تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: سماع الموتى و صلاة الصالحين في قبورهم

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    102

    Post سماع الموتى و صلاة الصالحين في قبورهم

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين , اللهم صلى على محمد و آله و أصحابه و تابعيه بإحسان إلى يوم الدين.

    قال الله سبحانه وتعالى : "وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ" - (المؤمنون: ١٠٠)

    قال مجاهد : البرزخ الحاجز بين الموت والرجوع إلى الدنيا ، وعنه قال : هو ما بين الموت

    إلى البعث. قال الحسن : هي هذه القبور التي بينكم وبين الآخرة , وقال عطاء الخرساني :

    البرزخ مدة ما بين الدنيا والآخرة.

    ما وددت أن أتناوله في هذا البحث أساسا هي نقاط محددة كانت مسار جدل بين بعض الشيوخ و الأئمة ما بين من يثبت و من ينفي كلا بأدلته ألا و هي:

    سماع الأموات للأحياء و مدى صحة صلاة المؤمن الصالح في القبر بجسده.


    و بالرغم من أن هذا الموضوع لا يبدوا أنه ذو تأثير مباشر على عمل الإنسان إلا أن الدافع وراءه و العائد الأساسى منه هو فك التعارض الظاهري بين بعض النصوص و توضيح المقصود منها حتى تكون الصورة واضحة لا لبس فيها إن شاء الله تعالى.


    المبحث الأول: سماع الموتى

    هل الموتى يسمعون الأحياء؟ و إن كان كذلك فهل عن قرب أم عن بعد أيضا؟


    و هنا سأذكر ما هو الصواب في هذا كما توصلت إليه بفضل الله تعالى و أسوق الأدلة على ذلك ثم الرد على أدلة الفريق الذى ينفي. فالصواب كما سيتضح هو أن:

    الموتى يسمعون الأحياء و هذا السماع يكون عن قرب أى في النطاق الذي كان الميت يسمع منه و هو على قيد الحياة.

    الأدلة:

    ١- الحديث الذي ورد في الصحيحين عن قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال

    "العبد إذا وضع في قبره وتولي وذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه فيقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم فيقول أشهد أنه عبد الله ورسوله فيقال انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به مقعدا من الجنة قال النبي صلى الله عليه وسلم فيراهما جميعا"
    فهو قول صريح صحيح أن الميت يسمع قرع نعال من يتولوا عنه

    و قد صنف البخاري بابا مستقلا في كتاب الجنائز بعنوان "باب الميت يسمع خفق النعال" الذي أورد فيه هذا الحديث.

    ففي هذا الحديث دلالة واضحة أن الميت يسمع الأحياء و فيه دلالة أخرى و هي أنه يسمع عن قرب إذ لو كان الميت يمكن أن يسمع من هو بعيد جدا عنه أو في بلد آخر لما كانت هناك فائدة في ذكر و تخصيص قرع نعال أصحابه الذين يتولوا عنه لأنه لو كان كذلك لكان الميت يسمع قرع نعال كل الناس فالتخصيص هنا يفيد أنه يسمع فقط في النطاق الذي حوله.


    ٢- الحديث الذي ورد في الصحيحين و مسند أحمد و سنن النسائي و اللفظ لمسلم عن أنس بن مالك - و رواه البخاري عنه عن أبي طلحة و عن بن عمر - "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك قتلى بدر ثلاثا ثم أتاهم فقام عليهم فناداهم فقال يا أبا جهل بن هشام يا أمية بن خلف يا عتبة بن ربيعة يا شيبة بن ربيعة أليس قد وجدتم ما وعد ربكم حقا فإني قد وجدت ما وعدني ربي حقا فسمع عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يسمعوا وأنى يجيبوا وقد جيفوا قال والذي نفسي بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يقدرون أن يجيبوا"

    فيه دلالة مرة أخرى على سماع الموتى للأحياء

    كما أن فيه أيضا دلالة على أن الميت يسمع في المحيط الذي حوله إذ لو كان غير ذلك لخاطبهم النبي صلى الله عليه و سلم من مكانه أيا كان و لم يكن هناك ضرورة أن يقف عندهم كما جاء في الحديث "أتاهم فقام عليهم"

    ٣- حديث السلام على أهل القبور فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة فقال
    "السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون" - رواه الجماعة إلا البخاري و الترمذى و كذا مالك في الموطأ و ابن خزيمة في صحيحه

    فيه دلالة أخرى على سماع الأموات للأحياء عن قرب لأن النبي صلى الله عليه و سلم هنا يناديهم مباشرة بكاف الخطاب "السلام عليكم" و لو لم يكن يسمعون لما كانت هناك فائدة في توجيه الخطاب لهم.

    ٤- قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبى الدنيا في كتاب القبور باب معرفة الموتى بزيارة الأحياء
    حدثنا محمد بن عون حدثنا يحيى بن يمان عن عبد الله بن سمعان عن زيد بن أسلم عن عائشة رضى الله تعالى عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم"


    قال أيضا: حدثنا محمد بن قدامة الجوهرى حدثنا معن بن عيسى القزاز أخبرنا هشام بن سعد حدثنا زيد بن أسلم عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال إذا مر الرجل بقبر أخيه يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام وعرفه وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام .


    ٥- ما رواه أحمد و مسلم و النسائي عن مخرمة بن المطلب عن السيدة عائشة رضي الله عنها في حديث طويل جاء فيه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال "فإن جبريل أتاني حين رأيت فناداني فأخفاه منك فأجبته فأخفيته منك ولم يكن يدخل عليك وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشي فقال إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم قالت قلت كيف أقول لهم يا رسول الله قال قولي السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون"

    سند الحديث فيه مجهول إلا أن مسلما أتى به في المتابعات على حديث الباب الأصلي لأبي هريرة في السلام على أهل القبور.

    و فيه دلالة أن السلام على أهل القبور و مخاطبتهم ليس مختصا بالنبي صلى الله عليه و سلم فقط لأنه صلى الله عليه و سلم ذكر للسيدة عائشة رضي الله عنها أن تسلم و تخاطبهم أيضا في قوله "وإنا إن شاء الله بكم للاحقون" فهنا مرة أخرى خطاب لأهل القبور


    فالأدلة هنا تضافرت على أن الميت يسمع الحي سماعا حقيقيا في النطاق الذي حوله , و هذا هو الذي عليه السلف و جمهور أهل السنة.


    أما الفريق الآخر الذي ينفي سماع الموتى للأحياء فأدلتهم ما يلي:

    ١- قوله تعالى "إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ" - (النمل: ٨٠) و كذلك (الروم: ٥٢)

    ٢- قوله تعالى "وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ" - (فاطر: ٢٢)

    ٣- ما ورد في الصحيحين أن السيدة عائشة رضي الله عنها أنكرت على ابن عمر ما رواه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال على قتلى بدر من المشركين في القليب "إنهم ليسمعون ما أقول" - و هو الحديث الثاني الذي ورد في الأدلة السابقة

    فقد ذُكِرَ عند عائشة أن ابن عمر يرفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏
    "‏ إن الميت يعذب في قبره ببكاء أهله عليه ‏"‏ ‏ فقالت وَهِلَ إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏
    "إنه ليعذب بخطيئته أو بذنبه وإن أهله ليبكون عليه الآن ‏"‏ ‏ وذاك مثل قوله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب يوم بدر وفيه قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما قال ‏"‏ إنهم ليسمعون ما أقول ‏"‏ ‏
    وقد وَهِلَ إنما قال ‏"‏ إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ‏"‏ ‏
    ثم قرأت ‏{‏ إنك لا تسمع الموتى‏}‏ ‏{‏ وما أنت بمسمع من في القبور‏}‏ ‏. - و اللفظ لمسلم

    قولها : (وَهِل ) هو بفتح الواو وكسر الهاء وفتحها أي غلط ونسي.
    وقد وافق عائشة على نفي الموتى كلام الأحياء طائفة من العلماء ورجحه القاضي أبو يعلى في كتاب الجامع الكبير له واحتجوا بما احتجت به عائشة ، وبأنه يجوز أن يكون ذلك معجزة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم دون غيره ، وهو سماع الموتى كلامه.

    و الآن تعقيب

    - قوله تعالى "إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ"
    فقد استوقفتني هذه الآية و فكرت فيها مليا و كيفية الجمع بينها وبين الأحاديث الصحيحة في سماع الموتى
    إلى أن قرأت الآية التالية لها مباشرة فوجدت فيها تفسيرها واضحا بحمد الله تعالى

    ففي الآية التالية يقول تعالى "وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ"

    فإنك إن تأملت قوله تعالى "إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ"

    تجد أن الله تعالى حصر الإسماع فقط في المؤمنين , و هل الكفار لم يسمعوا النبي؟

    الإجابة: بلى إنهم سمعوا بالطبع و لكنهم أعرضوا و لهذا استحقوا عقاب الله تعالى على كفرهم.

    فيتضح إذن أن السماع المقصود هنا ليس هو مجرد إدراك الكلام بالأذن

    لأن هذا الكلام أدركه المؤمن و الكافر

    و لكن المقصود الإنصات و التدبر الذي يفضي إلى الإستفادة من الكلام المسموع و هذا الذي ينحصر في المؤمنين فقط.

    فالسماع نوعان:-

    الأول: الذي ليس للإنسان إرادة فيه و هو كل ما يقع على أذنه من الأصوات حوله
    (و هذا الذي يشترك فيه الناس جميعا أحياء و أموات كذلك المؤمنون و غيرهم)

    الثاني: الذي يكون للإنسان إرادة فيه و هو أن ينصت للكلام الذي يقال حتى يفهمه أو يحفظه أو يعمل بما فيه
    (و هذا الذي يكون للأحياء لا الأموات كذلك المؤمنين لا الكافرين)

    فكما أن كلا من المؤمن و الكافر سمع النبي صلى الله عليه و سلم
    و لكن المؤمن أنصت و تدبر و فاده ما سمع بأن أسلم و الكافر لم ينصت و لم يفيده سماعه شئ
    كذلك الحال بالنسبة للحي و الميت فكلاهما يسمع لكن الميت لا ينصت و لا يفيده سماعه شئ حيث قد أفضى إلى ما عمل و لا يمكنه أن يقوم بعمل شئ آخر في الدنيا


    و لذلك قال الحافظ بن كثير في تفسيره للآية:
    "إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين" أي لا تسمعهم شيئا ينفعهم
    فكذلك هؤلاء على قلوبهم غشاوة وفي آذانهم وقر الكفر. انتهى كلامه


    دليل آخر أيضا قوله تعالى مخبرا عن حال الكفار يوم القيامة:
    "وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ" – (الملك: ١٠)

    فبالطبع ليس المقصود منه سماع الأذن (النوع الأول) فلو لم يكونوا قد سمعوا لما عذبوا فالله تعالى برحمته لا يعذب حتى يبعث رسولا و بالتالى المقصود أنهم لم ينصتوا لما سمعوا و ينتفعوا به (النوع الثاني).

    و كذلك الحال بالنسبة للآية الكريمة "وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ".


    - و أما إنكار السيدة عائشة رضي الله عنها لرواية ابن عمر رضي الله عنهما فقد خالفها الجمهور في ذلك
    كما أورده ابن حجر فقد روى الحديث أيضا أنس بن مالك رضي الله عنه بنفس اللفظ الذي رواه ابن عمر
    عن النبي صلى الله عليه و سلم و هو "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم"
    و هذا لا ينفي أن تكون السيدة عائشة سمعت اللفظ الذي روته و هو "‏ إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ‏"‏ ‏

    فلا تعارض بين القولين فكلاهما صحيح هم سمعوا و علموا الحق فيكون النبي صلى الله عليه و سلم قال كلا اللفظين لكن في الأول كان في مقام تبيان أن الموتى يسمعونه و هو يخاطبهم ردا على سؤال عمر بن الخطاب له
    "فكيف يسمعوا وأنى يجيبوا وقد جيفوا؟" , و أما الثاني فكان في مقام تبيان أن هؤلاء الذين كفروا به و آذوه و حاربوه عرفوا الآن أن ما جاء به هو الحق من ربه.


    قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري - كتاب الجنائز - باب ما جاء في عذاب القبر:
    حديث عائشة قالت : إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم : إنهم ليعلمون الآن ما إن كنت أقول لهم حق.
    و هذا مصير من عائشة إلى رد رواية ابن عمر المذكورة ، وقد خالفها الجمهور في ذلك
    وقبلوا حديث ابن عمر لموافقة من رواه غيره عليه . وأما استدلالها بقوله تعالى إنك لا تسمع الموتى
    فقالوا : معناها لا تسمعهم سماعا ينفعهم ، أو لا تسمعهم إلا أن يشاء الله .
    وقال السهيلي : عائشة لم تحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم
    فغيرها ممن حضر أحفظ للفظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد قالوا له :
    يا رسول الله ، أتخاطب قوما قد جيفوا ؟ فقال : ما أنتم بأسمع لما أقول منهم . انتهى


    و أضيف أنه حتى لو فرضنا خطأ رواية ابن عمر و أنس و كان اللفظ الذي صح فقط هو ‏"‏ إنهم ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق ‏"‏ , فإن مجرد مناداته صلى الله عليه و سلم للقتلى و مخاطبته لهم لدليل كاف أنهم يسمعونه لأنه حاشاه أن يعمل عمل لا معنى له.


    المبحث الثاني: صلاة الصالحين في قبورهم

    هل للموتى حياة بعد الموت في القبر؟ و هل يمكن أن يقوم بعمل من العبادات كالصلاة أو قراءة القرآن في قبره بجسده؟

    أولا: ثبوت ذلك للأنبياء

    - روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال
    "مررت - و في رواية أتيت - على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره"
    رواه أيضا أحمد و النسائي

    و قوله "قائم" يثبت أنه كان يصلي بجسده و ليس فقط بالروح فلو كانت بالروح فقط لكان المفهوم أن يقال
    "و هو يصلي في قبره" و لما كان للفظ "قائم" فائدة

    فالنبي صلى الله عليه و سلم لا يخاطب الناس إلا بما يفهمونه و لذلك فقوله "و هو قائم يصلي في قبره"

    دل على أن ذلك كان بالجسد.

    قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم - كتاب الإيمان - باب ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال:

    قال القاضي :
    فإن قيل : كيف رأى موسى عليه السلام يصلي في قبره وصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأنبياء
    ببيت المقدس ووجدهم على مراتبهم في السموات وسلموا عليه ورحبوا به
    فالجواب أنه يحتمل أن تكون رؤيته موسى في قبره عند الكثيب الأحمر كانت قبل صعود النبي
    - صلى الله عليه وسلم - إلى السماء وفي طريقه إلى بيت المقدس ، ثم وجد موسى قد سبقه إلى السماء.
    ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - رأى الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وصلى بهم على تلك الحال
    لأول ما رآهم ثم سألوه ورحبوا به ، أو يكون اجتماعه بهم وصلاته ورؤيته موسى بعد انصرافه
    ورجوعه عن سدرة المنتهى . والله أعلم. إنتهى كلامه


    - قال أبو يعلى : حدثنا أبو الجهم الأزرق بن علي حدثنا يحيى بن أبي بكير حدثنا المستلم بن سعيد عن الحجاج عن ثابت البناني : عن أنس بن مالك :
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون"
    أخرجه البيهقي في حياة الأنبياء في قبورهم [ص /٢٣ طبعة مكتبة الإيمان]

    قال الهيثمي في مجمع الزوائد [٨ / ٣٨٦ ] : رواه أبو يعلى والبزار ورجال أبو يعلى ثقات.

    و نقل ابن الملقن في البدر المنير [٥ / ٢٨٥] عن البيهقي أنه قال بعد أن ساق هذا الطريق :

    « هَذَا إِسْنَاد صَحِيح » ثم قال ابن الملقن : «وَهُوَ كَمَا قَالَ ؛ لِأَن رِجَاله كلهم ثِقَات»

    و صححه الألباني (السلسلة الصحيحة رقم ٦٢١)


    قال الشيخ الألباني رحمه الله تعليقا على الحديث:
    ثم اعلم أن الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما هي حياة برزخية ، ليست من حياة الدنيا في شيء ، ولذلك وجب الإيمان بها دون ضرب الأمثال لها ، ومحاولة تكييفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا. إنتهى كلامه

    قلت:
    لو كانت مجرد حياة برزخية فكل الأموات في حياة برزخية فلو كان كذلك لما كانت هناك خصوصية إذا
    ثم كما ذكرت في الفقرة السابقة أن النبي صلى الله عليه و سلم يخاطب الناس بما يفهمونه
    فإذا قال أن الأنبياء "أحياء" فمعروف مدلول الكلمة عند متلقيها.
    و لكن هذا لا يستوجب أن تكون حياة كاملة كحياة الدنيا و ما بها من غرائز و مأكل و مشرب الخ
    بل إنها حياة للجسد فقط لأداء الصلاة و الذكر و ما شاء الله له من أفعال يقوم بها في قبره.


    قال القرطبي رحمه الله:
    "وهذا الحديث يدل بظاهره على : أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى رؤية حقيقية في اليقظة
    وأن موسى كان في قبره حيا ، يصلي فيه الصلاة التي كان يصليها في الحياة
    وهذا كله ممكن لا إحالة في شيء منه ، وقد صح أن الشهداء أحياء يرزقون
    ووجد منهم من لم يتغير في قبره من السنين.
    وإذا كان هذا في الشهداء كان في الأنبياء أحرى وأولى " انتهى
    (المفهم ٦ / ١٩٢)


    وقال السيوطي رحمه الله:
    " حياة النبي صلى الله عليه وسلّم في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علماً قطعياً ؛ لما قام عندنا من الأدلة في ذلك ، وتواترت به الأخبار " انتهى
    ( الحاوي للفتاوي ٢ / ١٣٩)


    استدل بعض من أنكروا صلاة الأموات و حتى الأنبياء في قبورهم بحديث "إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله

    إلا من ثلاثة إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له" عند مسلم و أصحاب السنن.


    قلت:

    المقصود بالعمل الذي ينقطع هنا لابد أن يكون هو العمل الذي يثاب عليه صاحبه
    و ليس أي فعل يقوم به و إلا فالميت يجيب الملكان السائلان و هذا مما لا خلاف عليه

    فإجابته وكلامه مع الملكين أليس ذلك عملا؟

    نعم هو عمل , إذن تبين أن العمل الذي ينقطع بعد الموت هو العمل المثاب عليه صاحبه

    و لا خلاف أن صلاة الصالحين بعد الموت ليس لها ثواب إنما هي في حد ذاتها ثواب و نوع من الكرامة يعطيها الله سبحانه و تعالى لمن شاء من عباده الصالحين.

    وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
    هذه الصلاة ونحوها مما يتمتع بها الميت ويتنعم بها كما يتنعم أهل الجنة بالتسبيح
    فإنهم يلهمون التسبيح كما يلهم الناس في الدنيا النَّفَس فهذا ليس من عمل التكليف الذي يطلب له ثواب منفصل
    بل نفس هذا العمل هو من النعيم الذي تتنعم به الأنفس وتتلذذ به. انتهى
    ( مجموع الفتاوى ٤ / ٣٣٠)


    - وأخرج البيهقي أيضا من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أحد فقهاء الكوفة عن ثابت بلفظ آخر
    قال : "إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور"
    قال الحافظ بن حجر ومحمد سيئ الحفظ

    و روى أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وغيره عن أوس بن أوس رفعه في فضل يوم الجمعة
    "فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي .
    قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت قال :
    إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء"


    قال الحافظ بن حجر في الفتح:
    ومما يشكل على ما تقدم (و يقصد الحديث السابق و أحاديث صلاة النبي في قبره) ما أخرجه أبو داود من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه "ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام" ورواته ثقات . ووجه الإشكال فيه أن ظاهره أن عود الروح إلى الجسد يقتضي انفصالها عنه وهو الموت ، وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة :

    أحدها : أن المراد بقوله : رد الله علي روحي أن رد روحه كانت سابقة عقب دفنه لا أنها تعاد ثم تنزع ثم تعاد

    الثاني : سلمنا ، لكن ليس هو نزع موت بل لا مشقة في

    الثالث : أن المراد بالروح الملك الموكل بذلك

    الرابع : المراد بالروح النطق فتجوز فيه من جهة خطابنا بما نفهمه

    الخامس : أنه يستغرق في أمور الملإ الأعلى ، فإذا سلم عليه رجع إليه فهمه ليجيب من سلم عليه . وقد استشكل ذلك من جهة أخرى ، وهو أنه يستلزم استغراق الزمان كله في ذلك لاتصال الصلاة والسلام عليه في أقطار الأرض ممن لا يحصى كثرة ، وأجيب بأن أمور الآخرة لا تدرك بالعقل ، وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة والله أعلم. إنتهى كلام ابن حجر

    (فتح الباري - كتاب أحاديث الأنبياء - باب قول الله واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها)

    قال ابن القيم رحمه الله:
    وبعد وفاته - يعني النبي صلى الله عليه و سلم – استقرت - يعني روحه - في الرفيق الأعلى مع أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، ومع هذا فلها إشراف على البدن ، وإشراق ، وتعلق به ، بحيث يرد السلام على من سلم عليه ، وبهذا التعلق رأى موسى قائما يصلى في قبره ، ورآه في السماء السادسة ، ومعلوم أنه لم يعرج بموسى من قبره ثم رد إليه ، وإنما ذلك مقام روحه واستقرارها ، وقبره مقام بدنه واستقراره إلى يوم معاد الأرواح إلى أجسادها ، فرآه يصلى في قبره ، ورآه في السماء السادسة ، كما أنه صلى الله عليه وسلم في أرفع مكان في الرفيق الأعلى مستقرا هناك ، وبدنه في ضريحه غير مفقود ، وإذا سلم عليه المسلم رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام ، ولم يفارق الملأ الأعلى . إنتهى
    (زاد المعاد ٣ / ٤٠ - ٤١)

    وقال السيوطي : وقع السؤال عن الجمع بين هذا الحديث وبين حديث الأنبياء أحياء وفي قبورهم يصلون وسائر الأحاديث الدالة في حياة الأنبياء فإن ظاهر الأول مفارقة الروح في بعض الأوقات ، وألفت في الجواب عن ذلك تأليفا سميته انتباه الأذكياء بحياة الأنبياء

    وحاصل ما ذكرته فيه خمسة عشر وجها أقواها أن قوله : رد الله روحي جملة حالية ، وقاعدة العربية أن جملة الحال إذا صدرت بفعل ماض قدرت فيه قد كقوله تعالى : أو جاءوكم حصرت صدورهم أي قد حصرت وكذا هاهنا يقدر قد والجملة ماضية سابقة على السلام الواقع من كل أحد ، وحتى ليست للتعليل بل لمجرد العطف بمعنى الواو فصار تقدير الحديث : ما من أحد يسلم علي إلا قد رد الله علي روحي قبل ذلك وأرد عليه.

    وإنما جاء الإشكال من أن جملة رد الله علي روحي بمعنى حال أو استقبال ، وظن أن حتى تعليلية ولا يصح كل ذلك . وبهذا الذي قدرناه ارتفع الإشكال من أصله . ويؤيده من حيث المعنى أن الرد لو أخذ بمعنى حال أو استقبال للزم تكرره عند تكرر المسلمين ، وتكرر الرد يستلزم تكرر المفارقة ، وتكرر المفارقة يلزم عليه محذورات ، منها تألم الجسد الشريف بتكرار خروج روحه وعوده أو نوع ما من مخالفة تكرير إن لم يتألم ، ومنها مخالفة سائر الناس من الشهداء وغيرهم إذ لم يثبت لأحدهم أنه يتكرر له مفارقة روحه وعوده بالبرزخ وهو - صلى الله عليه وسلم - أولى بالاستمرار الذي هو أعلى رتبة . ومنها مخالفة القرآن إذ دل أنه ليس إلا موتتان وحياتان ، وهذا التكرار يستلزم موتات كثيرة وهو باطل . ومنها مخالفة الأحاديث المتواترة الدالة على حياة الأنبياء وما خالف القرآن والسنة المتواترة وجب تأويله.

    قال البيهقي في كتاب الاعتقاد : الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء . والحديث أخرجه البيهقي في كتاب حياة الأنبياء بلفظ إلا وقد رد الله علي روحي بزيادة لفظ " قد " وقال البيهقي في شعب الإيمان : وقوله " إلا رد الله علي روحي " معناه والله أعلم إلا وقد رد الله علي روحي فأرد عليه السلام فأحدث الله عودا على بدء. انتهى


    تعقيب:

    - "موتتان وحياتان" يشير بذلك لقوله تعالى
    "كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ" - (البقرة: ٢٨)
    كذلك قوله تعالى مخبرا عن حال الكافرين يوم القيامة
    "قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ" - (غافر: ١١)

    فعند أكثر المفسرين الموت الأول هو قبل أن يولد الإنسان أو عندما كان ترابا و الثانية هي الموتة التي يموتها في الدنيا و الحياة الأولى مجيئه للدنيا و الثانية يوم القيامة و لذلك فإن السيوطي و طائفة أخرى من بعض المفسرين يردون القول بالإحياء بعد الموت لأن ذلك سوف يعني أنه سيكون عدد الإماتة و الأحياء أكثر من اثنين

    و لكن تم الرد عليهم بأن المقصود في الآية الحياتان الكاملتان و هما حياة الدنياو حياة الأخره أما إحياء الميت في القبر فهي ليست حياة كاملة يقوم فيها الميت بكل ما يقوم به في الدنيا إنما هي حياة لأغراض محددة كالصلاة و رد السلام فلا تعارض حينئذ مع الآية.

    و أضيف أيضا أن بعض المفسرين قال أن الإحياء الأول هو في القبر ثم يميتهم ثم الإحياء الثاني يوم القيامه قاله الثوري عن السدي عن أبي صالح " كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون" قال يحييكم في القبر ثم يميتكم و قد استبعد ذلك الحافظ بن كثير.


    - و أما بالنسبة للجمع بين الحديثين

    فلا مانع أن تكون صلاتهم في قبورهم في أوقات و تواجدهم في السماء في أوقات أخرى

    فيكون قوله صلى الله عليه و سلم " إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام"
    محمولة على ما إذا كان ذلك في غير وقت صلاته صلى الله عليه و سلم في قبره
    و كذا فإنه يفسر مشاهدته لموسى عليه السلام و هو قائم يصلى في قبره أثناء رحلة الإسراء ثم مقابلته بعد ذلك في السماء أثناء رحلة المعراج و هذا يكون أقرب لما قاله الإمام مالك فيما بلغه أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت و الإحتمال الثاني أن أرواحهم تكون متصلة بالجسد من جهة و مفارقة له في السماء من جهة أخرى مثل حال النائم فروحه من جهة في الملكوت بها قد يرى الرؤى و الأحلام و هى متصلة بجسده من ناحية أخرى بها يشعر إذا أيقظه أحد و ربما تكلم أو قام بحركات أثناء النوم.
    قال تعالى "اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" - (الزمر: ٤٢ )
    و هذا المعنى الذي قاله العلامة ابن القيم.


    ثانيا: مدى إمكانية حدوث ذلك لعموم الصالحين

    - روى ابن حبان في صحيحه و الطبراني في الأوسط
    عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
    إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولوا مدبرين فإن كان مؤمنا كانت الصلاة عند رأسه وكان الصيام عن يمينه وكانت الزكاة عن شماله وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلاة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه فيؤتى من قبل رأسه فتقول الصلاة ما قبلي مدخل ثم يؤتى عن يمينه فيقول الصيام ما قبلي مدخل ثم يؤتى عن يساره فتقول الزكاة ما قبلي مدخل ثم يؤتى من قبل رجليه فيقول فعل الخيرات من الصدقة والمعروف والإحسان إلى الناس ما قبلي مدخل فيقال له اجلس فيجلس قد مثلت له الشمس وقد دنت للغروب فيقال له أرأيتك هذا الذي كان قبلكم ما تقول فيه وماذا تشهد عليه فيقول دعوني حتى أصلي فيقولون إنك ستفعل أخبرنا عما نسألك عنه أرأيتك هذا الرجل الذي كان قبلكم ماذا تقول فيه وماذا تشهد عليه قال فيقول محمد أشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه جاء بالحق من عند الله فيقال له على ذلك حييت وعلى ذلك مت وعلى ذلك تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب من أبواب الجنة فيقال له هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها فيزداد غبطة وسرورا ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له هذا مقعدك وما أعد الله لك فيها لو عصيته فيزداد غبطة وسرورا ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعا وينور له فيه ويعاد الجسد كما بدأ منه فتجعل نسمته في النسيم الطيب وهي طير تعلق في شجر الجنة فذلك قوله يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة الآية وإن الكافر إذا أتي من قبل رأسه لم يوجد شيء ثم أتي عن يمينه فلا يوجد شيء ثم أتي عن شماله فلا يوجد شيء ثم أتي من قبل رجليه فلا يوجد شيء فيقال له اجلس فيجلس مرعوبا خائفا فيقال أرأيتك هذا الرجل الذي كان فيكم ماذا تقول فيه وماذا تشهد عليه فيقول أي رجل ولا يهتدي لاسمه فيقال له محمد فيقول لا أدري سمعت الناس قالوا قولا فقلت كما قال الناس فيقال له على ذلك حييت وعليه مت وعليه تبعث إن شاء الله ثم يفتح له باب من أبواب النار فيقال له هذا مقعدك من النار وما أعد الله لك فيها فيزداد حسرة وثبورا ثم يفتح له باب من أبواب الجنة ويقال له هذا مقعدك منها وما أعد الله لك فيها لو أطعته فيزداد حسرة وثبورا ثم يضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه فتلك المعيشة الضنكة التي قال الله فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى
    الحديث حسنه الألباني (صحيح الترغيب و الترهيب ٣٥٦١)

    نسأل الله أن يثبتنا جميعا بالقول الثابت في الحياة الدنيا و في الآخرة آمين

    فإن صح الحديث يستفاد منه أمور:

    أولا: أن المؤمنين أو بعضهم سيصلون في قبورهم لأنه كما جاء في الحديث أن الملكين يقولا له "ستفعل" عندما أراد أن يصلي , و الملائكة بالطبع لا تكذب فلو قال الملك له ستفعل فسيفعل.

    ثانيا: أن الروح ترد في الجسد في هذا الوقت و ذلك يفهم من قوله "فيقال له اجلس فيجلس" و إن كان قد ورد لفظ مشابه في الصحيحين و هو "فأقعداه" ففي كلا الحديثين أن الميت سيجلس و هو يحاسب إلا أن اللفظ هنا صريح بأنه سيجلس بنفسه.

    و قد روى أيضا الإمام أحمد في مسنده حديث يدل على رد الروح للميت في القبر عند الحساب
    قال: حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن منهال بن عمرو عن زاذان عن البراء بن عازب قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الأنصار فانتهينا إلى القبر ولما يلحد فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وجلسنا حوله وكأن على رءوسنا الطير وفي يده عود ينكت في الأرض فرفع رأسه فقال استعيذوا بالله من عذاب القبر مرتين أو ثلاثا ثم قال إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس معهم كفن من أكفان الجنة وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه فيقول أيتها النفس الطيبة اخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان قال فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء فيأخذها فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض قال فيصعدون بها فلا يمرون يعني بها على ملإ من الملائكة إلا قالوا ما هذا الروح الطيب فيقولون فلان بن فلان بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا فيستفتحون له فيفتح لهم فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها حتى ينتهى به إلى السماء السابعة فيقول الله عز وجل اكتبوا كتاب عبدي في عليين وأعيدوه إلى الأرض فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى قال فتعاد روحه في جسده فيأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له من ربك فيقول ربي الله فيقولان له ما دينك فيقول ديني الإسلام فيقولان له ما هذا الرجل الذي بعث فيكم فيقول هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولان له وما علمك فيقول قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت فينادي مناد في السماء أن صدق عبدي فأفرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابا إلى الجنة قال فيأتيه من روحها وطيبها ويفسح له في قبره مد بصره

    الحديث حسنه الألباني (مشكاة المصابيح: ١٦٣٠)


    ثالثا: وقوع النعيم أو العذاب على البدن و الروح جميعا لقوله "حتى تختلف فيه أضلاعه"

    وأما انفراد الروح وحدها فقد ورد بذلك أحاديث أيضا منها:

    - عن كعب بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
    "إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه إلى جسده يوم يبعثه"
    رواه النسائي ورواه مالك والشافعي.

    - روى حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديث القبر بطوله في حق المؤمن قال : " ويعاد الجسد إلى ما بدىء منه وتجعل روحه في نسيم طير يعلق في شجر الجنة ". خرجه الطبراني وغيره ، وخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق معتمر عن محمد بن عمرو به ولفظه ، وتجعل نسمته في النسيم الطيب وهو طير يعلق في الجنة ، وقد سبق أن غيرهما رواه عن محمد بن عمرو فوقفه على أبي هريرة

    - خرج ابن منده أيضاً من رواية عيسى بن موسى عن سفيان الثوري عن ثور بن يزيد
    عن خالد بن معدان عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
    " أرواح المؤمنين كالزرازير تأكل من ثمر الجنة "
    ثم قال ابن منده رواه جماعة عن الثوري موقوفاً ، يعني علي عبد الله بن عمرو والصواب وقفه.

    - وقد سبق أن الإمام ذكره في رواية ابنه عبد الله موقوفاً وكذا رواه وكيع عن ثور بن يزيد
    عن خالد بن معدان عن عبد الله بن عمرو قال :
    أرواح المؤمنين في أجواف طير خضر كالزرازير يتعارفون فيها ويرزقون من ثمرها . أخرجه الخلال . وخرج أيضاً من حديث أبي هشام عن أبي إسحاق عن الأحوص عن عبد الله بن مسعود فذكر احتضار المؤمن وأن روحه تعاد إلى جسده عند سؤاله في القبر ثم ترفع روحه فتجعل في أعلا عليين . ثم تلا عبد الله الآية { إن كتاب الأبرار لفي عليين . وما أدراك ما عليون . كتاب مرقوم } قال السماء السابعة وأما الكفار فذكر الكلام وتلا (إن كتاب الفجار لفي سجين . وما أدراك ما سجين)

    قال : الأرض ، وروي مثل هذا المعنى عن أبي هريرة وعبد الله بن عمرو ، وذكره ابن عبد البر . وروى سعيد عن قتادة قال : ذكر لنا أن عبد الله بن عمرو كان يقول : سجين هي الأرض السفلى فيها أرواح الكفار.


    - وروى ابن المبارك عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن منصور بن أبي منصور حدثه قال سألت عبد الله بن عمرو عن أرواح المسلمين حين يموتون قال : ما تقولون يا جهال العراق ؟ قلت : لا أدري . قال : فإنها صور طير بيض في ظل العرش.


    فتبين من ذلك أن هناك أحاديث تثبت النعيم و العذاب للبدن و الروح معا و أخرى تثبتها للروح فقط


    قال شيخ الإسلام بن تيمية:
    فقد أخبرت هذه النصوص أن الروح تنعم مع البدن الذي في القبر - إذا شاء الله - وإنما تنعم في الجنة وحدها وكلاهما حق . وقد روى ابن أبي الدنيا في كتاب ذكر الموت عن مالك بن أنس قال : " بلغني أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت " وهذا يوافق ما روي : " أن الروح قد تكون على أفنية القبور " كما قال مجاهد : إن الأرواح تدوم على القبور سبعة أيام يوم يدفن الميت لا تفارق ذلك وقد تعاد الروح إلى البدن في غير وقت المسألة " كما في الحديث الذي صححه ابن عبد البر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ما من رجل يمر بقبر الرجل الذي كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد الله عليه روحه حتى يرد عليه السلام } .

    ثم قال أيضا:
    وقد انكشف لكثير من الناس ذلك حتى سمعوا صوت المعذبين في قبورهم ورأوهم بعيونهم يعذبون في قبورهم في آثار كثيرة معروفة ولكن لا يجب ذلك أن يكون دائما على البدن في كل وقت ; بل يجوز أن يكون في حال دون حال. إنتهى كلامه

    (مجموع فتاوى ابن تيمية - العقيدة - كتاب مفصل اعتقاد السلف - العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعا – ص ٢٩٦ - ٢٩٧ )


    - و من الروايات التى وردت عن وقائع عينية لبعض الصالحين شوهدوا و هم يصلون أو سمعوا و هم يقرؤن القرآن في قبورهم منها قصة مشهورة لثابت البناني و غيره:

    ما أوردها الحافظ ابن رجب في كتابه "أهوال القبور وأحوال أهلها إلى النشور" كما يلي:

    ١١٤- روى أبو نعيم بإسناده عن محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني إبراهيم ابن الصمة المهلبي قال : حدثني الذين كانوا يمرون بالحص بالأسحار قالو ا : كنا إذا مررنا بجنبات ثابت البناني سمعنا قراءة القرآن.

    ١١٥- وبإسناده عن يسار بن حبيش عن أبيه قال : أنا والذي لا إله إلا هو أدخلت ثابت البناني في لحده ومعي حميد ورجل غيره فلما سوينا عليه اللبن سقطت لبنة فإذا به يصلي في قبره فقلت للذي معي : ألاتراه ؟ قال : اسكت فلما سوينا عليه وفرغنا أتينا ابنته فقلنا لها : ما كان عمل ثابت ؟ قالت : وما رأيتم ؟ فأخبرناها فقالت : كان يقوم الليل خمسين سنة فإذا كان السحر قال في دعائه : اللهم إن كنت أعطيت أحداً الصلاة في قبره فأعطينيها ، فما كان الله ليرد ذلك الدعاء.

    ١١٦- وقال أبو بكر الخلال : وأخبرني أحمد بن محمد بن بشر حدثنا سلمة بن شبيب حدثنا حماد الحفار قال : دخلت المقابر يوم الجمعة فما انتهيت إلى قبر إلا سمعت فيه قراءة القرآن.

    ١١٧- وروى أبو الحسن في كتاب الروضة عن عبد الله به محمد عن منصور حدثني إبراهيم الحفار قال : حفرت قبراً فبدت لبنة فشممت رائحة المسك حين انفتحت اللبنة فإذا شيخ جالس في قبره يقرأ القرآن. إنتهى


    قد يسأل سائل:
    و لماذا إذن لا يرى ذلك كثيرا و هناك مقابر تفتح أكثر من مرة و الحديث فيه أن المؤمن سيطلب الصلاة و سيفعلها فكان مقتدى ذلك أن يكون من المعتاد مشاهدة مثل ذلك؟

    أجيب:
    الحديث يثبت القيام بالصلاة لكن ليس شرطا أن تدوم إلى يوم القيامة فهذا ثبت للأنبياء لكنه ليس بالضرورة في غيرهم فقد يصلى الصالح صلاة واحدة أو ما شاء الله له أن يصلى أو يقرأ القرآن ثم يعود لما كان عليه و الله تعالى أعلم.


    نستخلص مما سبق أن:

    - سماع الموتى للأحياء عن قرب ثابت بالسنة الصحيحة الصريحة.

    - الأنبياء يصلون في قبورهم صلاة حقيقية فيها قيام و ركوع و سجود.

    - الروح بعد الموت الأصل فيها أنها تفارق الجسد لكنها تعود إليه عند سؤال الملكين و كذلك تتصل به من حين لآخر و ربما كما قال الإمام مالك أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت.

    - في غير هذه الأوقات التي تعود فيها للجسد فهى إما في عليين في حالة المؤمن أو في سجين في حالة الكافر.

    - ولا يمنع أن تكون متصلة بالجسد في وقت ما من ناحية و مفارقة له من ناحية أخرى مثل النائم فروحه من جهة في الملكوت بها قد يرى الرؤى و الأحلام و هى متصلة بجسده من ناحية أخرى بها يشعر إذا أيقظه أحد و ربما تكلم أو قام بحركات أثناء النوم
    قال تعالى "اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" - (الزمر: ٤٢).

    - من المؤمنين من يكتب له أن يصلي أو يقرأ القرآن في قبره كرامة و فضلا من الله تعالى لهم نسأل الله أن يجعلنا منهم إنه تعالى جواد كريم.

    و لله الحمد و المنة

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Oct 2010
    المشاركات
    1

    افتراضي رد: سماع الموتى و صلاة الصالحين في قبورهم

    السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
    الأخ عماد
    لماذا لا يكون نفي سماع الموتى بموجب الآيات القرآنية الدالة على ذلك نفي عام قد خص بمواضع معينة مثل مخاطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل القليب ، و سماع قرع النعال و السلام على الموتى من المؤمنين عند زيارة القبور (مواضع ثلاثة جاء فيها التخصيص ) بدلا من إلغاء دلالة نص الآيات الصريحة التي تنفي سماع الموتى و تكون المواضع التي جاء فيها مخاطبة النبي - صلى الله عليه و على آله و سلم - لهم تخصيص و استثناء، و نكون بذلك جمعنا بين الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية.
    هذا من جهة و من جهة أخرى فإنك جئت باحاديث من كتاب ابن ابي الدنيا دون ذكر درجة هذه الأحاديث ،كحديث :""ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم" و كذا رواية "إذا مر الرجل بقبر أخية يعرفه...." و أظن أن فيها كلام.
    و أما قولك :"فالأدلة هنا تضافرت على أن الميت يسمع الحي سماعا حقيقيا في النطاق الذي حوله , و هذا هو الذي عليه السلف و جمهور أهل السنة.".أظن أن هذه المقولة بحاجة لمراجعة خصوصا إذا علمنا أن أحاديث ابن أبي الدنيا ضعيفة، و جمعا بين الآيات و الأحاديث
    هذا ما أردت مذاكرتكم فيه في موضوع سماع الميت .
    و الله تعالى أعلم

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    102

    Post رد: سماع الموتى و صلاة الصالحين في قبورهم

    وعليكم السلام و رحمة الله و بركاته
    أخي الصفوري جازاك الله خير على المشاركة

    أولا:بالنسبة للآية القرآنية و الأحاديث
    القاعدة دائما في التوفيق بين النصوص هي أن الجمع بينهم بدون تخصيص أولى من التخصيص , هذا من ناحية من ناحية أخرى فأنا أوضحت أن الآية لا يمكن أن تحمل على أي سماع لأن الآية التالية لها مباشرة تقول "إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ"
    فحصر الإسماع في المؤمنين مع أن الكافرين بالطبع سمعوا أيضا فدل ذلك على أن السماع هنا مقصود به السماع المفضي إلى العمل و ليس مجرد إدراك الكلام و يكون هذا هو السماع المقصود في الآية الأولى لأن في العربية إذا تكرر اللفظ في نفس الخطاب فمعناه هو هو فالسماع في الاية الثانية هو عين السماع في الاية الأولى
    ثم إن التخصيص لا يليق هنا لأن السماع ورد في أكثر من مقام
    في سماع قرع النعال و في سماع السلام و سماع بكاء الاهل عليه و سماع أهل قتلى القليب للنبي صلى الله عليه و سلم
    فالمعنى الذي يجمع كل هذا هو "أن الموتى يسمعون من حولهم"

    إذن قولك "إلغاء دلالة نص الآيات الصريحة "
    هذا خطأ كبير منك أخي لم ألغي دلالة النص بل أنا أوضحت معنى النص من النص نفسه فالقرآن يفسر بعضه بعضا
    و هذا هو أيضا نفس تفسير الحافظ بن كثير للآية
    قال الحافظ بن كثير في تفسيره للآية:
    "إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين" أي لا تسمعهم شيئا ينفعهم فكذلك هؤلاء على قلوبهم غشاوة وفي آذانهم وقر الكفر. انتهى كلامه

    ثانيا:
    أنا عندما قلت "فالأدلة هنا تضافرت على أن الميت يسمع الحي"
    لم أحتج على ذلك بأحاديث ابن أبي الدنيا أنا دللت على ذلك بالأحاديث الواردة في الصحيحين و هم
    - حديث قرع النعال
    - حديث مخاطبة أهل القليب
    و هما كافيان في الدلالة و مع ذلك زدت عليهما أحاديث في موطأ مالك و صحيح ابن خزيمة و صحيح مسلم
    أما أحاديث ابن أبي الدنيا فأتيت بها كشواهد و متابعات فقط و ليست كأصول في الاحتجاج

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Sep 2010
    الدولة
    مصر
    المشاركات
    102

    افتراضي رد: سماع الموتى و صلاة الصالحين في قبورهم

    و قل رب زدني علما

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •