كتب الله على المؤمنين صيام شهر رمضان، حيث جاء النداء بصفة الأيمان تخصيصاً، و الصيام فى اللغة الأمساك، كما جاء على لسان السيدة مريم العذراء أنى نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم أنسياً أى أمساكاً عن الكلام. و قد كرم الله هذا الشهر و فضله على سائر الشهور بأن أنزل فيه القرءان هدىً للناس و بينات من الهدى و الفرقان، دستوراً باقياً أبد الدهر لبنى البشر من لدن حكيم عليم، تعهد المولى عز و جل بحفظه و لم يكل ذلك لأحد من البشر كما كان الشأن مع سائر الكتب السماوية السابقةأنا نحن نزلنا الذكر و أنا له لحافطون الحجر
و تم أنزال القرءان فى هذا الشهر جملةً واحدةً وفى ليلة واحدة منه هى ليلة القدرمن اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم إنزاله منجماً - مفرقاً - على حسب الحوادث والوقائع من السماء الدنيا إلى الرسول بواسطة الملك جبريل عليه السلام، فى بضع وعشرين سنة مبتدئةً في شهر رمضان .
و جاء أنزال القرءان الكريم فى هذا الشهر تتويجاً و ختماً لكلمات السماء، حيث أنزلت سائر الكتب السماوية فى هذا الشهر الذى عظمه الله وكرمه من بين سائر الشهور .
و رمضان شهر العبادة والصفاء و الرقى الروحى للمسلم، و هو شهر أعمال البر والخير وصلة الأرحام وغيرها فيه آكد. هو شهر يتشبه فيه المسلم ويرتقى منزلةً إلى الملائكة الكرام حيث يمتنع امتثالاً واختياراً ورغبةً فى التقرب إلى الله تعالى عن جميع الشهوات، بينما فُُُُطِرَ الملائكة الكرام على ذلك. و هو شهرٌ تجتمع فيه العبادات فالصائم مصلٍ ومزكٍ ،ويتجه فى صلاته إلى البيت الحرام حاجاً إليه، عارجاً بروحه إلى السماوات العلى حيث فرضت الصلاة .
ورمضان عظَّم الله فيه أجر الاعمال الصالحة، وهو شهر لايعلم أحد ثواب العمل فيه إلا الله تعالى (كل عمل ابن ادم له ألا الصوم فأنه لى و أنا أجزى به )، والصوم عبادةٌ خالصةٌ لا يشوبها رياءٌ يخرجها عن مقصودها و مرماها .
وفيه ليلةٌ خير من ألف شهر من حُرم خيرها فقد حُرم ،أخفاها الله ليجتهد العباد فى طلبها و الظفر بثوابها الجزيل (إلتمسوها فى العشر الاواخر)-(فى الوتر من العشر الأواخر ).
وكان يوقظ أهله و يشد مأزره محيياً هذه الليالي بالصلاة و الذكر و الدعاء تعرضاً لفضل هذه الليلة المباركة .
هذا الشهر الذى أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتقٌ من النار، لله فيه عتقاء من النار كل ليلة من لياليه، فاعتق اللهم رقابنا ورقاب ابائنا ورقاب أمهاتنا ورقاب أزواجنا ورقاب أبنائنا و رقاب أحبابنا من النار.
ورمضان شهر الإنتصارات الكبرى، فى حياة الأمة التى ما عرفت الركود والقعود، حيث كانت غزوة بدر الكبرى و كان فتح مكة.
ويأتى توقيع ختام هذا الشهر، صدقةً هى طهرةٌ للصائم، وطعمةٌ للمساكين - طهرةٌ لما يكون قد لحق بصومه من اللغو واللهو وما لا يليق، وطعمةٌ للمساكين ومشاركةً لهم فى يوم العيد - صورةً عظمى من التكافل والتراحم و التواد، فى هذا اليوم الذى تستلم فيه الجائزة بعد تأدية العبادة و ينال فيه الريان.
ونختم بقول المصطفى عليه أفضل الصلاة و السلام: (للصائم فرحتان يفرحهما، فرحةٌ عند فطره، وفرحةٌ عند لقاء ربه ).