فمن جملة الشبه التي ذكروها أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يصحب النبي ﷺ إلا سنة وتسعة أشهر : وهذا كذب بطبيعة الحال لأن أبي هريرة رضي الله عنه صحب النبي ﷺ أربعة سنوات ، لكن ما مستندهم في أنه صحب النبي ﷺ سنة وتسعة أشهر؟عندما أرسل رسول الله ﷺ إلى العلاء الحضرمي إلى البحرين أرسل معه أبا هريرة ، فظن هؤلاء أن أبا هريرة بقي في البحرين مع العلاء بن الحضرمي حتى توفي رسول الله ﷺ لأن العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه ، ما جاء من البحرين إلا بعد وفاة النبي ﷺ ثم استعمله أبو بكر على البحرين واستعمله عمر على البحرين أيضاً.
الرد علي الشبهة:لكن الواقع أن أبا هريرة صحب العلاء بن الحضرمي مدة يسيرة ثم رجع إلى المدينة مرة أخرى ، ومن الأدلة على ذلك :أن أحاديث العلاء قلت جداً ، يعني العلاء بن الحضرمي لا نعرف له إلا ثلاثة أحاديث فقط عن النبي ﷺ حديث منها في الصحيحين وهو أن النبي ﷺ رخص للمهاجر أن يبقى في مكة بعد الصدر- أي بعد الدفع ثلاثة أيام ، لماذا ؟ لأن المهاجرين حرم عليهم أن يرجعوا إلى مكة حتى بعد فتح مكة مثال: رجل كان يسكن في مكة ثم أسلم فهاجر إلى المدينة إلى النبي ﷺ هذا يحرم عليه أن يرجع مرة أخرى إلى مكة ، حتى لا يرجع أحدهم فيما بذله لله عز وجل وتظل هجرتهم خالصة لوجه الله سبحانه وتعالى ، لأن المرء إذا بذل لله شيئا ًينبغي أن يثبت عليه ، ولذلك في حديث سعد ابن أبي وقاص وهو في الصحيحين عن حديث عامر بن وقاص عن أبيه أن سعداً مرض بمكة مرضاً شديداً أشرف فيه على الموت ، فقال يا رسول الله أخلف بعض أصحابي؟ أي هل سأموت بمكة وترجعون إلى المدينة وأدفن بمكة ؟ كان سعد يخشى أن يموت بمكة ، لأن النبي ﷺ كان يرثي للبائس سعد بن خولة أنه مات بمكة ، فكان النبي ﷺ يقول: " اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم " (تردهم على أعقابهم) أي لا تجعلهم يرجعون إلى مكة مرة أخرى ، كأن الرجوع إلى مكة نوع من الارتداد على القلب ، لماذا ؟ لأنهم لما هاجروا إلى الله سبحانه وتعالى وإلى رسوله ﷺ في المدينة تبقى لهم هجرتهم ويبقى لهم ما بذلوه لله سبحانه وتعالى.
فالعلاء ابن الحضرمي ما روى إلا ثلاثة أحاديث : هذا الحديث الذي ذكرته لكم أن النبي ﷺ رخص للمهاجر أن يبقى في مكة بعد الصدر ثلاثة أيام ثم روى حديثين آخرين أنه كتب للنبي ﷺ كتاباً فبدأ بنفسه وحديث آخر ثالثاً ، وليس في مسند الإمام أحمد وهو كما ذكرت قبل ذلك أكبر مسند في الإسلام بعد مسند بقي بن مخلد الأندلسي، ليس له فيه إلا هذه الثلاثة الأحاديث، وحتى اللذين ترجموا للعلاء ابن الحضرمي من المصنفين في الصحابة ، كالبغوي وكابن مندة وأبي نُعيم الأصفهاني وابن قانع ومطين وهؤلاء لم يذكروا فوق هذه الثلاثة الأحاديث للعلاء ابن الحضرمي العلاء ابن الحضرمي لم يرو إلا الثلاثة أحاديث لأنه ما بقي مع النبي ﷺ إلا مدة يسيرة ثم مدة حياته ﷺ ظل في البحرين حتى توفي النبي ﷺ ثم استمر خلال خلافة أبي بكر وعمر في البحرين بخلاف أبي هريرة رضي الله عنه,فالذي يقول أن أبا هريرة رضي الله عنه لم يمكث مع النبي ﷺ إلا سنة وتسعة أشهر هو يظن أن أبا هريرة قضى كل هذه المدة في البحرين مع العلاء ابن الحضرمي والحقيقة تقتضي غير ذلك.
من الشريط الثامن والأربعين فك الوثاق