الإعلام
بدراسة حديث (لا تبدؤوا المشركين بالسلام)
مع الجمع بينه وبين أحاديث الباب
في ابتداء غير المسلمين بالسلام ورده
أستاذ مساعد بقسم التفسير والحديث
كلية الشريعة ـ جامعة الكويت
ملخص البحث
هذا البحث دراسة حديثية نقدية لحديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة(لا تبدؤوا المشركين بالسلام)، وقد أخرجه مسلم في صحيحه، ووقع في بعض ألفاظه اختلاف بين رواته، وقد احتج به من قالوا بالمنع مطلقا من ابتداء غير المسلمين بالسلام، مع وجود أحاديث صحيحة أخرى تأمر بإفشاء السلام، وقد يبدو بينها تعارض ظاهري، وهو ما دعا الباحث إلى دراسة هذا الحديث، وبيان ما وقع فيه من اختلاف، والجمع بينه وبين الأحاديث الأخرى، مع جمع الأحاديث الواردة في الباب، في إفشاء السلام ورده، مع غير المسلمين، كما وردت في السنة النبوية، ليكون البحث وافيا في بابه في معرفة ما ورد في هذه القضية من أحاديث صحيحة.
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على النبي الأمين وآله وصحبه أجمعين وبعد:
فهذه دراسة حديثية نقدية لحديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة (لا تبدؤوا المشركين ـ وفي رواية اليهود والنصارى ـ بالسلام وإذا لقيتموهم فاضطروهم إلى أضيق الطريق).
ولا يخفى مدى الحاجة اليوم لمعرفة حكم مثل هذه المسألة التي تعم به البلوى حيث اختلطت الشعوب والأمم اختلاطا كبيرا غير مسبوق في تاريخها، وأصبح المسلمون منتشرين في كل بلد من بلدان المعمورة، وهم يختلطون ويعملون مع غيرهم من أهل الأديان الأخرى، وربما وقعوا في حرج بامتناعهم عن البدء بالتحية خاصة إذا اقتضى الحال ذلك كدخولهم على غير المسلمين في بيوتهم أو أعمالهم، كما يفيده حديث سهيل هذا، خاصة وأن ظاهر هذا الحديث يعارض عموم النصوص القرآنية والنبوية التي تأمر بإفشاء السلام بين الناس، وقد ذكر ابن حجر اختلاف السلف في هذه القضية بسبب تعارض النصوص ظاهريا فقال(منع ابتداء الكافر بالسلام قد ورد النهي عنه صريحا فيما أخرجه مسلم والبخاري في الأدب المفرد من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه (لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام واضطروهم إلى أضيق الطريق)... وقالت طائفة يجوز ابتداؤهم بالسلام فأخرج الطبري من طريق ابن عيينة قال يجوز ابتداء الكافر بالسلام لقوله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين) وقول إبراهيم لأبيه (سلام عليك).. وقال البيهقي بعد أن ساق حديث أبي أمامة أنه كان يسلم على كل من لقيه فسئل عن ذلك فقال (إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل ذمتنا) هذا رأي أبي أمامة وحديث أبي هريرة في النهي عن ابتدائهم أولى. وأجاب عياض عن الآية وكذا عن قول إبراهيم عليه السلام لأبيه بأن القصد بذلك المتاركة والمباعدة وليس القصد فيهما التحية، وقد صرح بعض السلف بأن قوله تعالى (وقل سلام فسوف يعلمون) نسخت بآية القتال).([1])
فالتعارض بين الأدلة المانعة والمجوزة لابتدائهم بالسلام قد بلغت حد ادعاء المانعين النسخ وادعاء بعضهم التخصيص وذهاب بعضهم إلى تأويل الآيات، وقد أدت إلى اختلاف السلف منذ عهد الصحابة ومن بعدهم في هذه المسألة، بسبب التعارض الظاهري بين النصوص، فكان لا بد من دراسة هذا الحديث، ومعرفة معناه على الوجه الصحيح، بما يدفع عنه هذه المعارضة، وليتوافق مع النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية التي هي أصح منه سندا، وأصرح معنى.
وقد تم تقسيم هذه الدراسة إلى خمسة مباحث:
المبحث الأول: تخريج روايات حديث سهيل بن أبي صالح(لا تبدؤوا المشركين بالسلام).
المبحث الثاني: النصوص المعارضة لحديث سهيل.
المبحث الثالث: بيان وجه حديث سهيل وكشف علته .
المبحث الرابع: الأحاديث الواردة برد السلام على غير المسلمين.
المبحث الخامس: في بيان القول الراجح.
المبحث الأول: تخريج روايات حديث سهيل:
هذا الحديث لا يعرف بهذا اللفظ إلا من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا وقد اختلف عليه الرواة عنه في لفظه اختلافا شديدا فرواه عنه:
1ـ سفيان الثوري :وقد رواه عنه:
ـ وكيع وأبو نعيم وهو الفضل بن دكين قالا ثنا سفيان عن سهيل به بلفظ(إذا لقيتم اليهود في الطريق فاضطروهم إلى أضيقها ولا تبدؤوهم بالسلام) وهذا لفظ وكيع، وقال أبو نعيم (إذا لقيتم المشركين في الطريق فلا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقها). ([2])
ـ عبد الرزاق عن سفيان به بلفظ (إذا لقيتم المشركين في طريق فلا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقها).([3])
ـ يحي بن آدم عن سفيان به مثل رواية أبي نعيم.([4])
ـ محمد بن كثير عن سفيان به تارة كرواية عبد الرزاق بلفظ(طريق) وتارة كرواية يحيى بن آدم وأبي نعيم بلفظ(الطريق).([5])
ـ محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان به كما رواه يحيى بن آدم وأبو نعيم. ([6])
فهؤلاء خمسة من الحفاظ من أصحاب الثوري ـ وهم أبو نعيم وابن كثير والفريابي ويحي بن آدم وعبد الرزاق ـ يروونه بلفظ (إذا لقيتم المشركين في الطريق فلا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقها)، وخالفهم وكيع عن سفيان فقال(اليهود)بدل (المشركين)، وقال عبد الرزاق(طريق) بدل(الطريق) ووافقه محمد بن كثير في رواية ابن السني، وخالفه في رواية البيهقي فقال(الطريق).
والفرق ظاهر راية (المشركين) ورواية (اليهود)، وكذا بين رواية (الطريق) المعرفة بأل، والتي تحتمل أل العهدية، أي الطريق المعهود للمخاطبين آنذاك، ورواية(طريق) وهي نكرة تفيد الإطلاق بمعنى إذا لقيتموهم في أي طريق، ويمكن الجمع بينهما بأن المراد أي طريق من الطرق المعهودة للمخاطبين آنذاك، وإن كان لا بد من الترجيح فلا شك أن رواية الجماعة أصح من رواية عبد الرزاق، وهو ما سيظهر جليا فيما سيأتي من دراسة لطرق الحديث وشواهده، إذ سيكون لمثل هذه العبارات دلالاتها المؤثرة في الحكم!
2ـ شعبة بن الحجاج : وقد رواه عنه جماعة من أصحابه وهم :
ـ أبو داود الطيالسي عن شعبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أهل الكتاب:( لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقها).([7])
ـ عفان بن مسلم قال حدثنا شعبة أخبرني سهيل بن أبي صالح قال خرجت مع أبي إلى الشام فكان أهل الشام يمرون بأهل الصوامع فيسلمون عليهم فسمعت أبي يقول سمعت أبا هريرة يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول(لا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقه).([8])
ـ محمد بن جعفر قال ثنا شعبة به عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أهل الكتاب:( لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها).([9])
ـ حفص بن عمر ثنا شعبة عن سهيل بن أبي صالح قال خرجت مع أبي إلى الشام فجعلوا يمرون بصوامع فيها نصارى فيسلمون عليهم، فقال أبي لا تبدؤوهم بالسلام! فإن أبا هريرة حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيق الطريق).([10])
ـ وهب بن جرير عن شعبة به، وأحال على ما قبله بلفظ(لا تبدؤوهم بالسلام) يعني اليهود والنصارى).([11])
ـ عبد الصمد بن عبد الوارث عن شعبة بلفظ(لا تبدؤوا أهل الكتاب بالسلام وإذا رأيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه).([12])
ـ أبو الوليد الطيالسي عن شعبة نحو رواية محمد بن جعفر.([13])
ورواه أبو الوليد أيضا عن شعبة به بلفظ(أنه قال لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه) يعني اليهود والنصارى.([14])
فليس في نص رواية شعبة عند عامة أصحابه الحفاظ الأثبات بيان من المقصود، وإنما فيها تفسير من الراوي أنه يعني اليهود والنصارى، وكأنه ليس في أصل الحديث عن أبي هريرة ذكر لمن ورد النهي بشأنهم، وإنما فيه نهي عن ابتدائهم، وهذا الإضمار يرجح ـ كما سيأتي ـ بأن هناك قصة اختصرها سهيل أو نسيها، وفرق بين لفظ (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام) الذي يحتمل العموم والإطلاق، ولفظ(لا تبدؤوهم بالسلام) الذي يتحدث عن طائفة مخصوصة منهم ـ بدلالة الإضمار عنهم ـ نهى الشارع عن ابتدائهم آنذاك بالسلام لسبب من الأسباب!
3ـ عبد العزيز الدراوردي :عن سهيل به بلفظ (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام فإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه).
هذا لفظ مسلم، ولفظ الترمذي (وإذا لقيتم أحدهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه).([15])
4ـ أبو عوانة الوضاح اليشكري:عن سهيل به بلفظ ( لا تبادروا أهل الكتاب بالسلام فإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه).([16])
5ـ جرير بن عبد الحميد :عن سهيل به، قال مسلم (وفي حديث جرير إذا لقيتموهم ولم يسم أحدا من المشركين).([17]) ولفظه عند البيهقي (إذا لقيتموهم فلا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيق الطريق) قال هذا للنصارى في النعت ونحن نراه للمشركين. ([18])
وهذه الرواية موافقة لرواية شعبة بن الحجاج، التي تؤكد أن سهيل بن أبي صالح كان يرويه بالاضمار على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخاطب أصحابه بخصوص قوم معهودين لهم بأن لا يبدؤوهم بالسلام، دون أن يذكر القصة والسياق الذي جاء فيه هذا النهي، غير إن جريرا كان يفسره أحيانا بأنه يعني كذا وكذا!
6ـ معمر بن راشد: عن سهيل به بلفظ (لا تبتدئوا اليهود والنصارى بالسلام فإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها). ([19])
7ـ وهيب بن خالد:قال حدثنا سهيل به بلفظ قال (أهل الكتاب لا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيق الطريق).([20])
8 ـ يحيى بن سعيد الأنصاري: قال أخبرني سهيل بن أبي صالح به بلفظ (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيقه). ([21])
9ـ شريك بن عبد الله القاضي:
10ـ أبو بكر بن عياش:
11 ـ يحيى بن أيوب:
كلهم عن سهيل به بلفظ(لا تبدؤهم بالسلام يعني اليهود والنصارى).([22])
12 ـ زهير بن معاوية: عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إذا لقيتموهم فلا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقها) قلت لزهير:اليهود والنصارى؟ قال (المشركين).([23])
بيان أوجه الاختلاف في حديث سهيل:
فهذه روايات أصحاب سهيل عنه وكلها صحيحة عنهم، وأكثرهم أئمة حفاظ أثبات، وقد وقع بينهم اختلاف شديد على سهيل في روايته للفظ هذا الحديث على وجوه:
1 ـ فتارة يقول(المشركين) كما رواه عنه زهير بن معاوية، وسفيان الثوري في رواية الجماعة عنه، وكذا فسره جرير بن عبد الحميد (نحن نراه في المشركين).
2 ـ وتارة يقول (أهل الكتاب) كما في رواية أبي عوانة ووهيب بن خالد.
3 ـ وتارة يقول(اليهود والنصارى) كما في رواية الدراوردي ومعمر وأكثر الرواة عن سهيل.
4 ـ وتارة يقول (اليهود) كما في رواية وكيع عن سفيان الثوري.
5ـ وتارة لا يسمي أحدا من المشركين، كما في رواية جرير بن عبد الحميد فإذا سئل عن المقصود قال (قال هذا للنصارى في النعت ونحن نراه للمشركين)!
6ـ وفي رواية شعبة قصة سهيل مع أبيه حين مروا بصوامع في الشام فقال قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تبدؤوهم بالسلام ..)، فإذا سئل شعبة قال يعني (اليهود والنصارى)، وتارة قال في (أهل الكتاب لا تبدؤوهم).
فقد كان أهل الحديث يروون هذا الحديث المشهور عن سهيل حيث رواه الثوري وشعبة ومعمر وغيرهم واختلفوا عليه في لفظه كما نبه عليه مسلم في صحيحه بعد روايته له حيث قال(وفي حديث وكيع (إذا لقيتم اليهود) وفي حديث ابن جعفر عن شعبة (قال في أهل الكتاب) وفي حديث جرير (إذا لقيتموهم ولم يسم أحدا من المشركين)).([24])
فكان أهل الحديث يتحققون من لفظه ويسألون أصحاب سهيل عنه فكان من يروونه بالإضمار بلفظ (إذا لقيتموهم) كما هي رواية جرير وزهير إذا سئلوا :من المقصود بذلك اليهود والنصارى كما في رواية أبي عوانة ووهيب بن خالد؟ أم المشركون كما في رواية الأكثر عن سفيان الثوري؟ أم اليهود كما في رواية وكيع عنه؟
فكانوا يجيبون كما قال زهير بأن المراد (المشركين) وكما قال جرير (قال هذا للنصارى في النعت ونحن نراه للمشركين) وهذه عبارة جرير لأنه أحد الرواة عن سهيل لهذا الحديث المختلف فيه فيصلح أن يقول(ونحن نراه للمشركين) أي نحن أصحاب سهيل الذين سمعناه منه بلفظ الإضمار نراه قصد المشركين عامة، وإن كان في القصة أنهم كانوا يمرون على نصارى الشام ...الخ، وشعبة يقول يعني اليهود والنصارى أو قال في أهل الكتاب أي ليس في نص الرواية عند شعبة (لا تبدؤوا اليهود والنصارى)أو (لا تبدؤوا أهل الكتاب)، وإنما نصها المرفوع(لا تبدؤوهم بالسلام..) إلا أن أبا صالح استعمله في حق النصارى من أهل الشام واستدل بهذا الحديث.
فالخلاف على سهيل في لفظه قديم كما هو ظاهر، ولا شك أن الاختلاف بين هذه الروايات اختلاف تغاير لا اختلاف تنوع فإن لفظ (المشركين)أعم من لفظ (أهل الكتاب) أو(اليهود والنصارى)، وهذه أعم من لفظ(اليهود)، والروايات المضمرة تحتمل المعهودين للمخاطبين، فلا عموم فيها، بينما الروايات المصرحة تفيد العموم، ولا يمكن الجمع بين هذه العبارات، ولا الترجيح بين هذه الروايات، إذ الرواة عن سهيل أئمة حفاظ أثبات!
وإذا كان لا بد من الترجيح فأقوى الروايات هي رواية (المشركين)، ورواية (اليهود والنصارى)،
والاختلاف بينهما هو اختلاف تباين كما بين العام والخاص، (وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف به الحكم) كما قال ابن الصلاح في زيادة الثقة.([25])
فكيف إذا كان الخلاف بين الجماعة أنفسهم من الحفاظ الأثبات فالأمر أشد، إذ سببه الراوي نفسه لا الرواة عنه، وهذا اختلاف واضطراب منه يوجب التثبت في روايته وإن لم يقتض بالضرورة ردها، كما قال الحافظ ابن حجر: (الاختلاف عند النقاد لا يضر إذا قامت القرائن على ترجيح إحدى الروايات أو أمكن الجمع على قواعدهم).([26])وقال أيضا(فالتعليل بجميع ذلك من أجل مجرد الاختلاف غير قادح إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف).([27])
إذ من الاضطراب ما لا يوجب الضعف، ولا يمكن الجمع هنا بين الروايات عن سهيل بحمل العام على الخاص، إذ هو حديث واحد عنه عن أبيه، ومداره عليه، والمقصود معرفة لفظ الشارع، لا اجتهاد الراوي وفهمه، فإما أنه حفظه عن أبيه بلفظ (المشركين)، أو بلفظ (اليهود والنصارى)، فإذا لم يتأتى معرفة ذلك ـ لكون الرواة عنه حفاظ أثبات، ورواياتهم عنه كلها محفوظة، وقد رووا عنه كلا اللفظين، وهو ما يؤكد اضطراب سهيل فيه ـ وجب التوقف فيه، حتى يتم الكشف عن وجه الحديث برده إلى الشواهد والأصول الأخرى، فإذا تم ترجيح إحدى الروايات عنه بشواهده، لم يكن ذلك من باب ترجيح المحفوظ على الشاذ، إذ ترجيح إحدى الروايات عنه حينئذ ليس بالنظر إلى الرواة عنه من خلال تقديم رواية الأحفظ منهم أو الأكثر عددا لتكون هي المحفوظة والأخرى شاذة، وإنما سيكون بقرائن خارجية لا تعلق لها بحديث سهيل نفسه، وهي وإن كشفت عن وجه الخلل في روايته، فإنها لا تدفع عنه وقوع الاضطراب منه بسبب نسيانه لحديثه وعدم حفظه له، ومن ثم تكون الرواية المردودة رواية منكرة بسبب تفرد سهيل بها، لا شاذة خالف فيها بعض من رواها عن سهيل من ثقات أصحابه من هو أولى منه!
كلام الأئمة في سهيل :
وسهيل مع عدالته وصدقه قد تكلموا في ضبطه حتى قال عنه أبو حاتم (يكتب حديثه ولا يحتج به)([28])، وكذا قال ابن معين فيه (لا يحتج به).([29])
وهذا الجرح فسره الأئمة وهو أنه أصابته علة فنسي حديثه وتغير حفظه، فما زال أهل الحديث يتقون حديثه لذلك، كما جاء في الميزان(قال ابن المدينى: مات أخ لسهيل فوجد عليه فنسى كثيرا من الحديث.وقال ابن أبى خيثمة: سمعت ابن معين يقول: لم يزل أصحاب الحديث يتقون حديثه.وقال مرة: ضعيف.وسئل مرة فقال: ليس بذاك.وقال غيره: إنما أخذ عنه مالك قبل التغير).([30])
ولهذا تجنبه البخاري ولم يحتج به أصلا، ولم يخرج له شيئا سوى ثلاثة أحاديث أحدهما مقرونا بغيره، وآخرين في المتابعات، قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح (سهيل بن أبي صالح السمان أحد الأئمة المشهورين المكثرين، وثقه النسائي والدارقطني وغيرهما، وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال ابن معين صويلح، وقال البخاري كان له أخ فمات فوجد عليه فساء حفظه، قلت له في البخاري حديث واحد في الجهاد مقرون بيحيى بن سعيد الأنصاري كلاهما عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد وذكر له حديثين آخرين متابعة في الدعوات).([31])
وقد أجمل فيه القول الحافظ ابن حجر فقال عنه(صدوق تغير حفظه بأخرة)([32])، وقد تجنب النسائي تخريج حديثه هذا مع احتجاجه بسهيل، ولم يبوب البخاري في صحيحه ترجمة في النهي عن ابتداء المشركين أو أهل الكتاب بالسلام، وكأنه لم يصح عنده فيها شيء على شرطه!
وقد أنكر الدارقطني على البخاري تركه تخريج حديث سهيل في صحيحه مع شهرة نسخته وعدالته وتخريجه لمن هم مثله أو دونه.([33])
وقد سئل الدارقطني: لم ترك البخاري سهيلا في الصحيح ؟ فقال:( لا أعرف له فيه عذرا، فقد كان النسائي إذا حدث بحديث لسهيل، قال: سهيل والله خير من أبي اليمان، ويحيى بن بكير وغيرهما، وكتاب البخاري من هؤلاء ملآن، ترك البخاري سهيل بن أبي صالح في كتابه، وأخرج عن ابن بكير وفليح بن سليمان ، لا أعرف له وجها ولا أعرف فيه عذرا.قال الحاكم: روى له مسلم كثيرا، وأكثرها في الشواهد).([34])
وهذا الدارقطني الذي ينكر على البخاري ترك حديث سهيل يقرر اضطراب سهيل في بعض حديثه(فيشبه أن يكون سهيل حدث به مرة هكذا فحفظه عنه من حفظه كذلك لأنهم حفاظ ثقات ثم رجع سهيل إلى إرساله). ([35])
وكذا حكم عليه في الوهم في حديث آخر.([36])
وقال في حديث آخر(ويشبه أن يكون سهيل كان يضطرب فيه).([37])
وانظر قوله (يضطرب فيه) ومع ذلك صححه ابن حبان وحسنه الترمذي إذ ليس كل اضطراب يلزم منه الرد.
وكذا قال الدارقطني في حديث اختلف فيه على الثوري (والثوري رحمه الله كان يضطرب فيه ولم يثبت إسناده) ([38])، وقال عن حديث اختلف على سفيان بن عيينة في روايته (ابن عيينة يضطرب في هذا الحديث). ([39])
مع أن ترجيح بعض الروايات عنهم ممكن إلا أنه لم يرجح لكونه ثبت عنده أن سبب الاختلاف هو الراوي لا الرواة عنه، وإن كان بعضهم أحفظ من بعض، إذ المراد من قول الدارقطني وغيره من الأئمة في راو من الرواة(يضطرب في حديثه) تحميله المسئولية في الاختلاف عليه ودفع الوهم عمن رواه عنه، وبيان أن كل الروايات محفوظة عنه، ولا يصح ترجيح بعضها ـ حتى وإن كان بعض الرواة أقوى من بعض ـ ما دام قد صحت كل الروايات عنه، وترجح أن الاختلاف عليه منه هو لا منهم هم.
تفرد سهيل بهذا الحديث:
وقد أورد ابن عدي هذا الحديث في ترجمة سهيل في كتابه الكامل في الضعفاء([40])، وإنما يذكر في كامله عادة مناكير الراوي وغرائب حديثه التي يتفرد بها، وقد ذكر ابن عدي نفسه شرطه في مقدمة كتابه وأنه (ذاكر لكل رجل منهم مما رواه ما يضعف من أجله، أو يلحقه بروايته له اسم الضعف لحاجة الناس إليها، لأقربه على الناظر فيه).([41])
فهو إنما يورد في ترجمة الراوي عادة الأحاديث التي ضعف من أجلها أو يلحقه بروايته لها اسم الضعف، وليس بالضرورة أن ينص في كل حديث بأنه منكر أو ضعيف وهذا ما فهمه من صنيعه العلماء من بعده قال ابن حجر(وقال ابن عدي في الكامل ومن عادته فيه أن يخرج الأحاديث التي أنكرت على الثقة فقال فيه بعد أن ذكر كلامهم في عكرمة ولم أخرج هنا من حديثه شيئا لأن الثقات إذا رووا عنه فهو مستقيم ولم يمتنع الأئمة وأصحاب الصحاح من تخريج حديثه وهو أشهر من أن أحتاج إلى أن أخرج له شيئا من حديثه).([42])
وقال الزركشي في النكت (وكتاب الحافظ أبي أحمد بن عدي أصل نافع في معرفة المنكرات من الأحاديث).([43])
وقد أورد ابن عدي أحاديث عدة لسهيل ونص فقط على حديث واحد منها بأنه خطأ وهو حديث سهيل عن أبيه عن أبي هريرة (لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم) وقال ابن عدي عنه(إنما هو حديث أبي صالح عن أبي سعيد) وهذا الحديث هو أمثلها وأحسنها حالا بينما الأحاديث التي لم يتكلم عليها ابن عدي مما أوردها في ترجمة سهيل فيها ما هو معدود من الموضوعات فضلا عن المنكرات! وإنما نص على الخطأ في حديث(لا تسافر المرأة) لأنه تبين فيه وجه الوهم والخطأ، أما المناكير والغرائب في حديث الثقة والصدوق فلم يوقف فيها على وجه الخطأ والوهم ليتم النص عليه، إلا مجرد التفرد الذي يستنكره أئمة الحديث على الراوي وإن كان ثقة.
والدليل على ذلك أن ابن عدي أورد في ترجمة سهيل عن أبيه عن أبي هريرة (من قتل وزغا في أول ضربة كان له من الأجر..) ولم يتكلم عليه بشيء ثم أورد حديثه(فرخ الزنا لا يدخل الجنة) وقال (وهذا أيضا يعرف بسهيل)، والحديث الأول وهو (من قتل وزغا)في صحيح مسلم([44])!
وقد قال الذهبي (ومن غرائب سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة حديث (من قتل وزغا في أول ضربة ) وحديث( فرخ الزنى لا يدخل الجنة)).([45])
وهذا ما فهمه ابن طاهر المقدسي في ذخيرة الحفاظ الذي رتب فيه أحاديث الكامل على حروف المعجم حيث قال(حديث : فرخ الزنا لا يد خل الجنة . رواه سهيل : عن أبيه ، عن أبي هريرة. وهذا يعرف بسهيل ، وهو أحد ما أنكر عليه ).([46])
وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات.([47])
فهذان الحديثان مما أنكرا على سهيل مع إن ابن عدي لم يتكلم عليهما بشيء إلا بقوله (هذا يعرف بسهيل)أي لم يخطأ عليه من رواه عنه بل هو حديثه ثابت عنه معروف به.
وهذا الحديث (لا تبدؤوا المشركين بالسلام) مما أورده ابن عدي في كامله في ترجمة سهيل حيث لم يروه بهذا اللفظ أحد إلا سهيل، ولم يتابعه أحد لا عن أبيه، ولا من حديث أبي هريرة، ولا شاهد له ـ بهذا المعنى ـ عن غير أبي هريرة، وهي نكارة تستوجب التثبت منه، خاصة أنه يعارض نصوصا أخرى أصح منه إسنادا ومعنى!
وليس بالضرورة أن يكون كل حديث غريب أو فيه نكارة ـ حتى مما يورده ابن عدي في كامله للمترجم له ـ ضعيفا، إذ قد تزول النكارة برجوع الحديث إلى أصل يبينه ويزيل عنه الإشكال.
فالنكارة تطلق كثيرا ويراد بها التفرد في حد ذاته بقطع النظر عن القبول أو الرد كما قال اللكنوي(كثيرا ما يطلقون النكارة على مجرد التفرد).([48])
ثم قد تحتمل من الثقة الحافظ وربما ترد أما من دونه فالغالب عند الأئمة التوقف أو الرد حتى تزول النكارة بوجود المتابعات فإذا ردت فالحديث منكر .
فالنكارة في حد ذاتها لا تقتضي الرد كما قال النووي(فإنهم قد يطلقون المنكر على انفراد الثقة بحديث وهذا ليس بمنكر مردود إذا كان الثقة ضابطا متقنا).([49])
وقال ابن الصلاح (وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث)وقد قال شارحه العراقي(فينظر في هذا الراوي المنفرد: فإن كان عدلا حافظا موثوقا بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به ولم يقدح الانفراد فيه كما فيما سبق من الأمثلة. وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده خارما له مزحزحا له عن حيز الصحيح.ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تفرده استحسنا حديثه ذلك ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف، وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به وكان من قبيل الشاذ المنكر).([50])
وإنما ترتفع النكارة بالمتابعات والشواهد كما قال ابن رجب (النكارة لا تزول عند يحيى القطان والإمام أحمد والبرديجي وغيرهم من المتقدمين إلا بالمتابعة وكذلك الشذوذ كما حكاه الحاكم) وعرف النكارة فقال( لم أقف لأحد من المتقدمين على حد المنكر من الحديث وتعريفه ، إلا على ما ذكره أبو بكر البرديجي الحافظ ، وكان من أعيان الحفاظ المبرزين في العلل : ( أن المنكر هو الذي يحدث به الرجل على الصحابة أو عن التابعين عن الصحابة لا يعرف ذلك الحديث ، وهو متن الحديث إلا من طريق الذي رواه فيكون منكراً)ذكر هذا الكلام في سياق ما إذا انفرد شعبة، أو سعيد بن أبي عروبة ، أو هشام الدستوائي بحديث عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهذا كالتصريح بأنه كل ما ينفرد به ثقة عن ثقة ، ولا يعرف المتن من غير ذلك الطريق فهو منكر كما قاله الإمام أحمد في حديث عبدالله بن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النهي ، عن بيع الولاء و هبته)... وهذا الكلام يدل على أن النكارة عند يحيى القطان لا تزول إلا بمعرفة الحديث من وجه آخر وكلام أحمد قريب من ذلك...قال البرديجي بعد ذلك : ( فأما أحاديث قتادة الذي يرويها الشيوخ مثل حماد بن سلمة ، وهمام ، وأبان ، والأوزاعي ، ينظر في الحديث ، فإن كان الحديث يحفظ من غير طريقهم عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، أو عن أنس بن مالك من وجه آخر لم يدفع ، وإن كان لا يعرف عن أحد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من طريق عن أنس إلا من رواية هذا الذي ذكرت لك، كان منكراً ) انتهى كلام ابن رجب.([51])
ولا شك بأن حديث سهيل هذا فيه نكارة تستوجب التثبت فيه مع أنه وفق كلام الأئمة منكر بلا خلاف ـ أما عند ابن معين وأبي حاتم والبخاري فلأنهم لا يحتجون به أصلا بل يضعفونه وأما عند من وثقه فلأنه ليس من الحفاظ الأثبات بلا خلاف كي يقبل تفرده على هذا النحو ـ و لم يتابع عليه ولهذا احتاج إلى إزالة نكارته بالشواهد، ولما كانت الشواهد تخالفه في إطلاقه وتعميمه وجب الجمع بينه وبينها ليستقيم معناه فتزول عنه نكارة لفظه من جهة، ويقوى إسناده من جهة أخرى، حيث إن سهيل ـ كما هو معروف عنه ـ تغير حفظه فقد يكون نسي حديثه فاختصره واضطرب في روايته ولا يزول ذلك الخلل إلا بعرض روايته على الروايات الأخرى التي قد تكشف وجه حديثه هذا.
ووجوب التوقف والتثبت لا يقتضي عدم صحة الحديث كما قال الشيخ طاهر الجزائري (ألا ترى أنهم يقولون إن الحديثين الصحيحين إذا تعارضا ولم يمكن الجمع بينهما ولا ترجيح أحدهما على الآخر توقف فيهما فالتوقف في الحديث لعارض لا يمنع من تسميته صحيحا).([52])
وكذا تخريج مسلم له لا يرفع عنه النكارة إذ القاعدة في ارتفاعها وجود المتابع أو الشاهد كما قال ابن حبان في مقدمة صحيحه(وإني أمثل للاعتبار مثالا يستدرك به ما وراءه وكأنا جئنا إلى حماد بن سلمة فرأيناه روى خبرا عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم لم نجد ذلك الخبر عند غيره من أصحاب أيوب فالذي يلزمنا فيه التوقف عن جرحه والاعتبار بما روى غيره من أقرانه فيجب أن نبدأ فننظر هذا الخبر هل رواه أصحاب حماد عنه أو رجل واحد منهم وحده فإن وجد أصحابه قد رووه علم أن هذا قد حدث به حماد وإن وجد ذلك من رواية ضعيف عنه ألزق ذلك بذلك الراوي دونه، فمتى صح أنه روى عن أيوب ما لم يتابع عليه يجب أن يتوقف فيه ولا يلزق به الوهن بل ينظر هل روى أحد هذا الخبر من الثقات عن ابن سيرين غير أيوب؟فإن وجد ذلك علم أن الخبر له أصل يرجع إليه، وإن لم يوجد ما وصفنا نظر حينئذ هل روى أحد هذا الخبر عن أبي هريرة غير ابن سيرين من الثقات؟ فإن وجد ذلك علم أن الخبر له أصل، وإن لم يوجد ما قلنا نظر هل روى أحد هذا الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم غير أبي هريرة؟ فإن وجد ذلك صح أن الخبر له أصل ومتى عدم ذلك والخبر نفسه يخالف الأصول الثلاثة علم أن الخبر موضوع لا شك فيه ..). ([53])
الاعتذار عن تخريج مسلم لهذا الحديث:
ولا لوم على مسلم في تخريجه هذا الحديث عن سهيل، فقد أبان مسلم عن منهجه في مقدمة صحيحه فهو يخرج في الباب أولا أحاديث أهل الطبقة الأولى وهم أهل الحفظ والإتقان ويقدم حديثهم احتجاجا، ثم يخرج حديث أهل الطبقة الثانية من أهل العدالة والصدق استشهادا، وربما وقع في أحاديثهم اختلاف فيورده، لبيان ما فيه من اختلاف في لفظه، لا أنه يحتج بكل ما يرويه أو يصححه لهم من الألفاظ.
وسهيل من أهل هذه الطبقة وقد ذكر مسلم حديثه في آخر الباب بعد حديث أنس وعائشة في رد السلام على أهل الكتاب، كما ذكر اختلاف الرواة عليه في هذا اللفظ، وقد اعتذر الحاكم عن مسلم بأنه أكثر من تخريج حديث سهيل في الشواهد لا في الأصول، مع أن أصل هذا الحديث ثابت من حديث أبي بصرة الغفاري وله شاهد من حديث أبي عبد الرحمن الجهني وابن عمر فلا يضر مسلم إذا أخرجه في صحيحه في المتابعات والشواهد وذكر الخلاف في لفظه .
وقد قال مسلم(ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت وتأليفه على شريطة سوف أذكرها لك وهو إنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس ...فأما القسم الأول فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى، من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث، وإتقان لما نقلوا، لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد، ولا تخليط فاحش، كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين وبان ذلك في حديثهم، فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم، على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم فإن اسم الستر والصدق وتعاطى العلم يشملهم، كعطاء بن السائب ويزيد بن أبى زياد وليث بن أبى سليم وأضرابهم من حمال الآثار ونقال الأخبار، فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم ما ذكرنا من الإتقان والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة ..).([54])
فهذا نص مسلم في كونه أدخل في كتابه خاصة في الشواهد حديث الطبقة الثانية ممن يشملهم وصف أهل الأمانة والصدق وإن لم يكونوا من أهل الحفظ والإتقان مما وقع في حديثهم ما وقع فيه من الخلل ما أنزلهم عن رتبة الطبقة الأولى كليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب، ولا شك بأن سهيلا من أهل هذه الطبقة، فإذا أخرج له مسلم حديثا في الشواهد أو حديثا فيه خلل في لفظه فذكره وأورد الروايات المختلفة في لفظه، لم يكن في ذلك حجة على مسلم في كونه أخرج كل هذه الألفاظ، ومن ثم فهي كلها صحيحة عنده!
ومن ذلك أنه أخرج رواية شريك في حادثة الإسراء وفيها ألفاظ تخالف ما رواه الحفاظ فقال الصنعاني (قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين بعد ذكر رواية شريك إنه قد زاد فيه زيادة مجهولة وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، فقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتثبتين والأئمة المشهورين كابن شهاب وثابت البناني وقتادة يعني عن أنس، ولم يأت أحد منهم بما أتى به شريك، وشريك ليس بالحفاظ عند أهل الحديث، وكذلك أنكر من حديث شريك قوله إن شق صدره وغسله في تلك الليلة، إذا عرفت هذه الأقاويل عرفت أنه لا اعتراض على مسلم في إيراده لحديث شريك بعد بيانه ما فيه من الزيادة والنقصان والتقديم والتأخير).([55])
وقال ابن الصلاح (شرط مسلم في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما من الشذوذ ومن العلة وهذا هو حد الحديث الصحيح في نفس الأمر فكل حديث اجتمعت فيه هذه الأوصاف فلا خلاف بين أهل الحديث في صحته، وما اختلفوا في صحته من الأحاديث فقد يكون سبب اختلافهم انتفاء وصف من هذه الأوصاف بينهم خلاف في اشتراطه كما إذا كان بعض رواة الحديث مستورا أو كما إذا كان الحديث مرسلا وقد يكون سبب اختلافهم في صحته اختلافهم في أنه هل اجتمعت فيه هذه الأوصاف أو انتفى بعضها وهذا هو الأغلب في ذلك، وذلك كما إذا كان الحديث في رواته من اختلف في ثقته وكونه من شرط الصحيح فإذا كان الحديث قد تداولته الثقات غير أن في رجاله أبا الزبير المكي مثلا أو سهيل بن أبي صالح أو العلاء بن عبد الرحمن أو حماد بن سلمة قالوا فيه هذا حديث صحيح على شرط مسلم وليس بصحيح على شرط البخاري لكون هؤلاء عند مسلم ممن اجتمعت فيهم الأوصاف المعتبرة ولم يثبت عند البخاري ذلك .. وقد روينا عن مسلم في باب صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم من صحيحه أنه قال ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا يعني في كتابه الصحيح وإنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه، وهذا مشكل جدا فإنه قد وضع فيه أحاديث قد اختلفوا في صحتها لكونها من حديث من ذكرناه ومن لم نذكره ممن اختلفوا في صحة حديثه ولم يجمعوا عليه..). ([56])
فمسلم إذا أورد الحديث وساق رواياته والخلاف في لفظه فليس هذا تصحيحا منه لكل لفظ وارد فيها بل هو أشبه بالإعلال ببيان ما في الروايات من اختلاف وهذا واضح جلي لمن طالع صحيحه وخبره.
وقد قال أبو مسعود الدمشقي عن زيادة سليمان التيمي في صحيح مسلم (وإذا قرأ فأنصتوا): (إنما أراد مسلم بإخراج حديث التيمي تبيين الخلاف في الحديث على قتادة، لا أنه يثبته).([57])
أي أنه أراد بيان علته والخلاف فيه على راويه قتادة لا إثبات صحته.
وقد أخرج مسلم حديث سهيل هذا في آخر الباب ولم يقدمه بل جعل الأصل في الباب حديث أنس وحديث عائشة ثم جاء بحديث سهيل هذا ونبه على الاختلاف في لفظه فقال (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وأبو كريب قالا حدثنا وكيع عن سفيان ح وحدثنى زهير بن حرب حدثنا جرير كلهم عن سهيل بهذا الإسناد وفى حديث وكيع (إذا لقيتم اليهود) وفى حديث ابن جعفر عن شعبة (قال في أهل الكتاب)وفى حديث جرير (إذا لقيتموهم) ولم يسم أحدا من المشركين).
وقد يكون مسلم لا يرى اختلافا بين حديث سهيل ـ في الجملة ـ والأحاديث الأخرى في الباب كما نبه عليه ابن عبد البر من أن رواية سهيل بمعنى حديث الجهني سواء فقال (...عن أبي عبد الرحمن الجهني قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إني راكب غدا إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم)وروى جماعة من الأئمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى حديث أبي عبد الرحمن الجهني سواء)([58])انتهى كلام ابن عبد البر.
وحديث الجهني واضح وصريح بأنه في قصة حصار بني قريضة فكأن مسلما يرى أن حديث سهيل أو بعض رواياته ـ كرواية وكيع عن الثوري عن سهيل ـ كحديث الجهني وأبي بصرة الغفاري سواء وليس بالضرورة أن يوافق مسلم الفقهاء الذين احتجوا بهذا الحديث على إطلاقه وعمومه.
والمقصود أن تخريج مسلم لحديث في الشواهد مع تنبيهه على الخلاف في لفظه يمنع من الادعاء بأنه يصححه مطلقا وإنما يصححه من حيث الجملة ـ أي أصل الحديث ـ فيما وافق فيه أحاديث الباب لا فيما خالفها فيه من الألفاظ.
كما لا يرفع تخريج مسلم لحديث ما الخلاف فيه إذا كان فيه خلاف سابق بل تبقى القضية اجتهادية ينظر فيها إلى قول كل طرف ويحكم فيها بحسب الأدلة لا بحسب التقليد فليس أبو حاتم ومن معه بأقل من مسلم في هذا الفن، فإذا قال عن سهيل (لا يحتج به) واحتج به مسلم وجب النظر إلى قوله بعين الاعتبار حتى يحكم الدليل بينهما.
المبحث الثاني:النصوص المعارضة ظاهريا لحديث سهيل:
وحديث سهيل هذا يعارض ظاهره أحاديث عامة بإفشاء السلام أصح منه إسنادا وأصرح معنى فمنها:
1 ـ حديث البراء في الصحيحين (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ...وإفشاء السلام).([59])
2ـ حديث عبد الله بن سلام وكان أول شيء قاله النبي صلى الله عليه وسلم أول يوم دخل فيه المدينة (يا أيها الناس أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).([60])
3ـ حديث عبد الله بن عمرو أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال (تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف).([61])
وهذه الأحاديث المشهورة الصحيحة كلها تفيد العموم وهي موافقة لظاهر القرآن تمام الموافقة كما في قوله تعالى في شأن المشركين(سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين)([62])، وقوله(فاصفح عنهم وقل سلام)([63]) قال ابن جرير الطبري أي( ..(سلام عليكم) ورفع سلام بضمير عليكم أو لكم)([64]).
وفي حديث سهيل تخصيص لعموم هذه النصوص الظاهرة في دلالتها على العموم والشمول، وليس يقوى على تخصيصها إلا نص صحيح ظاهر الدلالة على التخصيص ـ بل إن حديث سهيل ليس مخصصا فقط بل هو ناسخ لحكم الآيات القرآنية الدالة على جواز ابتداء المشركين بالسلام حال الصفح عنهم، حيث رفع حديث سهيل هذا الحكم بالكلية ومنع من ابتداء المشركين وأهل الكتاب بالسلام، وهو حجة من قالوا بالمنع وادعوا النسخ وليس لهم دليل غيره!!
وقد احتج بعموم هذه الآيات جماعة من السلف على مشروعية ابتداء المشركين بالسلام ومن ذلك:
1 ـ عن شعيب بن الحبحاب قال:كنت مع علي بن عبد الله البارقي فمر علينا يهودي أو نصراني فسلم عليه فقال شعيب:قلت إنه يهودي أو نصراني!فقرأ علي آخر سورة الزخرف {وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون.فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}([65]).([66])
2 ـ عن المسعودي عن عون بن عبد الله قال:سأل محمد بن كعب عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام فقال:ترد عليهم ولا تبتدئهم.
قلت:فكيف تقول أنت؟ قال:ما أرى بأسا أن نبدأهم!
قلت :لم ؟ قال :لقول الله تعالى {فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}.([67])
3 ـ ابن عيينة قال يجوز ابتداء الكافر بالسلام لقوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين}وقول إبراهيم لأبيه {سلام عليك}([68]).
كما احتج بعموم النصوص القرآنية والنبوية جماعة من الصحابة وسلف الأمة عملا أو قولا منهم:
1ـ أبو أمامة الباهلي:
رواه إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد الألهاني وشرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة (أنه كان لا يمر بمسلم ولا يهودي ولا نصراني إلا بدأه بالسلام)وعن أبي أمامة مرفوعا(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفشي السلام).([69])
وفي رواية (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفشي السلام).([70])
وفي رواية عن محمد بن زياد قال:كنت آخذ بيد أبي أمامة فأنصرف معه إلى بيته فلا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا قال:سلام عليكم !سلام عليكم !سلام عليكم !حتى إذا انتهى إلى باب داره التفت إلينا ثم قال:يا بني أخي (أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نفشي السلام).([71])
وفي رواية عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة الباهلي:أنه كان يسلم على كل من لقيه.قال:فما علمت أحدا سبقه بالسلام إلا يهوديا مرة، اختبأ له خلف أسطوانة فخرج فسلم عليه، فقال له أبو أمامة:ويحك يا يهودي ما حملك على ما صنعت؟ قال:رأيتك رجلا تكثر السلام فعلمت أنه فضل فأحببت أن آخذ به.فقال أبو أمامة:ويحك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل ذمتنا).([72])
والصحيح أن هذا اللفظ موقوف على أبي أمامة قوله، ولا يصح مرفوعا.
2ـ عبد الله بن مسعود:
عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال (أقبلت مع عبد الله ـ ابن مسعود ـ فصحبه دهاقين من أهل الحيرة فلما دخلوا الكوفة أخذوا في طريقهم غير طريقهم فالتفت إليهم فرآهم قد عدلوا فأتبعهم السلام فقلت أتسلم على هؤلاء الكفار؟ فقال (نعم صحبوني وللصحبة حق).([73])
وعن شعبة عن المغيرة وسليمان الأعمش عن إبراهيم عن علقمة:أنه كان رديف عبد الله يعني ابن مسعود على حمار فصحبهم الناس من الدهاقين في الطريق فلما بلغوا قنطرة أخذوا طريقا آخر فالتفت عبد الله فلم ير منهم أحدا فقال أين أصحابنا؟قال:قلت أخذوا الطريق الآخر!فقال عبد الله عليكم السلام! قال:قلت أليس هذا يكره؟قال:( هذا حق الصحبة).([74])
وعن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن تميم بن سلمة قال (مشى مع عبد الله ناس من أهل الشرك فلما بلغ باب القصر سلم عليهم).([75])
3ـ أبو الدرداء وفضالة بن عبيد:
عن إسماعيل بن عياش عن ابن عجلان (أن عبد الله وأبا الدرداء وفضالة بن عبيد كانوا يبدؤون أهل الشرك بالسلام).([76])
4ـ عمار بن ياسر:
عن صلة بن زفر عن عمار بن ياسر قال (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان:الإنفاق من الإقتار، وإنصاف الناس من نفسك، وبذل السلام للعالم)([77])
5 ـ ابن عباس:
عن عمار الدهني عن رجل عن كريب عن ابن عباس أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب:السلام عليك.([78])
6ـ أهل الشام:
عن شعبة عن سهيل بن أبي صالح قال خرجت مع أبي إلى الشام فجعلوا يمرون بصوامع فيها نصارى فيسلمون عليهم فقال أبي لا تبدؤوهم بالسلام فإن أبا هريرة حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيق الطريق).([79]) ورواية (لا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقه).([80])
فهذه الرواية تدل على أن هذا القول وهو ابتداء أهل الكتاب بالسلام مذهب مشهور شائع في التابعين من أهل الشام وأبو أمامة وأبو الدرداء ممن سكنوا الشام.
وقد حاول ابن عبد البر حمل ذلك على الجواز من فعلهم لا على الاستحباب فتأول حديث (لا تبدؤوا اليهود بالسلام) على معنى (لا يجب عليكم أن تبدؤوا اليهود )حيث قال (وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم ، أنهم كانوا يبدءون بالسلام كل من لقوه من مسلم أو ذمي. فالمعنى في ذلك ، والله أعلم ، أنه ليس بواجب أن يبدأ المسلم المار القاعد الذمي ، والراكب المسلم الذمي الماشي، كما يجب ذلك بالسنة على من كان على دينه ، فإن فعل فلا حرج عليه. فكأنه قال صلى الله عليه وسلم (ليس عليكم أن تبدؤوهم بالسلام) بدليل ما روى الوليد بن مسلم عن عروة بن رويم ، قال : رأيت أبا أمامة الباهلي يسلم على كل من لقي من مسلم وذمىّ ، ويقول : هي تحيةٌ لأهل ملتنا، وأمان لأهل ذمتنا، واسم من أسماء الله نفشيه بيننا.ومحال أن يخالف أبو أمامة السنة ، لو صحت في ذلك بل المعنى على تأويلنا والله أعلم ، ومن حجة من ذهب إلى هذا قوله عز وجل : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ") انتهى كلام ابن عبد البر .([81])
وهو كما ترى صريح في تأويل حديث سهيل ليس على المنع من ابتداء غير المسلم بالسلام بل على معنى أنه ليس ابتداؤهم بالسلام واجبا على المسلمين بل جائز، ولا يخفى ما فيه من تكلف، إذ واضح من فعل أبي أمامة أنه كان يسلم عليهم استحبابا عملا بظاهر حديث(أمرنا بإفشاء السلام)، ولو ذهب ابن عبد البر إلى ما ذهب إليه إسحاق بن راهويه ـ كما سيأتي ـ من تأويله حديث سهيل على أن المراد المنع من بذل الأمان لهم في حال الحرب لما أشكل عليه فعل هؤلاء الصحابة في حال السلم والأمن.
وقد تضمنت بعض الأحاديث العامة في إفشاء السلام أحكاما عدة كحديث (أمرنا بسبع)، وقد احتج الشراح والفقهاء بعموم ألفاظها إلا ما دل الدليل على المنع من التعميم ومن ذلك (يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام) ومعلوم أن صلة الأرحام واجبة ومشروعة حتى مع غير المسلمين منهم كالوالدين إذا كانا غير مسلمين وكذا إطعام الطعام لم يقل أحد بأنه خاص بالمسلمين بل هو عام حتى مع غير المسلمين وهو من أعمال البر بلا خلاف.
كما قال البيهقي(وقد ذكرنا في كتاب السنن الرخصة في الإنفاق عليهم بحق الرحم عند الحاجة وفي عيادتهم إذا مرضوا وهو يرجو إسلامهم وتكفين من مات من رحمه ومواراته ومجازاة من كانت له عنده يد).([82])
وقال القرطبي(اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء وقد سألته :أأصل أمي؟ قال (نعم صلي أمك) فأمرها بصلتها وهي كافرة. فلتأكيدها دخل الفضل في صلة الكافر).([83])
وكذا حديث أمرنا بسبع فقد ورد فيه(تشميت العاطس وإبرار القسم ونصرة المظلوم وإفشاء السلام وإجابة الداعي واتباع الجنائز)وفي رواية (ورد السلام).
فهذا عام وجاءت نصوص أخرى تؤكده في حق المسلم على أخيه المسلم لمزيد الاختصاص والعناية ويبقى العام على عمومه ما لم يقم دليل على خلافه، أما إفشاء السلام فواضح وبه عمل جماعة من الصحابة كما سبق ذكره عملا بعموم الكتاب والسنة، وكذا نصرة المظلوم بلا خلاف لمن قدر على نصرته مسلما كان المظلوم أو غير مسلم، وتشميت العاطس ثبت بالنصوص أن النبي كان يشمت يهود بقوله (يهديكم الله ويصلح بالكم)، وإجابة الداعي مشروعة وقد دعا يهودي النبي صلى الله عليه وسلم على طعام فأجابه.
قال ابن عبد البر (قال البراء: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع فذكر منها إجابة الداعي وذكر منها أشياء منها ما هو فرض على الكفاية ومنها ما هو واجب وجوب سنة فكذلك إجابة الدعوة).([84])
وقال الشبيهي المغربي(أمرنا النبي صلى الله عليه بسبع: أي أمر إيجاب أو ندب. بعيادة المريض:وهي مندوبة ولو كان ذميا. واتباع الجنائز: وهو مندوب أيضا إلا إذا لم يوجد من يقوم بالميت، فيصير تجهيزه ودفنه فرض كفاية. وتشميت العاطس: سنة كفاية بشرط الحمد. وإبرار المقسم: مندوب. ونصر المظلوم: واجب لمن قدر عليه ولو كان ذميا).([85])
وقال ابن علان الشافعي (قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: (أمرنا بعيادة المرضى) ندباً في سائر الأوقات فلا تكره إلا إن شقت على المريض (واتباع الجنائز) أي تشييعها والمكث إلى الفراغ من دفنها (وتشميت العاطس) إذا حمد الله تعالى والأمر في هذه الثلاث للندب (وإبرار المقسم) بنحو أقسمت عليك با أو نحو وا لتفعلن كذا فيسن له حيث لا مانع تخليصاً له عن ورطة الاستهتار بحقه في الأول وحنثه في الثاني (ونصر المظلوم) ولو ذمياً يمنع الظالم عن ظلمه وجوباً على من قدر على ذلك بفعله أو قوله وهذا يرجع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا واجب عيناً تارة وكفاية أخرى).([86])
وقال ابن حجر (قال بن دقيق العيد إذا نظرنا إلى قول من قال من أهل اللغة أن التشميت الدعاء بالخير دخل الكفار في عموم الأمر بالتشميت وإذا نظرنا إلى من خص التشميت بالرحمة لم يدخلوا، قال ولعل من خص التشميت بالدعاء بالرحمة بناه على الغالب، لأنه تقييد لوضع اللفظ في اللغة قلت وهذا البحث أنشأه من حيث اللغة وأما من حيث الشرع فحديث أبي موسى دال على أنهم يدخلون في مطلق الأمر بالتشميت لكن لهم تشميت مخصوص وهو الدعاء لهم بالهداية وإصلاح البال وهو الشأن ولا مانع من ذلك بخلاف تشميت المسلمين فإنهم أهل الدعاء بالرحمة بخلاف الكفار).([87])
وأما اتباع الجنائز فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن يواري أباه حين توفي قال العيني(وبه استدل أصحابنا بهذا الحديث على أن المسلم إذا مات له قريب كافر يغسله ويدفنه، وقال صاحب "الهداية":و إن مات الكافر وله ولي مسلم يغسله ويكفنه ويدفنه، بذلك أمرَ علي في حق أبيه أبي طالب).([88])
فهؤلاء شراح الحديث من السلف والخلف نصوا على عموم هذه الأحاديث في المسلم وغير المسلم في بعض هذه الأوامر ولم يشكل عليهم ذلك، ويتحصل من مجموع أقوالهم أنه عام في إفشاء السلام وصلة الأرحام وإطعام الطعام ورد السلام ونصرة المظلوم وعيادة المريض وتشميت العاطس وإجابة الدعوة، فمنها ما الأمر فيه على سبيل الوجوب بالنسبة لغير المسلم كنصرة المظلوم لمن قدر عليه، وصلة الرحم للوالدين ونحوهما، ورد السلام، وتشميت العاطس منهم إذا حمد الله، ومنها ما هو على سبيل الندب والاستحباب كإفشاء السلام، وإطعام الطعام، وإجابة الدعوة، وإتباع الجنازة إذا كان المقصود مواراتها ودفنها ويكون واجبا إذا لم يكن هناك من يدفنه غيره.
وكذا إبرار القسم حيث أن معناه معقول وأن المقصود من ذلك تعظيم الأيمان بالله فالراجح العموم كما قال ابن الجوزي(وأما إبرار القسم فلمعنيين أحدهما لتعظيم المقسم به والثاني لئلا يحنث الحالف). ([89]) وقال العيني(الوجه الخامس في إبرار القسم وهو خاص فيما يحل وهو من مكارم الأخلاق فإن ترتب على تركه مصلحة فلا). ([90])
ومعلوم أن مكارم الأخلاق تكون مع المسلم وغير المسلم كما في الحديث (إنما بعثت لأتمم صالح ـ أو مكارم ـ الأخلاق).([91])
المبحث الثالث:بيان وجه حديث سهيل وكشف علته:
فهذه الآثار عن هؤلاء الصحابة ـ ابن مسعود وأبي أمامة وفضالة بن عبيد وأبي الدرداء ـ كلها تدل على أنهم فهموا العموم من النصوص القرآنية والأحاديث النبوية ولم يخصصها عندهم شيء، ولم يذكر النووي ولا الحافظ في الفتح ولا ابن عبد البر ولا غيرهم حجة لمن خصصوا عموم هذه النصوص إلا حديث سهيل عن أبيه!
وقد اجتمع فيه ثلاث علل تستوجب التثبت فيه:
الأولى:إن سهيل بن أبي صالح ساء حفظه كما قال البخاري، ولهذا تجنب الاحتجاج به في صحيحه، وقال أبو حاتم ويحيى بن معين لا يحتج به!
الثانية: أنه تفرد به، ولم يتابع على روايته هذه، لا عن أبيه، ولا عن أبي هريرة، حتى ذكر حديثه هذا ابن عدي في الكامل، ولم يرو أحد غير سهيل لفظة(واضطروهم إلى أضيق الطريق)!
الثالثة:أنه ثبت اضطرابه في روايته، فتارة يقول(المشركين)، وتارة(أهل الكتاب)، وتارة (اليهود)، فوجب التثبت منه.
فهل سمع سهيل من أبيه عن أبي هريرة الحديث بلفظ (إذا لقيتم اليهود فلا تبدؤوهم بالسلام) أم سمعه بلفظ(إذا لقيتم أهل الكتاب) أم (إذا لقيتم المشركين) أم (لا تبدؤوهم بالسلام)على الاضمار لقوم معهودين للمخاطبين؟ وهل رواها سهيل بالمعنى واجتهد فيها؟ أم قاس على اليهود أهل الكتاب؟ أم قاس المشركين على أهل الكتاب؟ أم كان الاجتهاد من أبيه في قياس النصارى في الصوامع على يهود بني قريضة حين منع النبي صلى الله عليه وسلم من ابتدائهم بالسلام دون مراعاة الفرق بين المحاربين وغيرهم؟
فهذه الألفاظ ليس كل واحد منها حديثا مستقلا واردا عن الشارع ليجب الجمع بينها ويقال يبقى العام منها وهو (المشركين)على عمومه وذكر بعض أفراده أي (اليهود) و(أهل الكتاب) لا يفيد التخصيص بل مزيد العناية ...الخ
وإنما هو حديث واحد مداره على راو واحد متكلم في حفظه، وقد اختلف عليه أصحابه الحفاظ الأثبات في هذه الألفاظ، ولا يمكن نسبة الخطأ إليهم، فكان الصحيح القول بأنه هو مصدر هذا الاختلاف، حيث اضطرب في روايته تارة يرويه على هذا الوجه، وتارة على ذلك، وتارة على ذاك.
ومما يؤكد أنه خلاف مؤثر كون مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده وغيرهما نبهوا على الخلاف بين أصحاب سهيل بعضهم يقول(اليهود) وبعضهم(أهل الكتاب) وبعضهم (المشركين).
بل إن الرواة عن أصحاب سهيل كانوا يتحققون منهم هل قال سهيل(المشركين) أم (أهل الكتاب)؟ كما فعل أصحاب زهير بن معاوية وجرير بن عبد الحميد لأنهم يدركون الفرق بين مدلول كل لفظ وما يترتب عليه من حكم!
والسؤال هنا هل بين هذه الألفاظ اختلاف في دلالاتها أم لا؟ وهل هو اختلاف مؤثر في الحكم أم لا؟ وهل هو فيما تعم به البلوى أم لا؟
ولا شك بأن بينها اختلافا ظاهرا ومؤثرا يترتب عليه اختلاف في الحكم فيما تعم به البلوى فلفظ المشركين أعمها كلها فيدخل فيه كل من لم يكن مسلما، وأهل الكتاب أخص من المشركين وأعم من اليهود، فيدخل فيه اليهود والنصارى والصابئة على قول من يقول بأنهم من أهل الكتاب، ولفظ اليهود أخص هذه الألفاظ الثلاث كلها، فلا يدخل فيه إلا هذه الطائفة من أهل الكتاب الذين على دين موسى، فليس الاختلاف بينها اختلاف تنوع بل اختلاف تغاير وتباين كما بين العام والخاص.
فإذا ثبت ذلك فإن الحكم يختلف باختلافها فإذا رجحت رواية اليهود ـ دون النظر إلى الشواهد الأخرى ـ فالحكم حينئذ خاص باليهود وإنما قد يلحق بهم غيرهم قياسا عليهم، وقد يرده المخالف بأن النصوص العامة في إفشاء السلام تبقى على عمومها، ويخرج منها اليهود فقط بدلالة هذا الحديث الخاص بهم لشدة إيذائهم وعداوتهم للنبي صلى الله عليه وسلم وللمسلمين فاستحقوا عدم ابتدائهم بالسلام .
أما إذا ترجح لفظ (المشركين) فيكون المنع عاما من ابتداء غير المسلمين بالسلام على اختلاف مللهم وأديانهم.
ولا يصلح الاحتجاج بأن أبا صالح والد سهيل كان يمر بصوامع النصارى ويقول لا تبدؤوهم بالسلام ..الخ
لأن هذا قد يكون اجتهادا منه والمطلوب هو لفظ روايته لا رأيه، وروايته لم يروها عنه إلا ولده سهيل واضطرب فيها ومما يؤكد ذلك قول الرواة عنه كجرير بن عبد الحميد (قال هذا للنصارى في النعت ونحن نراه للمشركين)، وقول زهير بن معاوية حين سأله علي بن الجعد عن لفظ سهيل قلت لزهير:(اليهود والنصارى؟ قال المشركين).
وقد رواه جماعة من الصحابة بلفظ آخر يدل على وجه الحديث، ويكشف عن وهم سهيل وأنه قد يكون اختصره ورواه بالمعنى فلم يضبطه، أو يكون نسيه، فقد رواه:
1 ـ أبو عبدالرحمن الجهني:
رواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي عبد الرحمن الجهني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إني راكب غدا إلى اليهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم).([92])
2 ـ أبو بصرة الغفاري:
رواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد عن أبي بصرة الغفاري سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قال :(إني راكب غدا إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم).([93])
ورواه ابن لهيعة قال ثنا يزيد بن أبى حبيب عن أبى الخير ـ مرثد اليزني ـ قال سمعت أبا بصرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(إنا غادون إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم).([94]) وفي رواية عن أبي بصرة:قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إنا ذاهبون غدا إلى اليهود فإذا لقيتموهم فسلموا عليكم فقولوا وعليكم ) فلقيناهم وسلموا علينا فقلنا وعليكم. ([95])
ورواه عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبى حبيب عن أبى بصرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إنا غادون على يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم).([96])
وفي رواية عن عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب عن مرثد بن عبد الله اليزني عن أبي بصرة الغفاري :أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم :( إني راكب إلى يهود فمن انطلق معي منكم فلا تبدؤوهم بالسلام فإن سلموا فقولوا وعليكم) فلما جئناهم سلموا علينا فقلنا وعليكم.([97])
والحديث صحيح على كل حال ولا يضره الاختلاف في اسم الصحابي، سواء كان الغفاري أو الجهني، هذا إذا لم يثبت عنهما جميعا، كما رواه محمد بن إسحاق عن يزيد بن حبيب عل الوجهين.
3 ـ عبد الله بن عمر :
رواه البيهقيقال ـ الثوري ـ
رواه سفيان الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إنكم لاقون اليهود غدا، فلا تبدؤوهم بالسلام، فإن سلموا عليكم فقولوا وعليك).
قال البيهقي:أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح من حديث سفيان. ([98])
وأصله في البخاري ومسلم مختصرا من حديث مالك عن ابن دينار عن ابن عمر بلفظ (إذا سلم عليكم اليهود فإنما يقول أحدهم السام عليك فقل وعليك).([99])
ورواه البخاري أيضا ـ من حديث سفيان ومالك ـ بلفظ( إن اليهود إذا سلموا على أحدكم إنما يقولون سام عليك فقل عليك). ([100])
ورواه مسلم من حديث إسماعيل بن جعفر عن ابن دينار به بلفظ(قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن اليهود إذا سلموا عليكم يقول أحدهم السام عليكم فقل عليك) وعن سفيان بلفظ(فقولوا وعليك).([101])
ورواه ابن أبي شيبة قال حدثنا وكيع عن سفيان ـ الثوري ـ عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن اليهود إذا لقوكم وقالوا السام عليكم فقولوا لهم وعليكم).([102])
ورواه أحمد قال ثنا سفيان ـ ابن عيينة ـ سمعته من ابن دينار عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (إذا سلم عليك اليهودي فإنما يقول السام عليك فقل وعليك)وقال مرة (إذا سلم عليكم اليهود فقولوا وعليكم فإنهم يقولون السام عليكم). ([103])
ورواه أيضا أحمد فقال ثنا وكيع ثنا سفيان وعبد الرحمن عن سفيان عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(إن اليهود إذا لقوكم قالوا السام عليكم فقولوا وعليكم).([104])
ولفظ ابن أبي شيبة صريح في أنه رتب الحكم وهو قوله(فقولوا لهم وعليكم) على السبب وهو قوله(إن اليهود إذا لقوكم وقالوا السام عليكم).
فهذه الروايات من حديث ابن عمر قد تكون مختصرة، اختصرها ابن دينار، وبينتها رواية الثوري عنه المطولة عند البيهقي(إنكم لاقون اليهود غدا، فلا تبدؤوهم بالسلام، فإن سلموا عليكم فقولوا وعليك).
وقد يكون ابن دينار يروي الحديثين عن ابن عمر المطول كما رواه الثوري في قصة بني قريظة، والمختصر في قصة اليهودي الذي قال السام عليكم، كما سيأتي بيانه في حديث عائشة وجابر وأنس.
ويشهد لروايته المطولة حديث أبي بصرة الغفاري(إني راكب غدا إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم)، وحديث الجهني( إني راكب غدا إلى اليهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم).
فهذه هي القصة التي ورد فيها هذا الحديث ـ الذي تصرف بعض الرواة باختصاره ـ حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحصار اليهود، ولا يبعد أن يكون سهيل أيضا قد اختصره فأخل بمعناه، وقد تنبه ابن عبد البر إلى أن رواية سهيل بمعنى حديث الجهني سواء فقال([105])(..عن أبي عبد الرحمن الجهني قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إني راكب غدا إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم)وروى جماعة من الأئمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى حديث أبي عبد الرحمن الجهني سواء).