قال الحافظ العراقي - رحمه الله - في ألفيته:
وَلَوْ إلى آخِرِهِ ، أمَّا الَّذِي *** لِشَيْخِهِ عَزَا بـ ( قالَ ) فَكَذِي
عَنْعَنَةٍ كخَبَرِ المْعَازِفِ *** لا تُصْغِ ( لاِبْنِ حَزْمٍ ) المُخَالِفِ
وقال الإمام البخاري في صحيحه:
وقال هشام بن عمار حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس الكلابي حدثنا عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال حدثني أبو عامر - أو أبو مالك - الأشعري والله ما كذبني : سمع النبي صلى الله عليه و سلم يقول ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم يأتيهم - يعني الفقير - لحاجة فيقولوا ارجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة ) .
هذا الحديث يأصل مسألة: هل (قال) من تلميذ الشيخ، تعليق أم تدليس؟
وعن هذا الحديث قال ابن حزم في كتابه الأحكام عن هذا الحديث: عندي فيه علتنان:
1- الانفطاع بين البخاري وبين شيخه، لأنه قال: قال هشام، وهذا الانقطاع يوجب ضعفه لعدم معرفتنا بالراوي الساقط.
2- التردد في الصحابي قال: أبو عمار أو أبومالك، أو جهالة الصحابي. اهـ
والرد على ذلك:
أولًا العلة الأولى:
1- البخاري ليس مدلسًا حتى نقول هذا انقطاع، -والبخاري هو البخاري- وعندنا من الاحاديث المتصلة عن شيخه، هشام بن عمار؛ ويمكن أن يكون هذا في محل المذاكرة بينه وبين شيخه فقال حينها: ( قال هشام)، وما يقصد هشام هنا مجلس التحديث، كنحو قول القائل قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2- وتنـزلًا مع ابن حزم، لو فرضنا أن هشامًا ليس شيخ البخاري، وقال البخاري: قال هشام، عند النظر للوفيات وسِنّ هذا وسن هذا، ونرى في الطبقات، نرى:
طبقة هشام بن عمار فوق طبقة البخاري بطقبة واحدة، وعلى فرض أن البخاري لم يسمع من هشام، كم طبقة تفوت البخاري بينه وبين هشام = هو من طبقة شيوخه، وإن نزل البخاري بينه وبين شيخه فسوف يسقط واحدًا،
والبخاري جزمًا غير مدلس وهو ثقة، وأسقط رجلًا من أول الإسناد وأسند إلي شيخه أو شيخ شيخه ، فهذا هو التعليق .
- فحديثنا يخرج من التدليس إلي حكم المعلق عن البخاري،
والحديث هنا رواه بصيغة الجزم، فهو بلا إشكال صحيح .
3- تنزلًا مع ابن حزم أيضًا بدعوى الانقطاع؛ بعيدًا عن كونه معلقًا أم لا، وأنه فيه راوى ساقط وليس من باب الاتصال،
فقد روي الحديث من طرق أخري صحيحة، فقد جاء من طريق الإسماعيلي في المستخرج، وكذا رواه البيهقي من طريق الإسماعيلي، وكذا ابن حبان في صحيحه.
4- لو قلنا أن الحديث ضعيفًا، فقد توبع عند أبي داود بإسناد كله صحيح[ إسناد البخاري نفسه]
قال أبو داود في سننه:
حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس قال سمعت عبد الرحمن بن غنم الأشعرى قال حدثنى أبو عامر أو أبو مالك - والله يمين أخرى ما كذبنى - أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول « ليكونن .... الحديث.
فإسناد إبي داود متابعة قاصرة لإسناد البخاري؛ عبد الوهاب بن نجدة تابع هشام بن عمار متابعة قاصرة في شيخ شيخه وهو ( عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) وبها صح الإسناد.
ثانيًا: قول ابن حرزم بالإعلال بجهالة الصحابي أو التردد فيه
فردها واضح من أن الصحابة كلهم عدول ولا يختلف حكم الحديث لهذا التردد.