هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدر على كل مطلوب منه في حياته؟!
قال شيخ الاسلام في الرد على البكري (ص184-186):
والطالب من النبي صلى الله عليه و سلم قد يظن أنه يقدر على قضاء حاجته ولا يكون كذلك؛ كما كان سأله الناس؛ إما نساؤه وإما غيرهن ما ليس عنده، وكما كان الناس يأتونه في غزوة تبوك ليحملهم فلا يجد ما يحملهم عليه، قال تعالى: ( ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون)، وكما سأله أبو موسى الأشعري وأصحابه الأشعريون أن يحملهم فقال: "والله ما أحملكم وما عندي ما أحملكم عليه"، وكان هؤلاء الأشعريون من خيار الصحابة ظنوه قادرا على حاجتهم ولم يكن كذلك،
وفي الصحيحين أن فاطمة ابنته جاءت تسأله خادما فأتاها بعد أن نامت هي وعلي رضي الله عنهما فعلمها أن تسبح وتحمد وتكبر وقال ذلك خير لك من خادم ولم يعطها.
وقد قال الله تعالى: ( وآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفورا وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا)؛ فأمره الله تعالى إذا لم يجد ما يعطي السائل أن يقول له قولا ميسورا
وفي صفته أنه صلى الله عليه و سلم كان إذا أتاه طالب حاجة لم يرده إلا بها أو بميسور من القول، وقد قال تعالى: ( قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى)، وقال تعالى:( فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر)
ولما قدم عليه وفد هوازن مسلمين سألوه أن يرد عليهم السبي و المال فقال:" أحب الحديث إلي أصدقه ومعي من ترون فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي و إما المال"؛ فهو تارة يُسأل ما يقدر عليه وتارة يُسأل ما لا يقدر عليه.
إلى أن قال (ص 255):
فإنه يقال له: لا نسلم أن الاستغاثة بهم مشروعة في كل ما يستغاث فيه بالله ولا أنها وسيلة من وسائل الله في ذلك كله، بل سلمنا أن الاستغاثة بالحي فيما يقدر عليه قد تكون سببا وقد لا تكون؛ فإن الناس يستغيثون بالنبي صلى الله عليه و سلم يوم القيامة في الشفاعة فيشفع لهم، و يستغيث به من أنذره في دفع العذاب فيقول لا أملك لك من الله شيئا كما في الحديث الصحيح: لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على رقبته بعير له رغاء فيقول يا رسول الله أغثني فأقول لا أملك لك من الله شيئا قد أبلغتك.
وليس كل من طلب من النبي صلى الله عليه و سلم ما يقدر عليه أعطاه إياه؛ إذ قد يكون ذلك غير جائز كما في الصحيح أنه سأله الفضل بن عباس و ربيعة ابن الحارث بن عبد المطلب أنه يوليهما على الصدقات فلم يجبهما وقال إنها أوساخ الناس و إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد، و كذلك سأله وفد هوازن السبي و المال فبذل لهم إحدى الطائفتين و سألته أم حبيبة أن يتزوج أختها فقال إنها لا تحل لي. انتهى كلامه رحمه الله.
فإذا كان صلوات ربي وسلامه عليه سئل أشياء يتصور قدرته عليها من أحب الناس إليه في حياته واعتذر إليهم بعدم قدرته عليها؛ فكيف يسأله أناسٌ (مطالب لم يكن قادراً عليها حال حياته) يسألونه إياه بعد وفاته كهداية القلوب وتفريج الكروب ومغفرة الذنوب.
أين هؤلاء من قول الله تعالى عن رسوله ‘: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين َ) (القصص: 56).
وقوله: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذَّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) (آل عمران: 128).
و أين هم من حديث أبي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ ‘ حِينَ أَنْزَلَ اللَّهُ ¸: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) قَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَا أُغْنِي عَنْكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَلِينِي مَا شِئْتِ (مِنْ مَالِي) لَا أُغْنِي عَنْكِ مِنْ اللَّهِ شَيْئًا. رواه البخاري(2753).
وحديثه أيضاً رضي الله عنه قال: زار النبي ‘ قبر أمه فبكى وأبكى من حوله فقال: استأذنت ربي في أن أستغفر لها فلم يؤذن لي، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت. رواه مسلم (976).