومن أشهر أغراضها ومواطن قولها :
المنافرات والمفاخرات ، والنصح والإرشاد ، والحث على قتال الأعداء ، وفي الدعوة إلى السلم وحقن الدماء ، والإصلاح بين المتنازعين ، وفي التأبين والعزاء، وفي المناسبات الدينية والاجتماعية .
ومن أهم سماتها :
الوحدة الموضوعية والتركيز على الفكرة
ألا تكون قصيرة مخلة ولا طويلة مملة
استخدام الجمل القصيرة مع قلة الربط بين الجمل حتى تكاد تنقطع الصلة بين جملة وأخرى
اشتمالها على المحسنات البديعية وعلى رأسها السجع الذي يأتي عفو الخاطر فإن لم تكن الجمل مسجوعة كانت مقسمة متوازنة.
أن تكون مناسبة لجميع المستمعين على اختلاف مستوياتهم إذ إن الخطيب لا يخاطب فئة معينة
التركيز على الجمل الإنشائية المثيرة لشد الجمهور .
الاستشهاد بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية والحكم والأمثال والقصص التاريخية .
والآن هيا بنا أيها الأفاضل وأيتها الفضليات نجمع طائفة من عيون خطب العرب على مدار العصور ، ونبدأ بالعصر الجاهلي راجيا منكم الالتزام بالتسلسل الزمني ، فعندما نستوفي أشهر الخطب الجاهلية ننتقل إلى العصر الإسلامي وهكذا
وكلي أمل بأن تشرق هذه النافذة بمساهماتكم القيمة واختياراتكم الموفقة .