ملحق
إن أسباب قلة تطبيق هذه السُنة , في نظري ترجع لأمرين :
1- من جهة الزوج .
2- من جهة الزوجة .
فالتي من جهة الزوج أهمها :
• عدم المقدرة المالية :
وهذا مانع شرعي لقوله صلى الله عليه وسلم " من أستطاع منكم الباءة فليتزوج " , لكن ما ضابط عدم المقدرة ؟
كثير من الأخوة يرى أنه إذا لم يملك بيتا خاصا يتسع لزوجاته فهذا من عدم المقدرة !!!
وهذا من الجهل .
وفي المقابل يُقدِمُ بعضهم على تطبيق هذه السُنّة وهو مَدِينٌ بعدد شعر رأسه !!!
وهذا من إنعدام الحكمة .
والأمر وسط , فمن قدر على النفقة على الزوجات ولو بترك بعض الكماليات أو حتى كلها لأجل المصلحة الأكبر المتمثلة في التعدد سُن له التعديد ومن لم يقدر لم يُسن له ذلك .
• الخوف من عدم العدل :
وهذا أيضا مانع شرعي مُعتبر لقوله تعالى : " ... فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ... " لكن ما هو مفهوم العدل هنا ؟
لأن بعض الأخوة يظن أن العدل لابد أن يكون في كل شيء حتى في المحبة أو الوطء أو دواعيهما !!!
وهذا خطأ بيّن .
وفي المقابل تجد بعضهم يَحْسب أنه ما دام قد كفاها المال فإنه عادل وإن جفاها أو مال لضرتها أو هجرها في الفراش !!!
وهذا ظلمٌ بيّن .
والأمر وسط , فيقسم بينهن فيما يقدر عليه مما في يده , ويقسم لهن في الأيام والمبيت برضاهن , ويبسط وجهه , ويُجمّل أخلاقه , ويُلين كلامه , ويغض طرفه عن بعض الأمور لجميعهن , فهذا هو العدل , وقد مرّ بنا لمحة من ذلك في ثنايا البحث .
• عدم رضى الزوجة :
وهذا ليس بمانع لا شرعا ولا عقلا , فشرعا لم يأتي أنه يستأذن زوجته ليتم زواجه من غيرها , وعقلا فتركيبة المرأة وجِبِلتها يرفض هذا الأمر إلا بعض من منّ الله عليها باليقين التام والقبول المطلق لأحكام الشرعية , أما الغالب فلا .
والمُريد للتعديد ثم يمنعه هذا العذر فعنده شيء من النقص في قوامته , إذ أن الأمر بيده وهو مريدٌ له , ثم يتّبع مرضات زوجته التي جُبلت على كراهية ذلك !!!
• خشية نشوب المشاكل :
وهذا من أعظم الأسباب التي تجعل كثيرا من الأخوة يُحجم عن تطبيق هذه السُنة .
ولو فـَقِهَ من هذا حاله وعذره , لعلم أن شرع الله عز وجل كامل لا يطرُقُهُ نقصٌ في باب من أبوابه , ولا يلتبس فيه حكم من أحكامه , فلو كان التعدد فيه إيجاد للمشاكل لما شرعه الله عز وجل لنا , فالشريعة أتت ( لجلب المصالح وتكثيرها , ودرء المفاسد وتقليلها ) , فكيف يقال هذا ؟؟؟
وأما ما يراه الناس من المشاكل الحادثة والخلافات الناشبة بين الزوج وبين الضرات فهو راجع لعدة أمور ليس في الشريعة منها شيء :
فإما أن يكون الزوج ظالما , أو يكون قليل دين وفقه وولج بابا لا علم له به فصار يخبط فيه خبط عشواء , أو يحسب أن الرجولة لا تتم إلا بالسيطرة المطلقة والتعسف الجبري لزوجاته , وإما أن تكون الزوجة رقيقة دين سيئة أدب , أو تكون سليطة لسان شمّاته فإن فعل خيرا لم تشكره وإن فعل غير ذلك نشرته , أو تكون متأثرة ببعض الأطروحات والأفكار في إشغاله بالمشاكل حتى يطلق من تزوجها عليها .
• الحرب الإعلامية لهذه السُنّة :
وهذا السبب ليس بكثير في الناس لكنه واقع ولا أقصد بالحرب الإعلامية ( الصحف والقنوات والشبكة العنكبوتية ) وإن كانت جزءٌ من كُل , ولكن الحرب الإعلامية من المجتمع و فتجد أحدهم يريد التعديد فيقال له : ( لا تدخل نفسك في أمور أنت في غنى عنها ) أو ( أشكر ربك على النعمة واسترح ) أو ( لا تضع يدك في النار وأنت في سعة من أمرك ) وغيرها من الكلمات التي تعتبر حربا على قليل العزيمة أو المتردد في أمره !!!
بل العجيب أن أغلب من يتسلم دفة هذه الحرب الإعلامية إما أن يكون ممن عنده زوجة واحدة ويحاول أن يبرر موقفه بالصد عن التعدد أو يكون أعزبا لم يتزوج قط وهذا من العجائب الغرائب , وأغرب من ذلك من يطرح مثل هذه الأمور عليه !!!
وأما الأسباب التي من جهة الزوجة فهي كثيرة ومن أهمها :
• دعوى الغيرة وعدم تحمّل الضرة :
وهذا عذر واهي جدا فلا يوجد امرأة على وجه الأرض ليس عندها غيرة وإن صغرت , ومع ذلك فالرجال يعددون في كل مصر وعصر ولم يأتي هذا العذر إلا من سنوات بتأثير الإعلام ووسائله من أفلام ومسلسلات وغيرها , وإلا حتى وقت قريب لا يُسمع لهذا العذر بأذن !!!
ودعوى كراهية الزواج من أخرى لا يسمى غيرة أصلا ففي المسند 6/313 والنسائي 3/286 , أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب أم سلمة – رضي الله عنها – قالت : " أني امرأة غيرى ... " فقال لها صلى الله عليه وسلم : " أما قولك أني امرأة غيرى فسأدعو الله لك فيذهب غيرتك ... "
والحديث فيه محمد بن عمر بن أبي سلمة فيه نوع جهالة لكن صحح الإسناد ابن حجر – رحمه الله – فالأقرب أنه صالح .
فهنا لم ترد أم سلمة – رضي الله عنها - خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى الغيرة بل أخبرته بأمرها و بشيء فيها وأنها تغار , بل قد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها بعدة زوجات , ولم يردنا ذِكرٌ من أن الغيرة كانت سببا في المنع , بل على العكس فقد جاء في الصحيحين أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كن يقلن له بعد بناءه بزوجة جديدة : " كيف وجدت أهلك بارك الله لك " !!!
البخاري 4/1799 , ومسلم 4/148 .
فأين دعوى الغيرة , وهن زوجات خير الخليقة صلى الله عليه وسلم والغيرة في مثلهن آكد !!!
وهذا يُسمى أنانية وليست غيرة , والعجيب أن بعض الأخوات يتقدم بها السن عن تريباتها ثم تتخوف من العنوسة وتتمنى الزوج ولو كان معددا , فما إن تتزوج حتى تكون حربا ضروسا على أخواتها العوانس بدعوى الغيرة !!!
بل وصل ببعضهن الجنون بأن تراه يفعل الحرام ويقع فيه بعلمها , ثم لا تحرك ساكنا فإذا أشار للحلال ولو بإشارة , أقامت الدنيا ولم تقعدها وهذا والله من التعاون على الإثم والعدوان نسأل الله السلامة والعافية .
• الخوف من ميل زوجها مع الضرة :
وغالبا ما تُطرح هذه المسألة قبل الزواج وكأن الزوجة تستشف الغيب من حجاب رقيق !!!
إلا أن تكون تعلم من زوجها رقة في دينه , وخللا في شهامته ومرؤته , فالخطأ خطأها إبتداءً فكيف قبلت به ؟
مع ذلك فالتعامل الحسن يُلين الصخر ولو كان معددا بأربع نسوة .
• الخوف من كلام الناس وشماتتهم :
وهذا من الهالة الكلامية التي تسوّقها بعض النسوة , فلم نسمع أن امرأة شُمت بها بأن زوجها تزوج عليها , بل على العكس حينما ترضى بذلك تجد الحظوة عند الزوج وعند أهله ويُعرف لها رجاحة عقلها وتمام دينها وتسليمها لأمر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم .
وبعد هذا كله فإن حُكم الله عدل , وقضاءه خير , وكم رأينا من مشايخنا وعلمائنا وطلبة العلم بل من العوام ( الكثرة الكاثرة ) من يعيش مع زوجاته في راحة وحب وطمأنينة , لا يكدرها مكدر , ولا ينغصها شيء , والسبب أنه أعطى الحق الواجب فأُعطي الحق الواجب فأراح واستراح .
وإن أذكـّر كل امرأةٍ تؤمن بالله واليوم الآخر بحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم : " لا يحل لامرأة تسأل طلاق أختها لتستفرغ صحفتها فإنما لها ما قدر لها "
أخرجه البخاري 5/1978 , ومسلم 2/1028 .
قال ابن عبد البر – رحمه الله - : " وذكر الصحفة في هذا الحديث كناية عن خير الزوج "
الإستذكار 8/269 .
فكيف بمن تحول بين زوجها وبين ما أحل الله له بحجج واهية وكلام مردود وهي ترى الفتن والمغريات التي لا يصبر عنها إلا من عصمه الله , وترى بنات جنسها قد ملأن البيوت متعففات لا يردن إلا ما أحله الله لهن .
ختاما :
نقل ابن القيم – رحمه الله – عن الفضل بن زياد قال سمعت أبا عبد الله ( الإمام أحمد ) قيل له : ما تقول في التزويج في هذا الزمان ؟ فقال : مثل هذا الزمان ينبغي للرجل أن يتزوج ليت أن الرجل إذا تزوج اليوم ثنتين فيفلت ما يأمن أحدكم أن ينظر النظرة فيحبط عمله !!! قلت له : كيف يصنع ؟ من أين يطعمهم ؟ فقال : أرزاقهم على الله عز وجل " .
بدائع الفوائد 2/48 .
همسة :
- من أراد أن يعدد فيعدد وهو في شبابه وقوته كي لا يبتلي بنت الناس ولا يبلو نفسه .
- إن إكرام الزوج لزوجته الأولى بشيء من المال دليل على طيب أصله وكرامة محتده .