جزى الله الأخ الكريم المقرئ كل خير ، وجعل الله الجنة مثوى له ولوالديه
كنت قد إستأذنته في ذكر رأي الشيخ الألباني - رحمه الله- في الربيبة فوافق جزاه الله خيرا
سائل يقول :
َقوله تعالى ((ورَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ )) قال الجمهور في هذ الآية . إنه لا مفهوم لها ،وأنها خرجت مخرج الغالب ، وهناك اثر عن على رضي الله عنه يفيد تخصيص ذلك بمن في البيت، فما هو الراجح ؟
قال الشيخ الألباني :-
قبل الأجابة عن السؤال أرى فيه شيئا لابد من تصحيحه ، وهو قول السائل:أن اثر علي فيه تخصيص هذه لآية!هذا التعبير ليس فيه دقة ؛ لان ألآية هي نفسها مخصص – على الصحيح – ومقيدة بـ ( اللاتي في حجوركم ) فإن الآية نفسها – حقا – مخصصة مقيدة ، فلو كانت مطلقة ثم جاء معنى آخر فيه قيد بهذا القيد المذكور في نفس الآية حينئذ يقال بأن هذا النص أيد الآية ، لكن الآية نفسها هنا هي مقيدة .
بعد هذا التصحيح أقول : الحقيقة أن المسألة خلافية منذ القديم ، وأنا أعجب شخصيا كيف يتفق الجمهور – هنا – على
أمرين اثنين :
أولا : على إلغاء هذا القيد { اللاتي في حجوركم }،وتصريحهم على أن هذا القيد لا مفهوم له .
ثانيا: على تتابعهم على الإعراض عن اثرين صحيحين عن خليفتين من الخلفاء الاربعه ؛ ألا وهما عمر وعلى رضي الله عنهما
حيث ثبت عنهما استعمال الايه بقيدها ،فكانوا يفتون بجواز أن يتزوج الرجل ربيبته إذا لم تكن في حجره ، فأنا أتعجب من
هذا التتابع على ادعاءين :
أولا: إن هذا القيد لامفهوم له .
ثانيا: وعلى مخالفه الخليفتين الراشدين .
وعهدي بكثير من أهل العلم ـ واخص بالذكر الحنابلة ـ أنهم يكتفون في مثل هذه المسألة أن يأتوا برواية ـ وقد تكون غير صحيحة ـ عن احد من ألصحابه ، فيأخذون بهذا الأثر ثم يتبعونه بقولهم : ولا نعرف له مخالفا ، هذا ـ أولا ـ ثم إن ظاهر القران معهم
ثانيا : وفى الباب حديث أخر في "الصحيحين " وهو إن النبي عرض عليه أن يتزوج امرأة ‘فاحتج بأنها ربيبته في حجره .
وقد قال الشيخ الاسلام ابن تيميه فى بحث له فى كتاب القيم "اقتضاء الصراط المستقيم " حينما عالج موضوع عموم ذم
تالبدعه فى الدين ، المؤيد بالأحاديث الصحيحة المعروفة ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم يردد فى خطبته ـ التي هي خطبة ألحاجه – قوله (( وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار )) - ، فقال : إقرار النبي عليه السلام لهذا النص العام دون
التنبيه إلى أنه نص مقيد بأي قيد من الكتاب والسنة تأكيد عملي منه على أن النص لا يزال على شموله وعمومه .
وهنا نستفيد من هذه القاعدة التي أفادنا إياها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كثير من المسائل الخلافية ومانحن بصدد
بحثه الآن ، حيث إن الله سبحانه يقول : { اللاتي في حجوركم } حيث إن الحديث قد أيد نفس القيد ، ولم يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن إلغاء لقيد الحجر ، كل هذا يشعر ببعد قولهم : إن هذا القيد ليس مرادا !
وقد أردت أن أنهي الكلام بهذه القاعدة التي طبقتها في هذه المسألة ، لكن خطرت في بالي شبهة قد تكون حجة عند بعضهم
حينما يتعرضون لمثل هذه المسألة بقولهم : إن القيد لا مفهوم له ، حيث يأتون ببعض النصوص التي هي فعلا القيد غير مراد ، ويقال في مثلها : لا مفهوم له ، يحضرني من ذلك مثلا قوله تعالى : { لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة }حيث يقولون :
{ أضعافا مضاعفة } لا مفهوم له .
وهذا حق ، لا شك فيه ولا إشكال ، ولكن هذا المثال لا يشبه المُمَثَّلَ به أبدا ، وذلك أن هذا القيد الذي اتفق العلماء على
أنه لا مفهوم له {أضعافا مضاعفة }، قامت نصوص قاطعة تضطر الباحث الفقيه أن يقول بأن هذا القيد لا مفهوم له .
أما في مسألة الربيبة فالحال مختلف تماما ، فالقيد يتكرر دون أن يأتي نص يخالف هذا القيد ، كما جاءت النصوص متتابعة في
إلغاء قيد { أضعافا مضاعفة } بحيث يظهر جليا أن هذا القيد لا مفهوم له ، فكيف يستقرب ذلك البعيد من هذا المثال
القريب الذي قامت الأدلة على أنه لا مفهوم له ! إذن ؛ لا يجوز أن نقول : هذا القيد لا مفهوم له إلا بحجة ودليل ، وهنا
الحجة في مسألة الربيبة لا وجود لها .
ثم تكرار النبي صلى الله عليه وسلم لنفس القيد في الحديث أشرت إليه أنفا مما يطيح بذلك المثال الذي يراد به ادعاء أن قوله تعالى : { اللاتي في حجوركم } لا مفهوم له!
فالذي ترجح عندي أن الربيبة المحرمة هنا هي التي كانت في حجر زوج الأم ، أما إذا كانت بعيدة كما في أثر علي رضي الله عنه وكذا في أثر عمر : أن رجلا طلق زوجته وكان لها ابنة ، فسأله علي فقال : أنى طلقتها ، قال : هل لها من بنت ؟ قال : نعم ، لكنها ربيبتي ، قال هي في حجرك؟ قال : هي في الطائف بعيدة ، قال : تزوجها .
ونحو ذالك صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
الأصالة العدد الثامن ص70