اسماعيل صبري
شيخ الشعراء
بقلم فالح الحجية الكيلاني


ولد إسماعيل صبري باشا في مصر بمدينة القاهرة في يوم الأحد 16 شباط \1854م, وتلقى الدروس الثانوية في مدارس القاهرة المصرية,
نال شهادة الليسانس في الحقوق من كلية مدينة إكس في فرنسا سنة 1878م, حيث وصلها مع إحدى البعثات الفرنسية, ولما عاد إلى مصر عين قاضيا و تنقل في مناصب القضاء والإدارة حيث شغل وظائف القضائيين لاهليته في حل الخلافات والنزاع بين الناس ,او الخلافات التي كانت بين السكان والأجانب,
عين رئيساً لمحكمة الإسكندرية الأهلية, ثم محافظاً على الإسكندرية في عام\ 1896 ثم وكيلاً لوزارة العدل وعندما بلغ الستين أحيل على التقاعد
فتح بيته ليكون منتدى الشعراء والأدباء.
بدأ صبري نظم الشعر وهو في سن السادسة عشرة بأبیات مدح فیها الخدیوي إسماعیل، و?انت أشعاره تنشر في مجلة (روضة المدارس )
?ان في بدایة أمره مولعاً بأشعار الشعراء القدامی، و?ان یعشق شعر البحتري ویحفظ دیوان ابن الفارض فقد ?انت أشعاره عبارة عن تقلید أفلح فیه حیناً وأخفق حیناً آخر
اطلع اسماعيل صبري علی الادب الفرنسي فحدا به إلی أن یعید النظر في أسلوبه الشعري، فأعرض شیئاً فشیئاً عن التقلید والمحا?اة، وأقبل علی أسلوب جدید هو التعبیر عن العواطف والأحاسیس الداخلیة ، والأف?ار القومیة والوطنیة، وتعد موسیقاه الشعریة سلسة ومطربة و اعتبر من رواد الشعر الغنائي في العصر الحدیث، حیث تغنی المطربون بال?ثیر من أشعاره و?ان أسلوبه الغالب علیه الإقلال من النظم والتفنن فیه وكان شغوفا بمراجعة شعره وتنقیحه
امتاز شعر إسماعيل صبري بسمو الخيال وحب الفن والجمال وخفة الروح ورقة التسبيب, وله مقطوعات قصيرة وقصائد طويلة, وكان شعره رقيقاً ناعماً يحفل بالموسيقى الشجية والذوق الرفيع ,
وكان أستاذ الشعراء وشيخهم في الصناعة الشعرية يمتاز بمراعاة الدقة في الربط بين المعنى والتركيب وبين النفس ويتميز شعره بعاطفته القومية الصادقة, وهذه العاطفة متجلية في غزله الرقيق ونلمس في شعره كذلك مسحة الترف الحضري واللين والجلاءوتعبير جميل بألفاظ سهلة ومؤثرة , وتولد او تحضن معان كثيرة جليلة
.ومن خیر ما ترك ملحمتين شعريتين طویلتين ،بلغت الأولی قرابة ألف بيت وهي (النونية الكبرى) ،?ما بلغت الأخری ستمائة بیت هي( الهمزیة ال?بری ) في ال?ونیات واستعرا ض تاریخ الرسالات السماویة ،
كان اجتماعي النفس خفيف الروح ويقدس حرية الرأي, وقال الشعر في المديح والتهاني والتقاريض والهجاء وقال في الوصف والاجتماعات والسياسات والآلهيات والمراثي والأناشيد. فقد كان وطنياً ومثالياً. لم يتقرب الى أي انكليزي قط ماداموا في مصر وكانت له في السياسة مواقف مشرفة مثل وقعة حادثة دنشواي المؤلمة فنظم فيها قصيدة رائعة\ يقول


يا مِصرُ سيري عَلى آثارِهم وَقِفي
تِلك المَواقِفَ في أَسنـى مجالِيهـا

لا يُؤيسَنَّكِ ما قالـوا ومـا كتَبـوا
بيـن البَرِيَّـةِ تَضليـلاً وَتَمويهـا

إن يَمنَعوا الناسَ من قَولٍ فما مَنعوا
أن يَنطِقَ الحقُّ بِالشَكوى وَيُبديهـا

الحقُّ أكبَـرُ مـن أَن تَستَبـدَّ بـهِ
يدٌ وَإن طالَ فـي بُطـلٍ تماديهـا

ما ضيَّعَ اللَهُ ظلمـاً أمَّـةً نَهَجَـت
إلى المفاخرِ نَهجاً وهـوَ هاديهـا

فَقَلِّدوا الأُمَّةَ الكُبرى وَقـد رَكِبَـت
مَتنَ الفخارِ وكانَ الجِـدُّ حاديهـا
اعتزل العمل الحكومى عقب أحداث دنشواي إحتجاجاً على ما أنتهت إليه المحاكمة, وعُرف عنه وطنيته الصادقة وصداقته للزعيم مصطفى كامل وقيل انه عندما قام ليلقى قصيدته بتابين مصطفى كامل غلب عليه البكاء وعجز عن إلقاء القصيدة فأخذها منه حافظ إبراهيم فألقاها فنسبت إليه حتى اليوم.
اما نثره فكان أشد تأثيراً في النفس وأثبت أثراً. وقد نظم الكثير من الشعر الغنائي والأدوار والمواويل. و في قصيدته التي بعنوان( راحة في القبر) يصور ما عاناه في أواخر حياته من الآلام, ولكنه كان صابراً على أوجاعه, ولم يتشك ألم المرض الذي كان في صدره.
انتقل إلى رحمة الله تعالى ووافاه الاجل في 21 آذار 1923م, ودفن في مقبرة الإمام الشافعي بالقاهرة

ومن قصيدته النونیة ال?بری نذكر هذه الابيات حول أسماء
الله الحسنی\

جلَّ شأنُ الإلهِ ربِّ البرایا
خالقِ الخلقِ دائمِ الإحسانِ

واحدٌ قاهرٌ سمیعٌ بصیرٌ
عالمُ الغیبِ صاحبُ السلطانِ

حَ?َمٌ عادلٌ لطیفٌ خبیرٌ
نافذُ الأمرِ واسعُ الغفرانِ

قابضٌ باسطٌ قويٌّ عزیزٌ
مرسِلُ الغیثِ مُقسِطُ المیزانِ

واجدٌ ماجدٌ حلیمٌ ?ریمٌ
ترقبُ الخلقَ عینُه ?لَّ آنِ

یعلمُ السرَّ في الصدورِ وأخفی
وإلیهِ سیُحشَرُ الثَّقَلانِ

ظاهرٌ باطنٌ قریبٌ مُجیبٌ
نِعمَ مَن فازَ منه بالرضوانِ

واعدُ المتّقینَ جنّاتِ عدنٍ
ولِمن خافَ ربَّه جنّتانِ

مُنعِمٌ وارثٌ عليٌّ عظیمٌ
باعثُ الخلقِ بین إنسٍ وجانِ

?لُّ مَن في الوجودِ للهِ عبدٌ
وإلی اللهِ مرجعُ الإنسانِ

إنّ یوماً تُطْوی السماواتُ فیهِ
?لُّ حيٍّ إلا المهیمنُ فانِ

یومَ تهوي الأفلا?ُ من ?لِّ برجٍ
آفلاتٍ ویُجمَعُ النِّیرانُ

وتدك الأرضُ إنهیاراً ویُقضی
?لُّ أمرٍ ویسجدُ الخافقانِ

-------------------------