تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 21 إلى 33 من 33

الموضوع: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله

  1. #21
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله

    قال الترمذي :
    "هذا حديث حسن غريب ، لا نعرف أحداً رواه مثل هذا عن شريك ، قال : زاد الحسن بن علي في حديثه : قال يزيد بن هارون : ولم يرو شريك عن عاصم بن كليب إلا هذا الحديث".
    وقال : "العلل الكبير" : "وروى همام بن يحيى ، عن شقيق ، عن عاصم بن كليب شيئاً من هذا مرسلاً ، لم يذكر وائل بن حجر ، وشريك بن عبد الله كثير الغلط والوهم".
    وقال أبو القاسم البغوي : "لا أعلم حدَّث به عن شريك غير يزيد".
    وقال النسائي ـ كما في "أطراف المزىّ" (9/90) ـ :
    "لم يقل هذا عن شريك غير يزيد بن هارون".
    وكذلك قال البغوي.
    وقال البزار : "وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا يزيد بن هارون ، عن شريك".
    وقال الدارقطني : "تفرد به : يزيد بن هارون ، عن شريك ، ولم يُحدِّث به عن عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما تفرد به".
    وقال البيهقي : "إسناده ضعيف".
    وقال أيضاً : "هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي ، وإنما تابعه همام
    من هذا الوجه مرسلاً ، هكذا ذكره البخاري وغيره من الحُفاظ المتقدمين
    رحمهم الله تعالى".

    وقال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (2/68-69) : "حديث غريب".
    * قلتُ : وهذا القول منهم هو الذي تطمئن إليه نفس الناقد ، لاستقامته على القواعد ، وقد اتفقت كلمتهم على أن شريك بن عبد الله القاضي تفرد بهذا الحديث، وشريك سيء الحفظ ، وسيء الحفظ إذا انفرد بشيء فلا يُحتج به ، وهذا القدر متفق عليه عند العلماء.
    فإن قيل : فما أنت قائل فيما ذكره ابن حبان في "الثقات" (6/444) حيث قال في "ترجمة شريك" : "وكان في آخر أمره يُخطئ فيما يروي ، تغير عليه حفظه، فسماع المتقدمين منه ، الذين سمعوا منه بواسط ، ليس فيه تخليط مثل يزيد بن هارون ، وإسحاق الأزرق ، وسماع المتأخرين منه بالكوفة، فيه أوهام كثيرة". انتهى
    فهذا القول من ابن حبان رحمه الله يدل على أن سماع يزيد بن هارون
    من شريك ـ وهذا الحديث منه ، كان قبل أن يتغير حفظ شريك ، فهذا يدل على ثبوت الحديث.

    فالجواب :
    أن الدار قطني لم يراعِ مثل هذا القيد هنا ، وكلامه شاهد على ذلك. سلمنا به، لكن روى الخطيب في "الكفاية" (ص 361) عن يزيد بن هارون ، قال : قدمت الكوفة، فما رأيت بها أحداً إلا يُدلِّس ، إلا مسعر بن كدام ، وشريكاً" ، فهذا يدل على أن يزيد بن هارون أخذ منه في الكوفة أيضاً ، فالصواب : هو التوقف في رواية يزيد، عن شريك ، حتى يتميز ما حدَّث به في الكوفة، مما حدَّث به في غيرها.
    أضف إلى ذلك ما ذكره الترمذي عن شيخه الحسن بن علي ، عن يزيد ابن هارون ، قال: "لم يروِ شريك ، عن عاصم بن كليب إلا هذا الحديث".
    فهذا القول يدل على أن رواية شريك ، عن عاصم كانت قليلة ، فلو كان مكثراً عنه لقيل: يُحتمل منه لمعرفته بحديثه ، لكنه لم يروِ عنه إلا قليلاً ، مع سوء حفظه ، لذلك لم يحسن تحسين الترمذي لحديثه.
    وأشد منه قول الحاكم : "صحيح على شرط مسلم". وليس كذلك ، لأن مسلماً ما خرج لشريك إلا في المتابعات ، ومع ذلك فلم يُكثر عنه ، ولم يُخرِّجُ له إلا سبعة أحاديث ، وهاكها :
    * الحديث الأول :
    أخرجه مسلم في "كتاب الصلاة"(457/166) قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا شريك وابن عيينة ، عن زياد بن عَلاقة ، عن قطب بن مالك ، سمع النبي r يقرأ في الفجر : } والنخلَ باسقاتٍ لها طلعٌ نضيد {.
    وقد رواه مسلم من حديث أبي عوانة وشعبة وابن عيينة كلهم ، عن زياد
    ابن علاقة.

    * الحديث الثاني :
    أخرجه في "كتاب الحج" (1358/451) قال : حدثنا علي بن حكيم الأودي ، أخبرنا شريك ، عن عمار الدّهني ، عن أبي الزبير ، عن جابر بن عبد الله، أن النبي r دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء.
    وقد رواه مسلم قال حدثنا يحيى التميمي وقتيبة بن سعيد كلاهما عن معاوية بن عمار الدهني ، عن الزبير بهذا.
    * الحديث الثالث :
    أخرجه في "كتاب الرضاع" (1463/48) قال : حدثنا مجاهد ابن موسى ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا شريك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة أن سودة لما كبرت جعلت يومها من رسول الله r لعائشة .. الحديث. وقد رواه مسلم ، عن جرير بن عبد الحميد ، وعقبة ابن خالد ، وزهير بن معاوية كلهم ، عن هشام بن عروة.
    * الحديث الرابع :
    أخرجه في "كتاب البيوع" (1550/121) قال : حدثني علي بن حجر ، حدثنا الفضل بن موسى ، عن شريك ، عن شعبة ، عن عمرو بن دينار ، عن طاووس، عن ابن عباس، عن النبي r ، ولم يذكر لفظه وقد أخرجه الترمذي (1385) ، وأبو القاسم البغوي في "الجعديات" (1687) قالا : حدثنا محمود بن غيلان ، والطبراني في "الكبير" (ج11/رقم 10879) والبيهقي (6/134) عن محمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة قالا : ثنا الفضل بن موسى مثل إسناد مسلم بلفظ "أن الرسول r لم يحرم المزارعة ، ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض". وقد رواه مسلم عن حماد بن زيد ، والثوري ، وابن عيينة ، وأيوب السختياني ، وابن جريج كلهم عن عمرو بن دينار.
    * الحديث الخامس :
    أخرجه في "كتاب السلام" (2231/126) قال : حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة، حدثنا شريك بن عبد الله ، وهيثم بن بشير ، عن يعلي بن عطاء ، عن عمرو بن الشريد ، عن أبيه ، قال : كان في وفد ثقيف رجل مجذوم ، فأرسل إليه النبي r "إنا قد بايعناك فارجع".
    * الحديث السادس :
    أخرجه في "كتاب الشعر" (2256/2) قال : حدثني أبو جعفر ، محمد بن الصباح، وعلي بن حجر السعدي جميعاً ، عن شريك ، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة t ، عن النبي r ، قال : "أشعرُ كلمة تكلمت بها العرب كلمة لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطلٌ".
    وأخرجه مسلم ، عن سفيان الثوري ، وزائدة بن قدامة ، وشعبة بن الحجاج ، وإسرائيل بن يونس كلهم ، عن عبد الملك بن عمير بهذا.
    * الحديث السابع :
    أخرجه في "كتاب البر" (2548/3) قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا شريك ، عن عمارة ، وابن شبرمة ، عن أبي زرعة ، عن أبي هريرة t ، قال : جاء رجل إلى النبي r ، فقال : من أحق الناس بحسن صحابتي ... الحديث". وأخرجه مسلم ، عن جرير بن عبد الحميد ، وفضيل بن غزوان ، عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بهذا.
    وأخرجه مسلم ، عن جرير بن عبد الحميد ، وفضيل بن غزوان ،
    عن عمارة بن القعقاع، عن أبي زرعة بهذا.

    وأخرجه عن محمد بن طلحة ، ووهيب بن خالد ، عن ابن شبرمة ، عن أبي زرعة بهذا الإسناد.
    قُلتٌ : فهذا كل ما لشريك النخعي عند مسلم ، وقد رأيت أن مسلماً روى له إما متابعة ، وإما مقروناً بغيره ، وهذا يعني أن العمدة في الرواية على غيره ، وأن الأمر ليس على ما قاله الحاكم. وقد خولف شريك النخعي في إسناده.
    خالفه شقيق ، وأبو الليث ، وقال : حدثني عاصم بن كلسي ، عن أبيه ، عن النبي r فذكره مُرسَلاً.
    أخرجه أبو داود (839) ، والطبراني في "الأوسط" (ج2/ق62/2) ، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/255) ، والبيهقي (2/99) من طرق ، عن همام بن يحيى، ثنا شقيق بهذا. قال الطبراني :
    "لم يُروَ هذا الحديث عن شقيق بن أبي عبد الله إلا همام".
    وقد رواه عن همام هكذا :
    "حفص بن عمر ، أبو عمر الحوضي ، وحجاج بن منهال ، وعفان بن مسلم ، وحبان بن هلال .
    ورواه ابن أبي داود ، عن أبي عمر الحوضي ، ثنا همام ، ثنا سفيان الثوري ، عن عاصم بن كليب ، عن أبيه مرسلاً.
    أخرجه الطحاوي وقال : "هكذا قال ابن أبي داود من حفظه :
    "سفيان الثوري" ، وقد غلط والصواب : شقيق ، وهو أبو الليث".

    وهذا الوجه ضعيف، وشقيق هذا مجهول ، كما قال الحافظ. قال الطحاوي : "لا يعرف". وكذلك قال الذهبي.
    ولذلك نقل البيهقي عن عفان بن مسلم ، قال : "هذا الحديث غريب" والأشبه من هذا الاختلاف رواية شريك.
    وقد اُختُلِفَ على همام ، فخالف جميع من تقدم ذكرهم : عباس بن الفضل الأزرق، قال: نا همام ، نا شقيق أبو الليث ، عن عاصم بن شنتم ، عن أبيه، أن النبي r كان إذا سجد وقعت ركبتاه على الأرض قبل أن يقع كفاه، وإذا نهض ، نهض على كفيه".
    أخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" (ج5/ق72/1) من طريق أحمد بن منيع، وأبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة" (1258) قالا : نا هارون بن عبد الله، نا عباس بن الفضل بهذا قال البغوي : "لم أسمع لشنتم ذكراً إلا في هذا الحديث".
    وقال ابن السكن : "لم يثبت وهو غير مشهور في الصحابة ، ولم أسمع به إلا في هذه الرواية".
    وهذه مخالفة واهية ، وعباس هذا ضعفه ابن المديني جداً.
    وقال البخاري وأبو حاتم : "ذهب حديثه".
    وتركه أبو زرعة ، بل قال ابن معين : "كذابٌ ، خبيث".
    وثمَّة اختلاف آخر على همام :
    فأخرج أبو داود (839) ، وابن المنذر في "الأوسط" (3/166-167) ، والبيهقي (2/99) من طريق حجاج بن منهال ، ثنا همام ، ثنا محمد
    بن جحادة ، عن عبد الجبار بن وائل ، عن أبيه ، عن النبي
    r فذكره".
    وإسناده ضعيف لانقطاعه ، وعب الجبار ، لم يسمع من أبيه كما قال ابن معين، والبخاري ، وأبو حاتم ، وابن حبان في آخرين .
    وأقره الحافظ في "التلخيص" (1/254) ونَقَلَ عن ابن معين أنه قال : "مات أبوه وهو حملٌ". ووهَّاه المزِّيُ في "التهذيب" فقال : "وهذا القول ضعيفٌ جداً ، فإنه قد صح عنه أنه قال : "كنت غلاماً لا أعقل صلاة أبي ، ولو مات أبوه وهو حملٌ ، لم يقل هذا القول".
    فتعقبه الحافظ في "التهذيب" (6/105) بقوله : "نص أبو بكر البزار على أن القائل: "كنت غلاماً ... إلخ ، هو علقمة بن وائل ، لا أخوه عبد الجبار". أهـ
    ووجهٌ آخر من الاختلاف في سنده :
    أخرجه البيهقي (2/99) من طريق أبي كريب ، ثنا محمد بن حجر ثنا سعيد بن عبد الجبار ، عن عبد الجبار بن وائل ، عن أمه ، عن وائل بن حجر ، قال: صليت خلف النبي r ، ثم سجد ، وكان أول ما وصل إلى الأرض ركبتيه. ومحمد بن حجر هذا قال عنه البخاري : "فيه بعض النظر". وقال الذهبي في "الميزان" (3/511) : "له مناكير".
    وأمُّ عبد الجبار لا تُعرف.
    وبالجملة : فليس لهذا الحديث وجهٌ يُثبت ، وأمثل إسنادٍ له ما رواه شريك النخعي، وقد تقدم ذكر ضعفِهِ.
    أما حديث أبي هريرة t ، والذي يقضي بتقديم اليدين قبل الركبتين فهو حديث مرفوع ، ولفظه : قال رسول الله r : "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير ، وليضع يديه قبل ركبتيه".
    أخرجه أبو داود (840) ، والنسائي (2/207) ، والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/1/139) ، وأحمد (2/381) ، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/254) وفي "المشكل" (1/56-57) ، والدارقطني (1/344-345) ، وأبو سهل بن القطان في "حديثه" (ج4/ق26/1) ، وتمام الرازي في "الفوائد" (720) ، والبيهقي (2/99/100)، وابن حزم في "المُحلَّى" (4/128-129) ،
    والبغوي في "شرح السنة" (3/134-135)، والحازمي في "الاعتبار"
    (ص 158-159) من طرق عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ،
    ثنا محمد بن عبد الله بن الحسن ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج ،
    عن أبي هريرة مرفوعاً.

    وقد رواه عن الدراوردي هكذا : "سعيد بن منصور ـ وأبو ثابت : محمد بن عبد الله ، ومروان بن محمد".
    وخالفهم أصبغ بن الفرج ، ومُحرز بن سلمة العدني فروياه عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبد الله بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه ، وقال : كان النبي r يفعل ذلك.
    أخرجه البخاري (6/78-79 ، عمدة) معلقاً ، ووصله أبو داود كما في "أطراف المزي" (6/156) ، وابن خزيمة (1/318-319) والطحاوي في "الشرح" (1/254) ، والدراقطني (2/344) ، والحاكم (1/226) ، وأبو الشيخ في "الناسخ والمنسوخ" كما في "التغليق" والبيهقي (2/100) ، والحازمي في "الاعتبار" (ص 160).
    قال الحاكم :
    "صحيح على شرط مسلم" ! .
    وليس كما قال ، فإن مسلماً لم يخرج شيئاً للدراوردي ، عن عبيد الله بن عمر ، وقد تكلم العلماء في هذه الترجمة ، وأشار أبو داود إلى ذلك كما نقله المزي في "الأطراف" ، ويبدو أن رواية أبي داود لهذا الحديث وقعت في نسخة "ابن داسة" أو "ابن العبد" والله أعلم.
    وغلط البيهقي هذه الرواية ، فقال : "كذا قال عبد العزيز ، ولا أراه
    إلا وهماً". أي أنه وهم في رفعه ، وهو الذي يترجح لي الآن ، وكنت أميل قبل ذلك إلى صحة رفعه.

    أما في التركماني فتعقب البيهقي فقال في "الجوهر النقي" :
    "حديث ابن عمر المذكور أولاً : أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" ، وما علله به البيهقي من حديث المذكور، فيه نظر، لأن كلاً منهما معناه منفصل عن الآخر". انتهى
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  2. #22
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله

    وانفصال أحد الحديثين عن الآخر من جهة المتن ، إنما ينفع إذا سلم الإسناد ، ولم يقف ابن التركماني عند الإسناد لا قليلاً ولا كثيراً سوى أن ابن خزيمة رواه في "صحيحه" ، وهذا ليس بكافٍ في "التصحيح" كما لا يخفى لاسيما مع ثبوت العلة ، فالراجح في هدا الحديث الوقفُ ، وكأنه لهذا اقتصر البخاري رحمه الله على ذكر الموقوف ، والله أعلم.
    فالراجح الصحيح أن الحديث من "مسند أبي هريرة" ولذلك اقتصر عبد الحق الأشبيلي على إيراده في "الأحكام الصغرى" (1/243) وفي ذلك تصحيحٌ له عنده ، كما هو معروف ، لكن البخاري أعله بقوله : لا يتابع عليه ـ يعني محمد بن عبد الله بن حسن ـ ، ولا أدري : أسَمِعَ من أبي الزناد أم لا ؟
    والجواب عن هذا التعليل : أن البخاري رحمه الله لم ينف السماع ، إنما نفى علنه به ، فحينئذٍ نقول : إن أبا الزناد كان عالم المدينة في وقته ، وشهرة ذلك لا تحتاج إلى إثبات، ومحمد بن عبد الله مدني هو الآخر وقد وثقه النسائي ، وابن حبان ، ولا يُعلم عنه تدليس قط ، وكان له من العمر قرابة الأربعين عاماً يوم مات أبو الزناد سنة (130هـ) ، وبمثل هذه القرائن يقطع المرء بثبوت اللقاء ، وقد فعل ذلك بعض أئمة الحديث
    كابن حبان.

    فقد نقل ابن أبي حاتم في "المراسيل" (ص 203-205) عن شعبة، ويحيى القطان ، وابن معين ، وأبي حاتم الرازي قولهم : "لم يسمع مجاهد من عائشة". فرد عليهم ابن حبان في "صحيحه" (3021) قائلاً : "ماتت عائشة سنة سبع وخمسين ، وولد مجاهد سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر ،
    فدلك هذا على أن من زعم أن مجاهداً لم يسمع من عائشة كان واهماً في
    قوله ذلك".

    وكذلك نفى نافٍ سماع مجاهد من أبي هريرة t ، فرد عليه ابن حبان في "صحيحه" (4603) قائلاً : "سمع مجاهد من أبي هريرة أحاديث معلومة بين سماعه فيها عمر بن ذر ، وقد وهم من زعم أنه لم يسمع من أبي هريرة شيئاً؛ لأن أبا هريرة مات سنة ثمانية وخمسين في إمارة معاوية ، وكان مولد مجاهد سنة إحدى وعشرين في خلافة عمر بن الخطاب ، ومات مجاهد سنة ثلاثة ومائة، فدل هذا على أن مجاهداً سمع أبا هريرة". انتهى
    وأنت ترى يرحمك الله أنه ليس في يد ابن حبان دليل إلا إثبات المعاصرة البينة. على الرغم من أنه قال : "إن عمر بن ذر روى عن مجاهد أحاديث قال فيها : حدثنا أبو هريرة أو سمعت ونحوها ، إلا أنه لم يتكئ على هذا رغم قوته ، لأنه يمكن أن يقول : أخطأ أحد رواة الإسناد في ذكر التصريح بالسماع، ولجأ إلى حجة هي أقوى بكثير من مجرد التصريح بالسماع ،
    ولا تكاد ترد إلا بحجة فالجة، ألا وهي المعاصرة البينة ، هذا مع أن مجاهداً مكيٌ ، وعائشة رضي الله عنها عاشت ودفنت في المدينة ، فإذا اعتبرت هذا ، ورجعت إلى مسألتنا رأيت أن أبا الزناد ، ومحمد بن عبد الله كليهما مدني ، وقد عاشا مع بعض طويلاً مع البراءة من التدليس ، فأي قرينة أقوى من هذه؟ وقد تمسَّك بعضُ من عائد في هذا البحث بقول البخاري ، فقلت له : أفما التقيا في المسجد النبوي قط على مدار ثلاثين عاماً ، مع شهرة أبي الزناد في هذا المسجد المبارك ؟ أفما التقيا في صلاة الجمعة على الأقل ؟! فسكت لوضوح الإلزام.

    فالصواب في هذا البحث: أن لقاء محمد بن عبد الله أبا الزناد ممكن جداً بل هو الراجح على ما قدمنا. وقد ذكر الدار قطني أن الدراودري تفرد به عن محمد بن عبد الله. والجواب : أن الدراوردي ، واسمه : عبد العزيز بن محمد ، فلم يتفرد إلا بالتفصيل ، وإلا فقد تابعه عبد الله ابن نافع الصائغ ، فرواه عن محمد بن عبد الله بن حسن ، هن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة مرفوعاً : "يعمد أحدكم في صلاته ، فيبرك كما يبرك الجمل".
    أخرجه أبو داود (841) ، والنسائي (2/207) ، والترمذي (269) ، والبيهقي (2/100) ، والمزي في "التهذيب" (25/471) عن قتيبة بن سعيد ، ثنا عبد الله بن نافع بهذا.
    واستغربه الترمذي.
    وإسناده جيدٌ ، وعبد الله بن نافع ، صدوق من حفظه بعض المقال ، وكتابه صحيح ، وروايته وإن كانت مجملة ، إلا أن تفصيلها يعود إلى رواية الدراوردي قطعاً كما سيأتي بيانه في الوجه الخامس إن شاء الله تعالى.
    يبقى القول بتفرد محمد بن عبد الله ، عن أبي الزناد بهذا الحديث.
    فاعلم أيها المسترشد ـ أن رواية الراوي لا تخرج عن ثلاثة أنواع :
    إما أن يتابع ، وإما أن يخالف ، وإما أن يتفرد .
    وكلامنا عن النوع الثالث ، وهو التفرد .
    فالذي عليه أهل العلم أن المتفرد إذا كان ثقة جيد الحفظ وتفرد برواية أن مثله يُقبل حديثه ، وقد سبق أن محمد بن عبد الله ثقة ، ولم يطعن عليه أحد بغفلة، أو سوء حفظ فيحتمل لمثله ، فحديثه يدور بين الصحة والحسن، وعلى أي تقدير فهو أقوى من حديث شريك النخعي ، وهذا ظاهر في المقارنة بين الرجلين فشريك كثير الحديث كثير الغلط ، ومحمد بن عبد الله قليل الحديث ثقة ويُحتمل لمثله. فكيف يقال بعد هذا : حديث وائل بن حجر أقوى من حديث أبي هريرة ؟!
    وسوف نتكلم عن شواهد الحديثين في الوجه السابع إن شاء الله.
    الوجه الثاني :
    قولك : "إن حديث أبي هريرة مضطرب المتن ...".
    فالجواب : أن الاضطراب هو أن يُروى الحديث على أوجه مختلفة متقاربة، ثم إن الاختلاف قد يكون من راوٍ واحدٍ ، بأن رواه مرة على وجه ، ومرة أخرى على وجه آخر مخالف له ، أو يكون أزيد من واحد بأن رواه كل جماعة على وجه مخالف للآخر ، والاضطراب موجب لضعف الحديث ؛ لأنه يُشعرُ بعدم ضبط رواته. ويقع الاضطراب في الإسناد والمتن كليهما ، ثم إن رجحت إحدى الروايتين أو الروايات على الأخرى بحفظ راويها ، أو كثرة صحبته ، أو غير ذلك من وجوه الترجيحات فالحُكمُ للراجحة ولا يكون الحديثُ مضطرباً. هذه هي القاعدة التي وضعها علماؤنا للحديث الذي يُتنازع في أنه مضطرب.
    فإذا عُلِمَ ذلك ، فإن الحديث الذي استدل به ابن القيم على وقوع الاضطراب في حديث أبي هريرة ، حديثٌ ضعيفٌ جداً.
    أخرجه ابن شيبة (1/263) ، وأبو يعلي (ج11/ رقم 6540) ، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/255) ، والبيهقي (2/100) من طريق محمد بن فُضيل ، عن عبد الله بن سعيد، عن جده ، عن أبي هريرة مرفوعاً : "إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك بروك الفحل".
    وسنده ساقط ، وعبد الله بن سعيد ، قال أحمد : "مُنكر الحديث ، متروك الحديث". وقال البخاري : "تركوه" ، وتركه عمرو بن علي ، والنسائي ، والدارقطني أيضاً. وقال ابن معين والنسائي : "ليس بثقة" وقال الحاكم أبو أحمد : "ذاهب الحديث".
    وقال ابن عدي : "عامة ما يرويه الضعف عليه بين".
    بل قال يحيى بن سعيد القطان : "جالسته ، فعرفت فيه الكذب".
    وقال ابن حبان : "كان ممن يقلب الأخبار ، ويهم في الآثار حتى يسبق إلى قلب من يسمعها أنه كان المتعمد لها".
    وضعفه أيضاً أبو داود ، والجوزجاني، ويعقوب بن سفيان ، والبزار ، وابن الجوزي ، وغيرهم.
    وبالجملة .. فلم يُعدِّله أحد قط ، وطعنوا فيه طعناً شديداً ، فكيف يستدل بمثل هذه الرواية على إسقاط حديث أبي هريرة الذي رواه الأعرج ؟!
    ومن عجب ، أن يستدل ابن القيم بهذا الحديث الساقط الإسناد على أن حديث الأعرج ، عن أبي هريرة مقلوب ، وقد رد دعوى القلب هذه
    مُلاَّ علي القاري ، فقال في "مرقاة المفاتيح" (1/552) : "وقول ابن القيم : إن حديث أبي هريرة انقلب متنه على راوية راوٍ ، مع كونها صحيحة". انتهى

    الوجه الثالث :
    قولك : "ما تقدم من تعليل البخاري ، والدار قطني".
    فالجواب : أن الدار قطني أعلى حديث شريك وضعفه ، فقد قال : "تفرد به شريك ، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به".
    فلم تذكر هذا ، وقد ذكرنا قبل ذلك من ضعف حديث شريك فلو تقاوما
    لقُدِّم حديث أبي هريرة على حديث وائل بن حجر على نحو ما سبق ذكره ، والحمد لله.

    الوجه الرابع :
    قولك : "على تقدير ثبوت حديث أبي هريرة ، فقد ادعى فيه جماعة من أهل العلم النسخ ...".
    فالجواب : أن الذي ادعى النسخ هو ابن خزيمة ، واحتج على ذلك بحديث منكر ضعيف جداً ، أخرجه في "صحيحه" (1/319) ، والبيهقي (1/100)، والحازمي في "الاعتبار" (ص 162) من طريق إبراهيم بن إسماعيل بن يحيى بن سلمة بن كهيل ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن مصهب بن سعد بن أبي وقاص ، عن أبيه ، قال : "كنا نضع اليدين قبل الركبتين ، فاُمِرنا بالركبتين قبل اليدين".
    وإسناده ضعيف جداً.
    وإبراهيم بن إسماعيل ، قال ابن نمير ، وابن حبان :
    "في روايته عن أبيه بعض المناكير".
    وقال العقيلي : "لم يكن يقيم الحديث".
    وأبوه إسماعيل : "تركه الدارقطني ، والأزدي".
    وجدُّه : يحيى بن سلمة ، تركه النسائي.
    وقال أبو خاتم وغيره : "مُنكر الحديث".
    وقال ابن معين : "لا يكتب حديثه".
    وقد ألمح ابن المنذر إلى رد كلام ابن خزيمة ، فقال في "الأوسط" (3/167): وقد زعم بعض أصحابنا أن وضع اليدين قبل الركبتين منسوخ وقال هذا القائل: "حدثنا إبراهيم بن إسماعيل ..." وساق إسناد ابن خزيمة السابق.
    وقال الحافظ في "الفتح" (2/291) :
    "وقد ادعى ابن خزيمة النسخ ، ولو صح حديث النسخ لكان قاطعاً للنزاع ، لكنه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن سلمة بن كهيل ، عن أبيه
    وهما ضعيفان".

    وقال الحازمي :
    "أما حديث سعد ، ففي إسناده مقال ، ولو كان محفوظاً ، لدل على النسخ ، غير أن المحفوظ : حديث التطبيق ، والله أعلم".
    وقال النووي في "المجموع" (3/422) :
    "لا حجة فيه ؛ لأنه ضعيف".
    * قُلتُ : فنخلص من كلام هؤلاء العلماء إلى أن هذا الحديث وَهَمٌ غير محفوظ، وإنما المحفوظ هو ما رواه مصعب بن سعد ، قال : "صليت إلى جنب أبي ، فطبَّقتُ بين كفيَّ ، ثم وضعتهما بين فخذيَّ ، فنهاني أبي وقال : كنا نفعله فنهينا عنه وأمرنا أن نضع أيدينا على الركب".
    أخرجه البخاري (2/273) ، ومسلم (535/29) ، وأبو عوانة (2/182) وأبو داود (767) ، والنسائي (2/185) ، والترمذي (259) ، وابن ماجة (873) ، والدارمي (2/298) ، وأحمد (1/182) ، والطيالسي (207) ، وعبد الرزاق (2/152) ، وابن أبي شيبة (1/244) كلاهما في "المصنف"، والحميدي (79) ، والهيثم بن كليب (ق14/1) كلاهما في "المسند" والدورقي في "مسند سهد" (ق9/2) ، والبزار (97 ـ مسند سهد) ،
    وابن خزيمة (1/302) ، والطحاوي في "شرح المعاني" (1/230) ، والبيهقي (2/83 ، 84) ، والحازمي في "الاعتبار" (ص 234) من طريقين، عن مصعب بن سعد، عن أبيه وقد اعترف ابن القيم بكل هذا الذي تقدم ، ثم هو بعدُ يذكرُ دعوى النسخ !! وقد تبين ذلك أنها كسرابٍ بقيعة !

    الوجه الخامس :
    قولك : "أنه المتواتر لنهي النبي r عن بروك البعير ..."
    فالجواب : أن ابن القيم وصف بروك البعير بقوله : إن البعير إذا برك فإنه يضع يديه أولاً ... إلخ" ونتساءل : كيف يقال : يضع يديه ، ويداه موضوعتان على الأرض دائماً ، إذ هو يمشي على أربع ، فلو كانت يداه مرفوعتين عن الأرض مثل الإنسان ، لساغ مثل هذا القول ، وهذا بديهيٌ جداً ، اضُطرِرت إلى تسطيره اضطراراً رفعاً للمغالطة ، وحينئذٍ ،
    فالصواب أن يقال : إن أول ما يصل إلى الأرض من البعير إذا أراد أن يبرك .. ركبتاه، ولا نقول كما قال ابن القيم : إن أول ما يمس الأرض من البعير يداه ! فإنه لا مدخل لليد ولا للرجل هنا ؛ ولأن هذا القول مُلزمٌ مُفحِمٌ، حاد عنه ابن القيم رحمه الله فقال متخلصاً منه : "وقولهم: ركبة البعير في يده كلامٌ لا يعقل ، ولا يعرفه أهل اللغة".

    فأنت ـ أيها الإمام ـ سلَّمت أن البعير يبرك على ركبتيه ، ولكنها ليست في يده ، وأنكرت أن يعرف أهل اللغة ذلك ، ولثقتك الكاملة في الإنكار ، تبعك كل من تكلم في هذه المسألة.
    والواقع أنك ـ رضي الله عنك ـ سهَّلت علينا الجواب بهذا الإنكار ، إذ صار الحكم بيننا وبينك هم أهل اللغة ، فهذا يعني : أن الرجوع إلى كلامهم رافعٌ للاختلاف من أُسِّه.
    فسننقل كلامهم ، ثم نتبعه بما حضرنا من الأحاديث الصحيحة التي تبين أن ركبة البعير في يده ، وأن البروك لا يكون إلا على الركبة ، وإنه لا يستساغ لا في اللغة، ولا في العرف أن يقال : فلان برك على يده !!
    قال ابن سِيْدَةَ في "المحكم والمحيط الأعظم" (7/16) :
    "وكل ذي أربع : ركبتاه في يديه ، وعرقوباه في رجليه".
    وقال الأزهري في "تهذيب اللغة" (10/216) :
    "وركبة البعير في يده ، وركبتا البعير : المفصلان اللذان يليان البطن إذا برك ، أما المفصلان الناتئان من خلفٍ فهما العرقوبان".
    وقال ابن منظور في "لسان العرب" (14/236) :
    "وركبة البعير في يده".
    وقال ابن حزم في "المُحلَّى" (4/129) :
    "وركبة البعير هي في ذراعيه".
    وكلام أئمة اللغة من أصحاب "المعاجم" كثير ، وفيما ذكرناه كفاية ، لمن وفقه الله ونبذ التعصب لرأيه ظهرياً، فمناط الأمر هو الركبة، وليس لليد ـ يعني يد البعير ـ دخلٌ في البحث أصلاً ، والله أعلم.
    أما الدليل من السنة على أن ركبة البعير في يده ، فهو :
    ما أخرجه البخاري في "مناقب الأنصار" (7/239) ، وأحمد (4/176) ، وابن صاعد في مجلسين من الأمالي" (ق 238/1) ، والحاكم (3/6) ، والبيهقي في "الدلائل" (2/485-486) في قصة سراقة بن مالك لما تبع النبي r وأبا بكر في هجرتهم إلى المدينة ، وفي هذا الحديث قال سراقة : "وساخت يدا فرسي في الأرض حتى بلغتا الركبتين ..." ، يعني : لما دعا عليه رسول الله r .
    أما الأدلة على أن البروك لا يكون إلا على الركبة فكثيرة ، منها :
    ما أخرجه مسلم في "كتاب الإيمان" (125/199) وغيره من حديث
    أبي هريرة
    t قال : لما نَزَلَت على رسول الله r : } للهِ ما في السمواتِ وما في الأرضِ وإن تُبدُوا ما في أنفُسِكُم أو تُخفوه يُحاسبكُم بهِ الله ... {
    [البقرة: 284] .

    قال : فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله r ، فأتوا رسول الله r ثم بركوا على الركب فقالوا ... الحديث".
    ومنها :
    ما أخرجه البخاري (1/187-188) وفي أكثر من موضع ، وفي "الأدب المفرد" (1184) ، ومسلم (2359 / 136) ، وأحمد (3/162) ، وعبد الرزاق (20796) ، وأبو يعلي (ج6 / رقم 3601) ، والخلعي في "الخلعيات" (ج11 / ق 95 / 1-2) ، وابن حبان (106) ، والبغوي في "شرح السنة" (13/298-299) من حديث أنس t قال : خرج رسول الله r حين زاغت الشمس ، فصلى الظهر ، فلما سلم قام على المنبر ، فذكر الساعة ، وذكر أن بين يدي الساعة أموراً عظاماً ... وذكر الحديث ، وفيه: ثم أكثر رسول الله r أن يقول : "سَلُونِي" فبرك عمر t على ركبتيه وقال: رضينا بالله رباً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمدٍ r رسولاً ... الحديث".
    وبوب عليه البخاري بقوله : "باب من برك على ركبتيه".
    ومنها :
    ما أخرجه أبو داود (4809) ، وأحمد (4/180) ، وابن أبي شيبة (12/505-506) ، والطبراني في "الكبير" (ج 6 / رقم 5616-5618)، والحاكم (4/183) مختصراً من طرق عن هشام بن سعد ، حدثني قيس
    بن بشر التغلبي قال : أخبرني أبي أنه كان جليساً لأبي الدرداء بدمشق ، وكان رجل من أصحاب النبي
    r يقال له : ابن الحنظلية ، وكان رجلاً متوحداً ، قلما يجالس الناس .. وفيه : أنه حدَّث أبا الدرداء بحديث سُرَّ له أبو الدرداء ، وجعل يقول أنت سمعت هذا من رسول الله r ؟ وجعل يقول : نعم ، حتى إني لأقول وهو يرفع إليه رأسه: ليبركن على ركبتيه ...الحديث.
    وصححه الحاكم ، وفيه نظرٌ لجهالة بشر التغلبي ، وابنه قيسٌ أحسن
    حالاً منه.

    ومنها :
    ما أخرجه أحمد (2/522) ، والبزار (ج2/ق 238/1-2) من طريق عبد الله بن حسان قال : حدثتني القَلوصُ بنت عُليبة ، وكانت تحت شهاب بن مدلج الكعبي بالبصرة ، فساقت حديثاً ، وفيه : فبرك (وفي رواية المسند : فجثا شهاب) على ركبتيه.
    وسنده ضعيف.
    وختاماً : أذكر ما قاله الطحاوي في "المشكل" حول هذا البحث ، فقال رحمه الله (1/66) بعد ذكر حديث أبي هريرة المتقدم : "فقال قائلٌ : هذا كلام مستحيل ؛ لأنه نهاه إذا سجد أن يبرك كما يبرك البعير ، والبعير إنما ينزل على يديه ، ثم أتبع ذلك بأن قال : "ولكن ليضع يديه قبل ركبتيه" ، فكان في هذا الحديث مما نهاه عنه في أوله ، قد أمره به في آخره. فتأملنا ما قال من ذلك ، فوجدناه مجالاً ، ووجدنا ما رُويِّ عن رسول الله r في هذا الحديث مستقيماً لا إحالة فيه ، وذلك أن البعير ركبتاه في يديه ، وكذلك كل ذي أربع من الحيوان ، وبنو آدم بخلاف ذلك ؛ لأن ركبهم في أرجلهم لا في أيديهم ، فنهى رسول الله r في هذا الحديث المصلي أن يخر على ركبتيه اللتين في رجليه ، كما يخر البعير على ركبتيه اللتين في يديه ، ولكن يخر لسجوده على خلاف ذلك ، فيخر على يديه اللتين ليس فيهما ركبتاه بخلاف ما يخر البعير على يديه اللتين فيهما ركبتاه ، فبان بحمد الله ونعمته أن الذي في هذا الحديث عن رسول الله r ، كلامٌ صحيح لا تضاد فيه ، ولا استحالة فيه ، والله نسأله التوفيق". انتهى
    * قلتُ : فقد تبين بحمد الله تعالى بما لا يدع مجالاً للتوقف أو الشك أن ركبة البعير في يده ، وأن البروك على الركبة ، ونحن ومخالفونا في هذه المسألة متفقون على أن النبي r نهى عن بروك البعير ، ثم اختلفنا كيف يبرك البعير، فلو تقاومت الأحاديث الواردة في هذا الباب وتساقطت لضعفها، ولم يبق بأيدينا نحن ولا مخالفينا أدلة مرفوعة لكان هذا الوجه كافياً في إثبات قولنا ، وتوهين قول مخالفينا ، ولله الحمد والمنة.
    الوجه السادس :
    قولك : "إنه الموافق للمنقول عن الصحابة كعمر بن الخطاب ، وابنه ،
    وابن مسعود ..."

    فالجواب : أنه لم يصح عن ابن عمر أصلاً كما يأتي أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه ، والصواب عكس ذلك كما يأتي :
    أما أثر عمر بن الخطاب t :
    فأخرجه ابن أبي شيبة (1/263) ، وعبد الرزاق (2/176) من طرق عن الأعمش ، عن إبراهيم ، أن عمر بن الخطاب كان يضع ركبتيه قبل يديه.
    وإسناده منقطع بين إبراهيم النخعي ، وعمر t وقد رواه عن الأعمش هكذا : "وكيع ، ومعمر ، والثوري".
    وخالفهم يعلي بن عُبيد ، فرواه الأعمش ، عن إبراهيم ، عن الأسود ، عن عمر أنه كان يقع على ركبتيه.
    أخرجه ابن أبي شيبة ، وابن المنذر في "الأوسط" (3/165).
    وتابعه حفص بن غياث ، قال : ثنا الأعمش ، ثنا إبراهيم ، عن علقمة والأسود ، قالا : حفظنا عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه كما يخر البعير، ووضع ركبتيه قبل يديه".
    أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (1/256) من طريق عمر بن حفص بن غياث ، ثنا أبي بهذا الإسناد.
    وإسناده صحيح.
    ثم هذا الأثر مع صحته ، فهو حجة لنا ، وذلك أنه صريح الدلالة في أن عمر t كان يخر كما يخر البعير ، فيضع ركبتيه قبل يديه ، ونحن مأمورون بمخالفة البعير ، فنضع اليدين قبل الركبتين ، وهذا واضح جداً لا إشكال فيه والحمد لله.
    فإن قُلتَ : كيف يبرك عمر t كما يبرك البعير وقد نهى النبي r عن ذلك؟
    * قلتُ : لم يصله النهي ، إذ لو علمه ما خالفه أبداً t.
    أما أثر ابن مسعود t :
    فأخرجه الطحاوي (1/256) من طريق حماد بن سلمة ، عن الحجاج بن أرطأة ، قال : قال إبراهيم النخعي : حفظ ابن مسعود t أنه كانت ركبتاه تقعان على ا{ض قبل يديه.
    وهذا إسنادٌ ضعيف ومنقطع ، وابن أرطأة ضعيف ، ومدلس أيضاً ، وقد استخدم ما يدل على التدليس.
    أما أثر ابن عمر فيأتي الكلام عنه ، وأنه لا يصح.
    فأين الآثار عن الصحابة التي تدل على أن الخرور للسجود يكون على الركبتين قبل اليدين ؟ لم يصح إلا أثر عمر t وهو حجة لنا ولم يبق بأيدي مخالفينا من آثار الصحابة شيء !!
    أما أثر ابن عمر رضي الله عنهما ، والذي يشهد لحديث أبي هريرة t ،
    فإنه صحيح.

    أخرجه البخاري (6/78-79 عمدة القاري) معلقاً ، ووصله أبو داود ـ كما في "أطرف المزي" (6/156) ـ وابن خزيمة في "شرح المعاني" (1/254) ، وابن المنذر في "الأوسط" (3/165) ، والدارقطني (1/344)، والحاكم (1/226) ، وأبو الشيخ في "الناسخ والمنسوخ" ـ كما في "التعليق" (2/327) ، والبيهقي (2/100) ، والحازمي في "الاعتبار"
    (ص 160) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبيد الله
    بن عمر ، عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يضع يديه قبل ركبتيه ، وقال : كان النبي
    r يفعل ذلك.
    ولا يصح رفع هذا كما تقدم تحقيقه في الوجه الأول ، والصواب أنه موقوف على ابن عمر كما جزم بذلك البخاري في "تعليقه".
    وحسَّن إسناده صاحبُ "عون المعبود" (3/71).
    وقد خولف عبد الله بن عمر في متنه.
    خالفه محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، فرواه عن نافع ، عن ابن عمر أنه كان يضع ركبتيه إذا سجد قبل يديه ، ويرفع يديه إذا رفع ركبتيه أخرجه ابن أبي شيبة (1/263) قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، عن ابن أبي ليلى بهذا.
    وهذه رواية مُنكَرة ، وابن أبي ليلى كان رديء الحفظ ، وقد خالف من هو أوثق منه ، والله أعلم.
    وأخرج ابن أبي خيثمة في "التاريخ الكبير" (3799) قال : حدثنا عليُّ
    بن الجهد ، قال : أخبرني عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر
    بن الخطاب ، عن أبي بكر بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر ، عن جده ابن عمر أنه كان إذا توجه إلى القبلة يُسوي الحصى برجله قبل أن يُكبر ، ثم يُكبر بعد ، فإذا أراد أن يسجد أخرج يده من الثوب وأفضى بهما إلى الأرض ، ثم يضع وجهه بينهما. وإسناده صحيح ورواته ثقات عن آخرهم، من رجال "التهذيب".

    الوجه السابع :
    قولك : "إن لحديث وائل شواهد ، وليس لحديث أبي هريرة شاهد ..."
    فالجواب : أن لحديث وائل شواهد ، نعم لكنها ساقطة لا يُفرحُ بها ، ولا يُقوي بعضها بعضاً ، فلننظر فيها :
    أولاً : حديث أنس t :
    أخرجه الحاكم (1/226) ، والدارقطني (1/345) ، والبيهقي (2/99) ، وابن حزم في "المحلى" (4/129) ، والحازمي في "الاعتبار" (ص 159) ، والضياء في "المختارة" (2310) من طريق العلاء بن إسماعيل العطار ، قال : ثنا حفص بن غياث ، عن عاصم الأحول ، عن أنس t قال : "رأيت النبي r انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه".
    قال الدارقطني ، والبيهقي ، وغيرهما : "تفرد به العلاء بن إسماعيل ،
    عن حفص بهذا الإسناد".

    وقال الحافظ في "التلخيص" (1/254) : قال البيهقي في "المعرفة" :
    "تفرد به العلاء وهو مجهول". وأقره ابن القيم رحمه الله.

    أما الحاكم فقال : "صحيح على شرط الشيخين" !! كذا قال ! وقد تقدم
    ما يرده. ولذلك قال أبو حاتم الرازي : "حديثٌ مُنكر".

    نقله عنه ولده في "العلل" (1/188).
    ومما يدل على نكارته ما أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (1/256) من طريق عمر بن حفص بن غياث ، قال : ثنا أبي ، ثنا الأعمش ،
    حدثني إبراهيم، عن أصحاب عبد الله : علقمة والأسود ، قاللا : حفظنا
    عن عمر في صلاته أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه ، كما يخر البعير
    وقد تقدم ذكره.
    قال الحافظ في "اللسان" (4/183) : "وخالفه ـ يعني العلاء ـ عمر بن حفص بن غياث ، وهو من أثبت الناس في أبيه ، فرواه عن أبيه عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة وغيره ، عن عمر مرفوعاً عليه ، وهذا هو المحفوظ". انتهى
    سلمنا ثبوته ، فليس فيه حجة لأمرين ذكرهما ابن حزم :
    * الأول : أنه ليس في حديث أنس أنه كان يضع ركبتيه قبل يديه وإنما فيه: الركبتان واليدان فقط ، وقد يمكن أن يكون السبق في حركتهما ،
    لا في وضعهما.

    * الثاني : أنه لو كان فيه وضع الركبتين قبل اليدين ، لكان ذلك موافقاً لمعهود الأصل في إباحة ذلك ، ولكان خبر أبي هريرة وارداً بشرعٍ زائدٍ ، رافع للإباحة السالفة بلا شك ، ناهيه عنها بيقين ، ولا يحل ترك اليقين ، لظن كاذب.
    ثانياً : حديث سعد بن أبي وقاص t :
    وقد تقدم الكلام عنه في الوجه الرابع والحمد لله ، وهو ضعيف جداً.
    * قلتُ : فهذه هي شواهد وائل بن حجر t ، والتي تَكثَّر بها ابن القيم رحمه الله، فأحال على غير ملئٍ ، وحديثُ شريك مع ما تقدم من القول بضعفه ، إلا أنه أحسنها ، فهذه الشواهد ساقطة عن حد الاعتبار بها ، ولا ينازع في هذا أحد من أهل العلم بالحديث ، والحمد لله تعالى.
    وحديث أبي هريرة له شاهد ثابت من فعل ابن عمر رضي الله عنهما ، سلمنا أن ليس له شاهد ، فهو يتأيد بما ذكرته في الوجه الخامس ، وهذا الوجه لوحده ، كافٍ في المسألة والحمد لله.
    الوجه الثامن :
    قولك : "وأكثر الناس عليه ..."
    فالجواب : أنك ـ رضي الله عنك ـ أوردت هذه الحجة تبعاً ، لا استقلالاً ؛ لأنك من أكثر الناس تعظيماً للدليل ، وأنت صاحب القول الرائق : "لا يضر الحديث الصحيح همل أكثر الأمة بخلافه".
    وكتابك "إعلام الموقعين" فردٌ في بابه في هذا المعنى ، وكذلك سائر كتبك رضي الله عنك.
    وأذكر بهذه المناسبة فصلاً نافعاً ، ذكره الشيخ جمال القاسمي رحمه الله في "قواعد التحديث" (في الثمرة الثالثة من ثمرات الحديث الصحيح) ،
    فقال رحمه الله (ص 91-92) في "حصول المأمول من علم الأصول"
    ما نصه : "اعلم أنه لا يضر الخبر الصحيح عمل أكثر الأمة بخلافه ؛
    لأن قول الأكثر ليس بحجة ، وكذا عمل أهل المدينة بخلافه ، خلافاً لمالك وأتباعه ؛ لأنهم بعض الأمة ، ولجواز أنهم لم يبلغهم الخبر ، ولا يضره عمل الراوي له بخلافه ، خلافاً لجمهور الحنفية وبعض المالكية ، لأنَّا متعبدون بما يبلغ إلينا من الخبر ، ولم نتعبد بما فهمه الراوي ، ولم يأتِ مَن قدَّم عمل الراوي على روايته بحجة تصلح للاستدلال بها ، ولا يضره كونه مما تعمُّ به البلوى ، خلافاً للحنفية وأبي عبد الله البصري لعمل الصحابة بأخبار الآحاد في ذلك.

    ولا يضره كونه في الحدود والكفارات خلافاً للكرخي من الحنفية ، ولا وجه لهذا الخلاف ، فهو خيرٌ عدلٌ في حكمٍ شرعيٍ ، ولم يثبت في الحدود والكفارات دليل يخصها من عموم الأحكام الشرعية ولا يضره أيضاً كونه زيادة على النص القرآني ، أو السنة القطعية خلافاً للحنفية، فقالوا إذا ورد بالزيادة كان نسخاً لا يقبل. والحق القبول ؛ لأنها زيادة منافية للمزيد ، فكانت مقبولة. ودعوى أنها ناسخة ممنوعة. وهكذا إذا ورد الخبر مُخصِصاً للعام من كتاب أو سنة ، فإنه مقبول ويُبنى العام على الخاص ، خلافاً لبعض الحنفية ، وهكذا إذا ورد مقيداً لمطلق الكتاب أو السنة المتواترة ، ولا يضره أيضاً كون راويه انفرد بزيادة فيه على ما رواه غيره ، إذا كان عدلاً فقد يحفظ الفرد ما لا يحفظه الجماعة وبه قال الجمهور ، وهذا في صورة عدم المنافاة وإلا فروايةُ الجماعة أرجحُ ، ومثلُ انفراد العدلِ بالزيادةِ انفرادُهُ برفعِ الحديثِ إلى رسول الله r الذي وقفهُ الجماعةُ ، وكذا انفرادُهُ بإسناد الحديث الذي أرسلوه ، وكذا انفراده بوصلٍ الحديث الذي قطعوه ، فإن ذلك مقبولٌ منه ؛ لأنه زيادةٌ على ما ردوه ، وتصحيح لما أعلوه ،
    ولا يضره أيضاً كونه خارجاً مخرج ضرب الأمثال".

    ثم قال رحمه الله في "الثمرةِ الخامسة" (ص 94-96) لزومُ قبولِ الصحيح وإن لم يعمل به أحدٌ ـ قال الإمام الشافعيُّ t في رسالته الشهيرة : "ليس لأحدٍ دون رسول الله r أن يقول بالاستدلال ، ولا يقول بما استحسن ،
    فإن القول بما استحسن شيءٌ يُحدِثُهُ لا على مثال سبق". وقال أيضاً :
    "إن عمر بن الخطاب
    t قضى في الإبهام بخمس عشرة ، فلما وجد كتاب آل عمرو بن حزم وفيه أن رسول الله r قال : "في كل إصبع مما هنالك عشرٌ من الإبل" صاروا إليه قال : ولم يقبلوا كتاب آل عمرو بن حزم
    ـ والله أعلم ـ حتى ثبت لهم أنه كتاب رسول الله
    r . وفي هذا الحديث دلالتان : إحداها : قبول الخبر .
    والأخرى : أن يُقبَلَ الخبر في الوقت الذي يثبت فيه ، وإن لم يمض عملٌ من أحد من الأئمة بمثل الخبر الذي قبلوا. ودلالةً على أنه لو مضى أيضاً عملٌ من أحد من الأئمة ثم وُجِدَ عن النبي r خبرٌ يخالف عَمَلَهُ لتَرَكَ عمله لخبر رسول الله r. ودلالة على أن حديث رسول الله r يثبت بنفسه لا بعمل غيره بعده".
    قال الشافعي : "ولم يقل المسلمون قد عمل فينا عمر بخلاف هذا من المهاجرين والأنصار ولم تذكروا أنتم أن عندكم خلافه ، ولا غيركم ، بل صاروا إلى ما وجب عليهم من قبول الخبر عن رسول الله r ، وترك كل عملٍ خالفه ، ولو بلغ عمر هذا صار إليه إن شاء الله ، كما صار إلى غيره مما بلغه عن رسول الله r ، بتقواه لله وتأديته الواجب عليه في اتباع أمر رسول الله r ، وعلمه بأن ليس لأحدٍ مع رسول الله r أمرٌ ، وإن طاعة الله في اتباع أمر رسول الله r ".
    وقال عَلمُ الدين الفُلاني في كتابه "إيقاظ الهمم" : قال شيخ مشايخنا محمد حياة السندي : قال ابن الشحنة في "نهاية النهاية" وإن كان ـ أي ترك الحديث ـ لضعفه في طريقه ، فينظر إن كان له طريقٌ غير الطريق الذي ضعفه به ، فينبغي أن تُعتَبر فإن صح عُمِلَ الحديث ، ويكون ذلك مذهبه ولا يخرج مُقلِّده عن كونه حنفياً بالعمل به ، فقد صح أنه قال : "إذا صح الحديث فهو مذهبي" ، كذا قال بعض من صنف في هذا المقصود وقال في البحر : "وإن لم يَستفتِ ولكن بلغه الخبر ، وهو قوله عليه وعلى آله الصلاة والسلام : "أفطر الحاجم والمحجوم" وقوله r : "الغيبة تفطر الصائم"([1]). ولم يعرف النسخ ولا تأويله ، فلا كفارة عليه عندهما لأن ظاهر الحديث واجب العمل ، خلافاً لأبي يوسف لأنه قال : "ليس للعامي العمل بالحديث لعدم عمله بالناسخ والمنسوخ".
    ونقل ابن أبي العز في حاشية الهداية ذلك أيضاً عن أبي يوسف ، وعلل بأن على العامي الاقتداء بالفقهاء ، لهدم الاهتداء في حقه إلى معرفة الأحاديث قال: "في تعليله نظر ، فإن المسألة إذا كانت مسألة النزاع بين العلماء وقد بلغ العامي الحديث الذي احتج به أحد الفريقين ، كيف يقال في هذا الحديث إنه غيرُ معذورٍ ؟ فإذا قيل : "هو منسوخ" ، فقد تقدم أن المنسوخ ما يعارضه ، ومن سمع الحديث فعمل به وهو منسوخ ، فهو معذور إلى أن يبلغه الناسخ ، ولا يقال لمن سمع الحديث الصحيح : لا تعمل به حتى تعرضه على رأي فلان أو فلان ، وإنما يقال له : انظر هل هو منسوخ
    أم لا ؟ أما إذا كان الحديث قد اختُلِفَ في نسخه كما في هذه المسألة ، فالعامل به في غاية العذر ، فإن تطرق الاحتمال إلى خطأ المفتي أولى من تطرق الاحتمال إلى نسخ ما سمعه من الحديث" إلى أن قال : "فإذا كان العامي يُسوغُ له الأخذ بقول المفتي ، بل يجب عليه مع احتمال خطأ المفتي، كيف لا يسوغ الأخذ بالحديث ؟ فلو كانت سنة رسول الله
    r
    لا يجوز العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان ، لكان قولهم شرطاً في العمل بها ، وهذا من أبطل الباطل ، ولذا أقام الله الحجة برسول الله
    r ، دون آحاد الأمة ، ولا يُفرضُ احتمال خطأ لمن عمل بالحديث وأفتى به بعد فهمه إلا وأضعافُ أضعافهِ حاصلٌ لمن أفتى بتقليد من لا يَعلمُ خطأه من صوابه، ويجوز عليه التناقض والاختلاف ، ويقول القول ويرجع عنه ، ويحكى عنه عدة أقوال ، وهذا كله فيمن له نوع أهلية، وأما إذا لم يكن له أهلية ففرضه ما قال الله تعالى : } فاسألوا أهلَ الذِّكرِ إن كنتمْ لا تعلمون{ وإذا جاز اعتماد المستفتىَ على ما يكتب له من كلامه أو كلام شيخه
    وإن علا ، فلأن يجوز اعتماد الرجل على ما كتبه الثقات من كلام
    رسول الله
    r أولى بالجواز ، وإذا قُدِّر أنه لم يفهم الحديث فكما إذا لم يفهم فتوى المفتي فيسأل من يعرفه معناه فكذلك الحديث". انتهى بحروفه
    * قلتُ : وفي مقابل هذا القول : "إن أكثر الناس عليه" فقد حكى المروزي في "مسائله" بسندٍ صحيحٍ عن الأوزاعي ، قال : "أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم".
    ذكره شيخنا الألباني رحمه الله في "صفة الصلاة" (ص 83) والأوزاعي إمام أهل الشام. قال فيه مالك : "لا زال أهل الشام بخيرٍ ما بقي فيهم الأوزاعي" وكان سفيان الثوري يُجله ويُعظمه ، وأخذ بلجام بغلته يسُلُّه من الزحام وهو يقول : "أوسعوا لبغلة الشيخ" ، وعندما يقول مثله : "أدركت الناس" فهو لا يقصد أفناءهم قطعاً ، إنما يقصد أهل العلم ، فإذا اعتبرت ذلك ، وعلمت أن أهل الشام وأهل المدينة كانوا على تقديم اليدين قبل الركبتين في الخرور إلى السجود ، وهم من الكثرة بمكانٍ ، لم يكن ابن القيم أسعد بهذا القول منا ، والحمد لله.
    ولذلك قال ابن أبي داود : "وهو قول أصحاب الحديث" ولا ينخرم قوله
    بما استدركه عليه ابن القيم ؛ لأن مقصوده أغلبهم ممن كانوا يسكنون الشام والحجاز.

    الوجه التاسع :
    قولك : "إنه ـ يعني حديث وائل ـ حديثٌ فيه قصةٌ محكية ..."
    فالجواب :
    إن هذا القول ينفع إذا ثبت الحديث ، وقد تقدم بيان ضعفه ، ثم أين هي القصة؟ إنما هو حكايةُ فعلٍ لا أكثر.
    الوجه العاشر :
    قولك : "إن الأفعال المحكية فيه كلها ثابتة صحيحة من رواية غيره"
    فالجواب : أن هذا الوجه هو أعجب الوجوه كلها ، والسبب في ذلك
    أن الأفعال الصحيحة المحكية في حديث غيره من الصحابة في صفة صلاة النبي
    r ، لم تتعرض لهذا الحكم البتة ، فمن الغريب جداً أن يستدل
    ابن القيم رحمه الله على ثبوت النزول بالركبتين قبل اليدين بأنه ثبت رفع اليدين في تكبيرة الإحرام مثلاً!!

    هذا وقد أطلتُ القول في هذا الحديث ورددت على سائر المصنفين في هذا الباب في "نهي الصحبة عن النزول بالركبة" بعد الإضافات الكثيرة إليه ، ولعلي أدفعه إلى المطبعة قريباً إن شاء الله.


    ([1]) هذا حديثٌ مُنكر.
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  3. #23
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله

    س: ما القول في حديث " لا تصوموا يوم السبت " ، وحديث " لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاث " .
    ج: أما حديث " لا اعتكاف ..." فأنا أعتقد أنه مُعلّ بالوقف ، وحديث آخر من " لا تصوموا يوم السبت " آخر ما أنتهي إليه بحثي في كتاب الثمر الداني في الذب عن الألباني أنه حديث ضعيف علي وجه الإنصاف ، والحديث هذا معل بالاضطراب.
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  4. #24
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله

    س: حديث عائشة رضي الله عنها "أن النبي- صَلَّيْ الْلَّهُ عَلَيْهِ وَآَلِهِ وَسَلَّمَ- سأل ربه أن يحي له أبويه فأحياهما فآمنا به ثم ماتا "، هل هذا حديث صحيح ؟
    ج: هذا حديث موضوع وكل الأحاديث التي وردت ف هذا المعني تدور ما بين الوضع والنكارة والبطلان والذي حمل لواء تصحيحها هو الحافظ جلال الدين السيوطي وقد صنف ثماني مصنفات في هذا الباب يريد أن يثبت صحة هذه الأسانيد وعلماء الحديث يبطلون هذه الأحاديث ويقولون في الصحيح ما يضادها كحديث أبي هريرة ف صحيح مسلم لما قال:" سَأَلْتُ رَبِّيَ أَنْ أَزُوْرَ قَبْرَ أُمِّيَّ فَأَذِنَ لِيَ وَسَأَلْتُهُ أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَمَنَعَنِيْهَا "
    من الشريط الثامن من الباعث الحثيث.
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  5. #25
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله

    6-سمعت من أحد خطباء المساجد يوم الجمعة حديثاً اقشعر بدني لما سمعته، وهو حديث : "الربا بضعٌ وسبعون باباً ، أدناها الذي ينكح أمه في حجر الكعبة". فلما انتهت الخطبة راجعتُهُ ، فذكر لي أن الشيخ الألباني صححه. فهل صحيح أن الشيخ صححه ؟ وما قولكم في إسناده ومعناه ؟

    والجواب : أن شيخنا رحمه الله قواه في "الصحيحة" (1871) لكن قوله : "في حجر الكعبة" لم يصححه الشيخ ولا ذكر له في طرق الحديث الذي وقفت عليها ، وهذا الحديث في نقدي باطلٌ ، ومعناه منكر جداً ،
    وإليك البيان :

    فقد ورد هذا الكلام في أحاديث جماعة من الصحابة ، منهم : أبو هريرة ، وابن عباس ، وأنس ، وعائشة ، والأسود بن وهب ، وابن مسعود ، والبراء بن عازب ، وعبد الله بن سلام ، وعلي بن أبي طالب وعبد الله حنظلة رضي الله عنهم.
    أولاً : حديث أبي هريرة t ، وله عنه طرق :
    1 ) أبو سلمة ، عنه :
    أخرجه ابن الجارود في "المنتقى" (647) ، والبغوي في "تفسيره" (1/344) عن أبي حامد بن المشرقي ، قالا : ثنا أحمد بن يوسف السُّلمي ـ زاد ابن الجارود : وأبو داود : سليمان بن معبد ـ قالا : ثنا النضر بن محمد ، قال : ثنا عكرمة بن عمار ، عن يحيى بن أبي كثير ، قال : ثنا أبو سلمة ، عن أبي هريرة t مرفوعاً: "الربا سبعون باباً أهونها عند الله كالذي ينكح أمه". والنضر بن محمد وثقه العجلي ، وقال : "روى عن عكرمة بن عمار ألف حديث".
    وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/535) وقال : "ربما تفرد". ولم يتفرد به ، فتابعه عفيف بن سالم ، فرواه عن عكرمة بن عمار بسنده سواء.
    أخرجه ابن عدي في "الكامل" (5/1913) ، والدينوري في "المجالسة" (1590) قالا : ثنا الحسين بن عبد المجيب الجزري. والبيهقي في "الشعب" (4/394/5520) من طريق محمد بن غالب تمتام ، قالا : ثنا محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي ، ثنا عفيف لبن سالم ، عن عكرمة عن عمار بهذا الإسناد وعنده : "... أدناه عند الله عز وجل : الرجل يقع على أمه". وعفيف بن سالم وثقه ابن معين ، وأبو حاتم ، وزاد : "لا بأس به" وابن حبان (8/523) وزاد : "كان من العُبَّاد". وقال تلميذه محمد بن عبد الله بن عمار : "كان أحفظ من المعافى بن عمران".
    وقال الدارقطني : "ربما أخطأ".
    وقد تبين أنه لم يُخطئ في هذا الحديث لمتابعة النضر بن محمد المتقدمة وتابعه أيضاً : عبد الله بن زياد ، قال : أخبرنا عكرمة بن عمار بهذا.
    أخرجه البخاري في "التاريخ الكبير" (3/1/95) قال : قال محمد ، والعقيلي في "الضعفاء" (2/257) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1224) قال: حدثنا محمد بن العباس المؤدب ، والبيهقي في "الشعب" (4/394-395/5521) عن محمد بن مسلم بن وارة قالوا : ثنا سعد بن عبد الحميد ، ثنا عبد الله بن زياد اليمامي بهذا.
    قال البخاري : "عبد الله بن زياد ، مُنكر الحديث".
    وآفة هذا الإسناد من عكرمة بن عمار ، فقد نص العلماء على أن في روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراباً كثيراً.
    قال أحمد : "أحاديث عكرمة ، عن يحيى بن أبي كثير ضعافٌ
    ليست بصحاح".

    فقال له ابنه عبد الله : من عكرمة أو من يحيى ؟ قال : "لا ، الأمر من عكرمة".
    وقال البخاري : "عكرمة مضطرب في حديث يحيى بن أبي كثير ، ولم يكن عنده كتاب وقد روى عنه سفيان الثوري". وكذلك نص على اضطراب روايته عن يحيى بن أبي كثير : يحيى القطان ، وعليُّ بن المديني ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن حبان في آخرين.
    وقد عاب بعض النقاد على مسلم أنه أخرج هذه الترجمة.
    والجواب عن مسلم من وجهين :
    الأول : أن مسلماً رحمه الله يخرج من روايته من تكلم فيه ما لم ينكروه عليه، أو ما وافقه الثقات عليه ، مما يدل على أنه حفظَ.
    الثاني : أنه لم يُخرج من هذه الترجمة إلا بضعة أحاديث ، وفي المتابعات ليس منها حديثٌ في الأصول إلا حديثاً واحداً ، وهو : ما أخرجه في "صلاة المسافرين" (200/770) قال : حدثنا محمد بن المثنى، ومحمد بن حاتم ، وعبد بن حميد ، وأبو معن الرقاشي ، قالوا : حدثنا عمر بن يونس ، قال : حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا يحيى بن أبي كثير ، حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال : سألتُ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: بأي شيء كان نبي الله r يفتتح صلاته إذا قام من الليل ؟ قالت : كان إذا قام من الليل افتتح صلاته :
    "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل ، فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ، اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم".

    وأخرجه أبو داود (767) ، وابن خزيمة (1153) ، وعنه ابن حبان (2600) قالا : ثنا أبو موسى محمد بن المثنى ، والنسائي في "المجتبى" (3/212/213) ، وفي "الكبرى" (1/417/1322) قال : أخبرنا العباس بن عبد العظيم ، والترمذي (3420) قال : حدثنا يحيى بن موسى وغير واحد ، قالوا : ثنا عمر بن يونس ، ثنا عكرمة بن عمار بهذا.
    وأخرجه أبو داود (768) قال : حدثنا محمد بن رافع ، وأحمد (6/156) ، والبيهقي في "الدعوات الكبير" (374) ، عن عباس بن محمد الدوري ، قال ثلاثتهم : ثنا قُرادٌ بن نوح قال : أخبرنا عكرمة بن عمار بهذا.
    وأخرجه ابن نصر في "قيام الليل" (ص 48) قال : حدثنا عبد الله بن الرومي ، وأبو عوانة (2245) ، ومن طريقه البغوي في "شرح السنة" (4/70-71) قال : حدثنا أحمد بن يوسف السلمي ، ثنا النضر ابن محمد ، ثنا عكرمة بن عمار.
    وأخرجه أبو عوانة (2245) قال : حدثنا الصنعاني، وأبو أمية ، وأبو الشيخ في "أخلاق النبي" (550) ، وعنه أبو نعيم في "المستخرج" (1760) قال : حدثنا محمد بن يحيى المروزي ، قال ثلاثتهم : ثنا عاصم بن علي ، ثنا عكرمة بن عمار.
    وأخرجه ابن المنذر في "الأوسط" (3/84/1272) قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، ثنا أبو حذيفة ، ثنا عكرمة بن عمار بهذا.
    * قُلتُ أي الشيخ أبي إسحاق حفظه الله: فهذا هو الحديث الذي أخرجه مسلم في "الأصول" ، وقد ذكرنا في هذا الوجه الأول من الجواب الحامل لمسلم على ذلك أما بقية الأحاديث ففي المتابعات، ومنها :
    1-الحديث الأول :
    أخرجه مسلم في "كتاب الإيمان" (135/215) قال : حدثني عبد الله بن الرومي ، حدثنا النضر بن محمد ، حدثنا عكرمة ، وهو ابن عمار ، حدثنا يحيى، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال لي رسول الله r : "لا يزالون يسألونك يا أبا هريرة حتى يقولوا : هذا الله ، فمن خلق الله ؟". قال : فبينا أنا في المسجد إذ جاءني ناسٌ من الأعراب فقالوا : يا أبا هريرة هذا الله، فمن خلق الله ؟ قال : فأخذ حصىً بكفه فرماهم ، ثم قال : قوموا ، قوموا ، صدق خليلي.
    وأخرجه أبو عوانة (1/81) ، وأبو نعيم (349) كلاهما في "المستخرج" ، وابن مندة في "الإيمان" (363) ، عن أحمد بن يوسف السلمي ، ثنا النضر بن محمد ، ثنا عكرمة بن عمار بهذا.
    وله وجه آخر عن أبي سلمة : عن أبي داود (4722) ، والنسائي في "اليوم والليلة" (661) ، وابن أبي عاصم في "السُنُّة" (653) ، وأخرجه أحمد (2/388)، والدارمي في "الرد على الجهمية" (ص 9) من طريق عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن أبي هريرة نحوه ، وقد رواه مسلم عن محمد بن سيرين ، ويزيد بن الأصم كلاهما عن أبي هريرة مرفوعاً.
    ورواه بنحوه من حديث عروة بن الزبير ، عن أبي هريرة.
    2-الحديث الثاني :
    ما أخرجه مسلم في "الطهارة" (240/25) قال : حدثني محمد بن خاتم وأبو معن الرقاشي قالا : حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثني يحيى بن أبي كثير قال : حدثني أو حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن، حدثني سالم مولى المهري قال : خرجت أنا وعبد الرحمن بن أبي بكر في جنازة سعد بن أبي وقاص، فمررنا على باب حجرة عائشة ، فذكر عنها ، عن النبي r : "ويلٌ للأعقاب من النار".


    3-الحديث الثالث :
    ما أخرجه مسلم في "الصيام" (1159/182) قال : حدثنا عبد الله بن محمد الرومي ، حدثنا النضر بن محمد ، حدثنا عكرمة (وهو ابن عمار) حدثنا يحيى قال: انطلقت أنا وعبد الله بن يزيد ، حتى نأتي أبا سلمة ، فأرسلنا إليه رسولاً، فخرج علينا وإذا عند باب داره مسجدٌ ، قال : فكنا في المسجد حتى خرج إلينا، فقال : إن تشاءوا أن تدخلوا ، وإن تشاءوا أن تقعدوا هاهنا. قال : فقلنا: لا بل نقعد هاهنا. فحدثنا ، قال : حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال : كنتُ أصومُ الدهر وأقرأ القرآن كل ليلة. قال : فإما ذُُكرْتُ للنبي r وإما أرسلَ إليَّ فأتيته. فقال لي : "ألم أُخبرَ أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة ؟" فقلت : بلى يا نبي الله ! ولم أُرد بذلك إلا الخير. قال : فإنَّ بحسبك أن تصوم من كل شهرٍ ثلاثة أيام" قلت : يا نبي الله ، إني أطيق أفضل من ذلك. قال : "فإن لزوجك عليك حقاً، ولزورك عليك حقاً ولجسدك عليك حقاً". قال : "فصم صوم داود نبي الله عليه السلام فإنه كان أعبد الناس".
    قال : قلت : يا نبي الله وما صوم داود ؟ قال : "كان يصوم يوماً ويفطر يوماً" قال: "واقرأ القرآن في كل شهر" قال : قلت : يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال: "فاقرأه في كل عشرين". قال : قلت : يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال : "فاقرأه في كل عشر" قال : قلت : يا نبي الله إني أطيق أفضل من ذلك. قال : "فاقرأه في كل سبع ، ولا تزد على ذلك ، فإن لزوجك عليك حقاً ولزورك عليك حقاً ، ولجسدك عليك حقاً".
    * قلتُ : لم يتفرد عكرمة بن عمار بهذا الإسناد ، فقد تابعه علي بن المبارك ، والأوزاعي ، وهشام الدستوائي ، وحسين المعلم ، وأبو إسماعيل القناد ، وعمر بن عبد الواحد. وقد ذكرت تخريج رواياتهم في "تسلية الكظيم" (رقم 58).
    4-الحديث الرابع :
    ما أخرجه مسلم في "صلاة المسافرين" (832/294) قال : حدثني أحمد بن جعفر المعقري ، حدثنا شداد بن عبد الله ، أبو عمار ، ويحيى بن أبي كثير عن أبي أمامة (قال عكرمة : ولقِيَ شداد أبا أمامة ووائلة ، وصحب أنساً إلى الشام، وأثنى عليه فضلاً وخيراً).
    عن أبي أمامة قال : قال عمرو بن عبسة السلمي كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة ، وأنهم ليسوا على شيء ، وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً ، فقعدت على راحلتي ، فقدمت عليه ، فإذا رسول الله r مستخفياً ، جرءاء عليه قومه ، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة ، فقلت له : ما أنت ؟ قال : "أنا نبي" فقلت : وما نبيٌ ؟ قال : "أرسلني الله" فقلت : وبأي شيء أرسلك ؟ قال : "أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوَحَّد الله لا يُشرَك به شيءٌ" قلت له : فمن معك على هذا ؟ قال : "حُرٌ وعبدٌ" (قال : ومعه يومئذٍ أبو بكر وبلالٌ ممن آمن به) فقلت : إني متبعك. قال : إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا ، ألا ترى حالي وحال الناس ؟ ولكن ارجع إلى أهلك. فإذا سمعت بي قد ظهرت فأتني" قال : فذهبت إلى أهلي ، وقدم رسول الله r المدينة ، وكنتُ في أهلي ، فجعلت أتخبر الأخبار وأسأل الناس حين قدم المدينة ، حتى قدم على نفر من أهل يثرب من أهل المدينة ، فقلت : ما فعل هذا الرجل الذي قدم المدينة ؟ فقالوا: الناس إليه سراع ، وقد أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك ، فقدمت المدينة ، فدخلت عليه ، فقلت : يا رسول الله ، أتعرفني ؟ قال : "نعم ، أنت الذي لقيتني بمكة؟" قال : فقلت : بلى . ثم قلت : يا نبي الله ، أخبرني عما علمك الله وأجهله، أخبرني عن الصلاة. قال : "صل صلاة الصبح ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع ، فإنها تطلع حين تطلع بين قرني شيطان وحينئذٍ يسجد لها الكفار ، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلي العصر ، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس ، فإنها تغرب بين قرني شيطان ، وحينئذٍ يسجد لها الكفار". قال: فقلت : يا نبي الله فالوضوء ، حدثني عنه. قال : "ما منكم رجل يقرب وضوءه فيتمضمض ويستنشق فينتثر إلا خرت خطابا وجهه وفيه وخياشيمه ، ثم إذا غسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء، ثم يغسل يديه إلا المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أنامله مع الماء، ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين إلا خرت خطايا رجله من أنامله مع الماء ، فإن هو قام فصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له أهل وفرغ قلبه لله إلا انصرف من خطيئته كهيئته يوم ولدته أمه" فحدث عمرو بن عبسة بهذا الحديث أبا أمامة صاحب رسول الله r ، فقال له أبو أمامة : يا عمرو بن عبسة ، أنظر ما تقول ، في مقام واحد يُعطىَ هذا الرجل ؟ فقال : عمرو : يا أبا أمامة لقد كبرت سني ورق عظمي واقترب أجلي وما بي حاجة أن أكذب على الله ولا على رسول الله ، لو لم أسمعه من رسول الله r إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً (حتى عد سبع مرات) ما حدثت به أبداً ، ولكني سمعته أكثر من ذلك.
    * قلتُ : فهذا كل ما لعكرمة بن عمار ، عن يحيى بن أبي كثير ، في "صحيح مسلم" وهو عددٌ قليلٌ جداً كما رأيت ، وهو إما متابعة أو مقروناً مع آخر.
    فحاصل البحث .. أن إسناد أبي هريرة هذا مُعلٌ برواية عكرمة بن عمار ، عن يحيى بن أبي كثير ، ومن علامة اضطراب عكرمة في إسناده أن أحمد بن إسحاق الحضرمي ، رواه عن عكرمة بن عمار ، عن يحيى ابن أبي كثير ، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن سلام قال : "الرِّبا سبعون باباً ، أصغرُها كالذي ينكح أمَّهُ".
    أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (2/258) قال : "حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال: حدثنا أحمد بن إسحاق الحضرمي به. وأحمد هذا وثقه النسائي ، وأبو حاتم ، وأبو زرعة ، وابن سعد ، ويعقوب بن شيبة ، وابن حبان ، وقال النسائي مرَّةً : "لا بأس به". وقد خولف عكرمة في إسناده ، ويأتي ذكره في حديث : "البراء بن عازب إن شاء الله تعالى".
    وقد صحح المنذري في "الترغيب" (3/50) أنه من قول عبد الله ابن سلام t.
    2 ) سعيد المقبري ، عنه :
    أخرجه ابن ماجة في "النجارات" (2274) قال : حدثنا عبد الله بن سعيد ، ثنا عبد الله بن إدريس ، عن أبي معشر ، عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة مرفوعاً : "الربا سبعون حوباً أيسرها أن ينكِحَ الرجلُ أمَّهُ".
    قال البوصيري في "الزوائد" (2/197) : "هذا إسناد ضعيف وأبو معشر هو نجيح بن عبد الرحمن ، متفق على ضعفه".
    * قلت : فإذا اتفق العلماء على تضعيفه ، فحقُّ الإسناد أن يكون ضعيفاً جداً، ولكن أبا معشر لم يتفرد به ، فتابعه عبد الله بن سعيد المقبري ـ وهو متروك ـ فرواه عن أبيه ، عن أبي هريرة مرفوعاً : "الربا سبعون حوباً ، أيسره كنكاح الرجل أمه ، وأربى الربا عِرضُ الرجل المسلم".
    أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف" (6/561) ، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (173) ، وفي "ذم الغيبة" (34) قال : حدثنا سويد ابن سعيد ، قال : ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، عن عبد الله بن سعيد بهذا.
    وأخرجه البزار في "مسنده" (ج2/ق178/2) قال : حدثنا الحارث بن الخضر العطار ، نا سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أخيه عبد الله بن سعيد بهذا الإسناد.
    قال البزار : "وهذا الحديثُ لا نعلمُ أحداً تابعه على روايته ، عن المقبري ، ولا تجده ، عند أبي هريرة من غير هذا الوجه".
    كذا قال : وقد تعقبته في "تنبيه الهاجد" رقم (1984) :
    3 ) أبو المغيرة ، عنه :
    يرويه فضيل بن عياض ، عن ليث ، عن أبي المغيرة ، عن أبي هريرة قوله : "الربا سبعون باباً ، أدناها مثل أن ينكح الرجل أمه". ذكره ابن أبي حاتم قي "العلل" (1132) ونقل عن أبيه ، قوله : "هذا خطأ ، إنما هو ليث ، عن أبي المغيرة ، واسمه : زيادٌ ، عن أبي هريرة".
    * قلتُ : وأبو المغيرة هذا ترجمه البخاري في "الكبير" (2/1/367) وسماه: "زياد بن أبي المغيرة" ، وترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح" (1/2/543) وسماه : "زياد بن المغيرة أبو المغيرة" روى عن أبي هريرة ، روى عنه ليث بن أبي سليم.
    قال الشيخ العلامة المعلمي اليماني في تعليقه على "الجرح والتعديل" : "والظاهر أن ليثاً كان يضطرب في هذا الاسم ، تارة يقول زياد بن المغيرة ، وتارة زياد بن الحارث". انتهى
    * قُلتُ : وليث بن أبي سليم ضعيف الحديث ، وأبو المغيرة مجهولٌ على ما يظهر من ترجمته ، والله أعلم.
    وقال الذهبي في "تلخيص الموضوعات" (ص 225) عن حديث أبي هريرة : "هذا باطلٌ".
    ثانياً : حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
    وله عنه طرق :
    1 ) عمرو بن دينار ، عنه :
    أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج11/رقم 11216) ، ومن طريقه الشجري في "الأمالي" (2/229) قال : حدثنا ابن حنبل ـ يعني عبد الله ـ ثنا محمد بن أبان الواسطي ، ثنا أبو شهاب ، عن أبي محمد الجزري ، وهو حمزة النصيبي، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس قال : قال رسول الله r :
    "من أعان بباطلٍ ليدحض بباطله حقاً ، فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله ، ومن مشى إلى سلطان الله ليُذِلَّهُ أذله الله مع ما يدِّخرُ له من الخزي يوم القيامة ، سلطان الله كتاب الله وسنة نبيه ، ومن تولى من أمراء المسلمين شيئاً فاستعمل عليهم رجلاً وهو يعلم أن فيهم من هو أولى بذلك ،
    وأعلم منه بكتاب الله وسنة رسوله ، فقد خان الله ورسوله وجميع المؤمنين ، ومن ترك حوائج الناس ، لم ينظر الله في حاجته حتى يقضي حوائجهم ويؤدي إليهم بحقهم ، ومن أكل درهمَ ربا فهو كثلاثٌ وثلاثين زنية ، ومن نبت لحمُهُ من سُحتٍ فالنار أولى به".

    قال الهيثمي في "المجمع" (5/212) : "فيه أبو محمد الجزري حمزة النصيبي، ولم أعرفه ، وبقية رجاله الصحيح". أهـ
    كذا قال ! وقال حمزة هذا هو ابن أبي حمزة ، من رجال "التهذيب" (7/323-324) لكنه لا يساوي فلساً كما قال ابن معين. وقال أحمد : "مطروح الحديث" ، وقال البخاري وأبو حاتم : "مُنكر الحديث".
    زاد أبو حاتم : "ضعيف الحديث" ، وتركه النسائي ، والدار قطني. وقال ابن عدي مع توسطه : "عامة ما يرويه مناكيرٌ موضوعةٌ ، والبلاء منه ليس ممن يَروي عنه ، ولا ممن يروي هو عنهم". وقال نحوه ابن حبان .
    2 ) عكرمة ، عنه :
    أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2944) ، وفي "الصغير" (1/82) ، وفي "مسند الشاميين" (63) قال : حدثنا إبراهيم بن متُّوية ، وابن حبان في "المجروحين" (1/328) قال : حدثنا أحمد بن عمير ابن جوصاء ،
    وأبو نعيم في "الحلية" (5/248) ، والأصبهاني في "الترغيب" (2086) ، عن إبراهيم بن محمد بن الحسن ـ هو ابن متوية ـ قالا : ثنا سعيد
    بن رحمة، ثنا محمد بن حِميَر ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعاً : "من أعان ظالماً ليدحض بباطله حقاً ، فقد برئ من ذمة الله وذمة رسوله ، ومن أكل درهماً من ربا فهو مثل ثلاثة وثلاثين زنية ، ومن نبت لحمه من سحت فالنار أولى به". وهو عند الأصبهاني بأوله.

    وقال أبو نعيم : "غريبٌ من حديث إبراهيم ، تفرد به محمد بن حمير". وهذا إسنادٌ ضعيفٌ جداً ، وسعيد بن رحمة ، قال : ابن حبان في "المجروحين": "يُروىَ عن محمد بن حمير ما لم يُتابَع عليه ، روى عنه أهل الشام ، لا يجوز الاحتجاج به لمخالفته الإثبات في الروايات".
    وقد خالفه الوليد بن عتبة الدمشقي ـ أحد مشايخ أبي داود الثقات ـ فرواه عن محمد بن حمير ، قال : ثنا إسماعيل بن عياش ، عن حنش ، عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً : "من أكل درهماً من ربا مثل
    ستة وثلاثين زنية ، ومن نبت لحمه من السحت فالنار أولى به".

    أخرجه ابن حبان في "المجروحين" (1/243) ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1226) قال : أنبأنا الحسين بن عبد الله القطان ، بالرقََّة ثنا الوليد بن عتبة بهذا.
    وهذا الوجه أولى مما رواه سعيد بن رحمة ، لاسيما وقد توبع محمد بن حمير عليه. فرواه هشام بن عمار ، قال : ثنا إسماعيل بن عياش ،
    عن حنش بهذا الإسناد مثل حديث عمرو بن دينار ، عن ابن عباس والذي تقدم آنفاً.

    أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (56/190) من طريق الحاكم قال : أنبأنا أبو الطيب محمد بن عبد الله ، حدثنا محمد بن شهريار
    ـ وهو نيسابوري ـ حدثنا هشام بن عمار بهذا الإسناد.

    وتابعه أيضاً : يحيى بن عثمان ، ثنا إسماعيل بن عياش بهذا مختصراً أخرجه البيهقي في "الشعب" (5518) وابن عساكر (17/225) والهروي في "ذم الكلام" (131).
    وإسماعيل بن عياش متماسك إذا روى عن أهل الشام ، وليست الرواية من ذالك، ولكن تابعه سليمان التيمي وهو ثقة ثبت ، فرواه عن حنش بهذا الإسناد مختصراً، ليس فيه محل الشاهد.
    أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج11/رقم 11539) ، والحاكم (4/100)
    قال : حدثنا محمد بن جعفر بن محمد بن نصير الخلدي ، قالا : ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا عارم أبو النعمان ، ثنا معتمر ابن سليمان التيمي ، قال : سمعتُ أبي بهذا.

    قال الحاكم : "صحيح الإسناد ، ولم يُخرِّجاه" !!
    فتعقبه الذهبي بقوله : "حنشٌ الرحبيُّ ضعيفٌ".
    * قُلتُ : لو قال : "جدّاً" لطابق ذلك المذكور في ترجمته ، فقد طعن فيه الأئمة طعناً شديداً.
    فتركه أحمد ، والنسائي ، والساجي ، والدارقطني ، وقال النسائي مرة :
    "ليس بثقة".

    وقال البخاري : "أحاديثه مُنكرةٌ جداً ، ولا يُكتب حديثه".
    وقال أبو حاتم : "ضعيف ، منكر الحديث" قيل له : كان يكذب ؟
    قال : "أسأل الله السلامة" !!
    وضعفه ابن معين ، وأبو زرعة الرازي ، وابن عدي ، والعقيلي ، وابن المديني والجوزجاني ، وابن حبان في آخرين.
    وزعم أبو محصن أنه شيخُ صدقٍ !!
    وهذه الشهادة لا تنفعه ، مع طعن الأئمة فيه.
    وقد توبع حنشٌ.
    تابعه خصيف بن عبد الرحمن ، فرواه عن عكرمة ، عن ابن عباس مرفوعاً : فذكره بطوله مثل حديث عمرو بن دينار ، عن ابن عباس ، وقد مرَّ آنفاً.
    أخرجه الخطيب في "تاريخه" (6/76) من طريق إبراهيم بن عبد الله
    بن أيوب ، حدثنا محمد بن بكار بن الريان ، حدثنا إبراهيم بن زياد القرشي، عن خُصيف بهذا الإسناد.

    وإبراهيم بن زياد لا يُعرَفُ كما قال ابن معين ، والذهبي.
    وقال الخطيب : "في حديثه نُكرةٌ".
    ومن كان مجهولاً ، ومع ذلك يروي المناكير ، فهو تالفٌ.
    وخُصيف بن عبد الرحمن في حفظه مقال.
    والحديث منكر ، كما قال الذهبي في "الميزان" (1/546).
    3 ) طاووس ، عنه :
    يرويه محمد بن رافع النيسابوري ، عن إبراهيم بن عمر الصنعاني ، عن النعمان ـ يعني ابن الزبير ـ عن طاووس ، عن ابن عباس مرفوعاً : "الربا نيفٌ وسبعون باباً ، أهون بابٍ من الربا مثل من أتي أمه في الإسلام، ودرهم أشد من خمسٍ وثلاثين زنية ، وأشد الربا ـ أو أربى الربا ـ انتهاك عرض المسلم ، أو انتهاك حرمته".
    ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (1170) وسأل عنه أبا زرعة ، فقال :
    "هذا حديثٌ منكرٌ".

    قُلتُ : وإبراهيم بن عمر الصنعاني مجهول الحال.
    وله طريق آخر يأتي في "حديث البراء بن عازب" إن شاء الله تعالى.
    ثالثاً : حديث أنس t :
    أخرجه ابن أبي الدنيا في "الصمت" (175) ، وابن عدي في "الكامل" (4/1548)، ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1227) قال : حدثنا أحمد بن محمد بن الهيثم ، قالا : ثنا محمد بن علي الحسن
    بن شقيق، قال : سمعت أبي يقول : أخبرني أبو مجاهد ، عن ثابت البُناني، عن أنس بن مالك، قال : خطبنا رسول الله
    r فذكر الربا وعظم شأنه ،
    قال: "إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيا الرجل، وإن أربى الربا عرض الرجل المسلم".

    وهذا حديثٌ منكرٌ ، وأبو مجاهد .. هو عبد الله بن كيسان المروزي ضعفه أبو حاتم الرازي ، وقال النسائي : "ليس بالقوي".
    وأورد له ابن عدي عن ثابت ، عن أنس ، ثم قال : "غير محفوظة". ووثقه ابن حبان والحاكم ، فتَفرُّدُ مثله عن ثابت بأحاديث مما يعد منكراً في هذا الحديث ، والله أعلم.
    وله وجهٌ آخر منكر ، يأتي في "حديث البراء بن عازب" إن شاء الله تعالى.
    رابعاً : حديث عائشة رضي الله عنها :
    وله عنها طريقان :
    1-مجاهد بن جبر ، عنها :
    أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (5/74) ، ومن طريقه ابن الجوزي (1231) قال: حدثنا أبو إسحاق بن جمزة ، قال : حدثنا أبو علي ، محمد بن أحمد بن سعيد ، قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عيشون قال : حدثنا
    عبد الغفار بن الحكم ، قال: حدثنا سوارٌ بن مصعب ، عن ليث ، وخلف بن حوشب ، عن مجاهد ، عن عائشة مرفوعاً : "إن الربا يضعٌ وسبعون باباً ، أصغرها كالواقع على أمه ، والدرهم الواحد من الربا أعظم عند الله من سبعة وثلاثين زنية".

    قال أبو نعيم : "غريب من حديث خلف ، لم نكتبه إلا من هذا الوجه".
    * قُلتُ : وسنده ضعيفٌ جداً.
    وعبد الله بن محمد بن عيشون ، ذكره ابن ماكولا في "الإكمال" (6/311) ، وقال: "روى عن أبي قتادة الحراني ، حدَّث عنه أبو عروبة الحراني ومكحول البيروتي ـ وهو محمد بن عبد الله ـ وابن صاعدٍ".
    ونقل المحقق في الحاشية أن له تآليفَ مشهورة في الفقه والحديث ، وغلب عليه الفقه.
    وعبد الغفار بن الحكم ، ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/420) وهو من رجال "التهذيب" .
    وسوار بن مصعب تركه النسائي وغيره ، وقال البخاري : مُنكرُ الحديث". وقال أبو داود : "ليس بثقة". وقال ابن معين : "ليس بشيء". وليث هو ابن أبي سليم ، ضعيف ، لكنه متابعٌ من خَلَف بن حوشب ، وهو صدوقٌ متماسكٌ ، وسماع مجاهد من عائشة مختلف فيه ، فنفاه شعبة ، ويحيى القطان ، وابن معين ، وأثبته ابن حبان.
    2-ابن أبي مليكة ، عنها :
    أخرجه الدولابي في "الكنى" (1/114) معلقاً ، ووصله العقيلي في "الضعفاء" (3/296) قال : "حدثنا إبراهيم بن عبد الله وأبو الحاكم في "الكنى" (1/423-424) من طريق أحمد ابن يحيى الصوفي قالا : حدثنا سعيد بن محمد الجرمي، قال : حدثنا أبو تميلة ، قال : حدثنا عمران بن أنس ، أبو أنس ، عن ابن أبي مُليكة ، عن عائشة مرفوعاً : "لدرهم ربا أعظم حرجاً عند الله من سبعة وثلاثين زنية". وعند الدولابي : "تسعة وثلاثين". وزاد الدولابي : "إن أربى الربا استحلال عرض الرجل المسلم" ، ثم قرأ قوله تعالى : } والذينَ يُؤْذُونَ المؤمنينَ والمؤمناتِ بغيرِ
    ما اكتسبوا...
    { إلى قوله تعالى : } مُبيِناً { [الأحزاب : 58].
    وأخرجه ابن أبي حاتم في "تفسيره" ـ كما في "تفسير ابن كثير" (6/470) ـ قال: حدثنا أحمد بن سلمة ، حدثنا أو كريب ، حدثنا معاوية بن هشام ، عن عمر بن أنس بآخره.
    ورواه أيضاً : زيد بن الحباب ، عن عمران بن أنس بسنده سواء.
    ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (1159) وعنده : "... من سبع وثلاثين" وسأل أباه عنه ، فقال : "هذا خطأ ، رواه الثوري ، وغيره عن عبد العزيز بن رفيع، عن ابن أبي مليكة ، عن عبد الله بن حنظلة عن كعب ، قوله".انتهى
    * قُلتُ : وعمران بن أنس ، قال البخاري : "منكر الحديث". وقال العقيلي : "عمران بن أنس ، أبو أنس ، عن ابن مليكة لا يتابع على حديثه ، وهذا يروى من غير هذا الوجه مرسلاً ، والإسناد قيه من طرق لينة".
    وقال أبو أحمد الحاكم : "حديثه ليس بالمعروف".
    أما رواية الثوري التي ذكرها أبو حاتم :
    فأخرجها أحمد (5/225) ، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخه" (29/289)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (1223) قال : حدثنا وكيع ، والدارقطني (3/16) ، عن محمد بن يوسف الفريابي ، والبيهقي في "الشعب" (5516) عن أبي أسامة حماد بن أسامة ، وابن عساكر (29/289) عن أبي أحمد الزبيري كلهم عن سفيان الثوري
    عن عبد العزيز بن رفيع ، عن ابن أبي مليكة ، عن عبد الله بن حنظلة ، عن كعب ، قال : "لأن أزني ثلاثة وثلاثين زنية ، أحبُ إلىَّ من أن آكل درهم ربا يعلم الله أني أكلته حين أكلته ربا". وإسناده صحيح

    ووقع في "مسند أحمد" : "حنظلة" وهو خطأ قديم نبه عليه ابن عساكر.
    ورواه ابن جريج ، قال : حدثني ابن أبي مليكة ، أنه سمع عبد الله بن حنظلة بن الراهب يحدث في الحجر عن كعب الأحبار ، قال : "درهم ربا يأكله الإنسان في بطنه وهو يعلمه أعظم عليه في الإثم يوم القيامة من
    ست وثلاثين زنية".

    أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (2/258) قال : حدثنا محمد بن موسى البلخي ، قال : حدثنا مكي بن إبراهيم ، قال حدثنا ابن جريج بهذا وقال : "حديث ابن جريج أولى".
    وقد صوَّب الدارقطني ـ وسبقه أبو حاتم الرازي ـ هذا الوجه أيضاً.
    خامساً : حديث الأسود بن وهب ، خال النبي r :
    أخرجه ابن مندة في "الصحابة" (1/183) قال أخبرنا عسان بن أبي غسان القُلزمي بها ، قال : حدثنا موسى بن عمر قال : حدثنا محمد بن العباس
    بن خلف، قال : حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، قال : حدثنا صدقة بن
    عبد الله ، عن أبي معبد حفص بن غيلان عن زيد بن أسلم ، قال : حدثني وهب بن الأسود ، عن أبيه الأسود بن وهب ، خال النبي
    r ، قال :
    إن النبي
    r قال له : "ألا أنبئك بشيء عسى الله أن ينفعك به ؟" قال :
    قلتُ بلى، علمني مما علمك الله. قال : "إن الربا أبواب ، الباب منه عدل سبعين حوباً ، أدناها فجرةٌ كاضطجاع الرجل مع أمه ، وإن أربى الربا استطالة المرء في عرض أخيه بغير حقه".

    قال الحافظ في "الإصابة" (1/78) :
    "ورواه ابن قانع في "معجمه" من طريق أبي بكر بن الأعين ، عن عمرو
    ابن أبي سلمة ، فقال : عن وهب بن الأسود خال الرسول
    r ، ولم يقل :
    "عن أبيه" ، وأدخل بين "صدقة" و "زيد" : "الحكم الأيلي ، والحكم وصدقة ضعيفان". انتهى

    * قلتُ : الذي رأيته في "معجم ابن قانع" (1/20) قال : حدثنا
    الحسين بن عبد الحميد الموصلي ، نا محمد بن عمار الموصلي ، نا القاسم
    ـ يعني : الجرمي ـ عن صدقة ، عن أبي مُعَيدٍ ، أن وهب بن الأسود ، حدثه عن أبيه الأسود بن وهب ، عن رسول الله
    r فذكره وعنده : "وإن أربى الربا اعتباط المرء في عِرضِ أخيه المسلم بغير حق".
    وأخرجه أبو نعيم في "المعرفة" (1/273) من طريق أبي حميد الحمصي ، ثنا يونس بن أبي يعقوب العسقلاني ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة ، عن أبي مُعيد ، عن زيد بن أسلم ، عن وهب بن الأسود عن أبيه الأسود بن وهب ، عن النبي r فذكر آخره.
    ورواه القاسم ، عن عائشة أن الأسود بن وهب خال النبي r استأذن عليه، فقال: "يا خال ادخل" فدخل ، فبسط له رداءه ...
    الحديث أخرجه ابن شاهين ، وقال الحافظ في "الإصابة" : "في إسناده عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامي، وهو ضعيف".
    وأخرجه ابن قانع في "معجم الصحابة" (3/179) ، وأبو نُعيم في "المعرفة" (5/2718) كلاهما في ترجمة : "وهب بن الأسود ابن خال النبي r
    من طريق أبي بكر الأعين محمد بن أبي عَتَّاب ، ثنا أبو حفص التنيسي عمرو بن أبي سلمة، عن الهيثم بن حميد ، عن أبي مُعيد ، عن زيد
    بن أسلم ، عن وهب بن الأسود ابن خال النبي
    r .
    وهذا اضطرابٌ ظاهرٌ يسقط به الحديث ، والله أعلم.
    سادساً : حديث ابن مسعود t :
    أخرجه الحاكم (2/37) ، وعنه البيهقي في "الشعب" (5519) قال : حدثنا أبو بكر بن إسحاق ـ زاد في "المستدرك" : وأبو بكر بن بالويه ـ قالا :
    ثنا محمد بن غالب ، ثنا عمرة بن علي ، ثنا ابن أبي عدي ، ثنا شعبة ، عن زبيد ، عن إبراهيم ، عن مسروق ، عن عبد الله مرفوعاً : "الربا ثلاثة وسبعون باباً ، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ، وإن أربى الربا ، عِرضُ الرجل المسلم".

    قال الحاكم :
    "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه".
    كذا قال ! وقال تلميذه البيهقي ، وهو أقعد منه : "هذا إسنادٌ صحيحٌ ،
    والمتن منكر بهذا الإسناد ، ولا أعلمه إلا وهما ، وكأنه دخل لبعض رواته إسنادٌ في إسنادٍ".

    * قلتُ : وكان الوهم من محمد بن غالب ، وهو الملقب بـ "تمتام" ، قال الدارقطني : "ثقة مأمون ، إلا أنه يُخطئُ".
    وقد خالفه ابن ماجة ، فرواه في "سننه" (2275) ، والبزار في "مسنده" (1935) قال : ثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا ابن أبي عدي بهذا الإسناد بلفظ: "الربا ثلاثة وسبعون باباً". زاد البزَّار : "والشرك مثل ذلك". ولم يذكرا بقية المتن المنكر. قال البزَّار : "وهذا الحديث لم نسمع أحداً أسنده بهذا الإسناد ، إلا عمرو
    بن علي".

    وعمرو بن علي ثقة متقن مجود ، ولكن رواه سفيان الثوري ، عن زبيد ، عن إبراهيم ، عن مسروق ، عن ابن مسعود ، قال : "الربا بضعٌ وسبعون باباً ، والشرك نحو ذلك".
    أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (80/315/15347) ، والطبراني في "الكبير" (ج9/رقم 6908) عن أبي نعيم الفضل بن دكين قالا : ثنا الثوري بهذا، وليس عند الطبراني آخره. وهذا صحيح موقوف.
    وأخرجه عبد الرزاق (15346) عن الثوري أيضاً ، عن الأعمش ، عن عمارة، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن ابن مسعود ، قال : "الربا بضعة وسبعون باباً ، أهونهم كمن أتى أمه في الإسلام". وإسناده صحيح على شرط الشيخين ، وعمارة هو ابن عمير ، وهو صحيح مرفوعاً كما مر من حديث شعبة دون هذه الزيادة المنكرة ، والله أعلم.
    وله إسنادٌ آخر موقوف يأتي ذكره في "عبد الله بن سلام" إن شاء الله تعالى.
    وأخرجه الخلاَّل في "السنة" (1325) قال : حدثنا أبو عبد الله ـ يعني الإمام أحمد ـ قال : ثنا حجاج ـ هو محمد الأعور ـ قال : ثنا شريك، عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود قال : "الربا بضعٌ وستون باباً ، والشرك نحوٌ من ذلك".
    وشريك النخعي سيء الحفظ ، وأبو وائل ـ هو شقيق بن سلمة ـ وجعلها المحقق "وائل" وقال : في الأصل : عن أبي وائلٍ ، وهو خطأ ، والصواب : وائل ، وهو ابن ربيعة". انتهى وليس ما فعله بجيد ، وليس معنى أن الأثر قبله عن وائل بن ربيعة ، أن يكون الذي بعده عن وائل بن ربيعة ، وعاصم بن أبي النجود يروي عن وائل أيضاً ، والله أعلم.
    سابعاً : حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما :
    أخرجه الطبراني في "الأوسط" (7151) قال : : حدثنا محمد بن عبد الرحيم الديباجي ، ثنا عثمان بن أبي شيبة ، ثنا معاوية بن هشام ، نا عمرُ بن راشد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن البراء بن عازب مرفوعاً : "الربا اثنان وسبعون باباً ، أدنا مثل إتيان الرجل أمه ، وأربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه". وأخرجه ابن أبي شيبة ـ كما في "المطالب العالية" (11/879) قال : حدثنا معاوية بن هشام بهذا الإسناد.
    قال الطبراني : "لم يروِ هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير ، إلا عمر بن راشد ، ولا رواه عن عمر بن راشد إلا معاوية بن هشام ، ولا يروي عن البراء إلا بهذا الإسناد".
    ومعاوية بن هشام وثقه أبو داود ، والعجلي ، وابن حبان ، وقال :
    "ربما أخطأ".

    وقال أحمد : "كثير الخطأ".
    وقال ابن معين : "صالحٌ ، وليس بذاك".
    وقد خالفه عبد الرزاق ، فرواه في "مصنفه" (8/314/15345)
    عن عمر بن راشد ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن رجلٍ من الأنصار ، قال:
    قال رسول الله
    r: "الربا أحدٌ وسبعون ـ أو قال : ثلاثةٌ وسبعون حوباً ـ أدناه مثل إتيان الرجل أمه، وأربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم".
    ورواه محمد بن يوسف الفريابي ، عن عمر بن راشد ، عن يحيى
    بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن البراء بن عازب مرفوعاً : "الربا اثنان وسبعون باباً، أدناها مثل إتيان الرجل أمه ، وأربى الربا استطالة الرجل في عرض أخيه".

    أخرجه ابن أبي حاتم في "المراسيل" (916) قال : حدثنا أبي ، ثنا محمد بن خلف العسقلاني ، نا الفريابي بهذا.
    وسأل ابن أبي حاتم أباه ، كما في "المراسيل" و "العلل" (1136) عن هذا الحديث، فقال : "هو مرسلٌ ، لم يدرك يحيى بن إسحاق .. البراء ، ولا أدرك والدهُ البراء". انتهى
    * قلتُ : وكنت ذكرت في "غوث المكدود" (2/219) أنني لم أجد ترجمة ليحيى بن إسحاق ، وهو ناتج عن تقصير في البحث ، فقد ترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (4/2/125) ونقل عن يحيى بن معين توثيقه.
    وهذا الاختلاف من عمر بن راشد.
    فقد قال أحمد : "لا يساوي حديثه شيئاً".
    وقال مرَّةُ : "حديثه ضعيف ليس بمستقيم ، حدث عن يحيى بن أبي كثير بأحاديث مناكير" وضعفه ابن معين. وقال النسائي : "ليس بثقة" وتكلم البخاري، وأبو داود، والحاكم في روايته عن يحيى بن أبي كثير ، وليَّنهُ
    أبو زرعة ، ومشَّاه العجلي ، وهذا أحد وجوه الاختلاف على يحيى بن أبي كثير في إسناده. وقد تقدم أن عكرمة رواه عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة.

    ووجهٌ آخر من الاختلاف : فرواه الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أنس مرفوعاً : "الربا سبعون باباً ، أهونه باباً منه الذي يأتي أمه في الإسلام وهو يعرفها ، وإن أربى الربا خرق المرء عرض أخيه ،
    وخرق عرض أخيه أن يقول فيه ما يكره من مساويه ، والبهتان أن يقول ما ليس فيه".

    أخرجه الدارقطني في "الإفراد" ـ كما في "أطراف الغرائب" (1288) ومن طريقه ابن الجوزي " الموضوعات" (1228) قال : حدثنا أحمد بن محمد بن إبراهيم الصلحي ، قال : حدثنا أبو فروه ، عن يزيد بن محمد
    قال : حدثنا أبي ، قال : حدثنا طلحة بن زيد ، عن الأوزاعي ، عن يحيى
    بن أبي كثير بهذا.

    قال الدارقطني :
    "غريب من حديث يحيى ، عن أنس ، وغريب من حديث الأوزاعي ،
    عن يحيى، تفرد به : طلحة بن زيد ، عن الأوزاعي ، تفرد به عنه : محمد بن يزيد بن سنان".

    أما طلحة بن زيد ، فتالفٌ يروي عن الأوزاعي المناكير ، وأبو فروة : يزيد بن محمد بن سنان ، ترجمه ابن حبان (9/276) وكذلك ذكره السمعاني في "الأنساب" (6/195) وأبوه : محمد بن يزيد بن سنان ليَّنَه النسائي ، وضعفه أبو داود والدارقطني ، وقال البخاري : "يروي عن أبيه المناكير".
    وقال أبو حاتم : "هو أشد غفلة من أبيه".
    ووثقه الحاكم ، ومسلمة بن قاسم.
    وقد خالفه عكرمة بن عمار ، فرواه عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير عن ابن عباس قوله.
    ذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (1/372/1105) ونقل عن أبيه قال:
    "هذا أشبه" ، يعني من حديث عكرمة ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة، ومن حديث محمد بن يزيد بن سنان ، عن الأوزاعي ، عن يحيى ، عن أنس.

    ثامناً : حديث عبد الله بن سلام t :
    أخرجه الطبراني في "الكبير" (411 ـ جزء منه) قال : حدثنا المقدام ابن داود قال: حدثنا أبو الأسود النضر بن عبد الجبار ، قال : حدثنا ابن لهيعة ، عن أبي عيسى الخراساني : سليمان بن كيسان ، عن عطاء الخراساني ، عن عبد الله بن سلام مرفوعاً : "الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله من ثلاثة وثلاثين زنية يزنيها في الإسلام".
    وقال : "إن أبواب الربا اثنان وسبعون حوباً ، أدناها كالذي يأتي أمه في الإسلام".
    * قلتُ : وابن لهيعة ضعيفٌ ، وسليمان بن كيسان ترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/1/137-138) ولم يذكر فيه شيئاً وذكره ابن حبان في "الثقات" (6/392).
    وخالفه معمر بن راشد ، فرواه عن عطاء الخرساني ، أن عبد الله بن سلام قال : "الربا اثنان وسبعون حوباً ، أصغرها حوباً كمن أتى أمه في الإسلام ، ودرهمٌ من الربا كبضعٍ وثلاثين زنية".
    أخرجه البيهقي في "الشعب" (5514) ، عن أحمد بن منصور الرمادي ، قال : ثنا عبد الرزاق ، وهذا في "مصنفه" (15344) قال : أخبرنا معمرٌ بهذا.
    وعند البيهقي : "أشد من بضعٍ وثلاثين زنية". وزاد : قال : ويأذن له في القيام، البر والفاجر يوم القيامة ، إلا آكل الربا فإنه لا يقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس".
    هكذا رواه معمر موقوفاً.
    * قلتُ : وهذا أشبه من المرفوع ، وإن كان الموقوف لا يصح أيضاً ، فقد سُئل ابن معين : عطاء الخُراساني لقيَ أحداً من أصحاب رسول الله r؟ قال : "لا أعلم". وقال أحمد : "لم يسمع من ابن عباس ، ولا من ابن عمر شيئاً". وقال أبو زرعة : "لم يسمع من أنس".
    فإذا كان الأمر كذلك ، فلا يصح له سماعٌ من عبد الله بن سلام ، فإن عبد الله بن سلام مات بالمدينة سنة (43هـ) ، ومات ابن عباس سنة (68هـ)، وابن عمر سنة (73) ، وأنس سنة (93) ، فإذا كان لم يسمع من هؤلاء مع تأخر وفاتهم ، فعدم سماعه من عبد الله بن سلام أولى ، والله أعلم.
    تاسعاً : حديث علي بن أبي طالب t :
    أخرجه ابن شيبة في "المصنف" (6/561) قال : حدثنا ابن فُضيل ، عن ليث ، عن الحكم ، عن عليِّ ، قال : "لدرهمُ ربا أشد عند الله من ستٍ وثلاثين زنية". موقوفٌ.
    وسنده ضعيفٌ جداً ، وليث هو ابن أبي سُليم ضعيف ، والحَكمُ بن عُتبة لم يُدرك علي بن أبي طالب ، والله أعلم.
    عاشراً : حديث عبد الله بن حنظلة t :
    أخرجه أحمد (5/255) ، ومن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (29/288)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (2/246) ، والدارقطني (3/16) والبزار (3381 ـ البحر) ، عن يحيى بن يزداد ، قالا : ثنا حسين بن محمد ، قال : أخبرنا جرير بن حازم ، عن أيوب ، عن ابن أبي مليكة ، عن عبد الله بن حنظلة t ، قال : قال رسول الله r : "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلمُ أشدُّ من ستةٍ وثلاثين زنية". قال البزار : "وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن النبي r إلا عن عبد الله بن حنظلة عنه ، وقد رواه بعضهم ، عن ابن أبي مليكة ، عن رجل ، عن عبد الله
    بن حنظلة". كذا قال ! وفيما مضى يردُّ عليه. وهذا الوجه أحدُ وجوه الاختلاف على ابن أبي مليكة في إسناده كما مرَّ في حديث عائشة رضي الله عنها ، والصحيح أنه عن كعب الأحبار كما مرَّ تحريره ، والله أعلم.

    ثم اعلم ـ أيها المسترشد ـ أن هذا الحديث باطلٌ ، ولم يُصب من قَوَّاه ، مثل السخاوي رحمه الله ، فإنه ذكر طرقه في "الفتاوى الحديثة" (1/133) وقال : "الحديث لا يكون من شرط الصحيح ، بل يكون حسناً ؛ لأن له شواهد أخرى لا بأس بها".
    كذا قال ! وقد مرَّ بك طرق الحديث وشواهده ، ولا يُقوِّي بعضُها بعضاً لشدة ضعفها.
    وما أحسن ما قاله ابن الجوزي عقب ذكره الحديث في "الموضوعات" : "واعلم أن مما يَرُدُّ صحة هذه الأحاديث ، أن المعاصي إنما يُعلَمُ مقاديرها بتأثيرها ، والزنا يُفسِدُ الأنسابَ ، ويَصرِفُ الميراثَ إلى غير مستحقيه ، ويؤثر من القبائح ما لا تؤثر لقمة ربا ، لا تتعدى ارتكابَ نهيٍ ، فلا وجهَ لصحة هذا". انتهى
    * قُلتُ : فهذا ما انتهى إليه بحثي حول درجة هذا الحديث ، وقد أثبتُ بالبرهان بطلانه ، وأنه لا يصح إلا موقوفاً ، وليس له حكم المرفوع ، كما لا يخفى على أرباب هذه الصناعة ، وأما شيخنا رحمه الله تعالى فهو العَلَمُ المُفرَدُ في هذا الفن، ولكن كلُّ أحدٍ يُؤخذُ من قوله ويترك إلا النبي r ، وما استفدنا هذه الفائدة إلا من شيخنا الألباني رحمه الله تعالى ، فقد هز العقول، وأنار البصائر ، وأنقذنا الله تعالى به من رانِ التقليد بغير دليل ، فرحمةُ الله تعالى تتْرىَ عليه ، وعلى سائر أهل العلم.

    نفس المصدر السابق رقم 6
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  6. #26
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله

    7-ما درجة حديث أبي هريرة t عن النبي r :
    "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً".
    والجواب : أن هذا حديثٌ ضعيفٌ.
    أخرجه الطبراني في "الأوسط" (5641) ، والعقيلي في "الضعفاء" (4/192) قالا : حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي ، قال : نا صالح بن زياد السوسي ، قال : نا منصور بن إسماعيل الحراني ، عن ابن جريج ، وطلحة بن عمرو ، عن عطاء ، عن أبي هريرة ، عن النبي r : "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً" .
    وأخرجه ابن حبان في "الثقات" (9/172) قال : حدثني ابن ناجية ، وابن المُقرِئ في "المعجم" (924) قال : حدثنا صالح بن الأصبغ قالا : ثنا صالح بن زياد السوسي أبو شعيب بهذا الإسناد.
    غير أنه وقع عند ابن المقرئ :"طاووس" بدل "عطاء وأخشى أن يكون قد تصحَّفَ على الناسخ.
    قال الطبراني : "لم يروِ هذا الحديث عن ابن جريج ، إلا منصور بن إسماعيل". وقال العقيلي : "منصور بن إسماعيل ، عن ابن جريج ، لا يتابع عليه". كذا قالا ! ولم يتفرد به منصور بن إسماعيل ، فتابعه عبد الله بن سالم ، فرواه عن ابن جريج ، عن عطاء ، عن أبي هريرة مرفوعاً مثله.
    أخرجه أبو الفضل الزهري في "حديثه" (ج4/ق80/1) قال : أخبرنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، نا عمر بن حفص الوصابي ، نا بقية الوليد ،
    عن عبد الله بن سالم ، عن ابن جريج بهذا.
    وتابعه سعيد بن عمرو السكوني ، قال : حدثنا بقية بن الوليد بهذا.
    أخرجه الدارقطني في "فوائد أبي الطاهر الذهلي" (ج23/رقم 114).
    وذكره ابن أبي حاتم في "العلل" (2545) من طريق بقية ، ونقل عن أبيه
    أنه قال: "هذا حديثٌ منكرٌ ، إنما يرويه طلحة بن عمرو ، عن عطاء ،
    عن النبي r ".
    قال العقيلي : "ليس بمحفوظٍ من حديث ابن جريج ، وإنما يعرف بطلحة بن عمرو، وتابعه قوم نحوه في الضعف".
    وقال في ترجمة "طلحة بن عمرو" (2/225) : "ولا يصح لمنصور عن
    ابن جريج".
    أما الوجه الأول : ففيه منصور بن إسماعيل ، ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال : "يُغرِب" ، وضعفه العقيلي كما رأيت.
    والوجه الثاني : فيه عمر لن حفص الوصابي من شيوخ أبي داود ، قال : ابن المواق : "لا يُعرفُ حاله" ، وبقية بن الوليد مدلِّس ، ولم يُصرِّح بتحديث ، لا عن شيخه ، ولا في كل طبقات السند ، وعبد الله بن سالم هو أبو يوسف الحمصي ، وثقه ابن حبان (7/36) ، وقال الدارقطني : "من الأثبات". وقال النسائي : "ليس به بأسٌ". وقال عبد الله بن يوسف التنيسي: "ما رأيتُ أحداً أنبل في مروءته وعقله منه". وكذلك قال يحيى بن حسان التنسي ، وابن جريج مدلِّسٌ وقد عنعنه.
    فالإسناد ضعيفٌ جداً.
    وأما حديث طلحة بن عمرو :
    فأخرجه الطيالسي (2535) والحارث بن أبي أسامة (920 ـ زوائده) وأبو نعيم في "الحلية" (3/322) ، وابن الأعرابي في "المعجم" (1526) ، والخطابي في "العزلة" (ص 115) ، والبيهقي في "الشعب" (8371) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (630) عن أبي عاصم النبيل ، والحربي في "الغريب" (2/609) عن وكيع ، والبزار (1922) ، وأبو نعيم في "الحلية" (3/322) ، والعقيلي في "الضعفاء" (2/224-225) والقضاعي في
    "مسند الشهاب" (629) ، وابن الجوزي في "الواهيات" (1235) ،
    عن أبي نعيم الفضل بن دكين ، والطبراني في "الأوسط" (5641) ،
    وأبو الشيخ قي "الأمثال" (16) عن عثمان ابن عبد الرحمن، وابن عدي في "الكامل" (4/108) عن جرير بن حازم ، وابن أبي الدنيا في "الإخوان" (104) عن معتمر بن سليمان ، والقضاعي (631)، عن عمرو بن محمد العنقزي ، وأبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/185)، وأبو الشيخ في "الأمثال" (15) ، عن النعمان بن عبد السلام ، وابن الجوزي في "الواهيات" (1238) ، عن أبي الحسن الحربي في "الفوائد المنتقاة" (110) عن علي بن مسهر ، كلهم عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة مرفوعاً.
    قال البزار : "لا يُعلَمُ في : "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً" ، حديث صحيح".
    وقال العقيلي (2/139) :
    "ليس في هذا الباب شيءٌ يَثبُتُ".
    وقال ابن حبان في "روضة العقلاء" (ص 122) :
    "لا يصح من جهة النقل".
    وقال البيهقي : "طلحة بن عمرو غير قوي ، وقد روى هذا الحديث بأسانيد هذا أمثلها" !!
    * قُلتُ : وإسناده ضعيف جداً ، وطلحة بن عمرو متروك.
    وتابعه ابن جريج فيما مضى ، ولا يصح الطريق إليه.
    وتابعه أيضاً محمد بن عبد الملك الأنصاري ، فرواه عن عطاء بن
    أبي رباح بهذا.
    أخرجه ابن عدي (6/159) قال : حدثنا زيد بن عبد الله بن زيد ، ثنا أحمد
    بن محمد بن سيَّار ، ثنا يحيى بن سعيد ، عن محمد بن عبد الملك بهذا.
    وابن عبد الملك ضعيفٌ جداً ، كما قال ابن عدي ، وكل أحاديثه مما
    لا يتابعه الثقات عليه. ورواه الأوزاعي ، عن عطاء مثله .
    ولا يصح عن الأوزاعي . ومحمد بن خليد الذي يرويه عن عيسى بن يونس قال العقيلي (2/225) : "يَضعُ الحديث" وكذلك قال ابن عدي.
    قال ابن حبان في "المجروحين" (2/302 ، 303) : "محمد بن خليد يقلب الأخبار، ويُسنِدُ الموقوف ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ، وهذا الحديث هو حديث عيسى بن يونس ، عن طلحة بن عمرو ، عن عطاء ، فجعل مكان طلحة : الأوزاعي".
    ورواه يحيى بن أبي سليمان ، قال : حدثنا عطاء بن أبي رباح بهذا.
    أخرجه الخطيب في "تاريخه" (14/108) ، وفي "الموضح" (2/10)
    عن عبد الله بن رجاء ، وابن أبي حاتم في "العلل" (2431) ، وابن عدي (7/2686) ، والدارقطني في "فوائد أبي الطاهر الذهلي" (ج23/رقم 113)، والبيهقي في "الشعب" (8372) عن أبي سعيد مولى بني هاشم كليهما عن يحيى بن أبي يحيى بن أبي سليمان بهذا.
    وقال أبو حاتم : "من الناس من يروي هذا الحديث ، عن يحيى
    بن أبي سليمان، عن رجل حدثه عن عطاء ، وهذا الرجل الذي حدثه هو
    طلحة ابن عمرو". وهذا الاضطراب من يحيى هذا ، فقد ترجمه البخاري في "الكبير" (4/2/280)، وابن أبي حاتم (4/2/154-155) ، ونَقلَ عن أبيه قال : "ليس بالقوي ، مضطرب الحديث ، يكتب حديثه".
    ونقل ابن عدي عن البخاري قال : "منكر الحديث".
    وأورد له ابن حبان في ترجمته (7/610) حديثاً منكراً ، وهو ما رواه سعيد بن أبي مريم ، ثنا نافع بن يزيد ، عن يحيى بن أبي سليمان ،
    عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة مرفوعاً : "من حضر معصية فكرهها ، فكأنما غاب عنها ، ومن غاب عنها فأحبها ، فكأنه حضرها".
    وأخرجه ابن عدي (7/2686) ، والبيهقي (7/266) من هذا الوجه.
    وقال البيهقي : "تفرد يحيى بن أبي سليمان وليس بالقوي".
    وقال الذهبي في ترجمة "طلحة بن عمرو" (2/341) : وتابعه يحيى بن أبي سليمان المكي ، وهو دونه".
    كذا قال : "المكي" بينما قال المزيُّ : "المدني".
    وكذلك قال البخاري ، وابن حبان.
    أما الحاكم فقال : "من ثقات المصريين" ! والقدْرُ الذي ذكره من ترجم له الحديث يدل على ضعفه ، والله أعلم.
    ورواه أيضاً : يزيد بن عبد الله القرشي ، عن عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة مرفوعاً مثله.
    أخرجه ابن عدي (2/448) قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عبد الكريم ، ثنا مالك بن الخليل ، حدثنا أبو علي الدارسي ، ثنا يزيد بن عبد الملك بهذا ، ورواه في إسناده : "ابن عمر".
    وسنده واهٍ ، وأبو علي الدارسي هو بشر بن عبيد.
    قال ابن عدي : "منكر الحديث عن الأئمة". وختم ترجمته بقوله : "وبشر بن عبيد الدارسي هذا، بيِّنُ الضعف أيضاً ، ولم أجد للمتقدمين في كلاماً ، ومع ضعفه أقل جُرماً من بشر بن إبراهيم الأنصاري ؛ لأن بشر بن إبراهيم إذا روى عن ثقات الأئمة أحاديث ، وضعها عليهم ، ، وبشر بن عبيد إذا روى إنما يروي عن ضعيف مثله ، أو مجهول ، أو محتمل ، أو يروي عمن يرويه أمثالهم". انتهى
    ورواه عثمان بن عبد الرحمن ، قال : ثنا عطاء بهذا.
    أخرجه بن عدي في "الكامل" (5/161) قال : حدثنا علي ابن إسماعيل بن أبي النجم ، وأبو الشيخ في "الأمثال" (16) قال : حدثنا عمرو بن الحسن الحلبي قالا : ثنا عامر بن سيار ، ثنا أبو عمرو القرشي ـ عثمان بن عبد الرحمن ـ قال : حدثني عطاء بن أبي رباح ، عن أبي هريرة مرفوعاً : "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً".
    وعامر بن سيار ترجمه ابن حبان (8/502) وقال : "ربما أغرب". وعثمان بن عبد الرحمن ، هو أبو عمرة البصري ، قال ابن عدي : "منكر الحديث". وختم ترجمته بقوله : "عامة ما يرويه مناكير ، إما إسناداً ، وإما متناً". وناقضه الذهبي ، فقال في "الميزان" (3/47) : "وهم ابن عدي إنما هذا الوقاصي، لا الجُمحي".
    وصدق الذهبي ، لاسيما ، وعامر بن سيار يقول : ثنا أبو عمرو القرشي وهذا ينطبق على الوقاصي ، فكنيته : أبو عمرو ، ونسبه ينتهي إلى
    سعد بن أبي وقاص القرشي t ، والوقاصي أحد الهلكى.
    وسماه ابن حبان في "المجروحين" (2/282) : "محمد بن عثمان
    أبا عمرو القرشي".
    وذكر الحديث في ترجمته ، وغلطه الدارقطني فقال في "تعقباته على
    ابن حبان" (ص 245) : "قولُهُ : محمد بن عثمان خطأ ، إنما هو عثمان بن عبد الله أبو عمرو الزهري الشامي ، روى عنه عامر بن سيار وغيره".
    كذا قال : "ابن عبد الله" والصواب أنه : "ابن عبد الرحمن" كما قال ابن عدي وغيره.
    وله طرق عن أبي هريرة t :
    1-الحسن البصري ، عنه :
    أخرجه ابن عدي (3/291) عن أحمد بن محمد بن عمر بن يونس والعقيلي (2/198) قال : حدثنا إبراهيم بن محمد ، وأبو نعيم في
    "أخبار أصبهان" (2/217) ، عن محمد بن زكريا قالوا ثنا سليمان بن كرَّان، ثنا مبارك بن فضالة، عن الحسن ، عن أبي هريرة مرفوعاً مثله.
    وسليمان بن كران ـ براءٍ مهملة آخره نون ـ ووقع عند العقيلي
    وأبي نعيم "كرَّاز" آخره زاي ، وهو وجهٌ في اسمه ـ وذكر الحافظ الذهبي في "الميزان" (2/221) أنه وقع في نسخه عتيقة لضعفاء العقيلي بالنون.
    وصوب أبو الحسن بن القطان ، وابن ماكولا (7/172) أنه "كراز"
    براءٍ مثقلةٍ وزاي.
    قال العقيلي : "الغالب على حديثه الوهم".
    وأورد له ابن عدي حديثين ـ هذا أحدهما ـ ثم قال : "وهذا عن مبارك بهذا الإسناد ، يرويه عنه سليمان بن كران ... وهذا الحديث يُحتمل عن مبارك بن فضالة ، لأن مباركاً لا بأس به".
    والحسن لم يسمع من أبي هريرة t :
    2 ، 3-الأعرج وأبو يونس ، عنه :
    أخرجه ابن عدي في "الكامل" (3/146) قال : حدثنا عصمة ابن بجماك([1]) بخاريُّ، حدثنا عيسى بن صالح المؤذن بمصر ، ثنا روح ابن صلاح ، ثنا ابن لهيعة ، عن الأعرج ، وأبي يونس ، عن أبي هريرة مرفوعاً.
    ثم رواه ابن عدي من طريق عيسى بن صالح مرة أخرى قال : ثنا روح بن صلاح ، ثنا ابن لهيعة ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن نافع ، عن ابن عمر مرفوعاً مثله.
    قال ابن عدي : "وهذا الحديثان بإسناديهما ليسا بمحفوظين ، ولعل البلاء فيه من عيسى هذا ، فإنه ليس بمعروف".
    * قُلتُ : "توبع عيسى بن صالح على حديث ابن عمر.
    فأخرجه الطبراني في "الأوسط" (87) قال : حدثنا أحمد بن يحيى ابن خالد ، قال : نا روح بن صلاح بهذا الإسناد بلفظ :
    "زوروا غبّاَ ... " . وقال : "لم يروِ هذا الحديث عن نافع ، إلا يزيد بن أبي حبيب ، ولا عن يزيد ابن لهيعة ، تفرد به : روح بن صلاح".
    وروح بن صلاح قال ابن عدي : "يقال له : ابن سيابة ، ضعيف".
    وكذلك ضعفه الدارقطني ، ووثقه الحاكم ، وذكره ابن حبان في "الثقات" وابن لهيعة سيء الحفظ ، فالإسناد ضعيفٌ جداً.
    4-أبو سلمة ، عنه :
    أخرجه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/115) من طريق عبد الرحمن بن محمد بن الجارود ، ثنا هلال بن العلاء ، ثنا معمر بن مخلد السروجي ، ثنا عبدةُ ، عن محمد بن عمرو ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة مرفوعاً.
    وعبد الرحمن بن محمد ترجمه أبو نعيم في موضع الحديث ، ولم يذكر فيه شيئاً. ومعمر ـ ويقال : مُعَمَّرٍ بتشديد الميم ـ ابن خلدون السروجي من رجال "التهذيب" ووثقه النسائي ، وترجمه ابن أبي حاتم (4/1/259) ، ولم يذكر فيه شيئاً. وذكر أبو علي القشيري في "تاريخ الرقة" (ص 169) : أنه مات بملطية سنة إحدى وثلاثين ومئتين ، وبقية رجاله معروفون ،
    وهو عندي غريب جداً، ولعل آفته ابن الجارود هذا ، فلست أعرف من حاله شيئاً.
    ورواه ابن عُلاثة ، عن الأوزاعي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعاً مثله :
    أخرجه العسكري ـ كما في "المقاصد" (ص 233).
    وهذا حديثٌ منكر عن الأوزاعي.
    وابن عُلاثة ، هو : محمد بن عبد الله بن عُلاثة ، قال الحاكم : "ذاهب الحديث، يروي عن الأوزاعي وغيره أحاديث موضوعة".
    وكذلك قال ابن حبان :
    وقال البخاري : "في حديثه نظر".
    أما ابن معين فوثقه ، وابن سعد ، ومشاه ابن عدي ، ولكنه لا يفيده في هذا الموضع ؛ لأن روايته هنا عن الأوزاعي.
    5-إسماعيل بن وردان ، عنه :
    أخرجه ابن عدي في "الكامل" (3/1077) ، ومن طريقه ابن الجوزي في "الواهيات" (2/254) قال : حدثنا محمد بن الحسين ابن علي الطبري ، قال: حدثنا يوسف بن أحمد بن إبراهيم الصنعاني ، نا عبد الله بن مطاع ، ثنا عبد الملك الدماري ، عن زهير الخراساني ، عن إسماعيل بن وردان ،
    عن أبي هريرة قال : خرج رسول الله r من بيت عائشة فتبعته ، ثم خرج من بيت أم سلمة فتبعته ، فالتفت إليَّ ثم قال : "يا أبا هريرة زُرْ غِبّاً
    تزدد حُبّاً".
    وعبد الملك هو ابن محمد الدماري أبو هشام ويقال : أبو العباس وقال الذهبي: وقيل : ابن عبد الرحمن ، أبو الزرقا الصنعاني ، ويقال : هما شيخان رويا عن الأوزاعي ، وروى عنهما عمرو بن عليّ".
    وكذلك قال المزي في "التهذيب" (18/335-336).
    وقال أبو زرعة الرازي : "منكر الحديث".
    وقال أبو حاتم : "ليس بقوي".
    كذا في "الجرح والتعديل" (2/2/356) ونقل عن عمرو بن علي الفلاس أنه قال : ثنا عبد الملك بن عبد الرحمن الدماري وكان ثقة". ونقل المزي في "التهذيب" أن الفلاس قال في موضع آخر : "كان صدوقاً". وذكره ابن حبان في "الثقات" (8/386) وفرق البخاري وأبو حاتم بين أبي العباس
    وأبي هشام. وزهير الشامي هو ابن محمد التميمي ، وهو صدوق في نفسه، ولكن أهل الشام رووا عنه مناكير ، كما قال أحمد ، وابن معين ، والبخاري، وهذه منها.
    وإسماعيل بن وردان لم أجد له ترجمة ، فليحرَّر ، فلعله نُسِبَ إلى جده
    والله أعلم.
    6-محمد بن سيرين ، عنه :
    أخرجه الخلعي في "الفوائد" كما في "المقاصد الحسنة" (ص 233) ،
    من طريق عون بن سنان الحكم ، عن أبيه ، عن يحيى بن عتيق ،
    عن ابن سيرين ، عن أبي هريرة مرفوعاً.
    * قُلتُ : وقوله : "عون بن سنان بن الحكم" لعله خطأ من الناسخ ، صوابه: عون بن الحكم بن سنان ، وهو مترجم عند ابن حبان (8/516) ، وأبوه ضعيفٌ، ولعله واهٍ . فقد قال البخاري : "عنده وهمٌ كبيرٌ ، وليس له كبير إسناد". وضعفه ابن معين ، وابن سعد ، وأبو داود ، والنسائي ، وغيرهم. وقال أبو حاتم : عنده وهمٌ كبيرٌ ، وليس بالقوي ، ومحله الصدق، ويُكتبُ حديثه".
    واعلم أن لهذا الحديث شواهد كثيرة عن جماعة من الصحابة ، منهم :
    علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عمرة ، وأبو ذر ، وحبيب بن سلمة، ومعاوية بن حيدة ، وجابر بن عبد الله ، وعائشة ، وأنس ، وابن عباس ، وأبو الدرداء رضي الله عنهم ، ولا يصح حديثٌ واحدٌ من هذه الأحاديث ، وقد تقدم عن ثلاثة من الحفاظ أنهم قالوا :
    لا يثبت في هذا المعنى شيء. وقال حفاظ آخرون نفس مقالتهم ، وقد جمع طرقه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في "جزء وتتبعها الحافظ ابن حجر في جزءٍ له سماه : "الإنارة بطرق غب الزيارة". كما قال السخاوي في "المقاصد" (ص 233) وقال : "وبمجموعها يتقوى الحديث. وكذا قال! مع أن ظاهر كلام الحافظ في "الفتح" (10/498-499) يخالف ذلك إذ قال : "وكان البخاري رَمَزَ بالترجمة إلى توهين الحديث المشهور : "زُرْ غِبّاً
    تزدد حُبّاً". وقد ورد من طرق أكثرها غرائب لا يخلو واحد منها من مقال ، وقد جمع طرقه أبو نعيم وغيره ، وجاء من حديث علي ، وأبي ذر ،
    وأبي هريرة ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي بزرة ، وهبد الله بن عمر ، وأنس ، وجابر ، وحبيب بن مسلمة ، ومعاوية بن حيدة ، وقد جمعتها في جزء مفرد ، وأقوى طرقه ما أخرجه الحاكم في "تاريخ نيسابور" والخطيب في "تاريخ بغداد" والحافظ بن محمد أبو محمد بن السقاء في "فوائده"
    من طريق أبي عقيل يحيى ابن حبيب بن إسماعيل بن عبد الله بن حبيب
    بن أبي ثابت ، عن جعفر بن عون ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ،
    عن عائشة.
    وأبو عقيل كوفي مشهور بكنيته ، قال ابن أبي حاتم : سمع منه أبي وهو صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال : "ربما أخطأ وأغرب" قلت ـ يعني الحافظ ـ : واختلف عليه في رفعه ووقفه ، وقد رفعه أيضاً يعقوب بن شيبة ، عن جعفر بن عون ، ورويناه في "فوائد أبي محمد بن السقاء" أيضاً عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن جده يعقوب. واختلف فيه على جعفر بن عون ، فرواه عبد بن حميد في "تفسيره" ، عنه عن أبي جناب الكلبي ، عن عطاء ، عن عبيد بن عمير موقوفاً في قصة له مع عائشة.
    وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" من طريق عبد الملك بن أبي سليمان ،
    عن عطاء قال : "دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت : يا عبيد
    بن عمير ما يمنعك أن تزورنا ؟ قال : قول الأول : "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً". فقال عبيد بن عمير: فقالت : دعونا من بطالتكم هذه. فقال : أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله r ، فذكرت الحديث في صلاته". انتهى
    * قلتُ : فإذا كان أقوى طرقه باعتراف الحافظ قد وقع فيه من الاختلاف المؤثر ما قد رأيت ، فما بالك بما غاب عنك ، وقد مر بك حديث
    أبي هريرة.
    أما حديث عبد الملك بن أبي سليمان ، والذي ذكره الحافظ :
    فأخرجه ابن حبان (523 ـ موارد) قال : أخبرنا عمران بن موسى
    وأبو الشيخ في "أخلاق النبي" (200-201) قال : حدثنا الفريابي
    ـ هو جعفر ـ قالا : ثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا يحيى بن زكريا إبراهيم بن سويد النخعي ، ثنا عبد الملك بن أبي سليمان ، عن عطاء قال : دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة ، فقالت لعبيد بن عمير : قد آن لك أن تزورنا ، فقال : أقول يا أمَّه ! كما قال الأول: "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً" قال : فقالت : دعونا من بطالتكم هذه. قال ابن عمير : أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله r ؟ قال فسكت ثم قالت : لما كان ليلة من الليالي قال: "يا عائشة ذريني أتعبد الليلة لربي" قلتُ : والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك. قالت : فقام وتطهر ، ثم قام يُصلي ، فلم يزل يبكي حتى بلَّ حِجرّهُ. قالت : وكان جالساً ، فلم يزل يبكي r حتى بلَّ لحيته. قالت : ثم بكى حتى بلَّ الأرض ، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله تبكي ! وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال : "أفلا أكون عبداً شكوراً ؟ لقد نزلت عليَّ الليلة آية ، ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها : }إنَّ في خلقِ السمواتِ ...{ [آل عمران : 190] الآية كلها.
    وليس عند أبي الشيخ محلُّ الشاهد منه ، وسنده جيد.
    ووقع في "مطبوعة ابن حبان" (620 ـ الإحسان) : "رطانتكم" بدل "بطانتكم"، والذين نقلوا عن ابن حبان قالوا : الثاني.
    وأخرج عبد بن حميد ـ كما في "تفسير ابن كثير" (2/164) ، وأبو الشيخ في "الأخلاق" (ص 190-191) ، عن جعفر بن عون وابن أبي الدنيا في "التفكر والاعتبار" ـ كما في "ابن كثير" ـ ، وفي "الإخوان" (105) ، وابن مردويه في "تفسيره" عن حشرج بن نباتة الواسطي ، والعقيلي في "الضعفاء" (2/225) ، والأصبهاني في "الترغيب" (1924) ، عن حكيم
    بن خذام ، كلهم عن أبي جناب الكلبي يحيى بن أبي حية ، عن عطاء بن أبي رباح قال : دخلت أنا وعبيد بن عمير ومعنا عبد الله بن عمر على عائشة رضي الله عنها فقالت: ما منعك من إتياننا ، فإنا نحب زيارتك وغشيانك ؟ قال : لما قال الأول : "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً"، فضرب عبد الله
    بن عمر على فخذه وقال : دعونا من أباطيلكم. حدثينا بأعجب ما رأيت من رسول الله r وذكر الحديث.
    وأبو جناب الكلبي ضعيف مدلس ، وقد صرح بالتحديث عند أبي الشيخ ، ثم هو مُتَابَعٌ كما رأيت ، لكنه جعل قوله : "دعونا من أباطيلكم" من قول
    ابن عمر رضي الله عنهما. فهذا هو الصحيح في هذا الحديث ، ورجحه العقيلي فقال : "هذا أولى" والله أعلم.
    ( تنبيه ) : تعقب البدر العيني في "العمدة" (22/145) كلام الحافظ المتقدم حيث قال : كان البخاري رمز بالترجمة إلى توهين الحديث المشهور : "زُرْ غِبّاً تزدد حُبّاً". فقال العيني : قال بعضهم ـ وهو يعني الحافظ وساق كلامه ـ ثم قال : هذا تخمين في حق البخاري لأنه حديث مشهور ، رُويَ عن جماعة من الصحابة ... وساق أسماءهم ، ثم قال : ورواه الحاكم في "تاريخ نيسابور" ، والخطيب في "تاريخ بغداد" بطريق قوي ... إلخ". انتهى
    * قلتُ : وهذا اختصارٌ مُخِلٌّ لكلام الحافظ : "أقوى طرقه ما رواه الحاكم ... إلخ ، وكلام الحافظ أدق بلا ريب ، فقوله : "أقوى طرقه" لا تساوي "بطريق قوي" كما لا يخفى. فقوله : "أقوى طرقه" لا يستلزم منه أنه قويٌ ، بل يحتمل أن يكون أخفه ضعفاً ، كقول الناقد وأصح شيء في الباب كذا ، وهذا لا يقتضي منه أن يكون صحيحاً ومع ذلك فقد وقع في هذا التخمين في مواضع من "شرحه" ذكرتُ نماذج منها في "صفو الكدر ، في المحكمة بين العيني وابن حجر" وهو على وشك التمام، يسر الله ذلك بفضله ومَنِّهِ ، وقد ظهر لي بجلاء ما بين الرجلين من التفاوت في صناعة الحديث ، والنظر في علله والحكم على رجاله، وهذا الذي ذكرته كأنه محل إجماع بين كل العلماء الذين جاءوا بعدهما. فمن عجب أن يقول شيخ الجهمية ، وإمام متعصبة الحنفية في العصر الحديث .. محمد زاهد الكوثري ، وهو يقارن بين شرحي الحافظ والعيني يقول: "وليس الشهاب في كل حين بثاقب ، بينما البدر ملتمع الأنوار من كل جانب" وهذه حذلقة لفظية لا طائل تحتها، إذ أن الشهاب لا يكون إلا ثاقباً ، وهذا الكلام مني لا ينفي أن يكون لكتاب "البدر" بعض ما يميزه على كتاب "الشهاب" ، وقد ذكرت بعضه في المصدر
    نفس المصدر السابق

    ([1]) هو : عصمةُ بن أبي عصمة أبو عمرو البخاري ، مترجم في "تاريخ دمشق" (42/285) ولم أجد فيه جرحاً ولا تعديلاً.
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  7. #27
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله

    8-دخلت مع بعض أضيافي مسجد البلدة بعد انقضاء صلاة العشاء، فأقيمت الصلاة فاعتزلنا بعض الأضياف وقال :
    إن الجماعة الثانية في المسجد لا تجوز، وصلى منفرداً عنا ،
    فهل ما فعله صحيح ؟

    والجواب : إن كان قصد بعدم الجواز أن الصلاة باطلة ، فهذا قولٌ ظاهر الخطأ لم يقل به أحدٌ من أهل العلم فيما أعلم ، ويدل على ذلك قول
    النبي
    r: "تفضل الصلاة في الجميع على صلاة الرجل وحده خمساً وعشرين". ورواه عن النبي r جمع من الصحابة كابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وعائشة رضي الله عنهم أجمعين ، وفي حديث ابن عمر : "سبعاً وعشرين" ولو قال النبي r : "لا تجزئ" لدل على البطلان ، وإن قصد الكراهة فهذا أحد قولي العلماء وبه قال ابن عون ، والثوري ، والأوزاعي، والليث بن سعد ، وربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وأبو حنيفة ، ومالك ، وابن المبارك ، والشافعي ، وعبد الرزاق بن همام صاحب "المصنف" ، وأحمد في إحدى الروايات لكنه خصه بالحرمين.
    والمذهب الآخر ، وهو : جواز الجماعة الثانية وأنه لا كراهة فيها ، وهذا قول أحمد وهو الصحيح عند الحنابلة ، وإسحاق ، وأبي يوسف ومحمد ،
    وداود بن علي ، وأبي ثور ، وهو قول جمهرة من علماء الحديث كالدارمي، وأبي داود، والترمذي ، وابن خزيمة ، وابن حبان وابن المنذر ، والحاكم ، وابن حزم وغيرهم.

    فقال الدارمي ومن يأتي ذكره بعد ما رووا حديث أبي سعيد الخدري t
    عن النبي
    r وقد أبصر رجلاً يصلي وحده : "ألا رجل يتصدق على هذا
    فيصلي معه".

    قال الدارمي : باب صلاة الجماعة في مسجد قد صلى فيه مرة.
    وقال أبو داود : باب الجمع في المسجد مرتين.
    وقال الترمذي : باب الجماعة في مسجد قد صلى فيه.
    وقال ابن خزيمة : باب الرخصة في الصلاة جماعة في المسجد الذي جُمع فيه مرة ، ضد قول من زعم أنهم يصلون فرادى ، إذا صُلِّي في المسجد
    جماعة مرة.

    وقال ابن حبان : ذكر الإباحة لمن صلى في مسجد الجماعة أن يصلي فيه مرة أخرى جماعة.
    وقال ابن المنذر : ذكر الرخصة في الصلاة جماعة في المسجد الذي
    جُمِع فيه.

    قُلتُ : وهذا هو الصواب كما يأتي إن شاء الله تعالى .
    وقد احتج القائلون بالمنع بأدلة منها :
    1-ما أخرجه الطبراني في "الأوسط" (4601) قال : حدثنا عبدان بن أحمد، وأيضاً (6820) قال : حدثنا محمد بن هارون ، وابن عدي في "الكامل" (6/2398) قال : حدثنا محمد بن الفيض الغساني قال ثلاثتهم : ثنا هشام بن خالد الدمشقي ، قال : نا الوليد بن مسلم قال : أخبرني أبو مطيع معاوية بن يحيى، عن خالد الحذاء عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه أن رسول الله r أقبل من نواحي المدينة يريد الصلاة ، فوجد الناس قد صلوا ، فمال إلى منزله فجمع بأهله فصلى بهم.
    قال الطبراني : "لم يَروِ هذا الحديث عن خالد الحذاء إلا معاوية بن يحيى ، ولا رواه عن معاوية إلا الوليد بن مسلم ، تفرد به هشام بن خالد ، ولا يُروى عن أبي بكرة إلا بهذا الإسناد".
    وقال ابن عدي : "وهذا عن خالد الحذاء لا يرويه غير معاوية".
    قالوا : ووجه الدلالة من الحديث أن النبي r لما فاتته الجماعة الأولى رجع إلى بيته وصلى بأهله جماعة ، ولو جاز أن يصلي في المسجد مرة أخرى بعد جماعة الإمام ، لما عدل عن المسجد لفضله ، وفي العادة سيجد من يُصلي معه ممن كان يصحبه ، أو من الماكثين في المسجد.
    2-ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة مرفوعاً : "لقد هممت أن آمر رجلاً يصلي بالناس ، ثم أخالف إلى رجال يتخلفون عنها فآمر بهم فيحرقوا عليهم بحزم الحطب بيوتهم ، ولو علم أحدهم أن يجد عظماً سميناً لشهدها" يعني صلاة العشاء.
    قالوا : ووجه الدلالة من هذا الحديث أن الجماعة الثانية لو كانت مشروعة لما حرق بيوتهم ، ولجاز لهذا المتخلف أن يتذرع بذلك ويقول : سأصلي في الجماعة الثانية ، فثبت بذلك أن وجوب الإتيان إلى الجماعة الأولى يستلزم كراهة الثانية في المسجد الواحد ، ثم أن تكرار الجماعة في المسجد الواحد يؤدي إلى تقليل الجماعة الأولى وهذا غير مستحب.
    3-ما أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج9/رقم 9380) عن عبد الرزاق ، وهذا في "المصنف" (ج2/رقم 3883) عن مَعْمَرٍ ، عن حماد ،
    عن إبراهيم، أن علقمة والأسود أقبلا مع ابن مسعود إلى المسجد فاستقبلهم الناس قد صلوا ، فرجع بهما إلى البيت فجعل أحدهما عن يمينه
    والآخر عن شماله ثم صلى بهما.

    قالوا : وهذا إسناد جيد.
    ووجه الدلالة منه على المطلوب واضح.
    قالوا : وكذلك ورد ذكر كراهة الجماعة الثانية في المسجد الذي صُلِّي فيه مرةً عن جماعة من التابعين منهم : الأسود بن يزيد ، وسالم بن عبد الله ابن عمر، والحسن البصري ، والقاسم بن أبي بكر ، وأبو قلابة الجرمي
    في آخرين.

    * قُلتُ : هذا هو أظهر أدلة المانعين ، وثمَّ معنى آخر أظهره الإمام الشافعي رحمه الله ، ولم يطنب أحدٌ في ذكر المنع مثله رحمه الله تعالى.
    فقال في "الأم" (2/292) : "وكل جماعة صلى فيها رجل في بيته ، أو في مسجد صغير ، أو كبير قليل الجماعة أو كثيرها ، أجزأت عنه ، والمسجد الأعظم ، وحيث كثرة الجماعة أحب إليَّ ، وإن كان لرجلٍ مسجدٌ يُجمعُ فيه ، ففاتته فيه الصلاة فإن أتى مسجد جماعة غيره ، كان أحب إليَّ ؛ وإن لم يأته وصلى في مسجد منفرداً، فحسنٌ، وإذا كان للمسجد إمامٌ راتبٌ ففاتت رجلاً أو رجالاً فيه الصلاة صلوا فُرادى ، ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة ، فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه ، وإنما كرهت ذلك لهم ؛ لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا ، بل قد عابه بعضهم.
    قال : وأحسب كراهة من كره ذلك منهم إنما كان لتفرق الكلمة ، وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام جماعة فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة، فإذا قضيت دخلوا فجمعوا ، فيكون في هذا اختلاف وتفرق كلمة ، وفيهما المكروه. وإنما كره هذا في كل مسجد له إمام ومؤذن. فأما مسجدٌ بُني على ظهر الطريق ، أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب ولا يكون له إمام معلوم ويصلي فيه المارة ، ويستظلون ، فلا أكره ذلك فيه ؛ لأنه ليس فيه المعنى الذي وصفت من تفرق الكلمة ، وأن يرغب رجالٌ عن إمامة رجل ، فيتخذون إماماً غيره.
    وإن صلى جماعة في مسجد له إمام ، ثم صلى فيه آخرون في جماعة بعدهم كرهت ذلك لهم ، لما وصفت وأجزأتهم صلاتهم". انتهى
    * قُلتُ : والجواب عن أدلتهم من حيث ترتيبها أن يقال :
    أما الدليل الأول وهو : أن النبي r لما فاتته الصلاة صلى في بيته فلا يصح ، ففي إسناده معاوية بن يحيى الأطرابلسي أبو مطيع ، وقد وثقه غير واحد ، وضعفه ابن معين في رواية ، وأبو القاسم البغوي ، والدار قطني ، وأورد له ابن عدي هذا الحديث مما استُنكِرَ عليه ، ولا جرم ، فإن مثل
    خالد بن مهران الحذاء في كثرة أصحابه الثقات ، لا يحتمل لمثل معاوية
    بن يحيى أن يتفرد عنه بخير ، فإن هذا من علامة الحديث المنكر ، ثم الوليد بن مسلم لم يصرح في كل طبقات السند ، وكان من المشهورين بتدليس التسوية.

    أما الدليل الثاني : فما أصحه من دليل ، ولكن لا يتم الاستدلال به على المطلوب ؛ لأنه لم يتذرع أحد أصلابه بأنه سيصلي في الجماعة الثانية ، بل لعل هذا الفهم لم يخطر لأحد منهم على بال ، ومن البين أن الذين قصدهم النبي r بهذا التحريق هم جماعة من المنافقين ، كما أخرجه البخاري (2/141) وغيره عن أبي هريرة مرفوعاً : "ليس صلاةٌ أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ، ولو يعلمون ما فيها لأتوها ولو حبواً ، لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ، ثم آمر رجلاً يؤم الناس، ثم آخذ شُعلاً من نار ، فأحرق على من لم يخرج إلى الصلاة يعدُ".
    وذكر الحافظ في "الفتح" (2/141) أنه وقع للكشميهني بدل "بعدُ" : "يقدِرُ" أي : لا يخرجُ وهو يقدر على المجيء إلى المسجد. انتهى
    أما لماذا همَّ النبي r على تحريق بيوتهم ولم يفعل ؟
    فالجواب : أن في هذه البيوت من لا تجب عليهم صلاة الجماعة مثل
    النساء والصغار.

    أما الدليل الثالث : وهو أثر ابن مسعود t فليس إسناده جيداً كما قلتم ،
    فإن فيه جماد بن أبي سليمان وهو كما قال أبو حاتم : "مستقيم في الفقه ،
    فإذا جاء الآثار شوش".

    وكلام العلماء فيه يدل على أنه ليس بعمدةٍ في الحفظ.
    وقد اختلف عليه ، وخولف فيه.
    أما الاختلاف عليه ، فقد رواه حماد بن زيد ، عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم ، عن ابن مسعود أنه صلى بعلقمة والأسود ، فقام بينهما ولم يقل : إن ابن مسعود أتى المسجد فوجد الناس قد صلوا فرجع إلى البيت فصلى.
    أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج9 / رقم 9383) قال : حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا حجاج ، ثنا حماد ، عن حماد بهذا.
    وهذا إسنادٌ منقطع بين إبراهيم النخعي ، وابن مسعود ، وهو محمولٌ على أن إبراهيم تلقاه عن علقمة أو الأسود ، أو عنهما جميعاً.
    وقد أخرجه الطبراني أيضاً (9382) قال : حدثنا علي بن عبد العزيز ،
    ثنا حجاج بن منهال ، ثنا حماد ، عن داود ، عن الشعبي ، عن علقمة ،
    أن ابن مسعود صلى به وبالأسود فقام بينهما.

    أما أنه خولف فيه .. فقد خالفه الأعمش ، فرواه عن إبراهيم ، عن الأسود وعلقمة ، قالا : أتينا عبد الله بن مسعود في داره ، فقال : أصلى هؤلاء خلفكم؟ فقلنا : لا. قال : فقوموا فصلوا ، فلم يأمرنا بأذان ولا إقامة. قال : وذهبنا لنقوم خلفه ، فأخذ بأيدينا فجعل أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله. قال فلما ركع وضعنا أيدينا على ركبنا ، قال : فضرب أيدينا وطبق بين كفيه، ثم أدخلهما بين فخذيه. قال : فلما صلى قال : إنه سيكون عليكم أمراء يؤخرون الصلاة عن ميقاتها ، ويخنقونها إلى شرق الموتى ، فإذا رأيتموهم قد فعلوا ذلك ، فصلوا الصلاة لميقاتها ، واجعلوا صلاتكم معهم سُبحة ، وإذا كنتم ثلاثة فصلوا جميعاً ، وإذا كنتم أكثر من ذلك فليؤمكم أحدكم ، وإذا ركع أحدكم فليفرش ذراعيه على فخذيه ، وليجناً ، وليطبق بين كفيه ، فلكأني أنظر إلى اختلاف أصابع رسول الله r فأراهم.
    أخرجه ابن أبي شيبة (2303 ، 7673) ، ومسلم (534/26) ، وأبو داود (868) ، وأبو نعيم في "المستخرج" (1176) ، والبيعقي (2/83)
    عن أبي معاوية ، ومسلم (534/27) وأبو نعيم (1178) عن جرير
    بن عبد الحميد، ومسلم أيضاً.

    وأبو عوانة (1803) عن علي بن مسهر ، ومسلم (534/27) عن مقضل بن فضالة ، والنسائي (2/50 ، 183-184) وأحمد (1/447) عن شعبة، والنسائي (2/49-50) وابن خزيمة (1636) ، وابن حبان (1874) ، والهيثم بن كليب في "المسند" (368) ، وأبو نعيم في "المستخرج" (1176) عن عيسى بن يونس ، وعبد الرزاق في "المصنف" (ج2/رقم 3884) ، ومن طريقه الطبراني في "الكبير" (ج9 / رقم 9381) عن سفيان الثوري ، وابن أبي شيبة (2554) ، وأبو نعيم (1176) عن محمد بن فضيل ، وأبو عوانة (1804) والطحاوي في "شرح المعاني" (1/229) عن حفص بن غياث ، وأبو عوانة (1805) عن زهير بن معاوية ، كلهم عن الأعمش بهذا الإسناد.
    وكذلك رواه منصور بن المعتمر ، عن إبراهيم بهذا.
    أخرجه مسلم (5340/28) قال : حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي ، والبزار في "المسند" (1479 ـ البحر) ، وابن صاعد في "مسند ابن مسعود" (ق 32/2) ، وأبو نعيم (1178) عن محمد بن عثمان بن كرامة
    وأبو عوانة (1806) قال : حدثنا أبو أمية ـ هو الطرسوسي ـ والطحاوي (1/229) قال : قنا علي بن شيبة ، والهيثم بن كليب (367) عن سليمان
    بن معبد ، وقالوا : ثنا عبد الله بن موسى ، ثنا إسرائيل ، عن منصور بهذا.

    قال البزار : "لا نعلم رواه عن منصور بهذا الإسناد إلا إسرائيل".
    * قلت : فقد رأيت أنه لم يقع في روايتهما ذكرٌ لإتيان ابن مسعود المسجد فوجد الناس قد صلوا فانصرف وصلى في بيته ، وهو الشاهد الذي اتكأ عليه من منع تكرار الجماعة في المسجد ، فتكون رواية حماد بن أبي سليمان منكرة ، والله أعلم.
    وقد ورد عن ابن مسعود ما يخالف ذلك.
    فأخرج ابن أبي شيبة (7182) قال : حدثنا إسحاق الأزرق ، عن عبد الملك بن أبي سليمان ، عن سلمة بن كهيل ، أن ابن أبي مسعود دخل المسجد ، وقد صلوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود.
    وإسناده منقطع ، وسلمة بن كهيل لم يلق أحداً من أصحاب النبي r إلا جُندُبَاً وأبا جُحيفة ، كما قال عليِ بن المديني وابن معين ، ووُلِدَ سلمة بن كهيل سنة (47) ، وابن مسعود مات في خلافة عثمان.
    وأما ما ذكروه عن الحسن البصري قال : كان أصحاب محمد r إذا دخلوا المسجد وقد صُلِّى فيه ، صلوا فُرادى.
    أخرجه ابن شيبة (7188) قال : حدثنا وكيع ، عن أبي هلال ، عن كثر ، عن الحسن فذكره.
    وهذا إسنادٌ ضعيف بل منكر .. وأبو هلال الراسبي محمد بن سليم
    تَعرِفُ وتُنكِرُ.وقد رواه بإسناد صحيح عن الحسن من قوله.

    أخرجه عبد الرزاق (3426) عن الثوري ، وابن أبي شيبة
    (7189 ، 7186) عن هيثم بن بشير ، وإسماعيل بن عُليَّة ، ثلاثتهم عن يونس بن عبيد ، عن الحسن قال : يصلون فرادى ، وعن عبد الرزاق : وحداناً ، قال عبد الرزاق : وبه يأخذ الثوري ، وبه نأخذ أيضاً.

    فالصحيح: أنه من قول الحسن ، وليس فيه ذكر أصحاب النبي r .
    فلم يبق إلا ما ذكروه عن بعض التابعين ، فيعارضون بمثل عددهم وزيادة من التابعين مثل عُدي بن ثابت ، وعطاء بن أبي رباح ، ومكحول ، وسلم بن عطية ، وقتادة ، بل نُقِل عن الحسن أنه كان لا يرى بأساً أن تُصلى الجماعة بعد الجماعة في مسجد الكلاء بالبصرة.
    أخرجه ابن أبي شيبة (7176) قال : ثنا حفص ، عن أشعث ، عن الحسن، وهذا سند جيد.
    بل أظهر الحسن علة لترك إقامة الجماعة الثانية :
    فأخرج ابن أبي شيبة (7177) قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا منصور ، عن الحسن قال : إنما كانوا يكرهون أن يجمعوا مخافة السلطان.
    وهذا إسنادٌ صحيح. ووجه هذا الكلام عندي أن الذين كانوا يرغبون عن إمام المسجد هم أهل البدع والأهواء ، فخشيَّ أهل السنة إن فعلوا ذلك أن يُظنَّ أنهم من أهل البدع فيوقعون بهم العقوبة.
    فهذا يدل على أن أصل المسألة عند الحسن هو الجواز.
    ثم وثقت على كلام لابن عبد البر رحمه الله بهذا المعنى ، فقال في "الاستذكار" (4/64-65) : "هذه المسألة ـ يعني الجماعة الثانية ـ لا أصل لها إلا إنكار أهل الزيغ والبدع ، وألا يُتركوا وإظهار نحلتهم ، وأن تكون كلمة السنة والجماعة هي الظاهرة ؛ لأن أهل البدع كانوا يرتقبون صلاة الإمام ، ثم يأتون بعده ، فيجمعون لأنفسهم بإمامهم ، فرأى أهل العلم
    أن يُمنعوا من ذلك ، وجعلوا الباب باباً واحداً ، فمنعوا منه الكل ، والأصل
    ما وصفتُ لك". انتهى

    يعني : من الجواز ، وهذا يدلك على أن المنع كان سداً للذريعة.
    ونقل ابن حزم في "المحلى" (4/237) قول مالك : "لا تُصلَّى فيه جماعة أخرى، أن لا يكون له إمامٌ راتبٌ ، واحتج له مقلدوه بأنه قال هذا قطعاً لأن يفعل ذلك أهل الأهواء" ثم ردَّ على ذلك قائلاً : "ومن كان من أهل الأهواء لا يرى الصلاة خلف أئمتنا ، فإنهم يصلونها في منازلهم ولا يعتدُّون بها في المساجد مبتدأة أو غير مبتدأة مع إمام من غيرهم ، فهذا الاحتياط لا وجه له ، بل ما حصلوا إلا على استعجال المنع مما أوجبه الله تعالى من أداء الصلاة في جماعة ، خوفاً من أمر لا يكاد يوجد ممن لا يبالي باحتياطهم".انتهى
    وقد أبدى البيهقي رحمه الله علة أخرى لكراهة الحسن فقال في "سننه الكبير" (3/70) :
    "كراهية الحسن البصري محمولة على موضع يكون الجماعة فيه بعد أن صُلِّيَ: تفرُّقُ الكلمة".
    وقد بوَّب البيهقي على هذا الأثر وغيره بقوله : "باب الجماعة في مسجد قد صُلَّى فيه ، إذا لم يكن فيها تفرق الكلمة" وكذلك قال في "المعرفة" (4/113).
    * قُلتُ : وفي هذا بيان للعلة التي ذكرها الشافعي في كلامه وبنى عليها فتواه بكراهية الجماعة الثانية ، وهي خشية أن تتفرق الكلمة ، والحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً ، وهذا المعنى مفقود في زماننا هذا ، وإن كان ملحوظاً في زمان السابقين ، فنحن الآن في زمن تَركَ فيه كثيرٌ من الناس الصلاة ، فقلَّ من الناس ـ بسبب الجهل والتفلت ـ من يلاحظ هذا المعنى الذي رآه الشافعي.
    ولستُ أُنكِرُ أن تؤدي الإباحة إلى بعض ما كرهه الشافعي ، وقد وقع التنبيه على هذا في كلام الشيخ المحدث النبيل أبي الأشبال أحمد شاكر ، فقال في حاشيته على "سنن الترمذي" (1/431-432) :
    "والذي ذهب إليه الشافعي من المعنى في هذا الباب صحيحٌ جليلٌ ، يُنبئ عن نظر ثاقب ، وفهم دقيق ، وعقل درَّاك لروح الإسلام ومقاصده ، وأول مقصد للإسلام ، ثم أجلُّه وأخطرُهُ : توحيد كلمة المسلمين ، وجمع قلوبهم على غاية واحدة .. وهي إعلاء كلمة الله وتوحيد صفوفهم في العمل لهذه الغاية ، والمعنى الروحي في هذا اجتماعهم على الصلاة ، وتسوية صفوفهم فيها أولاً ، كما قال رسول الله r : "لتُسَوُّنَّ صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" ، وهذا شيء لا يدركه إلا من أنار الله بصيرته للفقه في الدين ، والغوص على درره ، والسمو إلى مداركه ، كالشافعي وأضرابه ، وقد رأى المسلمون بأعينهم آثار جماعتهم في الصلاة
    واضطراب صفوفهم ، ولمسوا ذلك بأيديهم ، إلا من بطلت حاسته وطُمِسَ على بصره ، وإنك لتدخل كثيراً من مساجد المسلمين فترى قوماً يعتزلون الصلاة مع الجماعة ـ طلباً للسنة كما زعموا ـ ثم يقيمون جماعات أخرى لأنفسهم ، ويظنون أنهم يقيمون الصلاة بأفضل مما يقيمها غيرهم ، ولئن صدقوا لقد حملوا من الوزر ما أضاع صلاتهم ، فلا ينفعهم ما ظنوه من الإنكار على غيرهم قي ترك بعض السنن أو المندوبات ، وترى قوماً آخرين يعتزلون مساجد المسلمين ، ثم يتخذون لأنفسهم مساجد أخرى ، ضراراً وتفريقاً للكلمة ، وشقاً لعصا المسلمين ، نسأل الله العصمة والتوفيق ، وأن يهدينا إلى جمع كلمتنا ، إنه سميع الدعاء.

    وهذا المعنى الذي ذهب إليه الشافعي لا يعارض حديث الباب ، فإن الرجل الذي فاتته الجماعة لعذرٍ ، ثم تصدق عليه أخوه من نفس الجماعة بالصلاة معه ـ وقد سبقه بالصلاة فيها ـ هذا الرجل يشعر في داخلة نفسه كأنه متحدٌ مع الجماعة قلباً وروحاً ، وكأنه لم تفته الصلاة. وأما الناس الذين يُجمِّعون وحدهم بعد صلاة جماعة المسلمين فإنما يشعرون أنهم فريق آخر، خرجوا وحدهم ، وصلوا وحدهم.
    وقد كان من تساهل المسلمين في هذا ، وظنهم أن إعادة الجماعة في المساجد جائزة مطلقاً أن فشت بدعةٌ منكرةٌ في الجوامع العامة ، مثل الجامع الأزهر والمسجد المنسوب للحسين عليه السلام وغيرهما بمصر ، ومثل غيرهما في بلاد أخرى ، فجعلوا في المسجد الواحد إمامين راتبين
    أو أكثر ، ففي الجامع الأزهر ـ مثلاً ـ إمام للقبلة القديمة ، وآخر للقبلة الجديدة ، ونحو ذلك في مسجد الحسين عليه السلام ، وقد رأينا فيه
    أن الشافعية لهم إمامٌ يصلي بهم الفجر في الغلس ، والحنفيون لهم آخرٌ يصلي الفجر بإسفار ، ورأينا كثيراً من الحنفيين من علماء وطلاب
    وغيرهم ينتظرون إمامهم ليصلي بهم الفجر ، ولا يُصلون مع
    إمام الشافعيين والصلاة قائمة ، والجماعة حاضرة ، ورأينا فيهما
    وفي غيرهما جماعات ُقام متعددة في وقتٍ واحدٍ ، وكلهم آثمون ،
    وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، بل قد بلغنا أن هذا المنكر كان في الحرم المكي، وأنه كان يُصلي فيه أئمة أربعة ، يزعمون للمذاهب الأربعة ، ولكنا لم نر ذلك ، إذ أننا لم ندرك هذا العهد بمكة ، وإنما حججنا في عهد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ، وسمعنا أنه أبطل هذه البدعة، وجمع الناس في الحرم على إمام واحدٍ راتبٍ ، ونرجو أن يوفق الله علماء الإسلام لإبطال هذه البدعة من جميع المساجد في شتى البلدان ، بفضل الله وعونه ، إنه سميعٌ مُجيبُ الدعاء". انتهى

    * قُلتُ : فلو وقع في مجتمع من الناس ، ما خشي منه الشافعي ، فلا شك في كراهية الجماعة الثانية ، ولكن أين زماننا من زمن أسلافنا ، وحيث كان الإسلام هو الحاكم ، ورأبته تظلل الممالك والدول ، ويمشي الفرد بأمان الإسلام، أما في زماننا فقد أطلت البدعُ علينا من كل صوب وتهجموا على مصادرنا الأصلية ، وأظهروا عُوارَها ـ زعموا ـ حتى بلغ السيل الرُّبى ، والله المستعان. لكن ـ كما قُلتُ لك ـ قلَّ من يلحظ المعنى الذي خشيَّ الشافعي مغبته.
    أما العلة الثانية التي وقعت في كلام الشافعي رحمه الله ، وأسس عليها حكمه بكراهة الجماعة الثانية ، فهي قوله : "وإنما كرهت ذلك لهم لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا". انتهى
    ولا شك أن التعليل بهذا قويٌ ومؤثرٌ ، لكننا وجدنا من السلف قبلنا من فعل هذا، وقد نص الترمذي على ذلك فقال : "وهو قولُ غير واحد من أهل العلم من أصحاب النبي r وغيرهم من التابعين". انتهى
    بل قد حدث هذا في زمان النبي r ، فقد روى سليمان الناجي ، عن أبي المتوكل، عن أبي سعيد قال : جاء رجل وقد صلى النبي r فقال : "أيكم يتَّجر على هذا؟" فقام رجل فصلى معه.
    أخرجه الترمذي (220) ، وابن خزيمة (1932) ، وابن أبي شيبة (2/320)، ومن طريقه ابن حزم في "المحلى" (4/238) ، وابن عبد البر في "الاستذكار" (4/68) عن عبدة بن سليمان ، وأحمد (3/45) قال : حدثنا محمد بن جعفر ، وأحمد أيضاً (3/5) ، وأبو يعلي (1057) ، وابن حبان (2399) عن ابن أبي عدي ، وعبد بن حميد في "المنتخب" (936) ، والبيهقي (3/69) عن محمد بن يشر العبدي ، كلهم عن سعيد بن
    أبي عروبة ، عن سليمان الناجي بهذا الإسناد.

    قال ابن حزم : "لو ظفروا بمثل هذا ، لطاروا به كل مطار".
    يعني : لصحته وظهور دلالته.
    وتوبع سعيد بن أبي عروبة.
    تابعه وهيب بن خالد ، فرواه عن سليمان الناجي بسنده سواء.
    أخرجه أبو داود (574) ، ومن طريقه ابن عبد البر في "الاستذكار" (4/67) ، والحاكم (1/209) ، والبيهقي (3/68-69) عن موسى بن إسماعيل التبوذكي، وأحمد (3/64) ، والدارمي (1/258) ، والبيهقي في "المعرفة" (5629) عن عفان بن مسلم والدارمي (1/258) ،
    وابن الجارود في "المنتقى" (330) ، والبيهقي في "سننه" (3/68) ،
    وفي "المعرفة" (5628) عن سليمان بن حرب ، والطبراني في "الصغير" (606، 665) عن عبد الله بن معاوية الجُمَحي ، كلهم عن وهيب بن خالد، عن سليمان الناجي بهذا.

    قال الحاكم :
    "هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه ، وسليمان الأسود هذا هو سليمان بن سحيم ، وقد احتج به مسلم وبأبي المتوكل ، وهذا الحديث أصلٌ في إقامة الجماعة في المساجد مرتين".
    * قلتُ : كذا قال ! وسليمان الناجي ليس هو ابن سحيم ، ويقال : سليمان الأسود أبو محمد البصري كما ذكر البخاري في "علل الترمذي الكبير"
    (ص 210) ، وثقه ابن معين ، وابن المديني ، وأحمد بن صالح
    في آخرين، ولم يحتج به مسلم ، إنما احتج بمسلم بن سحيم ، ولم يخرج له إلا حديثاً واحداً (479/ 207 ، 208) في مرض النبي
    r ، أما قول الطحاوي في "مختصر اختلاف العلماء" (1/252) بأن سليمان الناجي
    غير معروف فمردود بما سبق.

    ورواه عن بن عاصم ، قال : أخبرنا سليمان الناجي بهذا بلفظ :
    صلى رسول الله
    r بأصحابه الظهر ، قال : فدخل رجلٌ من أصحابه ، فقال النبي r : "ما حبسك يا فلان عن الصلاة ؟" قال : فذكر شيئاً اعتل به. قال: فقام يُصلي ، فقال رسول الله r : "ألا يتصدق رجلٌ على هذا فيصلي معه ؟ قال : فقام رجلٌ من القوم فصلى معه.
    أخرجه أحمد (3/85) . وعليُّ بن عاصم تكلم فيه أحمد وغيره من النقاد ، وأجمعُ كلامٍ فيه ما قاله يعقوب بن شيبة ـ فيما رواه عن الخطيب في "تاريخه" (11/446-447) قال : "سمعت عليُّ بن عاصم على اختلاف أصحابنا فيه ، منهم من أنكر عليه كثرة الخطأِ والغلط ، ومنهم من أنكر عليه تماديه في ذلك ، وتركه الرجوع عما يخالفه الناس فيه ، ولجاجته فيه وثباته على الخطأ ، ومنهم من تكلم في سوء حفظه واشتباه الأمر عليه في بعض ما حدَّث به ، من سوء ضبطه وتوانيه عن تصحيح ما كتب الورَّاقون له ، ومنهم من قصته عنده أغلظ من هذه القصص ، وقد كان رحمة الله علينا وعليه من
    أهل الدين والصلاح والخير البارع ، شديد التوقي ، وللحديث آفاتٌ تُفسِده".انتهى

    * قلتُ : وقد ورد أن الذي صلى مع هذا المتأخر : أبو بكر الصديق t .
    أخرجه أبو داود في "المراسيل" (28) ، ومن طريقه البيهقي (3/69-70) قال: حدثنا محمد بن العلاء ، نا هشيم ـ يعني ابن بشير ـ
    نا خطيب بن زيد ، عن الحسن قال : فقام أبو بكر فصلى معه ، وقد كان صلى مع رسول الله
    r .
    وهذا مرسلٌ جيد الإسناد.
    وثمة شواهد أخرى لحديث أبي سعيد t :
    1-حديث أبي أُمامة t :
    أخرجه أحمد (5/254) قال : حدثنا عليُّ بن إسحاق ، وأيضاً (5/269) قال : حدثنا هشام بن سعيد ، وأبو يعلي في "مسنده" كما في
    "إتحاف الخيرة" (1746) عن محمد بن بكار ، والطبراني في "الكبير"
    (ج8 / رقم 7857) عن سريج بن النعمان ، أربعتهم : ثنا ابن المبارك ، ثنا يحيى بن أيوب ، عن عبيد الله ابن زحر ، عن علي بن يزيد ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي أمامة أن النبي
    r رأى رجلاً يصلي فقال: "ألا رجلٌ يتصدق على هذا فيصلي معه ؟" ، فقام رجل فصلى معه ، فقال
    رسول الله
    r : "هذان جماعة".
    وهذا سندٌ ضعيفٌ جداً ، وعلي بن يزيد الألهاني متروك ، وعبيد الله
    بن زحر ليس بعُمدة.

    وقال الطحاوي في "مختصر اختلاف العلماء" (1/252) : "هذا إسنادٌ
    لا تقوم الحجة بمثله". وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/62-63) في ترجمة "عبيد الله
    بن زحر" : "منكر الحديث جداً ، يروي الموضوعات عن الأثبات ، وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات ، وإذا اجتمع في إسناد خبرٍ : عبيد الله
    بن زخر، وعلي بن يزيد ، والقاسم أبو عبد الرحمن لا يكون متن ذلك الخبر إلا مما عملت أيديهم...".

    * قُلتُ : بالغ ابن حبان ، ولم أر أحداً من العلماء اتهم عبيد الله بن زحر بالوضع، والقاسم صاحب أبي أمامة t ، فحاشاه أن يضع الحديث ، وآفة هذا الإسناد هو علي بن يزيد الألهاني فإنه ساقط.
    وقد تابعه من هو مثله في السقوط ألا وهو جعفر بن الزبير ، فرواه عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة مثله.
    أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج 8 / رقم 7974) قال : حدثنا أحمد بن عمرو العمي النحاس البصري ، ثنا عبيد الله بن سعد ، ثنا عمي وأبي ، وعمر ابن إسحاق ، ثنا الحسن بن دينار ، عن جعفر بن الزبير بهذا.
    والحسن بن دينار كذبه أحمد وابن معين ، وتركه وكيع كما قال ابن حبان وكذلك تركه ابن مهدي وابن المبارك ويحيى بن القطان ، وضعفه الدارقطني في "العلل" (1/276).
    وخالفهما يحيى بن الحارث الذماري ، فرواه عن القاسم بن عبد الرحمن قال : دخل رجلٌ المسجد ولم يدرك الصلاة ، فقال رسول الله r : "ألا رجلٌ يتصدق على هذا فتتم له صلاته ؟ "فقام رجلٌ فصلى معه ، فقال النبي r : "وهذه من صلاة الجماعة".
    أخرجه أبو داود في "المراسيل" (26) قال : حدثنا أبو توبة ، نا الهيثم ـ يعني: ابن حميد ـ عن يحيى بن الحارث بهذا مرسلاً.
    وهذا مرسلٌ جيد الإسناد.
    ويحيى بن الحارث الذماري ثقة.
    وخالفه مسلمة بن عليُّ الخُشني ، فرواه عن يحيى بن الحارث ، عن القاسم بن عبد الرحمن ، عن أبي أمامة مرفوعاً : "الاثنان فما فوقهما جماعة".
    أخرجه الطبراني في "الأوسط" (6620 ـ طبع الطحان) ، وفي "مسند الشاميين" (877) ، وابن عدي في "الكامل" (6/2316) من طريقين عن مسلمة بن علي.
    ومسلمة متروك الحديث ، والمرسل أصح.
    2-حديث أنس t :
    أخرجه ابن عدي في "الكامل" (4/1645) من طريق محمد بن عبد الله ـ هو الأنصاري ـ عن عباد بن منصور ، قال : رأيت أنس بن مالك
    دخل مسجداً بعد العصر وقد صلى القوم ، ومعه نفرٌ من أصحابه فأمَّهم ، فلما انفتل قيل له : أليس يُكرهُ هذا ؟ فقال : دخل رجلٌ المسجد وقد صلى رسول الله
    r الفجر ، فقام قائمٌ ينظر ، فقال : ما لك ؟ قال : أريد أن أصلي، فقال النبي r : "ألا رجل يصلي مع هذا ؟" ، فدخل رجلٌ فأمرهم النبي r أن يصلوا جميعاً.
    وعباد بن منصور ضعفه أكثر أهل العلم .
    وله طريقٌ آخر :
    أخرجه الطبراني في "الأوسط" (7286) قال : حدثنا محمد بن العباس الأخرم ، والدار قطني (1/276) قال : حدثنا يحيى بن محمد ابن صاعد قالا: ثنا عمر بن الحسن الأسدي ، ثنا أبي ، ثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس أن رجلاً جاء وقد صلى النبي r ، فقام يُصلي وحده ، فقال النبي r : "من يتَّجرُ على هذا فيصلي معه ؟".
    قال الطبراني : "لم يروه عن حماد بن سلمة إلا محمد بن الحسن الأسدي".
    * قُلتُ : ومحمد بن الحسن توقف فيه الهيثمي في "المجمع" (2/46) فقال: "إن كان ابن زُبَالة فهو ضعيف". انتهى
    وليس هو ، بل محمد بن الحسن بن الزبير الأسدي كما وقع عند الدارقطني، وقد تكلم جمع من النقاد فيه ، فقال ابن معين في رواية :
    "ليس بشيء" وضعفَّه الفسوي في "المعرفة" (3/56) ، وقال العقيلي :
    "لا يتابع على حديثه"، وكذلك ضعفه ابن حبان ، وأبو أحمد الحاكم في "الكنى" والساجي، ووثقه آخرون من النقاد ، فمثله لا يُحتمل له التفرد عن مثل حماد بن سلمة في كثرة أصحابه ، فتجويد الزيلعي في "نصب الراية" (2/58) لإسناده غير جيد ، والله أعلم.

    وقد اختلف فيه على ثابت البُناني .
    فرواه عنه حماد بن سلمة فجعله من "مسند أنس".
    ورواه الحسن بن أبي جعفر ، عن ثابت ، عن أبي عثمان النهدي ،
    عن سلمان الفارسي
    t مثله.
    أخرجه البزار (2538 ـ البحر) ، وعنه الطبراني في "الكبير"
    (ج6 / رقم 6140) من طريق أبي جابر محمد بن عبد الملك ، ثنا الحسن
    بن أبي جعفر بهذا.

    وأبو جابر والحسن ضعيفان. والصحيح في هذا ما أخرجه ابن أبي شيبة (2/220) قال : حدثنا هشيم وعبد الرزاق (3427 ، 3428) عن معمر والثوري ثلاثتهم عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان قال : دخل رجلٌ المسجد وقد صلى النبي r ، فقال : "ألا رجل يتصدق على هذا فيقوم فيصلي معه؟".
    وهذا مرسل صحيح الإسناد.
    3-حديث عُصمة بن مالك t :
    أخرجه الطبراني في "الكبير" (ج17 / رقم 479) قال : حدثنا أحمد بن رشد بن المصري ، والدارقطني (1/277) عن إسحاق بن داود بن عيسى المروزي قالا : ثنا خالد بن عبد السلام الصدفي ، نا الفضل بن المختار ، عن عبيد الله بن موهب، عن عصمة بن مالك قال : كان رسول الله r قد صلى الظهر وقعد في المسجد ، إذ دخل رجل يصلي ، فقال رسول الله r : "ألا رجل يقوم فيتصدق على هذا فيصلي معه؟".
    والفضل بن المختار منكر الحديث.
    4-وأخرج أحمد (5/269) قال : حدثنا هشام بن سعيد ، ثنا ابن المبارك ، عن ثور بن يزيد ، عن الوليد بن أبي مالك ، قال : دخل رجل المسجد ، فصلى، فقال رسول الله r : "ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه ؟" قال: فقام رجل فصلى معه ، فقال : رسول الله r : "هذان جماعة".
    وهذا مرسل صحيح الإسناد.
    والحاصل أنه لم يصح في هذا الباب مرفوعاً إلا حديث أبي سعيد الخُدري t وقد تقدم ذكر عدة مراسيل صحيحة الإسناد ، مختلفة المخارج ، يقوي بعضها بعضاً.
    وممن صلى الجماعة الثانية من السلف : أنس بن مالك t .
    أخرجه البخاري (1/131) معلقاً ، ووصله أبو يعلي (4355) قال : حدثنا أبو الربيع الزهراني ، ثنا حماد ، عن الجعد أبي عثمان قال : مرَّ بنا أنس بن مالك في مسجد بني ثعلبة ، فقال : أصليتم ؟ قال : قلنا : نعم ، وذاك صلاة الصبح ، فأمر رجلاً فأذن وأقام ، ثم صلى بأصحابه.
    وأخرجه ابن أبي شيبة (2/321) والبيهقي (3/70) عن يونس ابن عبيد ، وابن أبي شيبة (2/322) قال : ثنا إسماعيل بن عُليَّة ، وعبد الرزاق (3416، 3417) عن معمر وجعفر بن سليمان ، والبيهقي (3/70) عن أبي عبد الصمد العمي ، كلهم عن أبي عثمان بهذا.
    وإسناده صحيح.
    وأخرجه ابن عبد البر في "الاستذكار" (4/68) من طريق سليمان
    ابن حرب، ثنا حماد ، عن ثابت ، عن أنس فذكره وقال : "إنه دخل مسجد البصرة".

    وإسناده صحيح جليل.
    وأخرجه أبو الشيخ في "الطبقات" (1/402-403) من طريق مبارك بن فضالة قال : كنت في مسجد الساج إذ جاء أنس بن مالك والحسن وثابت وقد صلوا العصر ، فقيل لهم : إنهم قد صلوا ، فأذن ثابت ، وتقدم أنس بن مالك فصلى بهم.
    وفي إسناده نظر.
    وقال ابن حزم في "المحلى" (4/238) : "وهذا مما لا يُعرّفُ فيه لأنس مُخالِفٌ من الصحابة رضي الله عنهم".
    * قُلتُ : وأعله بعضهم بالاضطراب لاختلاف اسم المسجد ، وهو محمولٌ على تعدد القصة لتعدد الرواة عن أنس ، وقد صح مثل هذا من جماعة من التابعين مثل عطاء بن أبي رباح ، وقتادة ، وعدي بن ثابت ، والحسن البصري ، ومكحول .. وآخرين ، وأسانيدها عند عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة وغيرهما.
    * قُلتُ : ويضاف إلى ما تقدم ما فهمه البخاري رحمه الله تعالى إذ ذكر أثر أنس المتقدم تحت باب : "فضل صلاة الجماعة" ، وأن الجماعة الثابتة ينطبق عليها اسم "صلاة الجماعة" فكل الأحاديث التي حضت على فضل صلاة الجماعة تشملها ، وهذا خيرٌ من أن يصلي المرء وحده ،
    والله تعالى أعلم.


    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  8. #28

    افتراضي رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله

    جزاك الله خيرا وأحسن الله إليك
    وجعله الله في ميزان حسناتك

  9. #29
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله

    وجزاكم مثله
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  10. #30
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله

    -كنت في مجلس مع بعض الأفاضل ، فجرى بيننا الحديث في مسائل علمية ، فكان منها : أن خبر الواحد لا يصلح في باب الاعتقاد ، وأن ذلك هو قول جماهير العلماء ؛ لأنه خبر مظنونٌ والعقيدة لابد فيها من الخبر القطعي ، وهذا لا يكون إلا قرآناً
    أو حديثاً متواتراً ، ثم قرأ علينا كلاماً من كتاب لأحد العلماء المتأخرين ذائع الصيت ، واسمح لي أن أذكره لك بنصه ؛ لأننا لما قرأناه لم ندرِ جواباً ، واعفني من ذكر اسم العالم أو ذكر كتابه. قال هذا العالم :
    "أما الزعم بأنه ـ يعني خبر الواحد ـ يفيد اليقين كالأخبار المتواترة ، فهي مجازفة مرفوضة. وقد قال لي أحد المتمسكين بأن خبر الواحد يفيد اليقين : إن المدرس وهو رجلٌ واحدٌ يؤتمن على التعليم وإن السفير وهو رجلٌ واحدٌ يؤتمن على أخبار دولته، وإن الصحافي في الحديث الذي ينقله يؤتمن على ما يذكره ... إلخ.
    قلتُ : إن العنعنات التي تنقل بها المرويات ليست مثل ما ذكرت من وقائع! وإذا فرضنا جدلاً أنها مثلها من كل وجه ، فإن اليقين لا يُستفاد من هذه الوقائع. فإن المدرس قد يُخطئ فيصحح نفسه أو يصحح له غيره ! والسفير تراقبه دولته ، وقد تراجعه فيما بلغ ، وكذلك الأحاديث الصحافية ، إن ما يحفها من قرائن النشر والإقرار أو الرد يجعل الثقة بها أقرب ، ونحن مع تجري عدالة الشاهد لا نكتفي بشاهد واحد ، وربما طلبنا أربعة شهداء حتى نطمئن إلى صدق الخبر ، والشاهدان أو الأربعة ينشئون ظناً راجحاً ، ولا ينشئون يقيناً ثابتاً ، بيد أن حماية المجتمع لا تتم إلا بهذا الأسلوب ، أسلوب قبول الظن الراجح ، وهو ما قامت عليه الشرائع والقوانين في دنيا الناس ... إن العقائد أساسها اليقين الخالص ... ولا عقيدة لدينا تقوم على خبر واحد ...". أهـ
    فهذا الكلام الذي قرأه علينا صاحبنا ، فما هو الجواب عنه ؟
    * قُلتُ : أما هذا الكلام الذي نقلته ، فإني أعرف صاحبه واسم كتابه ، وقد طُبع هذا الكتاب قرابة عشرين مرة ، والله المستعان.
    واعلم أيها السائل أن رد خبر الواحد في باب الاعتقاد بدعةٌ مُحدَثة في الإسلام، لا تُعرف عن واحد من أئمة الهدي من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
    وجملة كلامه يتلخص في ثلاثة مقاصد :
    الأول : أن خبر الواحد ليس بحجة في العقيدة.
    الثاني : أنه لا يفيد إلا الظن الراجح.
    الثالث : أنه كشهادة الشاهد ، فيطلب فيه العدد.
    والجواب من وجوه :
    الأول : أما خبر الواحد فهو ما لم يتواتر ، سواء كان من رواية شخص واحد أو أكثر ... وقد تكلم العلماء السالفون كالشافعي رحمه الله وغيره بما فيه كفاية على حجة خبر الواحد وإفادته للعلم ، ولم يفرقوا بين العقائد والأحكام ، وكان من أدلتهم على أن الخبر الواحد حجة ما يلي :
    1-ما أخرجه البخاري (1/95 ، 502 ـ 8/171، 174 و13/232 فتح) ، ومسلم (5/9 ، 10 نووي) ، وأبو عوانة (2/81 ، 82) ،
    والنسائي (1/242-243 و 2/60-61) ، والترمذي (340 ، 2962)
    وابن ماجة (1010) ، وأحمد (4/283 ، 288-289 ، 304) وغيرهم من حديث البراء بن عازب t وعلى آله وسلم كان أول ما قدم المدينة صلَّى قِبل بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً ، وكان يعجبه
    أن تكون قبلته قِبل البيت ، وأنه أول صلاة صلَّى .. صلاة العصر ،
    وصلى معه قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمر على أهل مسجد وهم راكعون ، فقال : أشهد بالله لقد صليت مع رسول الله r قِبَلَ مكة ، فداروا كما هم قِبل البيت ...".
    وقد رواه كذلك ابن عمر رضي الله عنهما.
    أخرجه البخاري (13/232 فتح) ، ومسلم (5/10) ، وأبو عوانة (1/394) ، والنسائي (1/244-2/61) ، والترمذي (2/170 ـ شاكر) ،
    والشافعي في "الأم" (1/94) ، وفي "المسند" (ص 23) ، وفي "الرسالة"
    (ص 123-124 ، 406) ، وابن خزيمة (1/225) وغيرهم عن مالك ، وهو في "موطئه" (1/195/6) عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر.
    * قُلتُ : والشاهد أن المسلمين كانوا على أمر مقطوع به ، وهو القبلة
    لما أخبرهم الواحد وهم يصلون بمسجد قُباء أن القبلة قد حُوِّلت إلى الكعبة
    قبلوا خبره، وتركوا اليقين المقطوع به لديهم لأجل خبره ، ولم يُنكِر عليهم
    رسول الله r ، بل شُكِروا على ذلك.
    فلولا حصول العلم بخبر الواحد لم يتركوا المقطوع به ، لخبرٍ لا يفيد العلم.
    2-أن الله تبارك وتعالى قال : } يا أيُّها الذينَ آمنوا إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا{ وفي القراءة الأخرى } فَتَثَبَّتُوا { وهذا يدل على الجزم بقبول خبر الواحد ، وأنه لا يحتاج إلى التثبيت ، ولو كان خبره لا يفيد العلم لأمر بالتثبت حتى يحصل العلم. ومما يدل عليه أيضاً أن السلف الصالح وأئمة الإسلام لم يزالوا يقولون: قال رسول الله r كذا ، وفعل كذا ، وأمر بكذا ، ونهى عن كذا ، وهذا معلومٌ في كلامهم بالضرورة ، وفي "صحيح البخاري" قال رسول الله r في عدة مواضع كثيرة من أحاديث الصحابة يقول فيها أحدهم: قال رسول الله ، وإنما سمعه من صحابي غيره وهذه شهادة
    من القائل ، وجزمٌ على رسول الله r مما نسبه إليه من قول أو فعل ،
    فلو كان خبرُ الواحد لا يفيد العلم لكان شاهداً على رسول الله r وعلى آله وسلم بغير علم.
    3-قوله تعالى : } فَاسئَلوا أهلَ الذِّكرِ إن كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون { فأمر من
    لا يعلم أن يسأل أهل الذكر ، وهو أولوا الكتاب والعلم ، ولو كانت أخبارهم لا تفيد العلم ، لم يأمر بسؤال من لا يفيد خبره علماً ، وهو سبحانه وتعالى لم يقل : سلوا عدد التواتر ، بل أمر بسؤال أهل الذكر مطلقاً ، فلو كان واحداً لكان سؤاله وجوابه كافياً.
    4-قوله تعالى : } وما كان المؤمنون لينقروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون {.
    والطائفة تقع على الواحد فما فوقه ، فأخبر أن الطائفة تُنذِر قومهم إذا رجعوا إليهم ، والإنذار : هو الإعلام مما يفيد العلم ، وقوله تعالى : }لعلهم يحذرون{ نظير قوله تعالى في آياته المتلوة : } لعلهم يتفكرون {،}لعلهم يعقلون{ ، } لعلهم يهتدون { وهو سبحانه وتعالى إنما يذكر ذلك فيما يحصل به العلم ، لا فيما لا يفيد العلم.
    5-قوله تعالى : } يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته{ ، وقال تعالى : } ما على الرسول إلا البلاغ المبين{ ،
    وقال الرسول r: "بلغوا عني ولو آية" وقال لأصحابه في الجمع الأعظم يوم عرفة : "أنتم مسؤلون عني فماذا أنتم قائلون ؟" قالوا : نشهد أنك بلغت ، وأديت ، ونصحت. ومعلوم أن البلاغ هو الذي تقوم به الحجة على المبلغ ، ويحصل به العلم. فلو كان خبر الواحد لا يحصل به العلم لم يقع به التبليغ الذي تقوم به حجة الله على العبد ، فإن الحجة إنما تقوم بما يحصل به العلم،
    وقد كان النبي r يرسل الواحد من أصحابه يُبلغ عنه ، فتقوم الحجة
    على من بلغه ، وكذلك قامت الحجة علينا بما بلغنا العدول الثقات من أقواله وأفعاله وسنته ، ولو لم يفد العلم لم تقم بذلك حجة ولا على من بلغه ، واحداً كان أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة أو دون عدد التواتر ، وهذا من أبطل الباطل. فيلزم من قال : إن أخبار رسول الله r لا تفيد العلم أحد أمرين : إما أن يقول : الرسول لم يبلغ إلا القرآن وما رواه عنه التواتر ، وما سوى ذلك لم تقم به حجة ولا تبليغ ، وإما أن يقول : إن الحجة والبلاغ حاصلان بما لا يوجب علماً، وإذا بطل هذا الأمران ، بطل القول بأن أخباره r التي رواها الثقات العدول الحفاظ ، وتلقتها الأمة بالقبول لا تفيد علماً ، وهذا ظاهرٌ لا خفاء فيه.
    6-أن الرسل صلوات الله عليهم وسلامه كانوا يقبلون خبر الواحد ويقطعون بمضمونه ، فقبله موسى من الذي جاء من أقصى المدينة قائلاً له:} إنَ الملأَ يأتمرونَ بكَ ليَقْتُلُوكَ { فجزم بخبره ، وخرج هارباً من المدينة ، وقبل خبر بنت مدين لما قالت له : } إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا {، وقبل خبر أبيها في قوله هذه ابنتي ، وتزوجها بخبره. وقبل يوسف الصديق خبر الرسول الذي جاءه من عند الملك ، وقال : } ارجع إلى ربك فسأله ما بال النسوة { . وقبل النبي r خبر الآحاد الذين كانوا يخبرونه بنقض عهد المعاهدين له ، وغزاهم بخبرهم ، واستباح دماءهم وأموالهم ، وسبى ذراريهم. ورسل الله صلوات الله وسلامه عليهم لم يرتبوا على تلك الأخبار أحكامها وهم يجوزون أن تكون كذباً وغلطاً ، وكذلك الأمة لم تثبت الشرائع العامة الكلية بأخبار الآحاد ، وهم يجوزون أن تكون كذباً على رسول الله في نفس الأمر ، ولم يخبروا عن الرب تبارك وتعالى في أسمائه وصفاته وأفعاله بما لا علم لهم به ، بل يجوز أن يكون كذباً وخطأً في نفس الأمر ، وهذا مما يقطع ببطلانه كل عالم مستبصر.
    7-أخرج البخاري (10/36-37 و 13/232 فتح) ، ومسلم (1980/9) عن مالك ، وهو في "موطئه" (2/846-847/13) من طريق إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك قال : كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح ، وأبا طلحة الأنصاري ، وأبي كعب شراباً من فضيخٍ وتمرٍ ، قال : فجاءهم آتٍ فقال : إن الخمر قد حُرِمت ، فقال : أبو طلحة : يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها ، فقمت إلى مهراسٍ لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت.
    وله طرق أخرى عن أنس t .
    ووجه الاستدلال .. أن أبا طلحة أقدم على قبول التحريم حيث ثبت به التحريم لما كان حلالاً ، وكان يمكنه أن يرجئ ذلك حتى يأتي رسول الله r ويسأله شفاهاً ، ثم إنك أكد ذلك القبول بإتلاف الإناء وما فيه وهو مالٌ ، وما كان ليقدم على إتلاف المال بخبر من لا يفيده خبره العلم عن رسول الله r ، فقام خبر ذلك الآتي عنده وعند من معه مقام السماع من رسول الله r ، بحيث لم يشكوا ولم يرتابوا في صدقه.
    8-إن هؤلاء المنكرين لإفادة أخبار النبي r العلم ، يشهدون شهادة جازمة قاطعة على أئمتهم بمذاهبهم ، وأقوالهم أنهم قالوا ، ولو قيل لهم : إنها لم تصح عنهم ، لأنكروا ذلك غاية الإنكار وتعجبوا من جهل قائله ! ومعلومٌ أن تلك المذاهب لم يَرْوِها عنهم إلا الواحد والاثنان والثلاثة ونحوهم ، لم يروها عنهم عدد التواتر ، وهذا معلوم يقيناً. فكيف حصل لهم العلم الضروري ، والمقارب للضروري بأن أئمتهم ومن قلدوهم دينهم أفتوا بكذا، وذهبوا إلى كذا ، ولم يحصل لهم العلم بما أخبر به أبو بكر وعمر بن الخطاب وسائر الصحابة عن رسول الله r ، ولا بما رواه عنهم التابعون وشاع في الأمة وذاع وتعددت طرقه وتنوعت ، وكان حرصه عليه أعظم بكثير من حرص أولئك على أقوال متبوعيهم ؟!
    إن هذا لهو العجب العجاب ، وهذا وإن لم يكن نفسه دليلاً ، يلزمهم أحد أمرين: إما أن يقولوا : إن أخبار رسول الله r وفتاواه وأقضيته تفيد العلم، وإما أن يقولوا : إنهم لا علم لهم بصحة شيء نُقِلَ عن أئمتهم ، وأن النقول عندهم لا تفيد علماً ، وإما أن يكون ذلك مفيداً للعلم بصحته عند أئمتهم دون المنقول عن النبي r ، وهذا من أبين الباطل.
    9-أخرج البخاري (3/322 ، 357) ، ومسلم (1078) وأبو داود (1584)، والنسائي (5/2-3) ، والترمذي (625) ، وابن ماجة (1783)، وأحمد (1/233) ، والبيهقي (4/101) عن ابن عباس أن رسول الله r بعث معاذاً إلى اليمن فقال له : "إنك تأتي قوماً أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في اليوم والليلة ، فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم ، واتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب".
    والشاهد أن رسول الله r أرسل رجلاً واحداً يبلغ شرائع الإسلام ، وقد قامت الحجة على أهل الكتاب بهذا الرجل فلو كان مثل هذا البلاغ لا يفيد علماً ، لم تقم الحجة على أي إنسان يبلغه عن الله تبارك وتعالى ، أو عن رسوله r فيرده ، وهذا واضحٌ لا خفاء فيه.
    10-قوله تعالى : }يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم{ووجه الاستدلال أن هذا أمرٌ لكل مؤمن بلغته دعوة الرسول r إلى يوم القيامة ، ودعوته نوعان :
    1-مواجهة.
    2-ونوعٌ بواسطة المُبلِّغُ ، وهو مأمورٌ بإجابة الدعوتين في الحالتين ، وقد عُلم أن حياته في تلك الدعوة والاستجابة لها ، ومن الممتنع أن يأمره الله تعالى بالإجابة لما لا يفيد علماً ، أو يحييه بما لا يفيد علماً ، أو يتوعده على ترك الاستجابة لما لا يفيد علماً بأنه إن لم يفعل ، عاقبه وحال بينه وبين قلبه ـ معاذ الله أن يتفوه بهذا عاقل !
    11-قوله تعالى : } فليحذر الذين يُخالِفون عن أمره أن تصيبهم فتنةٌ أو يصيبهم عذابٌ أليمٌ { ، وهذا يهم كل مخالف بلغه أمره r إلى يوم القيامة ، ولو كان ما بلغه لم يُفِدهُ علماً ، لما كان متعرضاً بمخالفة ما لا يفيد للفتنة وللعذاب الأليم ، فإن هذا إنما يكون بعد قيام الحجة القاطعة التي لا يبقى معها لمُخالفِ أمره عذرٌ.
    12-قوله تعالى : } يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول { (4/59).
    ووجه الاستدلال : أنه تعالى أمَرَ أن يُردَّ ما تنازع فيه المسلمون إلى الله ورسوله، والرد إلى الله هو الرد إلى كتابه ، والرد إلى رسوله هو الرد إليه في حياته ، وإلى سنته بعد وفاته ، فلولا أن المردود إليه يفيد العلم ، ويفصل النزاع لم يكن في الرد إليه فائدة ، إذ كيف يَرِدُّ حكم المتنازع فيه إلى ما لا يفيد علماً البتة ، ولا يُدرى أحقٌ هو أم باطل ؟! وهذا برهانٌ قاطعٌ
    بحمد الله تعالى .
    13-قوله تعالى : } وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أن الله يريد أن يُصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيراً من الناس لفاسقون أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون{ (5/49-50).
    ووجه الاستدلال : أن كل ما حكم به رسول الله r فهو مما أنزل الله ، وهو ذكرٌ من الله أنزله على رسوله ، وقد تكفل سبحانه وتعالى بحفظه ، فلو جاز على حكمه الكذب والغلط والسهو من الرواة ، ولم يقم دليلٌ على غلطه وسهو ناقله ، لسقط ضمان الله وكفالته لحفظه ، وهذا من أعظم الباطل ، ونحن لا ندعي عصمة الرواة ، بل نقول : إن الراوي إذا كذب أو غلط أو سها فلابد أن يقوم دليلٌ على ذلك ، ولابد أن يكون في الأمة من يعرف كذبه وغلطه ليتم حفظه لحججه وأدلته ولا تلتبس بما ليس منها فإنه من حكم الجاهلية ، بخلاف من زعم أن كل هذه الأخبار والأحكام المنقولة إلينا آحاداً كذِبٌ على رسول الله r ، وغايتها أن تكون كما قاله من لا علم عنده :
    }إن نظُنُّ إلا ظناً وما نحن بِمُسْتَيقِنين { .
    14-ما أخرجه أبو داود (3660) ، والترمذي (2656) ، والنسائي في
    "كتاب العلم ـ من الكبرى" ـ كما في "أطراف المزي" (3/206) ـ والدارمي (1/65-66) ، وأحمد في "المسند" (5/183) ، وفي "الزهد" (ص 33) وكثير غيرهم من حديث زيد بن ثابت مرفوعاً : "نضَّرَ الله امرأً سمع منا حديثاً فحفظه حتى يبلغه غيره ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه ...".
    قال الترمذي : "حديث حسن" .
    * قلتُ : بل هو صحيح ، وله طرق عن زيد بن ثابت وشواهد عن ابن مسعود، وجابر بن عبد الله ، وأبي سعيد الخدري في آخرين ،
    خرجت أحاديثهم في تخريج "الأربعون الصغرى" للبيهقي (ص 11-18). احتج بهذا الشافعي رحمه الله في تثبيت خبر الواحد ، فقال في "الرسالة" (ص 402-403) : "فلما ندب رسول الله r إلى استماع مقالته وحفظها وأدائها أمراً يؤديها ـ ولو امرؤ واحد ـ دل على أنه لا يأمر أن يؤدي عنه إلا بما تقوم به الحجة على من أدى إليه ؛ لأنه إنما يؤدي عنه حلالٌ ، وحرامٌ يُجتنب ، وحدٌّ يقام ، ومالٌ يؤخذ ويُعطى، ونصيحة في
    دين ودنيا". أهـ
    15-ما أخرجه أبو داود (4605) ، والترمذي (2663) ، وابن ماجة (13) ، وأحمد (6/8) ، والشافعي في "الرسالة" (ص 295) ، والطبراني في "الكبير" (1/316-317) ، وابن حبان (98) ، والحاكم (1/108 ، 109) ، والحميدي (551) والآجري قي "الشريعة" (50) والبيهقي في
    "المعرفة" (1/18) ، والبغوي في "شرح السنة" (1/201-202) عن أبي رافع مرفوعاً : "لا ألْفَيَنَّ أحد منكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري يقول : لا ندري ما هذا ؟ بيننا وبينكم القرآن ، ألا وإني أؤتيتُ الكتاب ومثله معه".
    قال الترمذي : "هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ" وصححه الحاكم على شرط الشيخين. ووجه الاستدلال من هذا الحديث : أن هذا نهيٌ عام لكل من بلغه حديث صحيح عن رسول الله r أن يخالفه ، أو يقول : لا أقبل إلا القرآن ، بل هو أمرٌ لازمٌ وفرضٌ حتمٌ بقبول أخباره وسننه ، وإعلامٌ منه r أنها من الله أوحاها إليه ، فلو لم تُفد علماً لقال من بلغته : إنها أخبار آحاد لا تفيد علماً فلا يلزمني قبول ما لا علم بصحته ، والله تعالى لم يكلفني العلم بما لم أعلم صحته ولا اعتقاده، بل هذا بعينه هو الذي حذر منه رسول الله r أمته ونهاهم عنه ، ولما علم أن في هذه الأمة من يقوله حذرهم منه.
    16-قال ابن حزم في "الإحكام" (1/114) : "لا خلاف بين كل ذي علمٍ من أخبار الدنيا مؤمنهم وكافرهم ، أن النبي r كان بالمدينة ، وأصحابه رضي الله عنهم مشاغيل في المعاش ، وتعذر القوت عليهم لجُهدِ العيش بالحجاز،
    وأنه عليه السلام كان يُفتي بالفتيا ، ويحكم بالحكم بحضرة من حضره
    من أصحابه فقط ، وأن الحجة إنما قامت على سائر من لم يحضره عليه السلام بنقل من حضره ، وهم واحد أو اثنان ، وفي الجملة عدد لا يمتنع من مثلهم التواطؤ عند خصومنا ، فإن جميع الشرائع إلا الأقل راجعة إلى هذه الصفة من النقل ، وقد صح الإجماع من الصدر الأول كلهم ، ومن بعدهم على قبول خبر الواحد ، وهذا برهان ضروري ، وبالضرورة نعلم أن النبي r لم يكن إذا أفتى بالفتيا ، أو حكم بالحكم يجمع لذلك جميع أهل المدينة ، ويرى أن الحجة بمن يحضره قائمة على من غاب، هذا لا يقدر على دفعه ذو حسٌ سليم، وبالله تعالى التوفيق". أهـ
    17-ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث مالك قال : أتينا النبي r ونحن شببة متقاربون فأقمنا عنده نحواً من عشرين ليلة ، وكان رسول الله r رحيماً رفيقاً ، فلما ظن أنا قد اشتهينا أهلنا ـ أو قد اشتقنا ـ سألنا عمن تركنا بعدنا؟ فأخبرناه. قال : "ارجعوا إلى أهليكم ، فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي".
    ووجه الاستدلال من هذا الحديث أن النبي r أمرهم أن يعلموا أهلهم ما قد علموه منه عليه الصلاة والسلام ، فلو لم يكن خبرهم مما يقوم به الحجة ، لم يكن لهذا الأمر معنى.
    18-قوله تعالى : } ولا تَقْفُ ما ليسَ لكَ بهٍ علمٌ { أي لا تتبعه ولا تعمل به ، ولم يزل المسلمون من عهد الصحابة يقفون أخبار الآحاد ويعملون بها ، ويثبتون لله تعالى الصفات ، فلو كانت لا تفيد علماً لكان الصحابة والتابعون وتابعوهم وأئمة الإسلام كلهم قد قفوا ما ليس لهم به علم ، وهل يقول هذا إلا مجنون ؟!
    19-أن خبر الواحد لو لم يفد علماً لم يُثبِت به الصحابة التحليل والتحريم والإباحة والفروض ، ويُجعل ذلك دِيناً يُدان به في الأرض إلى آخر الدهر ، فهذا الصديق t زاد في الفروض التي في القرآن فرضَ الجَدَّةِ ، وجعله شريعة مستقرة إلى يوم القيامة يخبر به محمد بن مسلمة والمغيرة بن شعبة فقط ، وجعل ذلك الخبر في إثبات هذا الفرض حكم نص القرآن في إثبات فرض الأم ، ثم اتفق الصحابة والمسلمون بعدهم على إثباته
    بخبر الواحد.
    وأثبت عمر بن الخطاب بخبر ابن مالك دية الجنين وجعلها فرضاً لازماً للأمة ، وأثبت ميراث المرأة من زوجها بخبر الضحاك بن سفيان الكلابي وحده ، وصار ذلك سرعاً عاماً مستمراً إلى يوم القيامة ، وأثبت شريعة عامة في حق المجوس بخبر عبد الرحمن بن عوف وحده ، وأثبت عثمان بن عفان شريعة عامة في سكنى المتوفي عنها زوجها بخبر فُريعة بنت مالك وحدها ، وهذا أكثر من أن يُذكَر ، بل هو إجماعٌ معلومٌ منهم ، ولا يقال على هذا ، إنما يدل على العمل بخبر الواحد في الظنيات ، ونحن لا ننكر ذلك لأنا قد قدمنا أنهم أجمعوا على قبوله والعمل بموجبه ، ولو جاز أن يكون كذباً أو غلطاً في نفس الأمر لكانت الأمة مجمعة على قبول الخطأ والعمل به ، وهذا قدحٌ في الدين والأمة.
    20-أخرج الشيخان وغيرهما عن سعيد بن جبير قال : قلت لابن عباس
    إن نوفاً البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس موسى بني إسرائيل. فقال ابن عباس : كذب عدو الله ! أخبرني أُبيُّ بن كعب قال : خطبنا رسول الله r ... الحديث بتمامه. قال الشافعي في "الرسالة" (ص 442-443) معلقاً : "فابن عباس مع فقهه وورعه يثبت خبر أُبي بن كعب عن رسول الله r حتى يُكذِّب امرأً من المسلمين ، إذ حدثه أبي بن كعب عن رسول الله r بما فيه دلالة على أن موسى بني إسرائيل صاحبُ الخضر". أهـ
    فهذه عشرون دليلاً ذكرها ابن القيم وغيره على أن خبر الواحد يفيد العلم ، والمقام يحتمل البسط ، وفيما ذكرته كفاية لمن أراد الحق ، وقد يقول الأستاذ الكاتب : أنت تُلزمني بما لا يلزم ، فأنا أقول بأن خبر الواحد يُعمل به في الأحكام الشرعية ، ولكن دعواي أنه لا يؤخذ به في العقيدة وليس فيما ذكرته ما يلزمني.
    فأقول : بل فيه ما يلزمك ، فانظر مثلاً في الدليل التاسع ، وهو ذهاب معاذ بن جبل t إلى اليمن ، فإنه ذهب يُعلِّمُ الناس العقيدة ، وهذا واضح من قوله r : "فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله" ، فلو أعرض عنه رجلٌ من أهل الكتاب وأبى أن ينصاع له ومات ، فإنه كافرٌ لا خلاف في ذلك لوصول البلاغ إليه ، فإن المسلمين لا يختلفون في أن مسلماً ثقةً عالماً لو دخل أرض الكفر فدعا قوماً إلى الإسلام ، وتلا عليهم القرآن وعلمهم الشرائع لكان لازماً لهم قبوله ، ولكانت الحجة عليهم بذلك قائمة ، وكذلك لو بعث الخليفة أو الأمير رسولاً إلى ملك من ملوك الكفر ، أو إلى أمة من أمم الكفر يدعوهم إلى الإسلام ويعلمهم القرآن وشرائع الدين
    ولا فرق ، وما قال مسلمٌ قطٌ إنه كان حكم أهل اليمن أن يقولوا لمعاذ ولمن بعثه عليه الصلاة والسلام إلى كل ناحية معلماً ومفتياً ومقرئاً : نعم أنت رسول الله r ، وعقدُ الإيمان عندنا حقٌ ، ولكن ما أفتيتنا به وعلمتناه من أحكام الصلاة ونوازل الزكاة وسائر الديانة عن النبي r ، وما أقرأتنا من القرآن عنه عليه الصلاة والسلام فلا نقبله منك ، ولا نأخذه عنك ؛ لأن الكذب جائزٌ عليك ، ومتَوَهَمٌ منك حتى يأتينا لكل ذلك كوافٌّ وتواتر. بل لو قالوا ذلك لكانوا غير مسلمين ، كما قال ابن حزم في "الإحكام" (1/112).
    ثم إن الشافعي رحمه الله ـ كما في الدليل العشرين ـ احتج بخبر الواحد في مسألة علمية غيبية ، وليست حكماً شرعياً.
    واعلم أنه لا يُعلمُ في السلف قطٌ أحدٌ قال : إن خبر الواحد لا يُحتجُ به العقيدة ، إنما قال ذلك بعض المتأخرين من أصحاب الكلام الذين لا عناية لهم بالسنة النبوية، وتبعهم في ذلك بعض الأصوليين. ونحن نطالب الأستاذ أن يأتي بنقلٍ صحيحٍ عن أحد الصحابة أو التابعين أو تابعيهم أو أحد الأئمة المتبوعين فرَّقَ هذا التفريق ، ولن يجد إليه سبيلاً.
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  11. #31
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله

    وقد قال ابن حزم في "الإحكام" (1/118) : "وقد ثبت عن أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وداود رضي الله عنهم أجمعين وجوب القول بخبر الواحد ...".
    وقد ختم الشافعي رحمه الله بحثه النفيس في تثبيت خبر الواحد وأنه حُجَّةٌ بقوله في "الرسالة" (ص 453) : "وفي تثبيت خبر الواحد أحاديثُ يكفي بعضُ هذا منها. ولم يزل سبيل سلفنا والقرون بعدهم إلى من شاهدنا هذا السبيل ، وكذلك حُكي لنا عمن لنا عنه من أهل البلدان". أهـ وقال أيضاً (ص 357) : "ولو جاز لأحد الناس أن يقول في علم الخاصة : أجمع المسلمون قديماً وحديثاً على تثبيت خبر الواحد والانتهاء إليه ، بأنه لم يُعلم من فقهاء المسلمين أحدٌ إلا وقد ثبَّته ـ جاز لي ، ولكن أقول : لم أحفظ عن فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد بما وصفته من أن ذلك موجودٌ على كُلِّهم". أهـ
    وخلاصة القول: أنه لا يُعلم أحدٌ يُقتدىَ به من السلف فرق هذا التفريق الباطل ، بل كانوا يأخذون بخبر الواحد في المسائل العلمية والعملية ، بغير تفريقٍ بينهما.
    وقال ابن القيم رحمه الله في "مختصر الصواعق" (2/412) : "وهذا التفريق باطلٌ بإجماع الأمة ، فإنها لم تزل تحتج بهذه الأحاديث في الخبريات العلميات، كما تحتج به في الطلبيات العمليات ، ولاسيما والأحكام العملية تتضمن الخبر عن الله تعالى بأنه شرع كذا وأوجبه ورضيه ديناً ، فشرعُهُ ودينه راجع إلى أسمائه وصفاته ، ولم يزل الصحابة والتابعون وتابعوهم وأهل الحديث والسنة يحتجون بهذه الأخبار في مسائل الصفات والقدر والأسماء والأحكام ، ولم ينقل عن أحدٍ منهم البتة أنه جوز الاحتجاج بها في مسائل الأحكام دون الإخبار عن الله تعالى وأسمائه وصفاته فأين سلف المفرقين بين البابين ؟!
    نعم ، سلفهم بعض متأخري المتكلمين الذين لا عناية لهم بما جاء عن الله ورسوله وأصحابه ، بل يصدون القلوب عن الاهتداء في هذا الباب بالكتاب والسنة ، وأقوال الصحابة ، ويُحيلون على آراء المتكلمين وقواعد المتكلفين ، فهُمُ الذين يُعرف عنهم التفريق بين الأمرين فإنهم قسموا الدين إلى مسائل علمية وعملية وسموها : أصولاً وفروعاً وقالوا : الحق في مسائل الأصول واحدٌ ومن خالفه فهو كافرٌ أو فاسقٌ وأما مسائل الفروع فليس لله تعالى فيها حكمٌ معينٌ ، ولا يُتصور فيها الخطأ ، وكل مجتهد مصيب لحكم الله تعالى الذي هو حكمه ، وهذا التقسيم لو رجه إلى مجرد الاصطلاح لم يتميز ... قال : وادعوا الإجماع على هذا التفريق ، ولا يحفظ ما جعلوه إجماعاً عن إمام من أئمة المسلمين ، ولا عن أحد من الصحابة والتابعين. وهذا عادةُ أهل الكلام ، يحكون الإجماع على ما لم يقله أحدٌ من أئمة المسلمين ، بل أئمة المسلمين على خلافه ... ثم قال : فنطالبهم بفرقٍ صحيحٍ بين ما يجوز إثباته بخبر الواحد من الذين وما لا يجوز ، ولا يجدون إلى الفرق سبيلاً إلا بدعاوٍ باطلة ... ثم قال : (ص 420) : فقال بعضهم : الأصوليات هي المسائل العلميات ، والفروعيات هي المسائل العملية ، والمطلوب منها أمران : العلم والعمل ، والمطلوب من العلميات العلم والعمل أيضاً، وهو حب القلب وبغضه ، وحبه للحق الذي دلت عليه وتضمنته ، وبعضه للباطل الذي يخالفها ، فليس العمل مقصوراً على عمل الجوارح ، بل أعمال القلوب أصلٌ لعمل الجوارح ، وعمل الجوارح تبعٌ. فكل مسألة علمية فإنه يتبعها إيمان القلب ، وتصديقه وحبه ، ذلك عمل ، بل هو أصل العمل ، وهذا مما غفل عنه كثيرٌ من المتكلمين في مسائل الإيمان ، حيث ظنوا أنه مجرد التصديق دون الأعمال ، وهذا من أقبح الغلط وأعظمه ، فإن كثيراً من الكفار كانوا جازمين بصدق النبي r غير شاكين فيه ، غير أنه لم يقترن بذلك التصديق ـ وهو عمل القلب ـ من حب ما جاء به ، والرضا وإرادته ، والموالاة والمعاداة عليه ، فلا تمهل هذا الموضع فإنه مهمٌ جداً ، به تعرف حقيقة الإيمان ، فالمسائل العلمية عملية، والمسائل العملية علمية ، فإن الشارع لم يكتفِ من المكلف في العمليات بمجرد العمل دون العلم ، ولا في العلميات بمجرد العلم دون العمل". أهـ
    * قُلتُ : وهذا كلامٌ يوزنُ مثله بالذهب ، فكيف به ! وهو شجىً في حلوق المخالفين ، والحمد لله ربٌ على حسن توفيقه.
    وإن الناظر إلى جيل الصحابة ، وكان عنده دراية بأحوالهم يعلم علماً ضرورياً أن هذا التفريق لم يكن عندهم البتة ، ولعله لم يخطر ببال واحدٍ منهم ، فإن هؤلاء الصحابة "كانوا يجزمون بما يُحدِّث به أحدهم عن رسول الله r ولم يقل أحدٌ منهم لمن حدثه : خبرك خبر واحد لا يفيد العلم حتى يتواتر ... وكان حديث رسول الله r أجلَّ في أعينهم وأصدق عندهم من أن يقولوا مثل ذلك . وكان أحدهم إذا روى لغيره حديثاً عن رسول الله r في الصفات تلقاه بالقول ، وأعتقد تلك الصفة به على القطع واليقين كما اعتقد رؤية الرب ، وتكليمه ، ونداء الرب يوم القيامة بصوت يسمعه البعيد كما يسمعه القريب ، ونزوله إلى سماء الدنيا كل ليلة ، وضحكه وفرحه وإمساكه سماواته على إصبع من أصابع يده ، وإثبات القدم له ، من سمع هذه الأحاديث ممن حدث بها عن رسول الله r ، أو عن صاحب اعتقد ثبوت مقتضاها بمجرد سماعها من العدل الصادق ، ولم يَرْتَبْ فيها، حتى إنهم ربما تثبتوا في بعض أحاديث الأحكام حتى يستظهروا بآخر ، كما استظهر عُمر t برواية أبي سعيد الخدري على خبر أبي موسى ، وكما استظهر أبو بكر t برواية محمد بن مسلمة على رواية المغيرة بن شعبة في توريث الجدَّةِ ، ولم يطلب أحدٌ منهم الاستظهار في رواية أحاديث الصفات البتة ، بل كانوا أعظم مبادرة إلى قبولها وتصديقها ، والجزم بمقتضاها ، وإثبات الصفات بها من المخبر لهم بها عن رسول الله r ، ومن له أدنى إلمام بالسنة والتفات إليها يعلم ذلك ، ولولا وضوح الأمر في ذلك لذكرنا أكثر من مئة موضع .. فهذا الذي اعتمده نُفاة العلم عن أخبار رسول الله r خرقوا به إجماع الصحابة المعلوم بالضرورة ، وإجماع التابعين ، وإجماع أئمة الإسلام ، ووافقوا به المعتزلة والجهمية والرافضة والخوارج الذين انتهكوا هذه الحرمة ، وتبعهم بعض الأصوليين والفقهاء ، وإلا فلا يعرف لهم سلفٌ من الأئمة بذلك ، بل صرح الأئمة بخلاف قولهم" ،
    وانظر "مختصر الصواعق" (2/361-362) وما ذكرته كفايةٌ في الإجابة
    عن الأمر الأول.
    أما الوجه الثاني :
    قوله : "إن خبر الواحد لا يفيد اليقين ، بل الظن الراجح وهذا واضحٌ من قوله: "أما الزعم بأن خبر الواحد يفيد اليقين كالأخبار المتواترة ، فهي مجازفة مرفوضة".
    أقول : "قد نص كثير من أهل العلم على أن خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول يفيد العلم والعمل معاً ، أي : يفيد القطع "وممن نصَّ على ذلك : مالك والشافعي وأصحاب أبي حنيفة وداود بن عليّ وأصحابه كأبي محمد بن حزم ، ونص عليه الحسين بن عليّ الكرابيسي ، والحارث بن أسد المحاسبي.
    قال ابن خوايز منداد في كتابه "أصول الفقه" وقد ذكر خبر الواحد الذي لم يروه إلا الواحد والاثنان : "ويقع بهذا الضرب أيضاً العلم الضروري ، نص على ذلك مالك، وقال أحمد في حديث الرؤية : نعلم أنها حقٌّ ونقطع على العلم بها ، وكذلك روى المروزي ، قال : قلت لأبي هبد الله : ههنا اثنان يقولان إن الخبر يوجب عملاً ولا يوجب علماً ! فعابه ، وقال : لا أدري
    ما هذا ؟". وقال القاضي أبو يعلي : "وظاهرُ هذا أنه يسوي بين العلم والعمل ... ثم قال : "خبر الواحد يوجب العلم إذا صح سنده ، ولم تختلف الرواية فيه ، وتلقته الأمة بالقبول ، وأصحابنا يطلقون القول فيه ،
    وأنه يوجب العلم ، وإن لم تتلقه الأمة بالقبول. قال : والمذهب على ما حكيت لا غير. فقد صرح بأن هذا هو المذهب ، وقال ابن أبي يونس في أول "الإرشاد" : وخبر الواحد يوجب العلم والعمل جميعاً.
    وقال أبو إسحاق الشيرازي في كتبه في الأصول كـ "التبصرة" و "شرح اللمع" وغيرهما ، وهذا لفظه في الشرح : "وخبرُ الواحد إذا تلقته الأمة بالقبول يوجب العلم والعمل سواءٌ عمل به الكل أو البعض ، ولم يُحكَ فيه نزاعاً بين أصحاب الشافعي ، وحكى هذا القول القاضي عبد الوهاب من المالكية عن جماعة من الفقهاء ، وصرحت الحنفية في كتبهم أن الخبر المستفيض يوجب العلم ، ومثلوه بقول النبي r : "لا وصية لوارث" قالوا : مع إنه إنما رُوي من طريق الآحاد. قالوا : ونحوه حديث ابن مسعود في المتابعين إذا اختلفا ، أن القول قول البائع ، ونحوه حديث عبد الرحمن بن عوف في أخذ الجزية من المجوس . وقد اتفق السلف والخلف على استعمال حكم هذه الأخبار حين سمعوها ، فدل ذلك من أمرها على صحة مخرجها وسلامتها ، وإن كان قد خالف فيها قومٌ فإنها عندنا شذوذٌ
    ولا يُعتدُّ بهم في الإجماع ، قال : وإنما قلنا ما كان هذا سبيله من الأخبار فإنه يوجب العلم بصحة مخبره ، من قبل أنا إذا وجدنا السلف قد اتفقوا على قبول خبر هذا وصفه من غير تثبت فيه ولا معارضة بالأصول ، أو بخبرٍ مثله مع علمنا بمذاهبهم في قبول الأخبار والنظر فيها وعرضها على الأصول ، دلنا ذلك من أمورهم على أنهم لم يصيروا إلى حكمه إلا من حيث ثبت عندهم صحته واستقامته فأوجب لنا العلم بصحته ، وهذا لفظ أبي بكر الرازي في كتابه "أصول الفقه" ...". أهـ
    وممن نص على ذلك أيضاً : الحافظ ابن الصلاح رحمه الله في "مقدمته" وأن الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول تفيد العلم واليقين في كثير من الأحيان ، واختاره الحافظ ابن كثير في "مختصره".
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "فهذا يفيد العلم اليقيني عند جماهير أمة محمد r من الأولين والآخرين. أما السلفُ فلم يكن بينهم في ذلك نزاعٌ، وأما الخلفُ : فهذا مذهبُ الفقهاء الكبار من أصحاب الأئمة الأربعة ، والمسألة منقولة في كتب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة مثل السرخسي ، وأبي بكرٍ الرازي من الحنفية ، والشيخ أبي حامد ،
    وأبي الطيب والشيخ أبي إسحاق من الشافعية ، وابن خوايز منداد وغيره من المالكية ، ومثل القاضي أبي يعلي ، وابن موسى ، وأبي الخطاب وغيرهم من الحنابلة ، ومثل أبي إسحاق الاسفرائيني وابن فورك وأبي إسحاق النظَّام من المتكلمين ، وذكره ابن الصلاح واختاره وصححه ، ولكنه لم يعلم كثرة القائلين به ليتقوى بهم ، وإنما قاله بموجب الحجج الصحيحة، وظن من اعترض عليه من المشايخ الذين لهم علمٌ ودينٌ ، وليس لهم بهذا الباب خبرة تامة أن هذا الذي قاله ابن الصلاح انفرد به عن الجمهور ...
    قال ابن تيمية : "وجميع أهل الحديث على ما ذكره الشيخ أبو عمرو بن الصلاح ، والحجة على قول الجمهور أن تلقِّي الأمة للخبر تصديقاً وعملاً إجماعٌ منهم ، والأمة لا تجتمع على ضلالة ، كما لو اجتمعت على موجب عمومٍ أم مطلقٍ ، أو اسم حقيقة ، أو على موجب قياس ، فإنها لا تجتمع على خطأ ، وإن كان الواحد منهم لو جرد النظر إليه لم يؤمَن عليه الخطأ ، فإن العصمة تثبت بالنسبة الإجماعية ، كما أن خبر التواتر يجوز الخطأ والكذب على واحدٍ واحدٍ من المخبرين بمفرده ، ولا يجوز على المجموع ، والأمة معصومة من الخطأ في روايتها ورأيها ... (ثم قال) والآحاد في هذا الباب قد تكون ظنوناً بشروطها ، فإذا قويت صارت علوماً ، وإذا ضعفت صارت أوهاماً وخيالاتٍ فاسدة".
    (قال) : واعلم أن جمهور أحاديث البخاري ومسلم من هذا الباب كما ذكره الشيخ أبو عمرو ، ومن قبله العلماء كالحافظ أبي طاهر السلفي وغيره ، فإن ما تلقاه أهل الحديث وعلماؤه بالقبول والتصديق فهو محصلٌ للعلم ، مفيدٌ لليقين ، ولا عبرة بمن عداهم من المتكلمين والأصوليين ، فإن الاعتبار في الإجماع على أمرٍ من الأمور الدينية بأهلِ العلم به دون المتكلمين والنحاة والأطباء ، وكذلك لا يعتبر في الإجماع على صدق الحديث وعدم صدقه إلا أهل العلم بالحديث وطرقه وعلله ، وهم علماء الحديث العالمون بأحوال نبيهم ، الضابطون لأقواله وأفعاله ، المعتنون بها أشد من عناية المقلدين بأقوال متبوعيهم ، فكما أن العلم بالتواتر ينقسم إلى عام وخاص ، فيتواتر عند الخاصة ما لا يكون معلوماً لغيرهم ، فضلاً أن يتواتر عندهم ، فأهل الحديث لشدة عنايتهم بسنة نبيهم r وضبطهم أقواله وأفعاله وأحواله يعلمون من ذلك علماً لا يشكون فيه مما لا شعور لغيرهم به البتة".
    وقد احتج ابن حزم رحمه الله بحجج قوبة جداً على إثبات أن خبر الواحد الذي تلقته الأمة بالقبول يفيد العلم القطعي ، فراجع كتابه "الإحكام"
    (1/119-131)، وكان من جملة ما قاله : "فإنهم مجمعون معنا على أن رسول الله r معصوم من الله تعالى في البلاغ في الشريعة ، وعلى تكفير
    من قال : ليس معصوماً في تبليغه الشريعة إلينا. فنقول لهم : أخبرونا عن الفضيلة بالعصمة التي جعلها الله تعالى لرسوله r في تبليغه الشريعة التي بها، أهي له عليه السلام في إخباره الصحابة بذلك فقط ، أم هي باقية لما أتى به عليه الصلاة والسلام في بلوغه إلينا وإلى يوم القيامة فإن قالوا : بل هي له عليه السلام مع من شاهده خاصةً لا في بلوغ الدين إلى من بعدهم. قلنا لهم: إذا جوزتم بطلان العصمة في تبليغ الدين بعد موته عليه الصلاة والسلام، وجوزتم وجود الداخلة والفساد والبطلان والزيادة والنقصان والتحريف في الدين ، فمن أين وقع لكم الفرق بين ما جوزتم من ذلك بعده عليه السلام ، وبين ما منعتم من ذلك في حياته منه عليه الصلاة والسلام ؟
    فإن قالوا : لأنه كان يكون عليه السلام غير مبلغ ما أمر به ولا معصوم ،
    والله تعالى يقول :} بلغ ما أُنزِلَ إليكَ من ربِكَ وإنْ لمْ تفعل فما بَلغتَ رسالتهُ واللهُ يعصِمُكَ من الناس{.
    قيل لهم : نعم ، هذا التبليغ المعترض عليه هو فيه عليه السلام معصوم بإجماعكم معنا من الكذب والوهم هو إلينا كما هو إلى الصحابة ولا فرق ، والدين لازمٌ لنا كما هو لازمٌ لهم سواءً بسواء ، فالعصمة واجبة في التبليغ للديانة ، باقية مضمونة ولابد إلى يوم القيامة ، والحجة قائمة بالدين علينا وإلى يوم القيامة ، كما كانت قائمة على الصحابة رضي الله عنهم سواءً بسواء ، ومن أنكر هذا فقد قطع بأن الحجة علينا في الدين غير قائمة ، والحجة لا تقوم بما لا يُدرى أحقٌ هو أم باطلٌ كذبٌ ؟!
    ثم نقول لهم : وكذلك قال الله تعالى : } إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون {، وقال تعالى : } اليومَ أكملتُ لكم دينكم { ، وقال تعالى : } ومن يبتغ غير الإسلامِ ديناً فلن يُقبلَ منه { ، وقال تعالى : } قد تبين الرشد من الغي{ ، فإن ادعوا إجماعاً ، قلنا لهم : من الكرَّامية من يقول : إنه عليه السلام غير معصوم في تبليغ الشريعة، فإن قالوا : ليس هؤلاء ممن يُعدُّ في الإجماع.
    قلنا : صدقتم ، ولا يُعدُ في الإجماع من قال : إن الدين غير محفوظ ، وإن كثيراً من الشرائع التي أنزل الله تعالى قد بطلت واختلطت بالباطل الموضوع والموهوم اختلاطاً لا يتميز معه الرشد من الغي ، ولا الحق من الباطل.
    فإن قالوا : بل الفضيلة بعصمة ما أتى النبي r به من الدين باقية إلى يوم القيامة، صاروا إلى الحق الذي هو قولنا ، ولله تعالى الحمد.
    فإن قالوا : فإن صفة كل مخبر وطبيعته أن خبره يجوز فيه الصدق والكذب والخطأ ، وقولكم بأن خبر الواحد العدل في الشريعة موجب للعلم ، إحالة لطبيعة الخبر وطبيعة المخبرين ، وخرق لصفات كل ذلك وللعادة فيه.
    قلنا لهم : لا يُنكرُ من الله تعالى إحالة ما شاء من الطبائع إذا صح البرهان بأنه فعلُ الله تعالى. والعجب من إنكاركم هذا مع قولكم به بعينه في إيجابكم عصمة النبي r من الكذب والوهم في تبليغ الشريعة ، وهذا الذي أنكرتم بعينه ، بل لم تقنعوا بالتناقض إذ أصبتم في ذلك وأخطأتم في منعكم من ذلك في خبر الواحد العدل حتى أتيتم بالباطل المحض ، إذ جوزتم على جميع الأمة موافقة الخطأ في إجماعها في رأيها ، وذلك طبيعة في الكل وصفة لهم ، ومنعتم من جواز الخطأ والوهم على ما ادعيتموه من إجماع الأمة من المسلمين خاصة في اجتهاد القياس !! وحاشا لله أن تجمع الأمة على الباطل ، فخرقتم بذلك العادة وأحلتم الطبائع بلا برهان ...". أهـ
    قُلتُ : ومن ضوابط هذا الأمر أن تلقي الأمة للخبر بالقبول إجماعٌ منهم
    كما تقدم ، وهو أقوى في إفادة العلم من القرائن المُحتفَّة ، ومن مجرد
    كثرة الطرق.
    وقال الشيخ أبو الأشبال أحمد بن محمد شاكر رحمه الله في "شرح ألفية السيوطي" (ص 5) : "إن إفادة خبر الواحد لليقين هو الصواب ، فقال : "والحق الذي ترجحه الأدلة الصحيحة ما ذهب إليه ابن حزم ومن قال بقوله من أن الحديث الصحيح يفيد العلم القطعي ، سواءٌ أكان في أحد الصحيحين أم في غيرهما ، وهذا العلم اليقيني علمٌ نظريٌ برهانيٌ لا يحصل إلا للمتبحر في الحديث ، العارف بأحوال الرواة والعلل ، وأكاد أوقن أنه هو مذهب من نقل عنهم البُلقيني ممن سبق ذكرهم، وأنهم لم يريدوا بقولهم ما أراده ابن الصلاح من تخصيص أحاديث الصحيحين لذلك ، وهذا العلم اليقيني النظري يبدو ظاهراً لكل من تبحر في علم من العلوم وتيقنت نفسه بنظرياته ، واطمأن قلبه إليها ، ودع عنك تفريق المتكلمين في اصطلاحهم
    بين العلم والظن ، فإنما يريدون بذلك معنىً غير الذي نريد ، ومنه زعمُ الزاعمين أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص إنكاراً لما يشعر به كل واحد من الناس من اليقين بالشيء ، ثم ازدياد هذا اليقين ، قال تعالى : } قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي{ ، وإنما الهُدى هُدى الله ...". أهـ
    الوجه الثالث :
    أن الأستاذ الكاتب لم يٌفرق بين الشاهد والراوي ، هذا وقد سوى بعضُ الناس بين الراوي والشاهد اعتماداً على حديث مرفوع يقول : "لا تكتبوا العلم إلا عمن تجوز شهادته".
    * قلتُ : وهو حديثٌ ضعيفٌ جداً ، أخرجه ابن عدي في "الكامل" والخطيب في "الكفاية" وغيرهما من طريق صالح بن حسان ، عن محمد بن كعب ، عن ابن عباس مرفوعاً.
    قال الخطيب : "إن صالح بن حسان تفرد بروايته ، وهو ممن أجمع نقاد الحديث على ترك الاحتجاج به لسوء حفظه وقلة ضبطه ، وكان يروي هذا الحديث عن محمد بن كعب تارة متصلاً ، وأخرى مرسلاً ، ويرفعه تارة ، ويوقفه أخرى". أهـ
    فالحديث مُعَلٌّ بالضعف والاضطراب ، وصالحٌ هذا غير صالحٍ !
    فقد تركه النسائي ، وقال البخاري : "منكر الحديث" وهذه العبارة في اصطلاح البخاري يعني : "لا تحل الرواية عنه" وضعفه أحمد وابن معين في آخرين ، ولا يزال أهل العلم يفرقون بين الراوي والشاهد ، فإنه تصح من الواحد ، والمرأة ، والعبد ، ولأن الرواية والشهادة تدخلان في باب الخبر ، فقد التبس تمييز أحدهما عن الآخر على الإمام شهاب الدين القرافي ، فقال في "الفروق" (1/4) : "الفرق الأول بين الشهادة والرواية ، ابتدأتُ بهذا الفرق بين هاتين القاعدتين لأني أقمتُ أطلبه نحو ثمان سنين فلم أظفر به ، وأسأل الفضلاء عن الفرق بينهما".
    ثم وجد ضالته في "شرح البرهان" للمازري رحمه الله ، حيث قال : "الشهادة والرواية خبران ، غير أن المخبر عنه إن كان أمراً عاماً لا يختص بمعين فهو الرواية ، كقوله r : "إنما الأعمالُ بالنيات" ، والشُّفعة فيما لا يُقْسَمُ ، لا يختص بشخص معين ، بل ذلك على جميع الخلق في جميع الأعصار والأمصار بخلاف قول العدل عند الحاكم : "لهذا عند هذا دينارٌ" ، إلزامٌ لمعين لا يتعداه إلى غيره ، فهذا هو الشهادة المحضة ، والأول : هو الرواية المحضة ، ثم تجتمع الشوائب بعد ذلك". أهـ
    ثم ساق كلاماً طويلاً يجدر أن يراجع ، مع تعليل أبي القاسم بن الشاط رحمه الله ، ففيه نفائسُ.
    والمسألة تحتمل البسط ، وفيما ذكرته كفاية لمن قنع وترك المراء ، وقد ظهر مما مر من البيان أن ما اعترض به الأستاذ الكاتب على عدم الاعتداد بخبر الواحد ليس فيه سلفٌ من الصحابة ، ولا التابعين ، ولا الأئمة المتبوعين ، إنما هو لبعض المتأخرين من أهل الاعتزال ، وغيرهم ممن لا يُعوَّلُ عليهم كما مر قريباً ، فيذهب ما قعقع به الأستاذ الكاتب حول خبر الواحد كضرطة عيرٍ بفلاةٍ !!

    ************
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

  12. #32
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    155

    افتراضي رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله

    شكر الله لكم , وبارك في هذه الجهود, وجزاكِ خيرَ الجزاء أختنا أم محمد الظن.
    وألبس الشيخ أبي إسحاق لباس الصحةِ والعافية, اللهم اجمعْ لهُ بين الأجرِ والعافية. آمين

  13. #33
    تاريخ التسجيل
    May 2010
    المشاركات
    994

    افتراضي رد: ما درجة الأحاديث الآتية تابعوا معنا الحكم لشيخنا أبي إسحاق الحويني شفاه الله

    وجزاكم مثله
    http://tafregh.a146.com/index.php
    لتحميل المباشر للتفريغات مكتبة التفريغات الإسلامية

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •