قال الشيخ فهد السنيد حفظه الله:
كثيراً ما يختلف الرواة في تعيين شيخ من رووا عنه على قولين ثم يأتي بعض الرواة فيجمع الشيخين في روايته ( وسواء كان هذا الاختلاف على الشيخ نفسه أو على من روى عن الشيخ وسواء كان هذا الجامع ثقة أو في حفظه شيء )فيحكم الحفاظ غالباً بصحة الروايتين لأن جمعهما في رواية بعض الرواة قرينة تدل على صحة الروايتين وهذا كما قلنا غالباً أو كثيراً وليس دائماً حيث لا يوجد في هذا الفن قاعدة مطردة بل كل قواعده منخرمة لاعتماده على القرينة, وهذا مما يجعل هذا الفن صعباً لا يتقنه إلا الجهابذة والله المستعان. وهذه بعض الأمثلة التي تدل على صحة ما ذكرنا:
قال ابن أبي حاتم في العلل(25): سألت أبي عن حديث رواه الليث بن سعد عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس "أن النبي صلى الله عليه وسلم أكل لحم شاة ثم صلى ولم يتوضأ" ورواه معن عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبي: جميعاً صحيحين, حدثنا إبراهيم بن المنذر عن معن بن عيسى عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء عن أبي رافع وابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم . جمعهما.
وسئل الدارقطني رحمه الله في العلل (5/52) رقم 698 عن حديث الربيع بن خثيم عن ابن مسعود رضي الله عنه (من قال لا اله الا الله وحده لا شريك له..) فقال: يرويه هلال بن يساف واختلف عنه فرواه حصين واختلف عنه أيضاً فروى عبدالعزيز بن مسلم ومندل بن علي ومحمد بن فضيل وابراهيم بن طهمان عن حصين عن هلال بن يساف وكذلك قال وكيع عن الأعمش عن هلال بن يساف عن الربيع عن ابن مسعود قوله, ورواه شعبة عن حصين عن هلال عن عمرو بن ميمون عن ابن مسعود وقال شعبة أيضاً عن عبد الملك بن ميسرة عن هلال عن الرجلين الربيع بن خثيم وعمرو بن ميمون, فصحت الروايتان جميعاً وكلهم وقف الحديث.
وسئل الدارقطني أيضاً في العلل (5/61) رقم 706 عن حديث زر عن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم(من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) فقال:يرويه عاصم واختلف عنه فرواه حماد بن سلمة وحماد بن زيد وأبو بكر بن عياش وأبو عوانة وأبو حمزه السكري وزائدة وشيبان وجرير بن حازم وحفص بن سليمان والثوري وقيل عن شريك وعن الأعمش وعن فليح كلهم عن عاصم عن زر عن عبدالله وخالفهم أبان العطار وهيثم بن جهم والوليد بن أبي ثور فرووه عن عاصم عن أبي وائل عن عبدالله ورواه عمرو بن أبي قيس عن عاصم عن زر وأبي وائل فصح القولان جميعاً.انتهى.
وسئل أيضاً (656) عن حديث أبي عبدالله القراظ عن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أراد المدينة بسوء أذابه الله كما يذوب الملح في الماء" ،في حديث طويل فقال: يرويه عمر بن نبيه عن أبي عبدالله القراظ عن سعد ورواه محمد بن موسى بن يسار المدني عن أبي عبدالله القراظ عن أبي هريرة ورواه أسامة بن زيد عن القراظ عن سعد و أبي هريرة فصحت الأقاويل كلها والله أعلم.
وسئل أيضاً (825)عن حديث عبد الرحمن بن يزيد عن ابن مسعود قال: ( أتى علينا زمان ولسنا نقضي ولسنا هنالك ثم إن الله عز وجل قدر أن بلغنا من الأمر ما ترون...) الحديث, فقال: يرويه الأعمش واختلف عنه فرواه أبو معاوية وحفص بن غياث وأصحاب الأعمش عن الأعمش عن عمارة عن عبدالرحمن بن يزيد عن عبدالله وخالفهم الثوري فرواه عن الأعمش عن عمارة عن حريث بن ظهير عن عبدالله ,قال يحيى القطان : كنا نرى أن سفيان وهم فيه ، رأيت مؤملاً يرويه عن سفيان عن الأعمش عن عمارة عن حريث بن ظهير وعبد الرحمن بن يزيد فصح القولان جميعاً وقد روى حديث حريث بن ظهير عبدالله بن نمير عن الأعمش أيضاً, حدثنا القاضي المحاملي قال حدثنا عباس بن يزيد ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمارة عن عبدالرحمن بن يزيد عن عبدالله ( أتى علينا زمان ...) الحديث فقال عباس : كنا عند يحيى بن سعيد فذكر هذا الحديث عنده فقال يحيى : رواه الثوري عن الأعمش عن عمارة عن حريث بن ظهير عن عبدالله, قال: فكنا نظن أن الثوري وهم فيه لكثرة من خالفه ، ثم قال يحيى : سمعت مؤملاً يحدث في هذا بشيء لست أحفظه ، قال عباس فقلت: حدثنا مؤمل عن سفيان عن الأعمش عن عمارة عن حريث بن ظهير وعبد الرحمن بن يزيد عن عبدالله فسر بذلك يحيى .انتهى.
وفي كتاب العلل ومعرفة الرجال للإمام أحمد بن حنبل(705) قال عبدالله بن الإمام حدثني أبي قال حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن طارق قال سألت الشعبي عن امرأة خرجت عاصية لزوجها قال :لو مكثت عشرين سنة لم تكن لها نفقة-706- حدثني أبي قال حدثنا وكيع عن سفيان عن موسى الجهني عن الشعبي نحوه قال أبي :قيل ليحيى : إن الناس يروونه عن موسى الجهني فقال : لو كان عن موسى كان أحب إلي , أنا كيف أقع على طارق وكان موسى أعجب إلى يحيى من طارق, طارق في حديثه بعض الضعف قلت لأبي: فإن أبا خيثمة حدثناه سمعه من الأشجعي عن سفيان عن طارق وموسى الجهني عن الشعبي قال : أصاب يحيى وأصاب وكيع .
قلت : صوب الامام أحمد قول يحيى ووكيع لأن جمع الأشجعي لهما-أي طارق وموسى- في روايته عن الثوري قرينة تدل على صحة قول القطان ووكيع .والله أعلم.