الظلم ضد العدل, ولما كان العدل اسما من أسماء الله عز وجل وصفة من صفاته المقدسة
فلايمكن حده بكلمات, لكن يعلم المسلم أن أحكام الله كلها عدل وإن لم يفهم وجه العدالة في بعضها
كما أن أخباره كلها صدق وإن لم يتصور حقيقة الخبر "وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا"
مثال ذلك:قد لا يعقل امرؤ وجه العدالة في تخليد الكافر في النار فيقول :قد كفر ستين عاماً
فما باله يخلد في جهنم؟ فيقال قد أجاب الله تعالى عن هذا فقال"ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه"
أي لو ردوا إلى الدنيا لعادوا إلى الكفر ,فيفهم منه أن كل من حكم الله عليه بالكفر فإنه إذا رُد سيعود
ولكن يبقى السؤال ماثلا:حتى لو كان الأمر كذلك فكيف يعاقب زيادة على مالم يفعله بسبب أنه سيصر على الكفر في علم الله؟
الجواب:أن الله :رب العالمين ومالك يوم الدين وقد سن شرائع وفرض واجبات ووضع عقوبات وأعذر للناس"قل فلله الحجة البالغة" فهو يتصرف بخلقه كما يشاء "ألا له الخلق والأمر"
وقد حرم الظلم على نفسه وفقا لهذا ,أي أنه سبحانه أوضح المحجة وقال من سلكها نجا ومن تنكبها هلك
وتعهد ألا يعذب أحدا حتى تبلغه الحجة "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"
والحاصل أن العدل كبقية الصفات التي يتصف بها الله سبحانه لا تشبه صفات المخلوقين"ليس كمثله شيء"
فلا تقس ما تعرفه من معنى العدل عليه سبحانه, ألا ترى انك تتأذى من خلوف فم الصائم ولكنه أطيب عندالله من ريح المسك؟
وبالمثل ففي مقاييسنا الدنيوية لو أن رئيسا أعطى أحد الموظفين زيادة عن إخوانه دون موجب
لعُد هذا جورا ,ولكن الله سبحانه قد يتفضل على من يشاء دون أن يكون مستحقا لذلك من جهة عمله
ففي الصحيحين من حديث عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:إنما مثلكم واليهود والنصارى كرجل استعمل عمالا فقا من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط فعملت اليهود على قيراط قيراط ثم عملت النصارى على قيراط قيراط ثم أنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغارب البشمس على قيراطين قيراطين ,فغضبت اليهود والنصارى فغضبت اليهود والنصارى وقالوا:نحن أكثر عملا وأقل عطاء؟قال:هل ظلمتكم من حقكم شيئا ؟قالوا:لا
قال:فذلك فضلي أوتيه من اشاء)
وهذه الرواية المختصرة للحديث كما في البخاري
فيستفاد من هذا معرفة جانب من معنى الظلم المرادو وهو أن الله تعالى شرع للأمة اليهودية شرائع وللنصارى كذلك
فقال لهم في الوحي المنزل على رسلهم من فعل ذلك فله كذا فوفى من عمل حقه
ولكنه في الأمة المحمدية تفضل بنافلة تكرمة فكافأهم على القليل نسبيا فوق ما كافأ نظراءهم من الأمم السابقة
ومما يؤكد على معنى العدل المتقدم قول الله تعالى: "إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما" ثم قال"فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا" فالنبي شهيد على أنه أبلغ الحجة وأعذر إلى الناس, ولا ينبغي هنا ان يغفل رحمة الله عز وجل وانه سبحانه حليم كريم فلا يعاجل عباده بعقوبة حتى يبعث لهم من المواعظ والذكريات مرة بعد مرة ويلطف بهم ويتفضل إلى حد يقطع معهم أدنى عذر
والله أعلم