تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: بيني وبين الشيخ صلاح هلل حول حديث صلح الحسن.

  1. #1

    افتراضي بيني وبين الشيخ صلاح هلل حول حديث صلح الحسن.

    هذه مراسلة بيني وبين أخي الفاضل الحبيب الشيخ صلاح فتحي هلل - حفظه الله- في الكلام على حديث: "إنَّ ابني هذا سَيِّدٌ ...". وكنت قد كتبتُ فيه شيئًا، فأرسل إليَّ الشيخ مشكورًا تعقبات وتعليقاتٍ وفوائد.
    وما كان بالخط الأسود فهو من كلامي، وما كان بغيره فهو من كلام أخي صلاح، لم أغيِّر فيه شيئًا.
    الملفات المرفقة الملفات المرفقة
    • نوع الملف: doc solh.doc‏ (127.5 كيلوبايت, 47 مشاهدات)

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    174

    افتراضي رد: بيني وبين الشيخ صلاح هلل حول حديث صلح الحسن.

    حفظ الله أخي وتوأم روحي الشيخ صلاح بن فتحي هلل وزاده علماً وشرفاً.
    مقال له:
    http://www.almokhtsar.com/news.php?a...show&id=136209
    أخي طالب العلم: أتشرف بك صديقاً مُشاركاً في صفحتي على الفيس بوك :
    http://www.facebook.com/khabab.al.hamad

  3. #3

    افتراضي رد: بيني وبين الشيخ صلاح هلل حول حديث صلح الحسن.

    بعد إذنك أنقل ماأحلتَ إليه
    وفد قلتَ أن ما كان بالخط الأسود فهو من كلامك وما كان غير ذلك فهو من كلام الشيخ صلاح فتحي هلل وأنك لم تغير فيه شيئا

    الكلام على حديث: "إنَّ ابنيَ هذا سَيِّدٌ ..."

    ورد هذا من حديث أبي بَكْرَة الثقفيّ، ومن حديث جابر بن عبد الله، رضي الله عنهم جميعًا.
    أما حديث أبي بكرة: فرواه الحسن بن أبي الحسن يَسَار البصريُّ عنه، واختُلِفَ في وصله وإرساله، كما اختُلِفَ في سماع الحسن من أبي بكرة. ورواه عن الحسن جمعٌ، عدَّتهم خمسة عشر رجلاً. ورواه بعضُهم بالوصل، وآخَرون بالإرسال. فالذين رووه موصولاً هم:
    1-أبو موسى إسرائيل بن موسى الكوفيُّ ثم البصريُّ نزيل الهند.
    ورواه عنه: سفيان بن عيينة الهلاليّ، والحسين بن علي الجُعْفيّ.
    - أما حديث سفيان بن عيينة؛ فرواه البخاري في "صحيحه" (2704) و(3746) و(7109)، وفي "التاريخ الأوسط" (1/122/رواية زنجويه) و(1/199/رواية الخفَّاف)، وأحمد في "مسنده" (20392)، وفي "فضائل الصحابة" (1354)، والنسائي في "الكبرى" (1730) و(8110) و(10010)، وفي "المجتبى" (1410)، والحميدي في "مسنده" (793)، والبزار في "مسنده" (3655)، والطبراني في "الكبير" (2590)، واللالكائي في "السنة" (2795-2796)، والقطيعي في زوائده على "فضائل الصحابة" (1400)، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (1744)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (6/165) و(8/173)، وفي "دلائل النبوة" (6/442)، وفي "الاعتقاد" ص376-377، والخرائطي في "مكارم الأخلاق" (71)، وأبو القاسم الأصبهاني في "دلائل النبوة" (112)، والبغوي في "شرح السنة" (3872)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (13/231-233)؛
    كلهم من حديث سفيان، عن أبي موسى، عن الحسن، عن أبي بَكْرة الثقفيّ، به.
    وفي حديث الحميديِّ وسعيد بن منصور: قال سفيان: قوله: "بين فئتين من المسلمين" يعجبنا جدًّا. وهذا القول مِن سفيان أولى من قول سبلان الآتي: لا والله ما حفظه؛ يريد سفيان. لأن هذا القول يدل على عناية سفيان بالحديث وتدبُّره فيه، وقد ورد عن سفيان من وجوهٍ.
    وجاء في بعضِ طرقه عن الحسن قال: سمعتُ أبا بكرة، وفي بعضها: عن أبي بكرة.
    وقال البخاريّ في "الصحيح" هذه الأقواس تعمل مشكلة في التحويل وهناك أقواس شكلها أجمل ويمكن الحصول عليها عن طريق الضغط على (ألت 174) في آن واحد = « و(ألت 175) في آن واحد = ». (2704) عقيب إيراده: "قال لي عليٌّ بن عبد الله [يعني المدينيّ]: إنما ثَبَتَ لنا سماعُ الحسن من أبي بكـرة بهذا الحديث". وقد أخرج البخاري هذا الحديث في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي رضي الله عنهما ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين وقوله جل ذكره {فأصلحوا بينهما}، ثم أورد الحديث مطولا، عن شيخه المسندي المعروف بجمع المسند وهو حافظ عالم كبير، والحديث ذكره الحسن مطولا وفيه قصة، وهذا مما يستدل به أهل العلم على حفظ الراوي للحديث، وأنه لم يخرم منه شيئًا. ثم أورده البخاري مرة أخرى 3629 في باب علامات النبوة، وهو بابٌ واسعٌ وليس خاصًّا بالحديث خصوصية الباب السابق للحديث، وقد ظهرت هذه النكتة على سياق البخاري على عادته فذكر الحديث مطولا مجودا في باب الحسن رضي الله عنه، لكنه لما جاء لباب علامات النبوة أورد الحديث مختصرًا جدا ومن طريق حسين الجعفي عن أبي موسى عن الحسن عن أبي بكرة، لم يصرح فيه بالتحديث. ويلاحظ أن البخاري هنا قد أورد الحديث نفسه عن شيخه المسندي أيضا عن يحيى بن آدم عن حسين الجعفي، فيكون للمسندي فيه وجهٌ آخر غير روايته عن ابن عيينة، اختار البخاري أطولهما وأجودهما فوضعها في بابها الخاص بالحسن، وأورد الأخرى في باب آخر عام في علامات النبوة، وهو أقل خصوصية عن الباب الأول، ثم رواية ابن عيينة مطولة بقصة طويلة، وهذا يرجح حفظه للحديث كما سلف.
    ثم عاد البخاري فأورده في باب آخر أكثر خصوصية من علامات النبوة أيضا (فهو باب علامات النبوة يجوز لنا أن نقول بأنه قد أورده مقرونًا أو في شواهد الباب لما في الباب من أحاديث كثيرة في نفس المعنى، فليس مهما التدقيق في هذا الباب بخلاف باب الحسن الخاص بالحديث) أورده البخاري مرة أخرى في باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما 3746 عن صدقة عن ابن عيينة وفيه: عن الحسن سمع أبا بكرة سمعت النبي صلى الله عليه وسلم.
    وعاد البخاري فأورده أيضا في باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي إن ابني هذا لسيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين 7109 - حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان حدثنا إسرائيل أبو موسى ولقيته بالكوفة وجاء إلى ابن شبرمة فقال أدخلني على عيسى فأعظه فكأن ابن شبرمة خاف عليه فلم يفعل قال حدثنا الحسن. وفيه أيضا: قال الحسن ولقد سمعت أبا بكرة.
    وهو في هذا الموضع في غاية الجودة لأمور: الأول: رواية ابن المديني له عن ابن عيينة، وهذا تصحيح منه للحديث إذا ما وضعناه بجواره قوله الذي نقله البخاري عنه سابقًا بأنه أثبت السماع بهذا الحديث. وثانيًا: الحديث في باب خاص به وفيه إثبات السماع ومن وجه ثالث عن سفيان. وثالثًا وهو أهمها: قول سفيان: حدثنا إسرائيل أبو موسى ولقيته بالكوفة... إلخ يدل على يقظة سفيان للحديث، والعلماء يستدلون كثيرًا على صحة الحديث ويقظة الراوي بذِكْره لموضع التحديث أو تاريخه أو قصة جرت عنده ونحو هذا.
    وهنا نكتة مهمة: ابن المديني من المؤكد أنه قال قوله في إثبات السماع عقب روايته للحديث، ولكن رواه البخاري عن ابن المديني ولم يذكر قوله عقبه، وإنما قدَّمه وذكره عقب رواية المسندي وهي أول رواية للبخاري في الحديث، وقد جرت العادة على التقعيد في أول مرة يرد فيها الحديث أو الراوي في أي كتاب والبناء عليه فيما بعدُ، وهذا يعني أن البخاري كان يقظًا لهذا الأمر قاصدًا له، وهذه إشارة بخارية (وهو مولع بالإشارات) إلى تصحيحه للسماع ومتابعته لابن المديني في ذلك.
    وكذا ذَكَرَ قولَ ابن المدينـيِّ في "التاريخ الكبير" (3/56)، و"الأوسط" (1/122/رواية زنجويه)، و(1/199/رواية الخفَّاف).
    -وأما حديث حسين الجعفيّ؛ فرواه البخاري في "صحيحه" (3629) من طريق عبد الله بن محمد – هو المُسْنَديّ، حدثنا يحيى بن آدم، حدثنا حسين الجُعْفيّ، عن أبي موسى، عن الحسن، عن أبي بكرة، به.
    وذكر ابن كثير في "البداية والنهاية" (8/18) هذا الطريقَ فقال: "ورواه [يعني البخاريَّ] أيضًا في دلائل النبوة عن عبد الله بن محمد - وهو ابن أبي شيبة - ويحيى بن آدم، كلاهما عن حسين بن علي الجعفيّ، عن إسرائيل، عن الحسن - وهو البصريّ - به"اهـ. ولم يجزم محقق المصنف لابن أبي شيبة (طبعة محمد عوامة) بالمقصود وإنما احتمل أن يكون ابن أبي شيبة أو المسندي.

    فوهمَ في قوله: إنَّ عبد الله بن محمد المذكورَ هو ابن أبي شيبة، وأنه رواه ويحيـى بن آدم كلاهما عن الجُعْفي. وإنما رواه عن يحيى بن آدم عن الجعفيِّ كما تقدَّم.
    أمَّا ابن أبي شيبة فرواه في "مصنَّفه" (32842) و(38517) – من دون واسطة - عن الحسين الجعفيّ، لكنَّه قال: عن أبي موسى، عن الحسن به مرسلاً.
    ورواه من حديث الجُعْفيِّ مرسلاً كذلك: عبد الله بن أحمد في "العلل" (2966) من طريق أبي إسحاق إبراهيم بن زياد البغداديّ- المُلَقَّب سَبَلان – قال: حدثنا حسين الجعفيّ، قال: أخبرنا أبو موسى، عن الحسن، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، به.
    وقال عبد الله عقبه (2967): "فقلتُ له [ أي لأبي إسحاق]: إنَّ سفيانَ يقول: عن أبي بكرة؟ قال [أبو إسحاق]: لا واللهِ ما حَفِظَه، وأنا أَدْخَلتُ سفيانَ على أبي موسى، وكان نازلاً في هذه الدار".
    أبو موسى كوفي ثم بصري وكان يسافر للهند، وسبلان بغدادي لكن كانت له عناية بعباد بن عباد المهلبي وهو بصريٌّ. وأكثر روايات سبلان عن البصريين، وأما الكوفة فقد روى عن أكثر من كوفي نزل بغداد فالظاهر أنه قد سمع منهم ببلده بغداد لا الكوفة بدليل قلة رواياته عن الكوفيين عامة وعن ساكني الكوفة الذين استمروا بها خاصة، فلم أجد له رواية عن ساكني الكوفة سوى عن محمد بن خازم الضرير ورجل آخر حسبما أذكر من ترجمته الآن، والذي يظهر من شيوخه وتلامذته أنه لم يكن معتنيا مكثرًا من الكوفة وأهلها، بينما جزم سفيان بسماعه من الرجل في الكوفة.
    ومن جهة أخرى فإنه ليس بدرجة سفيان في الحفظ والإتقان ليقبل قوله دون قول سفيان، وإن كان الضعيف قد يحفظ وفي كلامه قرينة على الحفظ وهي ذكره للدار التي كان نازلا فيها، مما يؤكد حفظه بالفعل، فلا ندفع قوله، ولكننا نقول بأن سفيان إنما سمع هذا الحديث من أبي موسى في مرة أخرى غير التي أدخله فيها سبلان على أبي موسى. وهذا واضح في قول سفيان: حدثنا إسرائيل أبو موسى ولقيته بالكوفة وجاء إلى ابن شبرمة فقال أدخلني على عيسى فأعظه فكأن ابن شبرمة خاف عليه فلم يفعل قال حدثنا الحسن. وفيه أيضا: قال الحسن ولقد سمعت أبا بكرة.
    فسفيان إنما سمع الحديث من أبي موسى عندما التقى به بالكوفة لما جاء أبو موسى إلى ابن شبرمة فقال له أدخلني على عيسى فأعظه، فيظهر من هذا أن سفيان إنما سمع هذا الحديث خاصة من أبي موسى في دار ابن شبرمة، وليس في دار أبي موسى كما يدل عليه قول سبلان: (وأنا أدخلت سفيان على أبي موسى) فإما اشتبه الأمر على سبلان، أو يكون سفيان قد سمع من أبي موسى عند ابن شبرمة كما صرح بذلك، ثم أراد الاستزادة فطلب من سبلان يدخله على أبي موسى، ليتعرف عليه ويسمع منه، بخلاف المرة الأولى التي سمع فيها مع ابن شبرمة وغيره دون التعرُّف على أبي موسى والاختصاص بالسماع منه.
    ثم وجدت في تاريخ الدوري 2301 - قال يحيى أبو موسى إسرائيل الذي روى عنه بن عيينة هو كوفي نزل البصرة.
    فهل نزل أبو موسى بالبصرة وأدخل سبلان سفيان على أبي موسى في البصرة؟ ربما صح هذا نظرًا لقلة رواية سبلان عن الكوفيين والله أعلم.

    2-المُبارَك بن فَضَالَة العَدَويّ.
    رواه أحمد في "مسنده" (20448) و(20516)، والطيالسيُّ في "مسنده" (915)، والبزار في "مسنده" (3656-3657)، وابن حبان في "صحيحه" (6964)، وأبو القاسم البغوي في "الجَعْديَّات" (3299) - ومن طريقه ابن شاهين في "السنة" (169)، وابن السنيّ في "عمل اليوم والليلة" (389)، والطبراني في "الكبير" (2591)، والآجري في "الشريعة" (1658)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/35)، وفي "دلائل النبوة" (494)، والبيهقي في "الكبرى" (8/173)، وفي "الدلائل" (6/442-443)، وابن عساكر في "تاريخه" (13/235-237)؛ كلهم من حديث المبارك، قال: حدثنا الحسن، قال في بعض طرقه: أخبرني أبو بكرة، وفي بعضها: حدثنا - أو حدثني – أبو بكرة، به.
    وقد قال أحمد بن حنبل – كما رواه عنه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (8/338): "كان مبارك يرفع حديثًا كثيرًا، ويقول في غيرِ حديثٍ عن الحسن: قال حدثنا عمران [يعني ابن حُصَين]، قال: حدثنا ابن مُغَفَّل؛ وأصحابُ الحسن لا يقولون ذلك غيره".لكن لم يذكر أحمد أبا بكرة في هذا الإشكال، فاختصاص الأمر بروايات غير أبي بكرة هنا واضح والله أعلم.
    3-أشعث بن عبد الملك الحُمْرانيّ.
    رواه أبو داود في "سننه" (4222)، والترمذيُّ في "جامعه" (3773)، والطبراني في "الكبير" (2593)، والحاكم في "المستدرك" (3/174-175)، والبيهقي في "الدلائل" (6/443)، وابن عساكر في "تاريخه" (13/235).
    واضطرب فيه الأشعث – لضعفٍ في حفظه – فرواه تارةً أخرى عن الحسن، عن بعض أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم – يعني أنس بن مالك. وخرَّجَ هذا الوجه الأخير حديثَه النسائي في "الكبرى" (10011)، والبزار في "مسنده" (2634)؛ كلاهما من طريق خالد بن الحارث عنه، به.
    4-علي بن زيد بن جُدْعان.
    رواه النسائي في "الكبرى" (10009)، والدولابيُّ في "الذرية الطاهرة النبوية" (109)، والآجري في "الشريعة" (1659)، وابن عساكر في "تاريخه" (13/234-235)؛ كلهم من طريق حماد بن زيد عنه، به.
    وعليٌّ في حفظه مقال، بل اتهمه البعض وإن وثقه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في إحدى حواشي كتابه أوائل الشهور العربية وفي حديثه عن الحسن مقال. وقد سُئل أحمد بن حنبل – كما في "العلل" لابنه عبد الله (1511):سَمِعَ الحسنُ مِن سُراقة؟ قال: "لا، هذا علي بن زيد، يعني يَرويه؛ كأنه لم يَقْنَعْ به"اهـ.
    ورواه ابن عساكر (13/234) من طريق حماد، عن علي بن زيد وهشام بن حسَّان، عن الحسن، عن أبي بكرة. وفي الإسناد إلى حماد مجاهيل لا يُعرَفون، وهو مخالفٌ لِما ورد عن هشام كما سيأتي.
    5-أبو الأشهب جعفر بن حيَّان العُطارديّ
    رواه الطبراني في "الكبير" (2595)، وفي "الأوسط" (1531)؛ من طريق عبيد الله بن يوسف الجبيريّ، عن محمد بن عبد الله الأنصاري، عن أبي الأشهب، عن الحسن عن أبي بكرة، وهذا وهمٌ من عبيد الله بن يوسف، وليس بالمعتمد، ولم يوثقه إلا ابن حبان. ومحمد بن عبد الله الأنصاري إنما رواه عن أشعث؛ فكأن الاسمين اختلطا عليه.
    6-منصور بن زاذان، ويونس بن عبيد.
    وقد جُمع حديثهما فيما رواه الطبراني في "الكبير" (2592)، وفي "الصغير" (766) - ومن طريقه الخطيب في "تاريخه" (14/454)، وابن عساكر في "تاريخه" (13/234)؛ كلهم من حديث عبد الرحمن بن شيبة الحزاميّ، عن هشيم بن بشير، عن يونس ومنصور، عن الحسن، عن أبي بكرة، به.
    وهذا سندٌ واهٍ لحالِ عبد الرحمن بن شيبة وضعفِ حديثه. وما رواه عن هشيم عن يونس مُخالفٌ لما رواه نعيم بن حماد مرسلاً كما سيأتي، ولا أرى منصور إلا رواه مرسلاً؛ إنْ كان قد رواه.
    7-معمر بن راشد، عن رجلٍ، عنه.
    رواه عبد الرزاق في "المصنَّف" (20981)، ومن طريقه أحمد في "مسنده" (20473) عن معمر قال: أخبرني من سمع الحسن يُحَدِّثُ عن أبي بكرة ... فذكره.
    8-إسماعيل بن مسلم المكيّ.
    رواه الطبراني في "الكبير" (2594)، والآجري في "الشريعة" (1644)، وابن عساكر في "تاريخه" (13/235). وإسماعيل متروك الحديث.
    9-عمرو بن عُبَيد.
    وهو القدريُّ المشهور، وخرَّجَ حديثَه ابن عدي في "الكامل" (5/110)، الآجري في "الشريعة" (1654)، وابن عساكر في "تاريخه" (13/237-238)؛ من طريق محمد بن سلمة بن الفضل الأبرش، عن محمد بن إسحاق، عن عمرو بن عبيد، عن الحسن، عن أبي بكرة، به.
    ومحمد بن سلمة صاحب نسخةٍ عن ابن إسحاق في المغازي، وفي حديثه فيما سوى ذلك المغازي ضعف، ولم يُتابعه على هذا أحدٌ من مشاهير الرواة عن ابن إسحاق، وأصحاب النسخ الأخرى عنه، فلا يُحْتَجُّ به. وعمرو فلا يُحتَجُّ به.
    فهؤلاء تمامُ مَن روى الحديثَ موصولاً.

    ورواه عن الحسن مرسلاً:
    1-أبو موسى إسرائيل بن موسى.
    في روايتين من ثلاث رواياتٍ للحسين الجعفيِّ عنه؛ كما تقدَّم. فهذه مشكلة حسين الجعفي لا الحسن إذن.
    2-عوف بن أبي جميلة الأعرابي.
    رواه النسائي في "الكبرى" (10012) بسندٍ صحيحٍ عنه.
    3-داود بن أبي هند.
    رواه النسائي في "الكبرى" 10013) بسندٍ صحيح عنه. وقد رواه الطبرانيُّ في "الأوسط" (3050) من طريق عبد الحكم بن منصور عن داود به موصولاً، وقال عقبه: "لم يُجَوِّد هذا الحديث عن داود بن أبي هند إلا عبد الحكم بن منصور". ولم يُجَوِّده: أي لم يَصِلْه؛ يشير إلى ضعفه. وعبد الحكم بن منصور متروك الحديث.
    4-هشام بن حسَّان.
    رواه النسائي في "الكبرى" (10014) بسندٍ صحيحٍ عنه. وبه يتبيَّن ضعف ما رُوي عنه بالوصلِ فيما تقدَّم. هو عند النسائي: 10014أخبرنا محمد بن العلاء أبو كريب قال: حدثنا ابن إدريس، عن هشام، عن الحسن قال:
    5-يونس بن عبيد.
    رواه نعيم بن حماد في "الفتن" (423) عن هشيم، عن يونس، به. وهذا أصحُّ من رواية من مَن رواه عنه موصولاً كما مرَّ ذكره.
    6-سهل بن أبي الصلت.
    رواه إسحاق بن راهويه في "مسنده" (1899) بسندٍ صحيحٍ عنه.
    فهؤلاء الستة أوثقُ وأضبطُ وأحفظُ من جميع مَن رواه موصولاً. وجلُّهم مِن كبار أصحاب الحسن، بل لا يخلو حديثُ عامَّة مَنْ وصَلَه مِنْ ضعفٍ واضطراب، خلا أبي موسى، وقد اخْتُلِفَ عنه فيه كما مرَّ بيانُه. لا خلاف بين هؤلاء الستة وبين رواية أبي موسى إسرائيل، وإنما الخلاف بينهم جميعًا وبين رواية أشعث عن الحسن عن أنس، وسبق تضعيفها فخرجت عن الموضوع، بقي الخلاف الظاهري بين الحسن سمعت أبا بكرة، والحسن مرسلا دون ذِكْر أبي بكرة، والوصل هنا زيادة من ثقة لثقة الواصل وإمكان الجمع بينه وبين المرسل إذ الراوي خاصة الحسن البصري وأمثاله قد يذكرون الصحابي مرة ويتركون تسميته مرات ويكتفون بشهرة الحديث موصولا، فالحقيقة ليست هذه معارضة جوهرية في مثل حالة الحسن الذي اعتاد الإرسال، فالحمد لله أنه قد ذكر أبا بكرة هذه المرة
    هذا وليس في شيءٍ من طرقه سوى طريق سفيان عن أبي موسى عن الحسن، وطريق المبارك بن فضالة عن الحسن – تصريحٌ بتحديث أبي بكرة الحسنَ بهذا الحديث.
    ثم إنَّه لم يُذكَر عن سفيان سماعُ الحسن من أبي بكرة في جميع رواياته؛ فرواه أحمد بن حنبل – في إحدى الروايتين- وهذا مما يستدل به أهل العلم على صحة الوجهين؛ أعني رواية أحد الرواة للوجهين المختلف فيهم، وقد قعَّد ابنُ رجب قاعدة بهذا في آخر كتابه شرح علل الترمذي وعبد الله بن سعيد الأشج، وإبراهيم بن عبد الله الرماديّ، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وعلي بن حرب، وأحمد بن حرب، ويونس بن عبد الأعلى، والحسن بن الصباح، ونصر بن علي بن نصر، ومحمد بن زنجويه - عشرةٌ من الثقات الأثبات لكن ليس من الحفاظ وثمة فرق كلهم روى الحديثَ عن سفيان من دون ذكر التصريح بالسماع.
    ورواه جماعةٌ من الثقات عن سفيان بإثبات السماع؛ وهم أحمد بن حنبل (في رواية)، وعبد الله بن محمد المسندي، والحميدي، وسعيد بن منصور، ومحمد بن عباد، ومحمد بن منصور، وصدقة بن الفضل. وأكثرهم حفاظ أصحاب كتب ابن حنبل والمسندي والحميدي وابن منصور، والواحد منهم بألف غيره. وإلى هذا يرمي البخاري الذي يعبث بالإشارات إبداعًا وتملُّكًا منه لناصية الإشارة والرمز فهو فارسها، فيبدأ الروايات التي أوردها برواية المسندي صاحب العناية بالمسندات لا المرسلات ولا المقاطيع، إشارة على إشارة وهكذا الحبيب البخاري طيب الله ثراه ما أبدعه وأجمله؟!
    وهذا مما يدلُّ على أن سفيان كان يرويه على الوجهين؛ لا أنَّ الاختلافَ ممن دونه.
    سفيان أوثق من أبي موسى فإلصاق مثل هذا بأبي موسى أولى من إلصاقه بسفيان، مع أن الظاهر أن الراوة كانوا يتخففون بالعنعنة مرة ويضبطون الرواية كما وردت فيذكرون التحديث أخرى، وهذا معروف مشهور.

    وقد أنكرَ سماعَ الحسن من أبي بكرة مطلقًا طائفةٌ من الحفَّاظ؛ إما تصريحًا، وإما إشارةً وتلميحًا. نعم؛ ولكن المثبت مقدَّم على النافي لما معه من زيادة علمٍ، كيف إذا اقترن الإثبات بدليلٍ ظاهرٍ واضحٍ غير مدفوعٍ؟ فلم لا نجمع بين الرأيين بأن نقول لم يسمع منه سوى هذا الحديث؟ وهذا وجهٌ للجمع ويمكن استخراج وجوه أخرى والله أعلم.
    فممن أنكره تصريحًا: يحيى بن معين، قال في "تاريخه" (4597/رواية عباس الدوريّ): "لم يسمع الحسنُ من أبي بكرة. قيلَ له: فإنَّ مبارك بن فضالة يقول: عن الحسن قال: حدثنا أبو بكرة. قال ]يحيى[: ليس بشيء".
    وعلَّلَ بعضُهم كلامَ ابن معين بكونه لم يطَّلع على حديث سفيان عن أبي موسى المتقدِّم، والذي ذُكر فيه التصريح بالسماع، وأنْ لو اطَّلعَ عليه لربما رجع عن قوله هذا. وهذا بعيدٌ جدًّا، بل هو خطأٌ بيِّن؛ فإنا نجده في "تاريخه" (2301/رواية الدوري) يقول: "أبو موسى ، إسرائيل، الذي روى عنه ابن عيينة، هو كوفيٌّ نزلَ البصرة". فهو عارفٌ بالرجل معرفةً دقيقة، وبرواية سفيان عنه. وهل يُظَنُّ بيحيى غير هذا؟ وليس الحديثُ بالغريب ولا بالخفيّ، وقد رواه صاحبُه أحمد بن حنبل من طرقٍ عديدة، وطائفةٌ كثيرةٌ من مُحَدِّثي زمانه ممن هم دونه حفظًا واطلاعًا، فلا أراه يغيب عنه ذلك قطّ، بل ما أراه نفى السماعَ في تلك الرواية إلا إنكارًا وتضعيفًا لِما رواه سفيان، ولذا قال السائل: فإنَّ مبارك بن فضالة يقول: كذا؛ كأنه يقول: فإنه مُتابَع؟ لم يذكر سفيان في أثناء الكلام عن ابن فضالة، فالظاهر فعلا أن يحيى لم يكن مستحضرًا رواية ابن عيينة ساعتئذٍ.
    وهذا سياق الأخبار عند الدوري:
    4597 - سمعت يحيى يقول لم يسمع الحسن من أبي بكرة قيل له فإن مبارك بن فضالة يقول عن الحسن قال حدثنا أبو بكرة قال ليس بشيء

    4598 - سمعت يحيى يقول في حديث ربيعة بن كلثوم بن جبر عن الحسن حدثنا أبو هريرة قال يحيى لم يسمع منه شيئا

    4599 - قال يحيى قال الحسن دخلنا على بن عمر قال يحيى ولم يسمع من بن عباس شيئا ولم يس
    مع الحسن من جابر شيئا قلت له سمع من أنس قال نعم قال يحيى ولم يسمع من الأسود بن سريع شيئا

    فهو تعرَّض لسماع الحسن من الصحابة فذكر ما حضره بجملته، ولو كانت رواية ابن عيينة حاضرة حينذٍ لذكرها، وابن معين له أحوال حسب الروايات، والسؤالات، وليست جميع السؤالات في وقت واحد ولا في آخر حياته، بل هناك الكثير من السؤالات لم يكن ابن معين قد صار ابن معين الإمام الكبير، وإنما كانت في مقتبل عمره فيما يظهر، كرواية الدارمي التي يكثر فيها من قول: لا أعرفه، ثم يعرفه في روايات أخرى كالدوري وغيره، وأما في رواية الدوري فرغم سعة معلوماتها وتشعبها مما يدل على إمامة ابن معين الكاملة آنذاك، لكن سرده للروايات دون رواية ابن عيينة يشبه أن يكون لم يستحضرها آنذاك، ولا قرينة في السياق على أن السؤال قصد: أن ابن عيينة قد توبع من ابن فضالة، فالسياق لا يحتمل هذا التأويل والله أعلم

    وآية ذلك أنه روى الحديثَ نفسَه من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله كما سيأتي بيانُه؛ فكأنه أعرضَ عن طريق الحسن بالكليةِ إلى هذا. وهل يقع له حديثُ جابر – وليس الحديثُ بالمشهور – ويعزبُ عنه حديثُ الحسن عن أبي بكرة؟ ممكن وقد خفي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه أدب الاستئذان عند الدخول فأخبره به أبو موسى والقصة مشهورة، وحديث الأعمال بالنيات ذكره ابن الخطاب على المنبر وتفرد بالرواية عنه واحد فقط؟ هكذا الروايات لا مدخل فيها للاحتمالات وإنما لها قانونها المحيِّر لكنه غاية في الإبداع.
    وهذا كصنيع أبي القاسم ابن عساكر، حيث استوعب في "تاريخه" (13/230-238) طرقَ هذا الحديث ورواياته وألفاظه، وبدأ في ذلك بحديث جابر بن عبد الله، وهذا بخلاف عادته في ذكر الأعلى والأشهر والأصحِّ إسنادًا من طرق الخبر، ثم ما دون ذلك، وكأنه يشير إلى تقويةِ هذا بذاك، أو تفضيلِ هذا عن ذاك. هذه العادة لابن عساكر فائدة جميلة جدًّا لكن هل من نص عليها؟ أو زيادة فائدة؟ فإنها مفيدة ومهمة، جزاكم الله خيرا وفتح عليكم، والخطيب يختم ترجمته بروايات يُفهم منها ما يريده ومجالس الإملاء من عادتها الختم بالأشعار والزهد والرقاق وهناك عوائد أخرى جميلة حبذا لو تم جمعها في كتاب يكون مفيدا.
    وممن صرَّح أيضًا بنفي سماع الحسن من أبي بكرة، وبالَغَ في ذلك: أبو الحسن الدارقطنيّ؛ قال في "أجوبته عن سؤالات الحاكم" ص208 – وقد سُئل عن حديث: "وفيه إرسال، لأنَّ الحسن لم يسمع من أبي بكرة".
    وقال في "التتبُّع" ص322-323: "وأخرج البخاريُّ أحاديث الحسن عن أبي بكرة، منها: حديث الكسوف، ومنها: زادك الله حرصًا ولا تَعُدْ، ومنها: لا يفلح قومٌ وَلَّوا أمرَهم امرأة، ومنها: ابني هذا سيد. والحسن لا يروي إلا عن الأحنف [يعني الأحنفَ بن قيس] عن أبي بكرة"اهـ الدارقطني قد يعل بما ليس بعلة، والذهبي أشار لهذا في الموقظة أو غيره من كتبه حسبما أذكر الآن. وإدخال الرجل بين رجلين منهج للإعلال لكنه ليس على عمومه، فإذا كان الإدخال دون التصريح بالسماع فسد الحديث، وإن كان مع التصريح كما هو الحال هنا كان من المزيد في متصل الأسانيد إذا جاء بإسناد فيه زيادة رجل، لكن لم يأت هنا، وإنما ذكره الدارقطني من واقع الاحتمال والروايات، ولكن الكلام عن شأن الحسن في أحاديث بعينها عند البخاري.
    وممن أشار إلى انتفاء السماع من دونِ تصريح: الإمامان أحمد بن حنبل، وأبو حاتم الرازي، فيما نقله ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/41) قال: "حدثنا صالـح بن أحمد بن حنبل، قال:قال أبي: سمع الحسن مِن ابن عمر، وأنس بن مالك، وابن مُغَفَّل، وسمع من عمرو بن تَغْلِبأحاديث. قال أبو محمد: فذكرت قولَ أحمد لأبي – رحمه الله – فقال: قد سمع مِنْ هؤلاءالأربعة، ويَصِحُّ له السماعُ من أبي برزة، ومن أحمر صاحب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ومِنْغيرهم. ولم يصحَّ له السماعُ مِنْ جندب، ولا من معقل بن يسار، ولا من عمران بن حصين، ولامن ابن عمر، ولا من عقبة بن عامر، ولا من أبيهريرة"اهـ. وقول أبي حاتم: "ومن غيرهم" يحتمل النفيَ والإثبات، لكنه لو أراد الإثبات لذكره، لأن روايته عن أبي بكرة مستفيضة، وهي أشهر من روايته عن بعض مَن ذكر من الصحابة. مستفيضة عندنا لا عندهم حيثُ كان الحديث ينتقل من مكان لآخر بشق الأنفس ورحلة راحل. فهذا نصٌّ لا دليل فيه فهو خارج النزاع
    ولم يُشِر ابن أبي حاتم في "مراسيله" إلى إثبات السماع أو نفيه، على إيعابه وتفصيله في الكلام على مراسيل الحسن، ما ذكر سوى كلام بهز بن أسد الآتي؛ فكأنه توقَّفَ فيه. بل فعله يؤيد الإثبات إذا أردنا الاستدلال به لشهرة صحيح البخاري ورواياته ولكن الأولى تجاوز هذا النص لعدم الدلالة فيه على شيء ولم يشترط ابن أبي حاتم الاستيعاب حتى نلزمه بشيء.
    وقد وقفتُ على بحثٍ كتبه المدعو حسن فرحان المالكيّ في تضعيف هذا الحديث، فوجدته في هذا الموضع زاد في نصِّ ابن أبي حاتم: "ولا من أبي ثعلبة الخشني، ولا من أبي بكرة..". وهذا كذبٌ صُراح، وفضيحةٌ لصاحبه. يريدون نفي السماع لتضعيف حديث النهي عن تولية المرأة، فلهم مأربٌ آخر
    ومما يؤيد تصحيحَ نفيِ السماع عن الإمام أحمد: ما ذكره الحافظ ابن رجب الحنبليُّ في "شرح البخاري" (3/599) قال: "وحديث الحسن عن أبي بَكْرة في معنى المرسل؛ لأنَّ الحسن لم يسمع من أبي بكرة عند الإمام أحمد والأكثرين من المتقدمين". نقل ابن أبي حاتم عن أحمد ليس فيه أي تعرُّض لنفي السماع فلا دليل فيه، وأما كلام ابن رجب فيحتاج لنقلٍ من كتب أحمد يكون واضحًا لأن نصَّ ابن رجب معارضٌ برواية أحمد للحديث بذِكْر السماع فهذا مما يشكك في نقل ابن رجب حتى يظهر ما يؤكد هذا أو ينفي هذا عن أحمد ولا أعلم في هذا نصًّا عن أحمد الآن. ولعل مراجعة مسائل أبي داود أو صالح وغيرها من المسائل يكون مفيدًا وقد نجد فيه شيئًا ينفع هنا.
    وقال جرير بن عبد الحميد – فيما رواه ابن أبي حاتم في "المراسيل" (152): "سألتُ بَهزًا – يعني ابن أسد العميّ = عن الحسن؛ مَنْ لقي مِن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: سمع من ابن عمرحديثًا، وسمع من عمران بن حصين شيئًا، وسمع من أبي بكرة شيئًا".
    وفهم بعضُهم من كلام بهزٍ أنه ممن يثبت السماع، وجعلهم فريقين: ابن المديني والبخاري وبهز بن أسد العمي والبزار وغيرهم في جانب، ويحيى بن معين وأحمد والدارقطنيُّ وغيرهم في جانب، وهذا من لزوم ما لا يلزم.
    أما كلام بهز بن أسد فيمكن توجيهه بما روى أحمد بن حنبل - كما في "المسائل" لابنه صالح (1107)، وابن أبي خيثمة في "تاريخه" - ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (62/216) والمزيُّ في "تهذيب الكمال" (30/7) قالا: حدثنا هوذة بن خليفة، قال: حدثنا هشام بن حسَّان، عن الحسن، قال: "مَرَّ بي أنس بن مالك، وقد بعثه زياد إلى أبي بكرة يُعاتِبه, فانطلقتُ معه, فدخلنا على الشيخ وهو مريض، فأَبْلَغَـه عنه، فقال: إنه يقول: ألم أستعملْ عُبيد الله على فارس؟ ألم أستعمل روادًا على دار الرزق؟ ألم أستعمل عبد الرحمن على الديوان وبيت المال؟ فقال أبو بكرة: فهل زاد على أنْ أَدْخَلَهم النار؟ فقال أنس: إني لا أعلمه إلا مجتهدًا. فقال الشيخ: أَقْعِدوني، إني لا أعلمه إلا مجتهدًا؟ وأهلُ حَروراء قد اجتهدوا؛ فأصابوا أم أخطأوا؟ قال الحسن: فرجعنا مخصومين".
    فهذا خبرٌ صحيحُ الإسناد، وهو القَدْر الذي سمعه الحسن من أبي بكرة، ولمَّا لم يكن حديثًا مرفوعًا سمَّاه بهز: شيئًا. وهذا وصفٌ دقيقٌ منه رحمه الله، وهو عارفٌ بحديث أهل البصرة، خبيرٌ به. تأويل جميل لكن قد يستخدم كقرينة على السماع في الجملة مع القرائن السابقة وحقيقة هذا إلى تأييد السماع أكثر منه إلى نفي السماع، مع كونه ليس صريحًا بالدرجة الكافية، وتفسيره هنا قد يكون صحيحًا بالفعل بل وبديعًا أيضًا، لكن قد يقول المخالف: سمع هنا وثبت السماع هناك وحدَّث بهزٌ بما علم وحدَّث غيره بما علم، فتكون هذه قرائن أخرى على السماع لا النفي.
    وهذا يكون كقول يحيى بن معين لمَّا قيل له – كما في "تاريخه" (4258): "الحسن رأى ابنَ عمر؟ قال: يُذكَر في بعض الحديث؛ قال: قال الحسن: دخلنا على ابن عمر" ؛ يعني ما رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" - ومن طريقه ابن عبد البر في "التمهيد" (14/255)، قال: "حدثنا إبراهيم بن عرعرة، قال: حدثنا معاذ بن معاذ، قال: حدثنا ابن عون، عن الحسن، قال: دخلنا على ابن عمر وهو بالبطحاء، فقال رجل: يا أبا عبدالرحمن، ثيابنا هذه قد خالَطَها الحريرُ وهو قليل، فقال: اتركوه، قليلَه وكثيرَه". وهذا سندٌ صحيح، وهو كلامٌ لابن عمر موقوفٌ عليه، لكنه كلامٌ متعلِّقٌ بالفقه، شبه الفتيا، وهو الذي عناه بَهزٌ في كلامه المتقدِّم، وسمَّاه: حديثًا، ولم يُسَمِّه: شيئًا؛ وهذا يُظهر وجاهةَ كلام بَهز، ويبين عن شدةِ فحصه.
    ويبفى الكلامُ في انتفاء السماع مع ثبوت اللقيا في رواية هشام بن حسَّان؛ فإنَّ الراجح أنَّ هذا كان في مرض أبي بكرة الذي مات فيه، رضي الله عنه. وعبيد الله، وعبد الرحمن، ورواد: كلهم أولاده. وزياد المذكور: هو ابن أبيه، عامل معاوية على البصرة، وهو أخٌ لأبي بكرة من أمه. وقد كان بين ولايته وموت أبي بكرة خمس سنين أو أقل، ويبعد أن يكون هذا قد حصل إلا بعد سنين من ولاية زياد، وفي آخرِ عمرِ أبي بكرة؛ فإنه جرت بينهما وقائع سرد طرفًا منها ابن عساكر في ترجمة أبي بكرة من "تاريخ دمشق"، ونتج عنها اعتزال أبي بكرة وانزواؤه، رضي الله عنه.
    ثم إن أنس بن مالك – رضي الله عنه - لم يكن ليصحب الحسن في مثل هذا الغرض إلا وقد اشتهر ذكره، وعلا كعبه في العلم، بل كان الحسن يطوف وهو صغير مثله مثل غيره في هذا الوقت وهو لم يذهب إلا لمهمة معينة لا تحتاج له أصلا وإنما اصطحبه معه أنس رضي الله عنه لغرض أو لآخر لا ليستعين به أو لعلم الحسن أو غير ذلك، وإنما اصطحب أنس رضي الله عنه الحسن كونه كان قريبا من بيت أنس رضي الله عنه فالحسن رضع من أم سلمة رضي الله عنها وقد أعتقت الربيع بنت النضر يسار أبا الحسن، وهي عمة أنس بن مالك، فلا غرابة في أن ينشأ الحسن في البيت أو يتردد عليه ويأخذه أنس معه في أي مكان يذهب إليه للصلة التي بينهما لا لعلم الحسن أو غيره وهو يومئذ – سنة إحدى وخمسين تقديرًا – ابن ثلاثين سنة، ويبعد أن يصلحَ يكون طرفًا في هذا قبل هذا السنّ، وأبو بكرة هو مَنْ هو في البصرة وقارًا وجلالة. ولم يكن الأمرُ – كما هو ظاهر - يتسع للتحديث، لا بالقليل ولا بالكثير.
    وهذا حديثٌ ذو شأنٍ عظيم؛ فإنه متعلِّقٌ بالحكم والخلافة، والفتن التي وقعت في الأمة، وهو من دلائل النبوة؛ فإما أن يكون أبا بكرة قد حدَّثَ به الخاصَّ والعام، وهذا مُنتَفٍ؛ لأنَّا لا نجده عند غير الحسن من البصريين وغيرهم، وحدَّث عمر رضي الله عنه بحديث الأعمال بالنيات على المنبر ولم ينقله سوى واحد فقط ، والتفرد في طبقة الحسن مقبولٌ بخلاف التفرد في طبقة البخاري وما دونها. ولم يكن الحسن من أصحابه قطعًا لكنه كان ثقة يقظا عالمًا بصيرًا قريبا من بيوت الصحابة رضي الله عنهم - أو أن يكون إنما حدَّثَ به خواصَّ أصحابه ممن يحتملون ذلك ويعرفونه من الصحابة؛ كأنس بن مالك، أو المعدودين في الصحابة؛ كالأحنف بن قيس، فإنه أسلمَ في حياة النبيِّ صلى الله عليه وسلم. ويكون الحسن قد سمعه من أحدهما أو مِن كليهما، وهذا أشبَه، وأليَقُ في النظر. بل حدَّث الحسن مع غيره كما يدل عليه سياق الحديث والله أعلم، ولكن لم ينقله سوى الحسن كما سمع الناس الأعمال بالنيات فلم ينقله سوى أحدهم دون الآخرين.

    وممن أثبت سماع الحسن من أبي بكرة: علي بن المديني؛ فيما نقله البخاريُّ عنه - وقد مرَّ ذكره – وفي كتاب "العلل" له، ص173، قال: "سمع الحسن من عثمان بن عفان وهو غلامٌ يخطُب، ومِن عثمان بن أبي العاص، ومِن أبي بكرة". ومستنده في هذا حديث سفيان بن عيينة، فإنه قال: "إنما ثَبَتَ لنا سماعُ الحسن من أبي بكـرة بهذا الحديث"؛ يعني أنَّ هذا صحيحُ الإسناد، فلا بد من إثبات السماعِ تبعًا له، وإلا فقد ورد التصريح بالسماع في هذا الحديث وغيره من رواية المبارك بن فضالة، وزياد الأعلم؛ فكأنه لم يعتدَّ بما سوى حديث سفيان. بل يمكن أن يكون اعتدَّ بها لكن التعويل على الصحيح والأوثق دائمًا ويُقدَّم على من سواه ولذا قال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (13/71): "نَعَم كلام ابن المديني يُشْعِرُ بأنهم كانوا يَحملونه [يعني حديث الحسن عن أبي بكرة] على الإرسالحتى وقعَ هذا التصريح". وهذا وجه جميل جدا للجمع بين الآراء؛ كانوا يعدونه مرسلا ثم حكموا بالسماع عندما علموا به وقال قبلها (13/71): "وإنما قال ابن المدينيُّ ذلك لأنَّ الحسنكان يُرسل كثيرًا عمَّن لم يَلْقَهم بصيغةِ عن؛ فخشي أنَّ روايته عن أبي بكرة مرسلة، فلماجاءت هذه الرواية مُصَرِّحةً بسماعه مِن أبي بكرة ثَبَتَ عنده أنه سمعه منه".
    أما موافقة البخاريِّ إياه فهذا ليس بمُسَلَّم؛ بل مسلَّمٌ على ما مضى بيانه وفق إشارات البخاري البديعة فإنه إنما نقل عن ابن المديني في "الصحيح" و"التاريخ الكبير" و"التاريخ الأوسط" من دون أن يدلي بدلوه، أو يتكلمَ بلفظه.تسعة أعشار علم البخاري في إشاراته وعشر علمه أو أقل في تصريحاته فغاية الأمر هو يوافق ابن المديني في كون التصريح بالسماعِ لم يُنقَل مِنْ وجهٍ صحيحٍ إلا من حديث سفيان، لا أنه ثبت عنده مطلقًا. بل ثبت كما نص على ذلك بإشارة سبق الإشارة إليها أيضا!
    فإنْ قيل: قد وقعت الموافقة بتصحيحه الحديث بتخريجه إياه في "الصحيح" في غير موضع، وغيره من أحاديث الحسن عن أبي بكرة؛ وأنَّ شرطه في كتابه ثبوت السماع لا الاكتفاء بالمعاصرة أو اللقاء؟ بل لإشارته لذلك وليس لمجرد إخراجه لأن الإخراج وحده قد يقصد منه شيئًا آخر بقرينة أو إشارة يشير بها على عادته
    فهذا عمدة القوم، ولذا يقولون في غير حديث: صحيحٌ لإخراج البخاريِّ إياه، وكأنه ليس بصحيحٍ في نفسه، وإنما لهيبة الصحيح ومكانته، أو أن البخاريَّ وضع شرطًا فيما يُثبته في صحيحه ثم أخلَّ بهذا الشرط في مواضع. ولا يُشَكُّ في أنه اشترط في كتابه شرطًا عزيزًا: ألا يُخرج إلا الصحيح، وهو ما صحَّ عنده، مِنْ دون أن يُصَرِّحَ بكُنه طريقته في ذلك، محمود شاكر رحمه الله يرى أن المنهج يوضع بعد الكتاب لا قبله وقد ذكر ذلك في رسالة في الطريق إلى ثقافتنا والحقيقة البخاري مبدع جدا في كتابه هذا وهي طريقةٌ بلغت الغايةَ والنهايةَ في النقد والتحقيق، والبصر بطرق الحديث وعلله ورجاله. وحديث أبي بكرة صحيحٌ لا مراء في صحته؛ احتمال سماع الحسن له بواسطة عن أبي بكرة يعني عدم صحته خاصة مع عدم وجود الواسطة في الروايات، والتركيز على عدم السماع والرد على القائلين بالسماع يوحي بل يشعر بالتأكيد بتضعيف الحديث وهذا ما وقع في روعي لأول وهلة وسياق الكلام كله يسير إلى هذه النتيجة معاذ الله أن نجتريءَ على مقام الصحيح أو أن ننال من منْزلته، وغاية ما فيه أن يكون الحسن قد سمعه من الأحنف بن قيس، وأين الأحنف في الروايات؟ لا توجد رواية فيها الأحنف فيبقى الأمر على الاحتمال فيضعف الحديث إذن فكان ماذا؟ أو من أنس بن مالك، الحسن كان مع أنس عند أبي بكرة يعني يسهل له أن يذهب لأبي بكرة ويعرف بيته فما المانع أن يسمعه قبل ذهابه مع أنس؟ أو بعده؟ فكان ماذا؟ أو من غيرهما من الأكابر من أصحاب أبي بكرة، فكان ماذا؟ وليس بالغريب ولا بالمنكر؛ بل استفاضت روايته عن الحسن ثم تواترت، ورواه الناس ورووه طبقةً عن طبقة، ووجدوا له شاهدًا من حديث غيرِ أبي بكرة من الصحابة، فتلقَّته الأمة بالقبول؛ ما ضعَّفه أحدٌ سوى شرذمةٍ من أهل البدع؛ من الرافضة وأشباههم، والخوارج الإباضية ونحوهم، فكان ماذا؟ سلمنا هنا لكن ماذا عن النهي عن تولي المرأة؟ سيضعفون كل روايات الحسن عن أبي هريرة
    وليس المرسل كلُّه على درجةٍ واحدة؛ لكنه في النهاية مرسل -كما استقرَّ عند المحققين من أهل العلم بالحديث، بل ليس مرسل الرجل الواحد شيئًا واحدًا لا يتفاوت، بل منه ما عُرِفَ مخرجُه، وقربَ عهدُه، وصحَّ مستندُه، وسار ذكرُه - كالحديث الذي بين أيدينا - ومنه دون ذلك.
    ولم يكن الحسن يُسند حديثَه في كثيرٍ من الأحيان، كما هي عادة بعض أهل هذه الطبقة؛ إذ لم يكن الإسناد لازمًا في كلِّ ما حُدِّثَ به كما صار الشأن بعد هذا؛ فلذا اضطرب الناسُ فيه واختلفوا في مواضع منه، وقد قال أبو المليح – فيما رواه عبد الله بن أحمد في "العلل" (3063): "سمعت صالحَ بن مسمار، وحدثني حديثًا عن الحسن فرفعه إلى أنس، وحدثني حديثًا عن الحسن، فقلتُ له: أَسْنِدْه، فقال: ما كان يُسْنِد، ربما سمعتُه يقول: حَدَّثَ نبييُّكم عن ربكم عز وجل". الحسن عاش بين الصحابة رضي الله عنهم ورآهم لا يسندون وإنما يقولون: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففعل مثلهم وقلدهم ولم يجد حرجا في هذا، فقد تلقى هذا طفلا وشبَّ عليه فلم يتركه ولم يدر في ذهنه مسألة الإسناد هذه
    وكان يقول أحيانًا: حدثنا فلان، وإنما يعني حدَّثَ الناس، وحدَّثَ أهلَ البصرة. يقول ابن المديني – كما في "جامع التحصيل" للعلائي ص163 - فيما ورد من رواية الحسن عن سراقة بن مالك: "هو إسنادٌ ينبوعه القلب؛ أنْ يكون الحسنُ سمع مِنْ سراقة، إلا إنْ عنى حدَّثهم: حدَّثَ الناس؛ فهذا أَشْبَه". وقال أيضًا – كما في "المراسيل لابن أبي حاتم (97) في قول الحسن "خَطَبنا ابنُ عباسٍ بالبصرة: "إنما هو كقولِ ثابت: قَدِمَ علينا عمران بن حصين، ومثل قول مجاهد: قدم علينا عليّ، وكقولِ الحسن: إنَّ سراقة بن مالك بن جعشم حدَّثهم، وكقوله: غزا بنا مجاشع بن مسعود".
    فعلى هذا قد يُحمَلُ قول الحسن: "سمعت أبا بكرة قال" حدثني وحدثنا وخطبنا وسمعنا كلها محتملة للتأويل لكن سمعت بالإفراد لا تحتمل سوى السماع الحقيقي للشخص بنفسه من الشخص المسموع منه ولا تأويل لها فإما السماع فعلا أو الاتهام وهذا منتف في حق الحسن رحمه الله وإنما سمع أبا بكرة فعلا – إنْ صحَّ عنه – علىالمحملِ نفسه، فيكون كقوله، سمعتُ أنَّ إضافة أن هنا يقلب القضية ويختلف عن قوله: سمعت أبا بكرة، مباشرة بدون إضافة أبا بكرة قال. وهذا يحتاجُ إلى تتبُّعِ أساليب العرب وكلامهم. العرب قد تأتي بالجمع في مكان المفرد لا العكس، فلا يقال: سمعتُ القصة ويكون المراد أن البلد كلها سمعت، ولكن قد يقولون على سبيل التفخيم: سمعنا الأخبار ويكون السامع واحد لا أكثر

    أمَّا الاحتجاجُ بما يُذكَر من شرط البخاريِّ في أسانيده ورجاله؛ فهذا أمرٌ قد وضعه الناسُ بعد باستقراء ما في الصحيح، ودراسة منهجه فيه، كلٌّ حسب اجتهاده؛ ليس قالبًا جامدًا صنعه البخاريُّ لا روح فيه ولا حياة، وليس من منهجه - ولا منهجِ أحدٍ من أهل العلم من الأسلاف - أنْ يحكمَ بحكمٍ واحدٍ مُطَّرد، لكنهم يكتفون بإثبات السماع مرة واحدة على الراجح في مذهب البخاري ومسلم والنقاد كما ذكره ابن رشيد السبتي في كتابه السنن الأبين وإنما يدور في ذلك مع القرائن، ومنهجه هذا لا يتأتى لكلِّ أحد، بل نتاج عمرٍ أفناه في طلب الحديث وحفظه وتصنيفه، وفحص الرواة والأخبار والتواريخ، وتتبُّع العلل والمخالفات والشذوذات؛ كي لا يُبقي في كتابه ثمرة فؤاده مطعنًا ومغمزًا لأحد، أو من أحد.
    ومن طريقة البخاريِّ أنه يقف على الحديث: لا يرتضي إسنادَه تمامَ الرضا؛ لكنه يُثبت به ما عنده، وتطمئن نفسه إلى تصحيحه وإثباته. لكن في هذه الحالة يذكره في تراجم كتابه، أو يذكره مع الإشارة البديعة لهذا بطريقة أو بأخرى ولا يتركه هكذا خلوًا من الإشارة والقرينة.
    وربما كان ما ورد من حديث جابر بن عبد الله من هذا الصنف؛ فإنه رواه يحيى بن معين في "فوائده" - كما في "الجامع الكبير" للسيوطي (1/279) - ومن طريقه الخطيب في "تاريخه" (8/548)، والبيهقي في "الدلائل" (6/443-444)، وابن عساكر في "تاريخه" (13/230-231)؛ من طريقِ يحيى بن سعيد الأمويِّ الكوفيّ، عن الأعمش، عن أبي سفيان طلحة بن نافع، عن جابر بن عبد الله – رضي الله عنهما – بالحديث.
    ويحيى بن سعيد: هو صاحبُ المغازي، وهو ثقةٌ لا بأسَ به، وإنْ كان يُغرِبُ في أشياء.
    ولم يتفرَّد به يحيى، بل تابعه عليه أبو زهير عبد الرحمن بن مَغْراء، وخرَّجَ حديثَه البزار في "مسنده" (2635/كشف الأستار)، والطبراني في "الكبير" (2597)، وفي "الأوسط" (1810) و(7071)، وابن عساكر في "تاريخه" (13/231). وليس أبو زهير بالحُجَّة، ولكنَّه يُحتَمَلُ في مثلِ هذا، ويُعتَبَرُ بحديثه. وله مناكير عن الأعمش، وليس هذا منها؛ إذ وافقه يحيى الأمويُّ عليه.
    وقال الطبراني في "الأوسط": "لم يرو هذا الحديث عن الأعمش إلا عبد الرحمن، ويحيى بن سعيد الأموي". والأمر كما قال رحمه الله؛ نعم قد رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" (4/350-351) من حديث أبي عَوَانة الوضَّاح اليشكريِّ عن الأعمش به، ولكن في الإسناد إليه أبو الحسن علي بن الحسن الجرَّاحي القاضي، وهو ضعيف الحديث، لا يُعتدُّ به. وبه يتبيَّن خطأ مَن استدرك على الحافظ الطبرانيّ في تقريره هذا؛ فإنَّ المتابعةَ لا تكون متابعةً حتى تصحَّ عن المُتابِع، فتح الله عليكم وليس الحالُ هكذا هاهنا؛ فإنْ لم تصحَّ كانت مجرد سرقةٍ للحديث ونكارة. نكارة نعم لكن السرقة تهمة تحتاج لقرينة وليس مجرد عدم صحة المتابعة يلزم منه السرقة
    هذا وقد ورد الخبرُ أيضًا من حديث علي بن أبي طالب، ومن حديث أبي هريرة، ومن حديث أبي سعيد الخدري، وفي بعضها ضعفٌ، هل تم تخريجها أيضًا؟ ولم يُذكَر في أيٍّ منها تمامُ الخبر، وإنما قوله صلى الله عليه عن الحسن بن علي: "إنه سيِّد". ومنه يعلم أنَّ ذكر محمد بن جعفر الكتانيِّ له في "نظم المتناثر" ص125 ضمن المتواتر من الأخبار ليس بسديد، وكذا قول القرطبي – فيما نقله أبو عبد الله الأُبِّيُّ في "شرح مسلم"، وعنه الكتانيّ: "تواترت الأحاديثُ الصحيحة بأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: إنَّ ابني هذا سيد ...". نَعَم هو متواترٌ عن الحسن البصريّ، وقد صحَّ من دون دعوى التواتر. إن عُنِي بالتواتر هنا كثرة روايته فنعم، وإن عُنِي المتواتر الذي يذكره الأصوليون فلا لأنه لا تنطبق عليه شروط المتواتر التي ذكروها وهذا مبحثٌ طويل الذيل يدخل ضمن (خبر الواحد بين المصدِّق والجاحد)
    ومما يؤيد تصحيحَه أيضًا أنَّ لفظ الحديث وسياقه مما لا يُشتَبَه فيه الوقفُ والرفعُ، بل إما أن يكون صحيحًا ثابتًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما أن يكون غير صحيحٍ بالكلية، بل مكذوبًا موضوعًا؛ وهذا معلومٌ بالضرورة بطلانه. لأنه مما لا يقال بالرأي؛ إِذْ هو حديثٌ عن مستقبلٍ وغيبٍ وما ذكره بعض المُتَرَفِّضةُ من أن زيادة "وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" مدرجٌ من كلام أبي بكرة دعوى لا دليل عليها، بل محض كذبٍ وافتراء؛ لم يكن من عادة الصحابة الإدراج، كانوا أورع وأجل من هذا وكانوا يهابون الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -فهذا إنْ كان قاله قبل صلح الحسن يكون نبوءةً كنبوءات الكُهَّان والعرَّافين، وحاشاه، رضي الله عنه، وإنْ كان قاله بعد وقوع الصلح: فلا وجهَ له، ولا يُعْقَلُ أنه قاله.

    والحمد لله رب العالمين.

  4. #4

    افتراضي رد: بيني وبين الشيخ صلاح هلل حول حديث صلح الحسن.

    أخي الكريم
    محمد بن يسري سلامة
    جزاكم الله خيرا
    تخريجك لابأس به وإن كان فيه قصور في مواضع

    وفي بعض تعليقات الأخ صلاح عليك أخطاء جلية
    منها قوله وهذا القول مِن سفيان أولى من قول سبلان الآتي
    وقوله لا خلاف بين هؤلاء الستة وبين رواية أبي موسى إسرائيل، وإنما الخلاف بينهم جميعًا وبين رواية أشعث عن الحسن عن أنس
    وقوله فاختصاص الأمر بروايات غير أبي بكرة هنا واضح
    وغير ذلك

    وفقني الله وإياكم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •