لا غرابة في أن يفكر الحاسد في التخلص التام من محسوده دون أن يحسب حسابا لعواقب ما يفعل , فالحسد صفة مقيتة يبلغ من شؤمها أنها توقف عقل الحاسد عن التفكير إلا في الخلاص من غريمه , ولذلك فإن الغالب أن كيد الحاسد يرتد في النهاية عليه وكثيرا ما يعود بحسن العاقبة على غريمه , والسبب واضح وهو أن هذه الصفة رانت على قلب صاحبها حتى أصبح يتحرك بطريقة تشف عما في قلبه وتفضح سرائره كلها .

ضرب القرآن مثلا لذلك بابني آدم حين ظن أحدهما أنه سينهي قضيته مع أخيه بقتله , لكن هذا القتل عاد عليه بالندم المميت والوزر المتواصل إلى يوم القيامة كما جاء في الحديث الشريف , وعاد على ضحيته بحسن العاقبة في الآخرة بعد أن قضى أجله المحتوم في الدنيا .

ثم ضرب الله مثالا آخر لشؤم الحسد على صاحبه بقصة إخوة يوسف عليه السلام حين قالوا {اقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُواْ مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ }يوسف9

لكن هناك فارقا كبيرا بين القصتين يتمثل في أن ابن آدم الأول كان صادقا مع نفسه إذ لم يخف أن دافعه الوحيد هو قبول نعمة الله على أخيه بقبول قربانه كما يتضح ذلك من الربط المباشر في الآية الكريمة بين قبول القربان والوعيد بالقتل {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }المائدة27

أما إخوة يوسف فلم يملكوا القدر نفسه من الصدق مع النفس ولهذا حاولوا صبغ حسدهم لأخيهم بصبغة الرغبة في الإصلاح وهداية والدهم عن الغي والضلال الذي أوقعه فيه حبه لأخويهما {إِذْ قَالُواْ لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ }يوسف8

وأمثال هاتين القصتين ظلت تتكرر مع تعاقب الأجيال واختلاف الأزمان والأحوال في صور قد تكون أقل تعقيدا وأكثر وضوحا , وصور أخرى تصل في غموضها وخفاء أثر الحسد فيها إلى عمليات متعددة من الكشف بل نقول الفضح ليستقيم التعبير .

ومن هذه الصور المعقدة ما يحدث اليوم من حملات ورقية متكررة على العاملين في المجال الدعوي كان آخرها ما ينظم الآن ضد أخينا المفضال وفقه الله لكل خير من هجومات قرطاسية متكررة تختلف الأقلام فيها وتتقارب الكلمات ليستخلص العاقل المتابع من جميعها معنى واحدا لا تخطئه القلوب البصيرة
اقتلوا يوسف او اطرحوه أرضا .

لكنه يوسف الأحمد السائر إن شاء الله على نهج يوسف الصديق عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم .

بين القصتين من أوجه الشبه وأوجه الافتراق ما يفرضه عامل الزمن والتاريخ والأشخاص , فمن أوجه الافتراق :

أن قصة يوسف الصديق قصة حسد وحسب, ليس هناك أي دافع آخر غير الغيرة من حب الأب النبي ليوسف وأخيه .

أما قصة يوسف الأحمد فقد انضم إلى الحسد دوافع شتى تختلف من متآمر لآخر فمن المتآمرين من هو مأجور راندي يطبق بالحرف وصية مولاته اليهودية شاريل بينارد في تقريرها لمؤسسة راند حين قالت في تقريرها المسمى : الإسلام المدني الديمقراطي , ضمن التوصيات (تشجيع الإعلاميين العرب الذين يعملون في وسائل الإعلام واسعة الانتشار , لإجراء تحقيقات وتقديم تقارير عن حياة قيادات المتشددين الخاصة وفسادهم الأخلاقي والمالي وتسليط الضوء على الحوادث التي تشير إلى وحشيتهم مثل الحادثة التي أدت إلى وفاة عدد من التلميذات في حادث حريق عندما منعت الشرطة الدينية رجال الإطفاء من إجلاء البنات من مدرستهم المحترقة بحجة أنهن لسن محجبات هذا إلى جانب نفاقهم الذي يتمثل في منع المؤسسة الدينية السعودية العمال الأجانب من تلقي صور فتوغرافية لأطفالهم حديثي الولادة وذلك بحجة أن الإسلام يمنع صور الآدميين بينما يزينون مكاتبهم بصور ضخمة للملك فيصل وغيره , كذلك تسليط الضوء على دور المنظمات الخيرية في تمويل الإرهاب والتطرف والذي أصبح أكثر وضوحا بعد الحادي عشر من سبتنبر ولكنه يحتاج إلى المزيد من العمل في هذا الاتجاه وإجراء التحقيقات الرسمية ).

ويلاحظ القارئ أن هذه التوصية قد استخدمت عددا من الأكاذيب كدعوى أن الهيئة منعت الفتيات في حادثة حريق مدرسة البنات بمكة من الخروج , لكن هذه الكذبة التي ألفتها شاريل بينارد قد استخدمتها الصحافة في وقتها , وظلت حتى هذا اليوم تعيدها كلما أعيدت قصة الهيئة بالرغم من أن التقارير الأمنية التي تبعت الحادثة كذبت هذه الفرية .

وكذلك منع المؤسسة الدينية الأجانب من تلقي صور مواليدهم , إنما هي محض فرية لا أساس لها .

وقد سار هؤلاء على المنهج نفسه المنغمس في أوحال الكذب والافتراء , وكيف لا يكون ذلك وأستاذتهم فيه هي بينارد سليلة من كذب على الله تعالى وكذب المرسلين .

هؤلاء الرانديون هم من زارتهم القنصل الأمريكي السابقة في بعض متندياتهم ودون إذن من أي جهة رسمية , وهم أيضا من احتفل القنصل الأمريكي الحالي بتخريج بعض منهم في دورة إعلامية أقامتها السفارة الأمريكية في إحدى مؤسسات النشر الكبرى في المملكة ونشرت قصتها المؤسسة المستضيفة نفسها بالصور , وحين جاءت ردة الفعل على غير ما يتمناه الرانديون وأوصياؤهم لم نعد نقرأ عن أخبار مثل هذه النشاطات , لكننا لا نزال ننتظر اليوم الذي تقطع فيه ألسنتهم كما وعدنا صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز .

ومن هؤلاء من هو مسكين متسلق كل همه الإبقاء على عموده الأسبوعي أو اليومي وهو على استعداد لدفع إيجار هذا العمود من مروءته ومصداقيته ومن دينه الذي ينهاه عن الإفك والكذب والتطاول .

وفئة ثالثة : تضم إلى الحسد والحقد اتباع الهوى وبغض المحتسبين , فتدفعهم آفات البغض والحسد والهوى إلى النكاية بكل داع إلى الخير والسرور بكل داع إلى الفساد والإفساد .

أجزم أنه لا يوجد بين من هاجم فضيلة الشيخ الدكتور يوسف الأحمد رجل حر من جميع هذه الآفات التي ذكرتها أو على الأقل آفتين اثنتين منها .

فأنا أعرف عددا من الليبراليين الأحرار في تفكيرهم المؤمنين بمبادئهم التي نختلف معهم فيها حماهم خلاصهم من آفة الحسد والأغراض الدنيئة من المشاركة في هذا الهجوم الغير الأخلاقي , وليس هذا أول عهدنا بإنصافهم فقد رفعنا الأكف احتراما لهم في حملات دنيئة سابقة لهذه الحملة وضعوا أقلامهم وصانوها عن أن تدنس في مؤامرات لا يقصد بها إحقاق حق ولا إبطال باطل .



<span>ماذا نقموا على الشيخ يوسف ؟</span>


جل ما نقرؤه في كتاباتهم تعييره بأنه الدعي إلى هدم الحرم .
ونحن نقول لهم إن كان مقصدكم غيرة على الحرم فعليكم بكل من يدعو إلى هدم الحرم وإعادة بنائه فهل يستطيعون ؟
الجواب أن لا , فإعادة بناء الحرم المكي ليحقق طموحات المستقبل ويستوعب حاجيات الواقع مشروع رائد تتبنى دراسته جهات رسمية في الدولة على مستويات من العلو بحيث لا يجرؤ هؤلاء القرطاسيون على نقدها , وقد أقيمت قبل سنوات قليلة مسابقة لأفضل تصميم مقترح للحرم المكي , وحسب علمي فقد فاز ما يزيد على عشرين تصميما كانت حتى وقت قريب مودعة في كلية علوم البحار في جامعة الملك عبدالعزيز .

ولنا أن نسأل عن الفارق بين ما قاله فضيلة الشيخ الدكتور يوسف الأحمد وبين هذا المشروع الرائد لإعادة بناء الحرم المكي على نسق يخدم متطلبات المستقبل القريب والبعيد ولا تجد المرأة ولا الرجل حرجا عند الصلاة فيه .

هل ما يقوله هؤلاء الأفاقون في الشيخ يوسف غيرة على الحرم من المساس والهدم ولو كان بقصد الإصلاح , إن كانوا أحرارا حقا فلينتقدوا هذا المشروع والجهات العليا التي تتبناه فهي أولى حسب منهجهم بهذا النقد وهذه الهجمة لأن هذه الجهات في موقع اتخاذ القرار والقول الذي يعقبه الفعل .

لكن الحقيقة أنهم لم يجدوا عيبا في الشيخ فجعلوا الحرم عذرا يستجلبون به تعاطف الناس بزعمهم كما صنع أساتذة الإعلام من اليهود الذين جعلوا محاسن الفلسطينيين عيوبا حين لم يجدوا فيهم ما يعيبونهم فيه سوى مقاومتهم ودفاعهم عن أرضهم وعرضهم (تشابهت قلوبهم )
ثم جاءت اليوم حملة هؤلاء الأفاقين الأخيرة على الشيخ لا لشيء إلا لأنه تعاون مع المؤسسة التعليمية في الدولة وشارك في وضع المناهج .



<span>أي عيب هذا ؟</span>


ماذا كانوا سيقولون لو اعتذر الشيخ عن المشاركة ؟
هل سيقدمون له الشكر ؟
أؤكد لكم أنهم سيجعلون من اعتذاره عن المشاركة وقودا لحملة مشابهة لأن الحرب ليست على الفكرة بل على ذات الشيخ وربما على من يتصورون أن هذا الشيخ يمثلهم .

نقموا من فضيلة الشيخ أيضا عمله الدقيق بما جاء في خطاب خادم الحرمين الشريفين في خطاب توليه الحكم حين أكد على ضرورة المشاركة في نهضة البلاد بالرأي والمشورة وإبداء النصح .
نقموا من فضيلته زيارته الحضارية لمعالي وزير التربية والتعليم ولا أدري لماذا لم يتجرؤوا على إبداء النقمة من معالي الوزير على استقباله .

نقموا منه عمله الاحتسابي القائم على فكر حضاري نهضوي , وقرروا من تلقاء أنفسهم وبصوت واحد أنه مخالف للنظام في حين لم يقدموا للقارئ مادة واحدة من مواد أنظمة الدولة تمنع الإبراق إلى المسئولين ومناصحتهم وتنبيههم إلى ما يعينهم على اتخاذ أفضل القرارات , وهو خلاصة ما يقوم به فضيلة الشيخ في عمله الاحتسابي .

هذا خلاصة ما تجتره أفواههم عن فضيلة الشيخ وما ينقمون منه .

كان الشيخ قبل هذه الحملات العفنة يعمل بصمت ولا يكاد يعرفه سوى كبار المسئولين الذين ترد إليهم كتاباته وملاحظاته وينظرون إليها بما يليق بهم من الاحترام والتقدير , أراد هؤلاء الكتاب من خلال حملاتهم تصوير فضيلته على أنه شخصية جماهيرية شعبية لها خطرها الجسيم على الأمن من خلال قدراته الخارقة على إثارة الرأي العام , والحقيقة أن هذه الجماهيرية – إن صحت – هي من صناعة حملاتهم الموبوءة التي أثبتت أن الأمة تمقتهم لدرجة تجعل الجماهير تلتفت بعين الرضا إلى كل من حاربوه وسلوا أقلامهم القذرة للنيل منه .

ولو أنهم يملكون النية الحسنة والخوف الحقيقي على الوطن وأمنه لكان الأولى بهم اتباع المنهج نفسه الذي يتبعه فضيلة الشيخ الدكتور يوسف الأحمد , فكتبوا إلى الجهات الأمنية يحذرونها من خطر الشيخ المزعوم , لكنهم يدركون جيدا أن الجهات الأمنية لا يمكنها بحال أن تقبل المفتريات أو ترضى بها فاستخدموا أسلوب القيء الذي يتقنونه على أوراق الصحف , وكل أملهم أن ينقلب القراء بمختلف درجاتهم إلى كلاب تتلقف ما يلفظون .

أختم مقالي هذا بالشكر الجزيل والدعاء بموفور الصحة والعافية لخادم الحرمين الشريفين حتى يرى مشروعه العظيم لإعادة بناء الحرم المكي مشروعا ناجزا يعود بالراحة والنفع على وفود الرحمن إلى قادم الأجيال , ويعود على خادم الحرمين وفقه الله بالمثوبة العظيمة والذكر الجميل في الدارين إن شاء الله تعالى .

كما أهيب بأصحاب الفكر والرأي والعلم من المواطنين مساندة حكومتنا الرشيدة ودولتنا العلية بإذن الله تعالى بجميع مؤسساتها بالنصح والاحتساب عبر النصيحة بالمقابلة الحضارية الراقية كما فعل الشيخ يوسف مع معالي وزير التربية والتعليم , وعبر الإبراق والمراسلة , وتجنب ما تقوم به الصحف من اللمز في الجهات الحكومية والتشهير بها ودس السم في الدسم .


د محمد بن إبراهيم السعيدي
21/10/1431هـ