قال الترمذي :
"هذا حديث حسن غريب ، لا نعرف أحداً رواه مثل هذا عن شريك ، قال : زاد الحسن بن علي في حديثه : قال يزيد بن هارون : ولم يرو شريك عن عاصم بن كليب إلا هذا الحديث".
وقال : "العلل الكبير" : "وروى همام بن يحيى ، عن شقيق ، عن عاصم بن كليب شيئاً من هذا مرسلاً ، لم يذكر وائل بن حجر ، وشريك بن عبد الله كثير الغلط والوهم".
وقال أبو القاسم البغوي : "لا أعلم حدَّث به عن شريك غير يزيد".
وقال النسائي ـ كما في "أطراف المزىّ" (9/90) ـ :
"لم يقل هذا عن شريك غير يزيد بن هارون".
وكذلك قال البغوي.
وقال البزار : "وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا يزيد بن هارون ، عن شريك".
وقال الدارقطني : "تفرد به : يزيد بن هارون ، عن شريك ، ولم يُحدِّث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما تفرد به".
وقال البيهقي : "إسناده ضعيف".
وقال أيضاً : "هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي ، وإنما تابعه همام
من هذا الوجه مرسلاً ، هكذا ذكره البخاري وغيره من الحُفاظ المتقدمين
رحمهم الله تعالى".
وقال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (2/68-69) : "حديث غريب".
* قلتُ : وهذا القول منهم هو الذي تطمئن إليه نفس الناقد ، لاستقامته على القواعد ، وقد اتفقت كلمتهم على أن شريك بن عبد الله القاضي تفرد بهذا الحديث، وشريك سيء الحفظ ، وسيء الحفظ إذا انفرد بشيء فلا يُحتج به ، وهذا القدر متفق عليه عند العلماء.
فإن قيل : فما أنت قائل فيما ذكره ابن حبان في "الثقات" (6/444) حيث قال في "ترجمة شريك" : "وكان في آخر أمره يُخطئ فيما يروي ، تغير عليه حفظه، فسماع المتقدمين منه ، الذين سمعوا منه بواسط ، ليس فيه تخليط مثل يزيد بن هارون ، وإسحاق الأزرق ، وسماع المتأخرين منه بالكوفة، فيه أوهام كثيرة". انتهى
فهذا القول من ابن حبان رحمه الله يدل على أن سماع يزيد بن هارون
من شريك ـ وهذا الحديث منه ، كان قبل أن يتغير حفظ شريك ، فهذا يدل على ثبوت الحديث.
فالجواب :
أن الدار قطني لم يراعِ مثل هذا القيد هنا ، وكلامه شاهد على ذلك. سلمنا به، لكن روى الخطيب في "الكفاية" (ص 361) عن يزيد بن هارون ، قال : قدمت الكوفة، فما رأيت بها أحداً إلا يُدلِّس ، إلا مسعر بن كدام ، وشريكاً" ، فهذا يدل على أن يزيد بن هارون أخذ منه في الكوفة أيضاً ، فالصواب : هو التوقف في رواية يزيد، عن شريك ، حتى يتميز ما حدَّث به في الكوفة، مما حدَّث به في غيرها.
أضف إلى ذلك ما ذكره الترمذي عن شيخه الحسن بن علي ، عن يزيد ابن هارون ، قال: "لم يروِ شريك ، عن عاصم بن كليب إلا هذا الحديث".
فهذا القول يدل على أن رواية شريك ، عن عاصم كانت قليلة ، فلو كان مكثراً عنه لقيل: يُحتمل منه لمعرفته بحديثه ، لكنه لم يروِ عنه إلا قليلاً ، مع سوء حفظه ، لذلك لم يحسن تحسين الترمذي لحديثه.
وأشد منه قول الحاكم : "صحيح على شرط مسلم". وليس كذلك ، لأن مسلماً ما خرج لشريك إلا في المتابعات ، ومع ذلك فلم يُكثر عنه ، ولم يُخرِّجُ له إلا سبعة أحاديث ، وهاكها :
* الحديث الأول :
أخرجه مسلم في "كتاب الصلاة"(457/166) قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شريك وابن عيينة ، عن زياد بن عَلاقة ، عن قطب بن مالك ، سمع النبي r يقرأ في الفجر : } والنخلَ باسقاتٍ لها طلعٌ نضيد {.
وقد رواه مسلم من حديث أبي عوانة وشعبة وابن عيينة كلهم ، عن زياد
ابن علاقة.
* الحديث الثاني :
أخرجه في "كتاب الحج" (1358/451) قال : حدثنا علي بن حكيم الأودي ، أخبرنا شريك ، عن عمار الدّهني ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله، أن النبي r دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء.
وقد رواه مسلم قال حدثنا يحيى التميمي وقتيبة بن سعيد كلاهما عن معاوية بن عمار الدهني ، عن الزبير بهذا.
* الحديث الثالث :
أخرجه في "كتاب الرضاع" (1463/48) قال : حدثنا مجاهد ابن موسى ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا شريك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أن سودة لما كبرت جعلت يومها من رسول الله r لعائشة .. الحديث. وقد رواه مسلم ، عن جرير بن عبد الحميد ، وعقبة ابن خالد ، وزهير بن معاوية كلهم ، عن هشام بن عروة.
* الحديث الرابع :
أخرجه في "كتاب البيوع" (1550/121) قال : حدثني علي بن حجر ، حدثنا الفضل بن موسى ، عن شريك ، عن شعبة ، عن عمرو بن دينار ، عن طاووس، عن ابن عباس، عن النبي r ، ولم يذكر لفظه وقد أخرجه الترمذي (1385) ، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (1687) قالا : حدثنا محمود بن غيلان ، والطبراني في "الكبير" (ج11/رقم 10879) والبيهقي (6/134) عن محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة قالا : ثنا الفضل بن موسى مثل إسناد مسلم بلفظ "أن الرسول r لم يحرم المزارعة ، ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض". وقد رواه مسلم عن حماد بن زيد ، والثوري ، وابن عيينة ، وأيوب السختياني ، وابن جريج كلهم عن عمرو بن دينار.
* الحديث الخامس :
أخرجه في "كتاب السلام" (2231/126) قال : حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا شريك بن عبد الله ، وهيثم بن بشير ، عن يعلي بن عطاء ، عن عمرو بن الشريد ، عن أبيه ، قال : كان في وفد ثقيف رجل مجذوم ، فأرسل إليه النبي r "إنا قد بايعناك فارجع".
* الحديث السادس :
أخرجه في "كتاب الشعر" (2256/2) قال : حدثني أبو جعفر ، محمد بن الصباح، وعلي بن حجر السعدي جميعاً ، عن شريك ، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة t ، عن النبي r ، قال : "أشعرُ كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطلٌ".
وأخرجه مسلم ، عن سفيان الثوري ، وزائدة بن قدامة ، وشعبة بن الحجاج ، وإسرائيل بن يونس كلهم ، عن عبد الملك بن عمير بهذا.
* الحديث السابع :
أخرجه في "كتاب البر" (2548/3) قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا شريك ، عن عمارة ، وابن شبرمة ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة t ، قال : جاء رجل إلى النبي r ، فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي ... الحديث". وأخرجه مسلم ، عن جرير بن عبد الحميد ، وفضيل بن غزوان ، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بهذا.
وأخرجه مسلم ، عن جرير بن عبد الحميد ، وفضيل بن غزوان ،
عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بهذا.
وأخرجه عن محمد بن طلحة ، ووهيب بن خالد ، عن ابن شبرمة ، عن أبي زرعة بهذا الإسناد.
قُلتٌ : فهذا كل ما لشريك النخعي عند مسلم ، وقد رأيت أن مسلماً روى له إما متابعة ، وإما مقروناً بغيره ، وهذا يعني أن العمدة في الرواية على غيره ، وأن الأمر ليس على ما قاله الحاكم. وقد خولف شريك النخعي في إسناده.
خالفه شقيق ، وأبو الليث ، وقال : حدثني عاصم بن كلسي ، عن أبيه ، عن النبي r فذكره مُرسَلاً.
أخرجه أبو داود (839) ، والطبراني في "الأوسط" (ج2/ق62/2) ، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/255) ، والبيهقي (2/99) من طرق ، عن همام بن يحيى، ثنا شقيق بهذا. قال الطبراني :
"لم يُروَ هذا الحديث عن شقيق بن أبي عبد الله إلا همام".
وقد رواه عن همام هكذا :
"حفص بن عمر ، أبو عمر الحوضي ، وحجاج بن منهال ، وعفان بن مسلم ، وحبان بن هلال .
ورواه ابن أبي داود ، عن أبي عمر الحوضي ، ثنا همام ، ثنا سفيان الثوري ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه مرسلاً.
أخرجه الطحاوي وقال : "هكذا قال ابن أبي داود من حفظه :
"سفيان الثوري" ، وقد غلط والصواب : شقيق ، وهو أبو الليث".
وهذا الوجه ضعيف، وشقيق هذا مجهول ، كما قال الحافظ. قال الطحاوي : "لا يعرف". وكذلك قال الذهبي.
ولذلك نقل البيهقي عن عفان بن مسلم ، قال : "هذا الحديث غريب" والأشبه من هذا الاختلاف رواية شريك.
وقد اُختُلِفَ على همام ، فخالف جميع من تقدم ذكرهم : عباس بن الفضل الأزرق، قال: نا همام ، نا شقيق أبو الليث ، عن عاصم بن شنتم ، عن أبيه، أن النبي r كان إذا سجد وقعت ركبتاه على الأرض قبل أن يقع كفاه، وإذا نهض ، نهض على كفيه".
أخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" (ج5/ق72/1) من طريق أحمد بن منيع، وأبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" (1258) قالا : نا هارون بن عبد الله، نا عباس بن الفضل بهذا قال البغوي : "لم أسمع لشنتم ذكراً إلا في هذا الحديث".
وقال ابن السكن : "لم يثبت وهو غير مشهور في الصحابة ، ولم أسمع به إلا في هذه الرواية".
وهذه مخالفة واهية ، وعباس هذا ضعفه ابن المديني جداً.
وقال البخاري وأبو حاتم : "ذهب حديثه".
وتركه أبو زرعة ، بل قال ابن معين : "كذابٌ ، خبيث".
وثمَّة اختلاف آخر على همام :
فأخرج أبو داود (839) ، وابن المنذر في "الأوسط" (3/166-167) ، والبيهقي (2/99) من طريق حجاج بن منهال ، ثنا همام ، ثنا محمد
بن جحادة ، عن عبد الجبار بن وائل ، عن أبيه ، عن النبي r فذكره".
وإسناده ضعيف لانقطاعه ، وعب الجبار ، لم يسمع من أبيه كما قال ابن معين، والبخاري ، وأبو حاتم ، وابن حبان في آخرين .
وأقره الحافظ في "التلخيص" (1/254) ونَقَلَ عن ابن معين أنه قال : "مات أبوه وهو حملٌ". ووهَّاه المزِّيُ في "التهذيب" فقال : "وهذا القول ضعيفٌ جداً ، فإنه قد صح عنه أنه قال : "كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي ، ولو مات أبوه وهو حملٌ ، لم يقل هذا القول".
فتعقبه الحافظ في "التهذيب" (6/105) بقوله : "نص أبو بكر البزار على أن القائل: "كنت غلاماً ... إلخ ، هو علقمة بن وائل ، لا أخوه عبد الجبار". أهـ
ووجهٌ آخر من الاختلاف في سنده :
أخرجه البيهقي (2/99) من طريق أبي كريب ، ثنا محمد بن حجر ثنا سعيد بن عبد الجبار ، عن عبد الجبار بن وائل ، عن أمه ، عن وائل بن حجر ، قال: صليت خلف النبي r ، ثم سجد ، وكان أول ما وصل إلى الأرض ركبتيه. ومحمد بن حجر هذا قال عنه البخاري : "فيه بعض النظر". وقال الذهبي في "الميزان" (3/511) : "له مناكير".
وأمُّ عبد الجبار لا تُعرف.
وبالجملة : فليس لهذا الحديث وجهٌ يُثبت ، وأمثل إسنادٍ له ما رواه شريك النخعي، وقد تقدم ذكر ضعفِهِ.
أما حديث أبي هريرة t ، والذي يقضي بتقديم اليدين قبل الركبتين فهو حديث مرفوع ، ولفظه : قال رسول الله r : "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه".
أخرجه أبو داود (840) ، والنسائي (2/207) ، والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/1/139) ، وأحمد (2/381) ، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/254) وفي "المشكل" (1/56-57) ، والدارقطني (1/344-345) ، وأبو سهل بن القطان في "حديثه" (ج4/ق26/1) ، وتمام الرازي في "الفوائد" (720) ، والبيهقي (2/99/100)، وابن حزم في "المُحلَّى" (4/128-129) ،
والبغوي في "شرح السنة" (3/134-135)، والحازمي في "الاعتبار"
(ص 158-159) من طرق عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ،
ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ،
عن أبي هريرة مرفوعاً.
وقد رواه عن الدراوردي هكذا : "سعيد بن منصور ـ وأبو ثابت : محمد بن عبد الله ، ومروان بن محمد".
وخالفهم أصبغ بن الفرج ، ومُحرز بن سلمة العدني فروياه عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه ، وقال : كان النبي r يفعل ذلك.
أخرجه البخاري (6/78-79 ، عمدة) معلقاً ، ووصله أبو داود كما في "أطراف المزي" (6/156) ، وابن خزيمة (1/318-319) والطحاوي في "الشرح" (1/254) ، والدراقطني (2/344) ، والحاكم (1/226) ، وأبو الشيخ في "الناسخ والمنسوخ" كما في "التغليق" والبيهقي (2/100) ، والحازمي في "الاعتبار" (ص 160).
قال الحاكم :
"صحيح على شرط مسلم" ! .
وليس كما قال ، فإن مسلماً لم يخرج شيئاً للدراوردي ، عن عبيد الله بن عمر ، وقد تكلم العلماء في هذه الترجمة ، وأشار أبو داود إلى ذلك كما نقله المزي في "الأطراف" ، ويبدو أن رواية أبي داود لهذا الحديث وقعت في نسخة "ابن داسة" أو "ابن العبد" والله أعلم.
وغلط البيهقي هذه الرواية ، فقال : "كذا قال عبد العزيز ، ولا أراه
إلا وهماً". أي أنه وهم في رفعه ، وهو الذي يترجح لي الآن ، وكنت أميل قبل ذلك إلى صحة رفعه.
أما في التركماني فتعقب البيهقي فقال في "الجوهر النقي" :
"حديث ابن عمر المذكور أولاً : أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" ، وما علله به البيهقي من حديث المذكور، فيه نظر، لأن كلاً منهما معناه منفصل عن الآخر". انتهى