تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 7 من 7

الموضوع: بحث "كلام الله تعالى بين أهل السنة والمعتزلة "

  1. #1

    Arrow بحث "كلام الله تعالى بين أهل السنة والمعتزلة "

    بحث بعنوان : " كلام الله تعالى بين أهل السنة والمعتزلة "

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله .
    ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ) . (آل عمران :102)
    ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ) . (النساء :1)
    ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) . ( الأحزاب: 70 , 71)
    أمَّا بعدُ ، فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله تعالى ، وخيرَ الهَدْي هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها , وكلَّ محدثة بدعة , وكلَّ بدعة ضلالة . ([1])
    أما بعد

    فقد انقسمت الأمة الإسلامية في فترة مبكرة من تاريخها إلى فرق وطوائف شتى , وكل فرقة تدعي أنها هي " الفرقة الناجية " , واختلفت هذه الفرق – على كثرتها – فيما بينها في العديد من مسائل الأصول فضلا عن الفروع الفقهية , وكان مما اختلفوا فيه" صفة الكلام " لله عز وجل وهل القرآن مخلوق أم غير مخلوق ؟
    فقال أهل السنة والجماعة ([2])" القرآن كلام الله غير مخلوق " , ........
    وقالت المعتزلة ([3]): " القرآن مخلوق " .....
    ......وهذا البحث يتناول أقوال الفريقين وحجج كل فريق منهما مع بيان الصواب في ذلك بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة , وسوف نتعرف إن شاء الله تعالى من خلال صفحات هذا البحث على شيء من محنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى.

    ولا يخفى ما لهذا الموضوع من أهمية في "علم الكلام" , حيث ترجع أهمية هذا الموضوع – في المقام الأول – إلى أنه السبب في إطلاق مصطلح " علم الكلام " على هذا العلم , فالمقصود بالكلام : " كلام الله عز وجل الله " وهذا يبين لنا أهمية هذا الموضوع في هذا العلم , وقد كانت هذه الأهمية مما حدا بي إلى هذه الدراسة , وكذلك مما دفعني إلى هذه الدراسة اهتمامي الخاص بدراسة مذهب أهل السنة والجماعة , ومذاهب المخالفين لهم " خاصة في باب الأسماء والصفات ".


    وكان من الكتب التي وقفت عليها والتي تعالج هذا الموضوع أو تعالج بعض جوانبه : كتاب "العقيدة السلفية في كلام رب البرية" . تأليف : الشيخ / عبد الله بن يوسف الجديع , و"البدعة الكبرى" . .إلى غير ذلك من الكتب , لكنني استفدت من الكتابين المذكورين فوائد عظيمة , وقد قمت بإعادة ترتيب المادة العلمية التي وقفت عليها – وهي بحمد الله كثيرة – , وحاولت – قدر الإمكان – أن أرتب وأهذب ما تفرق من أدلة الفريقين أهل السنة والمعتزلة في المسألة , وأن أزيف الزائف , منها دون تطويل ممل ولا تقصير مخل , كما أعرضت عن المسائل التي توسع فيها غيري والتي ليست لها كبير أهمية في قضيتنا فأسقطتها واعتبرتها حشوا .
    أما عن المنهج المسلوك في هذا البحث فهو المنهج التاريخي التحليلي النقدي يتبين ذلك من خلال صفحات هذا البحث – إن شاء الله تعالى – , وقد قمت بجمع المادة العلمية من مصادرها الأساسية قدر الإمكان , وما كان منها بعيدا عن يدي فقد نقلت عنه بواسطة وبينت ذلك في موضعه , وعزوت الآيات الواردة في البحث إلى أماكنها في المصحف الشريف , وخرجت الأحاديث النبوية والآثار السلفية الواردة في البحث , فما كان منها في الصحيحين أو أحدهما فقد اكتفيت بعزوه إليهما دون غيرهما , أما إن كان الحديث خارج الصحيحين فإنني أقوم بتخريجه من كتب السنة , وبيان درجته بما تقتضيه القواعد العلمية الحديثية , وكذلك فقد شرحت غريب الحديث وترجمت للمشاهير " والشهرة مسألة نسبية " .
    وقد أسميت هذا البحث " كلام الله تعالى بين أهل السنة والمعتزلة " , سائلا المولى تبارك وتعالى أن أكون قد وفقت فيه للصواب , كما أسأله سبحانه أن يجعله في ميزان الحسنات , وأن يتجاوز به عن الهفوات والزلات , وأن يرفع به الدرجات , إنه بكل جميل كفيل , وهو حسبنا ونعم الوكيل , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه , والحمد لله رب العالمين.

    [1] - هذه خطبة الحاجة التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفتتح بها خطبه ودروسه ومواعظه , وللعلامة الألباني رسالة مستقلة فيها - وقد وردت هذه الخطبة من طرق عن ابن مسعود , وجابر , وابن عباس , وعائشة , وغيرهم رضي الله عنهم . أخرجها أحمد في مسنده ( 1 / 302 , 305 , 392 , 432 ) , ومسلم ( 868 ) , والنسائي ( 3 / 104 , 188 ) , وأبو داود ( 2118 ) , والترمذي ( 1105 ) , وابن ماجة ( 1892 ) , والحاكم في مستدركه ( 2 / 182 , 183 ) , والبيهقي في السنن الكبرى ( 7 / 146 ) , وزاد النسائي : " وكل ضلالة في النار " . وهي عند البيهقي أيضا في " الأسماء والصفات " . وسندها صحيح .


    [2] - أهل السنة والجماعة : هم المستمسكون بسنة رسول الله r: الذين اجتمعوا على ذلك ، وهم الصحابة والتابعون ، وأئمة الهدى المتبعون لهم ، ومن سلك سبيلهم في الاعتقاد والقول والعمل إلى يوم الدين ، الذين استقاموا على الاتباع ، وجانبوا الابتداع في أي مكان وزمان ، وهم باقون منصورون إلى يوم القيامة . [ انظر : مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة , د. ناصر بن عبد الكريم العقل , دار الوطن للنشر , الطبعة الأولى 1412 هـ ] .
    ومن المصطلحات المرادفة لمصطلح أهل السنة والجماعة : مصطلح " السلف الصالح " , " أهل الحديث " , " أهل الأثر " , =
    = " فقد يُسمي أهل السنة ببعض أسمائهم أو صفاتهم المأثورة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، أو عن أئمتهم المقتدى بهم ، فقد يُطلق عليهم ( أهل السنة ) دون إضافة ( الجماعة ) . وقد يُطلق عليهم ( الجماعة ) فقط ، أخذاً من وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - : (أَلا وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً فِي الأَهْوَاءِ كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلاَّ وَاحِدَةً وَهِيَ الْجَمَاعَةُ ) .
    [ الحديث أخرجه أحمد ( 16937 ) , وأبو داود (4599) , والحاكم (443 ) , وابن ماجه ( 4128 ) , وابن أبي عاصم ( 1 / 33 ) , وحسنه الحافظ ابن حجر , وقال الألباني في " ظلال الجنة " : حديث صحيح بما قبله وما بعده , بعد أن ذكر طريقاً أخر للحديث ].
    وعبارة " السلف الصالح " ترادف أهل السنة والجماعة في اصطلاح المحقـقين ، كما يُطلق عليها - أيضاً – " أهل الأثر " أي السنة المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
    [ شرح الطحاوية ، ص 439 . وذم التأويل للمقدسي ، ص 331 ] .
    ويُسمون " أهل الحديث " : وهم الآخذون بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رواية ودراية ، والمتبعـون لهديـه - صلى الله عليه وسلم - ظاهراً وباطنـاً . فأهل السنة كلهم أهل حديث على هذا المعنى , وتسمية أهل السنة والطائفة المنصورة والفرقة الناجية بأنهم أهل الحديث هذا أمر مستفيض عن السلف ، لأنه مقتضى النصوص ووصف الواقع والحال ، وقد ثبت ذلك عن ابن المبارك ، وابن المديني ، وأحمد بن حنبل ، وأحمد بن سنان وغيرهم - رضي الله عنهم أجمعين .
    [ انظر : السلسلة الصحيحة للألباني ، الحديث رقم 270 ، المجلد الأول ، الجزء الثالث ، ص 134- 137 ,وسنن الترمذي ، كتاب الفتن ، الحديث 2229 ] .
    وكذا سماهم كثير من الأئمة ، وصدّروا مؤلفاتهم بذلك ، مثل : كتاب " عقيدة السلف أصحاب الحديث " ، للإمام اسماعيل الصابوني ، ت : 449 . وغيره " . [ انظر : مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة , د. ناصر العقل , دار الوطن للنشر , الطبعة الأولى 1412 هـ بتصرف ] .
    ولذلك أطلق شيخ الإسلام - رحمه الله - على أهل السنة ( أهل الحديث ) و (سلف الأمة ) , حيث يقول : (... فاعتقاد أهل الحديث هو السنة المحضة، لأنه هو الاعتقاد الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ). [ منهاج السنة النبوية" (2/521) ] .
    وقال أيضا رحمه الله :( أهل السنة والجماعة، هم سلف الأمة وأئمتها، ومن تبعهم بإحسان ).[ مجموع الفتاوى" (24/241) ] ..


    [3] - المعتـزلة : هي فرقة نشأت في أواخر العصر الأموي وازدهرت في العصر العباسي ، واعتمدت على العقل المجرد في فهم العقيدة الإسلامية بسبب تأثرها ببعض الفلسفات المستوردة مما أدى إلى انحرافها عن عقيدة أهل السنة والجماعة , ورأس الاعتزال فيها هو واصل بن عطاء ( المتوفى 131 هـ ) وتبعه عمرو بن عبيد ( المتوفى 145 هـ ) ، وأرجح ما قيل في سبب تسميتهم أن واصلا كان تلميذا عند الحسن البصري فخالفه في حكم مرتكب الكبيرة وقال أنه في منزلة بين منزلتين ، فاعتزل حلقة الحسن ، فقال الحسن : " اعتزلنا واصل " فأطلق عليه وعلى من تبعه " معتزلة " .
    ويرجع الفكر المعتزلي إلى أصول يهودية وثنية فالجعد بن درهم أخذ فكره عن أبان بن سمعان وأخذها أبان عن طالوت وأخذها طالوت عن خاله لبيد بن الأعصم اليهودي , وهم يقولون بخلق القرآن ، وبنفي الصفات ، وأن العبد يخلق أفعاله ، وقد أسسوا مذهبهم على خمسة أصول رنانة وشعارات فتانة , اغتر بها كثير من المسلمين ، ظواهرها تخالف بواطنها ، قالوا بالتوحيد ، وأرادوا به نفي الصفات ، وقالوا بالعدل وأرادوا به نفي القدر ، وقالوا بالمنزلة بين المنزلتين وأرادوا بها أن مرتكب الكبيرة في منزلة بين الإيمان والكفر ، وقالوا بالوعد والوعيد وأرادوا به أن مرتكب الكبيرة إذا مات خلد في النار ، وقالوا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأرادوا به وجوب الخروج على الحكام عند الظلم == وقد انقسم الاعتزال إلى مدرستين متوازيتين الأولى في البصرة (البصريون) والثانية في بغداد (البغداديون).
    وأهم رجالات مدرسة البصرة هم: واصل ابن عطاء ، وعمرو بن عبيد وأبو الهزيل العلاف (227هـ/842م)، وإبراهيم بن سيار النظام (235هـ/853م)، وعمرو بن بحر الجاحظ ، وأبو على الجبائي (303هـ/924م).وابنه عبد السلام الجبائي (أبو هاشم 321هـ/941م) (أخذ عنهما أبو الحسن الأشعري (324هـ/944م) الاعتزال في أول الأمر قبل أن ينقلب على الاعتزال فيما بعد) ثم القاضي عبد الجبار الهمداني (415هـ/1025م) صاحب موسوعة المغنى في أبواب التوحيد والعدل ، والمحيط بالتكليف ،وشرح الأصول الخمسة، وغيرها من المؤلفات الكبيرة في شتى العلوم الشرعية.
    ومن تلامذة القاضي عبد الجبار: الحسن بن متويه ، وأبو الحسين البصري (436هـ/1045م) وأبو رشيد سعيد النيسابوري (460هـ/1067م) صاحب كتاب "المسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين" ، ثم ركن الدين محمود ابن الملاحمي (536هـ) ومحمود ابن عمر الزمخشري (538هـ) ثم تقي الدين النجراني (656هـ) صاحب "الكامل في الاستقصاء فيما بلغنا من كلام القدماء".
    أما أهم أعلام مدرسة بغداد فهم: بشر بن المعتمر (210هـ/825م) وأبو موسى المردار (226هـ/844م) وثمامة بن الأشرسر (213هـ/831م) وأبو الحسين الخياط (190هـ /818م) وأبو جعفر محمد الإسكافى (240هـ/858م) وأبو القاسم الكعبى (319هـ/938م) وأبو بكر الأخشيدى (326هـ/946م).
    وقد شهد تاريخ الاعتزال خلافات كثيرة بين مدرستى البصرة وبغداد لخصها أبو رشيد سعيد النيسابورى فى كتابه المعروف:
    "المسائل في الخلاف بين البصريين والبغداديين". إلا أن الاعتماد على العقل في تفسير النصوص الشرعية كان قاسما مشتركا بين المدرستين.

    [ بتصرف من : " الملل والنحل للشهرستاني " , و " الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم " , و " شرح العقيدة السفارينية للشيخ ابن عثيمين " , و " الشبكة العنكبوتية ( الإنترنت ) : http://www.islamic-council.com موقع وزارة الأوقاف المصرية : موسوعة المفاهيم : مفاهيم إسلامية " المعتزلة " بقلم أ. د / السيد محمد الشاهد ] .

  2. #2

    افتراضي رد: بحث "كلام الله تعالى بين أهل السنة والمعتزلة "

    تمهيد




    ويحتوي على :

    · تعريف الكلام في: "اللغة"و "اصطلاح المتكلمين".

    · كيف ظهرت الجهمية ؟

    · كيف ظهرت المعتزلة ؟

    · كيف ظهر القول بخلق القرآن ؟









    تمهـيد



    · تعريف الكلام في: " اللغة "و " اصطلاح المتكلمين ".


    · تعريف الكلام في اللغة :


    الكلام في لغة العرب التي نزل بها القرآن كما يقول ابن فارس([1]) - رحمه الله تعالى - :
    " يدلُّ على نطقٍ مُفهِم , تقول: كلّمته أُكلّمه تكليماً؛ وهو كَليمِي إذا كلّمك أو كلَّمتَه". ([2])
    فقوله : "نطق" : للدلالة على أنه لفظ اللسان , وقوله : "مفهم" : للدلالة على كونه معنى .

    · حقيقة المتكلم :
    والمتكلم : اسم فاعل من "التكلم". وهو من قامت به صفة الكلام , فبها صار متكلما , والعقلاء متفقون على أن الحركة إذا قامت بمحل صح وصف المحل بكونه متحركا , وإذا قام العلم بمحل صح وصفه بكونه عالما , وكذلك كل صفة , فالكلام صفة , إذا قامت بموصوف سمي "متكلما".([3])

    · أما الكلام في اصطلاح المتكلمين :

    فقد عرفه ابن خلدون بقوله :
    " علم الكلام : وهو علم يتضمن الحجاج عن العقائد الإيمانية، بالأدلة العقلية، والرد على المبتدعة المنحرفين في الاعتقادات عن مذاهب السلف وأهل السنة ". [ انظر : مقدمة ابن خلدون ]




    · كيـف ظهـرت الجهـمية ؟

    كان أساس البلاء وسبب الشقاء ، وحامل لواء مقدمي الآراء على كتاب الله وسنة رسوله r: هو الجهم بن صفوان الخرساني ، الذي توفي في نهاية الربع الأول من القرن الثاني الهجري .
    والجهم بن صفوان استمد فكره من طريقين :

    طريق يهودي والآخر وثني ، فقد تربّيَ الجهم بن صفوان على يد أستاذه الجعد بن درهم الذي أخذ أفكاره وآراءه من أبان ابن سمعان الذي تعلم من طالوت بن أخت لبيد بن الأعصم وتلميذه ، ولبيد هو الساحر اليهودي الذي سحر النبي في مُشْطٍ ومُشَاطةٍ , فهذا الساحر اليهودي هو أحد المصادر الأساسية ، لفكر هذا الجهم وأتباعه الجهمية ، فعقائد الجهم ونظرياته تنبع من أسس يهودية ، بعيدة عن كل البعد عن العقيدة الإسلامية ، استقي أفكاره من الفلاسفة القدماء للديانات اليهودية .

    أما الطريق الثاني الذي استمد منه الجهم بن صفوان فكره ، فهو طريق وثني ، فالجهم كان كثير الخصومة والكلام ، ولقي أناسا من المشركين ، فلما عرفوا الجهم قالوا له : نكلمك ونناظرك ، فإن ظهرت حجتنا عليك ، دخلت في ديننا ، وإن ظهرت حجتك علينا ، دخلنا في دينك ، - والجهم عامي مسكين ليس له باع أو قدم بين المتناظرين - فكان مما كلموا به الجهم أن قالوا له : ألست تزعم أن لك إلها ؟ قال الجهم : نعم ، قالوا له : فهل رأيت إلهك ؟ قال : لا ، قالوا : فهل سمعت كلامه ؟ قال : لا قالوا : فهل شممت له رائحة ؟ قال : لا ، قالوا : فوجدت له حسا ؟ قال : لا قالوا : فما يدريك أنه إله ؟ فتحير الجهم فلم يدر من يعبد أربعين يوما.
    ثم استدرك حجة مثل حجة زنادقة النصارى ، فقال الجهم لمن ناظره من السمنية : ألست تزعم أن فيك روحا ؟ قال السمني : نعم فقال له : هل رأيت روحك ؟ قال : لا ، قال : فسمعت كلامها ؟ قال : لا قال : فوجدت لها حسا ؟ قال : لا ، قال : فكذلك الله لا يري له وجه ولا يسمع له صوت ولا يشم له رائحه وهو غائب عن الأبصار وهو في كل مكان ، فالمخلوقات بمثابة الجسد والله في داخلها بمثابة الروح .
    قال أبو القاسم اللالكائي : ( ولا خلاف بين الأمة أن أول من قال القرآن مخلوق جعد بن درهم ، ثم جهم بن صفوان ).
    فالجهم بن صفوان إليه تنسب طائفة الجهمية , والجعد بن درهم قتل حدا وذلك لكفره الصريح بآيات الله وتكذيبها ، قتله خالد بن عبد الله القسري أمير بلاده في عيد الأضحى ، حيث خطب الناس وقال : ضحوا تقبل الله ضحاياكم ، فإني مضح بالجعد بن درهم ، فإنه يزعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولم يكلم موسى تكليما ، ثم نزل فذبحه ، وكان ذلك بعد أن استفتي علماء زمانه من السلف الصالح .
    ويذكر الذهبي : ( أن الجعد بن درهم هو أول من ابتدع بأن الله ما اتخذ إبراهيم خليلا ولا كلم موسى وأن ذلك لا يجوز على الله .... ) .
    والجهم بن صفوان انتقل إلي ترمذ أحد البلدان في إيران ، وبدأ الدعوة لمذهبه ، فانتشرت فيها عقائد الإنكار والتعطيل لكلام الله ، ثم وجد لدعوته أتباعاً ومريدين من العامة والدهماء والجاهلين ، في مدن أخرى من مدن إيران ، ثم انتشرت أفكاره في بغداد وبقية البلدان .
    فالجهمية فرقة ظهرت في أواخر الحكم الأموي مؤسسها الجهم بن صفوان الترمذي السمرقندي ، الذي تربي على يد أستاذه الجعد بن درهم ، وأخذ عنه أسس أفكاره ، وكانت جذور أفكار الجعد وآرائه يهودية، أخذها من أبان بن سمعان عن طالوت عن لبيد بن الأعصم ، والجهم مات مقتولا ، قتله سالم بن الأحوز في آخر أيام الدولة الأموية .

    قال أبو نعيم البلخي وكان قد أدرك جهما : كان للجهم صاحب يكرمه ويقدمه على غيره فإذا هو قد هجره وخاصمه ، فقلت له : لقد كان يكرمك ، فقال : إنه جاء منه ما لا يتحمل بينما هو يقرأ سورة طه والمصحف في حجره إذ أتي على هذه الآية : } الرحمن على العرش استوي { ، قال : لو وجدت السبيل إلي أن أحكها من المصحف لفعلت فاحتملت هذه ، ثم إنه بينما يقرأ آية أخرى إذ قال : ما أظرف محمدا حين قالها ثم بينما هو يقرأ القصص والمصحف في حجره إذ مر بذكر موسي عليه السلام فدفع المصحف بيديه ورجليه ، وقال : أي شيء هذا ؟ ذكره هنا فلم يتم ذكره وذكره هنا فلم يتم ذكره .

    هذا هو المنهج الذي اتبعته المعطلة إلي يومنا هذا ، أتباع الجهمية من المعتَزِلة والأشعرية وسائر المتكلمين أصحاب المدرسة العقلية ، تسمع أحد المشايخ الكبار جدا يقول لك أنا أفتخر أنني من أصحاب المدرسة العقلية ، هذا هو المنهج الذي يدرس في أغلب البلاد الإسلامية ، منهج أتباع الجهمية .
    زعم الجهم بن صفوان أن من وصف الله بشيء مما وصف به نفسه في كتابه أو في سنة رسوله صلي الله عليه وسلم فهو مشبه ، وأن التوحيد يكمن في نفي هذه الصفات متمسكا بزعمه بقول الله تعالى : } ليْسَ كَمِثْلهِ شيء {سواء كان النفي نفيا واضحا أو كان بتأويل القرآن على غير معناه ولي أعناق النصوص بغير ما تحتمل .

    وقد أضل الجهم بن صفوان خلقا كثيرا وتبعه على قوله رجل يقال له واصل بن عطاء ، ورجل آخر يقال له عمرو بن عبيد وإليهما ينسب مذهب المعتزلة ، فما هي قصة المعتزلة ؟ كيف نشأت وما هي أصولهم ؟ وكيف دعوا الناس إلي القول بخلق القرآن ؟ وكيف امتحنوا إمام أهل السنة وقتلوا آلافا من أهل الإيمان ؟


    · كيـف ظهـرت المعتـزلة ؟


    علمنا مما سبق أن الجهم بن صفوان أضل خلقا كثيرا من أتباعه الجهمية ، وقدم عقله على الأدلة القرآنية ، والأحاديث النبوية , وقد تبع الجهم على قوله وفكره رجل يقال له واصل بن عطاء وآخر يقال له عمرو بن عبيد وإليهما ينسب مذهب الاعتزال .

    فالمُعْتَزِلة أتباع واصل بن عطاء وعمرو بن عبيد ، وواصل بن عطاء الغزال ( 80ه - 131هـ) كان تلميذ الحسن البصري ، وكان مفوها بليغا ، على الرغم من كونه كان عاجزا عن النطق ببعض الحروف ، فكان ينطق الراء غينا ، مثلا كلمة : شراب بارد ، شغاب باغد ، ومن عجيب ما كان من واصل ، أنه كان يخلص كلامه وينقيه من حرف الراء ، لقدرته العجيبة على الكلام .
    كان واصل بن عطاء تلميذا يتعلم ضمن بقية الطلاب في حلقة شيخه الحسن البصري ، و الحسن البصري كان من علماء السلف ، فجاء إلي الحلقة رجل من عامة المسلمين يسأل الشيخ عن حكم مرتكب الكبيرة ، ماحكمه في الإسلام ؟
    ومعروف إن أهل السنة والجماعة ، يقولون بأن مرتكب الكبيرة مسلم لا يخرج عن الملة ، وإن كان فاسقا بارتكاب الكبيرة ، ونعلم أيضا أن الخوارج تقول مرتكب الكبيرة كافر بالله العظيم ، وقبل أن يجيب الإمام الحسن البصري ، قام هذا الطالب المسمي واصل بن عطاء ، دون أدب ولا حياء ، وقال : إن الفاسق من هذه الأمة لا هو مؤمن ولا هو كافر ، هو في منزلة بين المنزلتين .
    أجاب واصل بعقله دون احترام لشيخه ، ودون علم أو نظر في كتاب الله أو سنة رسوله r ، عند ذلك طرده الحسن البصري من مجلسه ، وبدلا من أن يرجع إلي شيخه ويعتذر عن سوء أدبه ، أخذته العزة بالإثم واعتزل عن الحسن البصري ، وجلس إلي سارية من سواري المسجد في البصرة ، وانضم إليه بعد ذلك رجل آخر يقال له عمرو بن عبيد ، وجمع واصل معه أراذل الناس من أتباع الجهم بن صفوان ، فكان الحسن البصري يقول : اعتزلنا واصل ، اعتزلنا واصل ، وكان بقية طلاب العلم من تلاميذ الحسن البصري يطلقون عليهم المعتزلة ، فارتسم عليهم هذا الاصطلاح عند عامة المسلمين .
    وكان هؤلاء المعتزلة يدعون الزهد والصلاح ، والنصح والإصلاح ، وكان لهم صلة بالحكام في الدولة العباسية ، وقد أسس المعتزلة مذهبهم على خمسة أصول رنانة ، وشعارات فتانة ، اغتر بها كثير من المسلمين في الماضي , وكثير من العلمانيين في الحاضر ، وهي باختصار :

    الأصل الأول : التوحيد :

    وزعموا أنهم أهلُ التوحيد وخاصتُه وخلاصة رأيهم في التوحيد ، هو أن الله تعالى منزه عن الشبيه والمثيل ( ليس كمثله شيء ) ، وهذا حق لا مرية فيه ولكنهم بنوا على ذلك نفي الصفات ، وقد أداهم توحيدهم هذا إلي القول بأن بخلق القرآن وزعموا أنه مخلوق كسائر المخلوقات لنفيهم عنه سبحانه وتعالي صفة الكلام .

    الأصل الثاني : العدل :

    والعدل معناه على رأيهم أن الله لا يخلق أفعال العباد ، فعطلوا قوله تعالى : ( وَاللهُ خَلقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات:96).

    الأصل الثالث : المنزلة بين المنزلتين :

    ويقصدون به هو حكم مرتكب الكبيرة في الدنيا عندهم ، فمرتكب الكبيرة عندهم في منزلة بين الإيمان والكفر ، فليس بمؤمن ولا كافر ، وقد قرر هذا واصل بن عطاء شيخ المعتزلة .

    الأصل الرابع : إنفاذ الوعيد :

    ويقصدون به هو حكم مرتكب الكبيرة في الآخرة ، ويعني عندهم أنه يجب على الله أن يعاقب مرتكب الكبيرة من المسلمين ، ويخلده في النار أبد الآبدين ، ولا يجوز أن يخرجه من النار بشفاعة سيد الأنبياء والمرسلين أو غيره من المؤمنين الصالحين ، فهم يشبهون الخوارج في قولهم : إذا توعد الله بعض عبيده وعيدا فلا يجوز أن لا يعذبهم ويخلف وعيده ، لأنه لا يخلف الميعاد ، فلا يعفو عمن يشاء ولا يغفر لمن يشاء ، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا .
    الأصل الخامس :الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

    وهذا الشعار الرنان الذي يفتن به كل إنسان ، يقصدون به الدعوة إلي أصولهم الخمسة ، وقد ساروا بهذا الأصل على مذهب الخوارج في الخروج على الحكام بالسيف.


    · كيف ظهـر القول بخلق القرآن ؟



    تعالوا نري كيف ظهرت البدعة الكبري :

    لما ذاع أمر الجهم بن صفوان وانتشر خبره ، حتى تابع الفساقُ فكرَه وأيدوا حزبَه ، سار على نهجه واصل بن عطاء ، فقد انضم إلي طريقته وسار على دربه وبدعته ، وكذلك عمرو بن عبيد الذين ينسب إليهما مذهب المعتزلة كما تقدم ، فتأصلت فكرة الجهم عند المعتزلة في الاعتماد على العقل في إثبات الصفات أو نفيها ، وتشبعوا بالرغبة في تعطيل النصوص وردها ، بحجة أن إثباتها يدل على التشبيه وأنواع المحال ، وأن الدين لا يصح إلا بهذا بالتعطيل والضلال ، وقد بنوا على هذا الأصل نفي أوصاف الكمال ، واستحالت عندهم رؤية رب العزة والجلال ، فردوا الأخبار ، وأنكروا الآثار ، التي ثبتت في رؤية الله يوم القيامة ، وبنوا على ذلك أيضا نفي صفة الكلام عن الله فجعلوه عاجزا عن الكلام بالقرآن ، بحجة أنه لو كان متكلما في زعمهم لكان له جارحة الفم واللسان ، وأن إثبات صفة الكلام تشبيه لله بالإنسان ، وقد استفحل أمرهم ، وكثر عددهم ، وانتشر في البلاد خبرهم ، وللأسف قربهم خلفاء الدولة العباسية ، متعللين لهم بأنهم ، كانوا يجادلون المخالفين من الزنادقة والجبرية ، والشيعة والمجوس مجادلة عقلية .
    وفي بداية القرن الثالث الهجري تصادق المأمون بن هارون ، وهو من أبرز خلفاء الدولة العباسية تصادق مع بعض دعاة الآراء الاعتزالية ، وذلك قبل أن يكون خليفة المسلمين ، فقرب إليه رجلا يقال له بشر بن غياث المريسي المولود من أب يهودي ، وكان هذا الرجل قد نظر في صفات الله بالفكر الجهمي ، فغلب عليه فكر الجهم بن صفوان وانسلخ من الورع والتقوى والإيمان ، وأعلن القول بخلق القرآن ، ودعا إليه حتى كان عينَ الجهمية في عصره ، وكان عالمَهم المقتدي بأمره ، فمقته أهل العلم وناظروه ، وحكم عليه بعضهم وكفروه ، يقول الإمام الشافعي عن هذا الجهمي :
    ناظرت بشر بن غياث المريسي ، فكان مما قال : القرعة قمار ، وهي حرام ، فذكرت له حديث عمران بن حصين في القرعة فبهت ، وحديث عمران رواه مسلم في كتاب الإيمان عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَجُلا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لمْ يَكُنْ لهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ ، فَدَعَا بِهِمْ رَسُولُ اللهِ r فَجَزَّأَهُمْ أَثْلاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً وَقَال لهُ قَوْلا شَدِيدًا ) ، وفي رواية أن رجلاً من الأنصار أوصي عند موته فأعتق ستة مملوكين ، الوصية فيما دون الثلث ، ولذلك أجري النبي القرعة بينهم ، ومعني قال له قولا شديدا أي أنكر فعله وكرهه.

    والشاهد أن أبسط الأمور في سنة النبي صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ ، لا يعرفها بشر المريسي ، فأصله كما قال هاشم بن القاسم يهودي ، والخليفة المأمون اختلط برجل يقال له أحمد بن أبي دؤاد الإيادي ، وكان من أشد المتعصبين للمذهب الاعتزلي ، قربه المأمون واتخذه صاحبا ، ومن شدة تعلق المأمون به عظمه الشعراء نفاقا للخليفة حتى قال بعض الشعراء من المعتزلة من بني العباس :

    رسول الله والخلفاء منا ***** ومنا أحمد بن أبي دؤاد

    فرد عليه بعض شعراء أهل السنة الذين يدركون خطورة هذا الرجل وفتنته للناس ، وقال :

    فقل للفاهرين على نزار ***** وهم في الأرض سادات العباد
    رسول الله والخلفاء منا ***** ونبرأ من دعي بني إيـــاد
    وما منا إياد إذا أقـرت ***** بدعوة أحمــد بن أبي دؤاد

    ومن شدة الترابط بين أحمد بن أبي دؤاد وبين الخليفة المأمون أشار على الخليفة أن يكتب على سترة الكعبة :
    ( ليس كمثله شيء وهو العزيز الحكيم )
    حرَّف كلام الله لينفي وصفه تعالى بأنه "السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " ، كما قال هذا الضال جهم بن صفوان عن قوله تعالى : ( الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ) ( طـه:5 ) قال : لو وجدت السبيل إلي أن أحكها من المصحف لفعلت .

    وكذلك قرب المأمون إليه رجالا من المعتزلة حتى راودوه على مذهبهم فأقنعوه حتى أصبح ألعوبة في أيديهم ، ونصحوه أن يأخذ على أيدي الناس ليعتنقوه ، إصلاحا لدينهم على زعمهم ، وإرضاءاً لربهم بحمقهم ، وقد وقع المأمون في شباكهم وفرض على الناس بدعة جديدة لم تكن في أسلافهم ، وهي البدعة الكبري ، بدعة القول بخلق القرآن .

    فما هي قصة خلق القرآن وما هي فكرتها ؟

    فكرتها قائمة على منهجهم في نفي الصفات الواردة في كتاب الله وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم ومنها صفة الكلام ، فهم زعموا أن الله لو كان متكلما لكان له فم ولسان ، ومن ثم لا بد من نفي صفة الكلام عنه .
    وقد وصل الأمر ببعضهم إلي محاولته تحريف القرآن حتى لا يؤمن بهذه الصفة ، فقال لأبي عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة : أريدك أن تقرأ هذه الآية : ( وَكَلمَ اللهُ مُوسَي تَكْليمَا ) (النساء : 164) بنصب لفظ الجلالة ، وذلك ليكون موسي عليه السلام هو المتكلم ، أما الرب عنده فلا يتكلم لأن الكلام لا يكون إلا بفم ولسان حسب زعمه ، فقال أبو عمرو : هب أني وافقتك في ذلك فماذا تفعل بقوله : ( وَلمَّا جَاءَ مُوسَي لمِيقَاتِنَا وَكَلمَهُ رَبُّه ) فبهت المعتزلي .

    ومعلوم عند السلف أن الله يتكلم بكيفية تليق بجلاله نجهلها نحن ويعلمها هو فنحن ما رأيناه وما رأينا له نظيرا فهو سبحانه كما قال : ( ليْسَ كَمِثْلهِ شيء وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشورى:11) .
    ولا يلزم من إثبات صفة الكلام التشبيه والتجسيم كما هو اعتقاد المعتزلة ، بل أخبرنا الله تبارك وتعالي أن بعض المخلوقات تتكلم بدون فم أو لسان فقال تعالى :
    ( اليَوْمَ نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون ) (يس:65) .
    فنحن نؤمن أنها تتكلم ولا نعلم كيف تتكلم , فالله أنطقها كما أنطق كل شيء , ولذلك قال تعالى :

    ( وَقَالُوا لجُلُودِهِمْ لمَ شَهِدتُمْ عَليْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الذي أَنْطَقَ كُل شيء ) ( فصلت:21) .

    فالأيدي والأرجل والجلود تتكلم بلا فم يخرج منه الصوت المعتمد على مقاطع الحروف ، ولكن قياس الخالق على المخلوق قياس فاسد لا يجوز .

    كما أن صفة الكلام من لوازم الكمال , وضدها من أوصاف النقص , والله سبحانه له الكمال المطلق في أسمائه وصفاته ، ولهذا ذم الله بني إسرائيل لاتخاذهم عجلا لا يتكلم إلها من دون الله ، قال تعالى عنهم :
    ( وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَي مِن بَعْدِهِ مِنْ حُليِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لهُ خُوَارٌ أَلمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً ) فعجز العجل عن الكلام من صفات النقص التي يستدل بها على عدم ألوهيته ، فإذا كان من شروط العظمة لدي المخلوق اتصافه بالكلام ، أليس الخالق أولي بذلك .
    وقد صدق ابن القيم في قوله :

    وله الكمال المطلق العاري عن التـ***ـشبيه والتمثيــل بالإنسـان
    وكمال من أعطى الكمال لنفسه *** أولى وأقـدم وهو أعظـم شان
    أيكون قد أعطى الكمـال وماله *** ذاك الكمـالُ أذاك ذو إمكـان
    أيكون إنسـان سميعـا مبصـرا ***متكلمــا بمشيــئة وبيــان
    وله الحيــاة وقــدرة وإرادة *** والعلـم بالكلي والأعيـــان
    والله قد أعطاه ذاك وليـس هـ *** ـذا وصفه فاعجب من البهتـان
    والله ربي لم يــزل متكلمــا *** وكــلامه المسمــوع بالآذان
    صدق وعدلا أحكمت كلمـاته *** طلبــا وأخبــارا بلا نقصان
    ورسوله قد عاذ بالكلمـات من *** لدغ ومن عيـن ومن شيطــان
    أيعاذ بالمخلوق حاشاه من الـ *** إشـراك وهو معـلم الإيمــان
    بل عاذ بالكلمـات وهي صفاته*** سبحانه ليســت من الأكـوان
    وكذلك القرآن عين كلامه المـ *** ـسموع منه حقيـقة ببيــان
    هو قـول ربي كله لا بعضـه *** لفـظا ومعنى ما هـما خلقـان
    تنــزيل رب العالمين وقولـه *** اللفــظ والمعــنى بلا روغان
    لكن أصـوات العباد وفعلهم *** كمدادهــم والرق مخلوقـان
    فالصوت للقاري ولكن الكلا *** م كلام رب العرش ذي الإحسان

    يتبع بإذن الله
    5- "معجم مقاييس اللغة" (باب الكاف واللام وما يثلثهما) ( 5 / 131 ).

    6- قال ابن منظور : كلـم : القرآنُ كلامُ الله وكَلِـمُ الله وكَلِـماتُه وكَلِـمته، وكلامُ الله لا يُحدّ ولا يُعدّ، وهو غير مخـلوق ، تعالـى الله عما يقول الـمُفْتَرُون علُوّاً كبـيراً. "لسان العرب" مادة " كلم".

    7- بتصرف من : العقيدة السلفية , مرجع سابق ص 55- 64.

  3. #3

    افتراضي رد: بحث "كلام الله تعالى بين أهل السنة والمعتزلة "

    الفصل الأول
    " القرآن غير مخلوق "
    عند أهل السنة
    ويشتمل على مبحثين على النحو التالي
    المبحث الأول
    اعتقاد أهل السنة في القرآن أنه "كلام الله تعالى غير مخلوق"
    المبحث الثاني
    الأدلة المثبتة أن القرآن "كلام الله غير مخلوق"
    وفيه مطالب :
    المطلب الأول : من أدلة الكتــاب
    المطلب الثاني : من أدلة السنة
    المطلب الثالث : من الإجمـــــــــا ع
    المطلب الرابع : أدلة العقـــــــل



    الفصل الأول
    " القرآن غير مخلوق" عند أهل السنة
    المبحث الأول

    اعتقاد أهل السنة في القرآن أنه
    "كلام الله تعالى غير مخلوق"
    كلام الله تعالى صفة من صفاته ، غير مخلوق كسائر صفاته ، سواء كان القرآن العربي ، أو التوراة العبرية أو غير ذلك من كلامه تعالى.

    ولقد كان السلف في صدر الإسلام في غنى عن إطلاق لفظ (غير مخلوق) لأنه كان من المُسلم عندهم أن كلام الله صفة من صفاته ، وصفاته غير مخلوقة ، حتى ظهرت الجهمية ، فنفت صفة الكلام عن الله تعالى ، لكن لما كان هذا القول منكراً شنيعاً ، تنفر منه قلوب الناس ، وتقشعر منه جلودهم ، ويرفضه إيمانهم ، أبدلوه بقولهم : كلام الله مخلوق ، فتظاهروا بإثبات الكلام ، وأبطلوه بقولهم : مخلوق.

    فلما كان حقيقة قولهم إبطال صفة الكلام وتعطيلها قابلهم السلف برفض هذه البدعة وإنكارها ، والتشديد عليهم في ذلك ، بل وتكفيرهم ، لأن حقيقة قولهم الكفر ، لما تضمن من تكذيب القرآن ، وإثبات النقص للرحمن ، فقال السلف حينئذٍ : (كلام الله – كالقرآن وغيره – غير مخلوق).

    قال الدكتور / بكر أبو زيد : ([1])
    " والمسلمون : أهل السنة ، يعتقدون ويثبتون أن القرآن كلام الله - تبارك وتعالى - لا يزيدون على ذلك . فلما واجهت الجهميةُ الأُمةَ ببدعةِ القولِ بخلقِ القرآنِ وشايعهم المعتزلةُ على هذه المقولة الكفرية فقالوا عن القرآن : (( مخلوق )) . رد عليهم علماء السلف بالنفي والإنكار فقالوا : (( القرآن كلام الله غير مخلوق )) . وإلى هذه الحقيقة أشار الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - كما في (( مسائله )) رواية أبي داود عنه : ( ص/ 263 - 264 ) ؛ إذ سُئِل عن " الواقفة " الذين لا يقولون في القرآن إنه مخلوق أو غير مخلوق ، هل لهم رخصة أن يقول الرجل (( كلام الله )) ثم يسكت ؟
    قال : ولِم يسكت ؟! لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا ؛ لأي شيء لا يتكلمون ؟ ) انتهى كلامه .
    ولقد كانت هذه العقيدة مبنية على أسس متينة , وقواعد عظيمة من الكتاب والسنة ، والمعقول الصريح ، ونصوص السلف وكلامهم ، خلافاً لما يحسبه الجاهلون ، وإني ذاكر في المبحث التالي من ذلك ما فتح الله تعالى به لئلا تضل السبيل ، ولتتقى ما أحدثه الناس من القال والقيل .
    والأمر على ما قاله الشيخ حافظ حكمي رحمه الله :
    كـلامه جـل عن الإحصــاء *** والحصر والنفـاذ والفنــاء
    لو صــار أقلاما جميـع الشجر *** والبـحر تلقـى فيه سبعة أبحر
    والخلـق تكتبــه بكــل آن *** فنت ولـيس القـول منه فان
    والقـول في كتــابه المفصــل*** بأنه كـــلامه المـنــزل
    على الرسول المصطفى خير الورى *** ليس بـمخلوق ولا بـمفترى
    يحفــظ بالقلـب وباللســان *** يتلـى كمـا يسمـع الأذان
    كذا بالأبصــار إليه ينظـــر *** وبالأيـادي خطـه يســطر
    وكل ذي مخلـــوقة حقيــقة *** دون كـلام باريء الخليــقة
    جلت صفـات ربـنـا الرحمـن *** عن وصفـها بالخلـق والحدثان
    فالصوت والألحان صوت القـاري*** لكنما المتلـو قول البــاري
    ما قاله لا يقبل التبديـــــلا *** كلا ولا أصدق منه قيـــلا







    المبحث الثاني

    الأدلة المثبتة أن القرآن
    "كلام الله غير مخلوق"
    وفيه مطالب :
    المطلب الأول : من أدلة الكتــاب
    المطلب الثاني : من أدلة السـنة
    المطلب الثالث : من الإجمــــــــــ اع
    المطلب الرابع : أدلة العقــــــــل
    المطلب الأول : من أدلة الكتــاب
    1. قال الله تعالى : ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )( الأعراف: من الآية54)

    والاحتجاج بهذه الآية من وجهين :
    * الأول : أنه تعالى فرّق بين الخلق والأمر ، وهما صفتان من صفاته ، أضافهما إلى نفسه ، أما الخلق ففعله ، وأما الأمر فقوله ، والأصل في المتعاطفين التغاير إلا إذا قامت القرينة على عدم إرادة ذلك ، وهنا قد قامت القرائن على توكيد الفرق بينهما ، ومنها الوجه التالي.
    * والثاني : أن الخلق إنما يكون بالأمر ، كما قال تعالى : ( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (يّـس:82) .
    فقوله تعالى : (كن) هو أمره فلو كان مخلوقاً ، لاحتاج خلقه إلى أمر ، والأمر إلى أمر ، إلى ما لا نهاية ، وهذا باطل.
    وقد احتج الإمام أحمد – رحمه الله – على الجهمية المعتزلة بهذه الآية ، قال – رحمه الله – : " قلت : قال الله تعالى ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ) ففرق بين الخلق والأمر" ([2]) وقال لهم : " قال الله ( أَتَى أَمْرُ اللَّهِ ..........) (النحل: من الآية1) فأمُْرُه كلامُه واستطاعتُهُ ليس بمخلوق ، فلا تضربوا كتاب الله بعضَه ببعضٍ".([3])
    وقال فيما كتبه للمتوكل حين سأله عن مسألة القرآن : " وقد قال الله تعالى ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ .... ) (التوبة:6) وقال : ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) (لأعراف: من الآية54) ، فأخبر بالخلق , ثم قال : ( وَالْأَمْرُ ) ، فأخبر أن الأمرَ غيرُ مخلوقٍ ".([4])

    2. وقال تعالى : ( الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإنسَانَ ) (الرحمن:1- 3)
    فَفَرَّق تعالى بين علمه وخلقه ، فالقرآن علمه ، والإنسان خلقه ، وعلمه تعالى غير مخلوق. قال تعالى : ( قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (البقرة:120)

    فسمى الله تعالى القرآن علماً ، إذ هو الذى جاءه من ربه ، وهو الذي علَّمَه الله تعالى إياه – صلى الله عليه وسلم – ، وعِلمُهُ تعالى غيُر مخلوقٍ ، إذ لو كان مخلوقاً لاتَّصَفَ تعالى بضده قبل الخلق ، تعالى الله عن ذلك وتَنَزَّه وتقدَّس.
    وبهذا احتج الإمامُ أحمدُ –رحمه الله– على الجهمية فيما كتبه للمتوكل فى مسألة القرآن ، حيث قال :
    قال الله عز وجل : [ ( الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْأِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) ] "فأخبر تعالى أن القرآن من علمه " ثم احتج بالآيات الثلاث المذكورات ، ثم قال : " فالقرآن من علم الله تعالى ، وفى هذه الآيات دليل على أن الذي جاءَه – صلى الله عليه وسلم – هو القرآن ، لقولِهِ (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ) ([5]).
    وقال – رحمه الله – في حكاية مناظرتِهِ للجهميةِ في مجلس المعتصم : " قال لي عبد الرحمن القزَّازِ([6]): كان الله ولا قرآنَ ، قلت له : فكان الله ولا علم ! فأمسك ، ولو زعم أن الله كان ولا علم لكفر بالله " ([7])
    وقيل له رحمه الله : " قوم يقولون إذا قال الرجلُ : " كلامُ الله ليس بمخلوق" ، يقولون : من إمامك في هذا؟ ومن أين قلت : ليس بمخلوق؟
    قال : " الحجة قوله تبارك وتعالى : )فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) (آل عمران: من الآية61) ، فما جاءه غيرُ القرآن " قال : " القرآن من عِلمِ الِله ، وعلمُ اللهِ ليسَ بمخلوقٍ ، والقرآنُ كلامُ الله ليس بمخلوق ، ومثل هذا في القرآن كثير" ([8])
    وقال – رحمه الله – : " القرآنُ علمُ من علمِ اللهِ ، فمن زعم أن عِلمَ الِله مخلوقٌ فهو كافرٌ ".([9])
    3. وقال تعالى : ( قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَاداً لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَداً ) (الكهف:109)
    وقال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (لقمان:27)

    فأخبر تعالى – وقوله الحق – أن كلماتِهِ غيُر متناهيةٍ ، فلو أن البحارَ التي خلقها الله كانت مداداً تُكتب به ، والشجرَ الذي خلقه الله أقلاماً تٌخَطُّ به , لنفِدَ مدادُ البحورِ ، ولفنيت الأقلامُ ، ولم تفنَ كلماتُ اللهِ.
    وإنَّمَا في هذه الإبانةُ عن عظمة كلامه تعالى ، وأنه وُصْفُهُ وعلْمُهُ ، وهذا لا يقاس بالكلام المخلوق الفاني ، إذ لو كان مخلوقاً لفني قبل أن يفنى بحر من البحور ، ولكن الله تعالى إنما كتب الفناء على المخلوق لا على نفسه وصفته.

    4. أسماء الله تعالى في القرآن كـ ( الله ، الرحمن ، الرحيم ، السميع ، العليم ، الغفور ، الكريم ....) وغيرها من أسمائه الحسنى ، وهى من كلامه ، إذ هو الذي سمى بها نفسه ، بألفاظها ومعانيها.

    وقد ساوى الله تعالى بين تسبيح نفسه وتسبيح أسمائه ، فقال تعالى : ( وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) (الأحزاب:42) , ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ) (الأعلى:1) , )فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (الحاقة:52)

    وساوى تعالى بين دعائه بنفسه ودعائه بأسمائه ، فقال : ( ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً ) (الأعراف:55) وقال : ( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) ( الإسراء: من الآية110) .

    فإن قيل : إن كلامَه تعالى مخلوقٌ ، كانت أسماؤُه داخلةً في ذلك ، ومن زعم ذلك فقد كفر لما ذكرنا ، ولأن معنى ذلك أن الله تعالى لم تكن له الأسماء الحسنى قبل خلق كلامه ، ولكان الحالف باسم من أسمائه مشركاً لأنه حلف بمخلوق ، والمخلوق غير الخالق ، وقد قال النبي r: " من حلف بغير الله فقد أشرك ". ([10])

    وبهذه الحجة احتج جماعة من السلف والأئمة على كون القرآنِ غيَر مخلوقِ ، منهم :

    1) الإمام الحجة سفيان بن سعيد الثوري : قال :
    " من قال : إن ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ ) مخلوق ، فهو كافر".([11])

    2) ناصر السنة أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي : قال :
    " من حلف باسم من أسماء الله فحنث فعليه الكفارة ، لأن اسم الله غير مخلوق ، ومن حلف بالكعبة ، أو بالصفا والمروة ، فليس عليه الكفارة ، لأنه مخلوقٌ ، وذاك غيرُ مخلوقٍ ". ([12])

    3) إمام أهل السنة أحمد بن حنبل : قال :
    " من قال : القرآن مخلوق فهو عندنا كافر ، لأن القرآن من علم الله عز وجل ، وفيه أسماء الله عز وجل ". ([13])
    وقال : " وأسماء الله في القرآن ، والقرآن من علم الله ، فمن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر ، ومن زعم أن أسماء الله مخلوقة فقد كفر". ([14])

    وذَكَرَ له رجلٌ أنَّ رجلاً قال : " إن أسماءَ اللهِ مخلوقةٌ ، والقرآنَ مخلوقٌ " , فقال أحمد : " كُفْرٌ بَيّنٌ ". ([15])وقال : " أسماءُ اللهِ في القرآنِ ، والقرآنُ من علمِ اللهِ ، وعلمُ اللهِ ليسَ بمخلوقٍ ، والقرآنُ كلامُ اللهِ ليس بمخلوق على كل وجه ، وعلى كل جهة ، وعلى أيِّ حالٍ ". ([16])

    وكما أنه تعالى لا يوصف بصفةٍ مخلوقةٍ ، فلا يسمى باسمِ مخلوقٍ.
    5. أخبر تعالى عن تنزيله منه وإضافته إليه ، كما قال : ( تَنْزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (السجدة:2) , وقال : ( وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) ( الأنعام : من الآية114) , وقال: ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ ) ( النحل : من الآية102) .


    ولم يضف شيئاً مما أنزله إلى نفسه غير كلامه ([17]) ، مما دَلَّ على الاختصاص بمعنى ، فليس هو كإنزال المطر والحديد وغير ذلك ، فإن هذه الأشياء أخبر عن إنزالها ، لكنه لم يضفها إلى نفسه ، بخلاف كلامه تعالى ، والكلام صفة ، والصفة إنما تضاف إلى من اتصف بها لا إلى غيره ، فلو كانت مخلوقةً لفارقت الخالقَ ، ولم تصلحْ وصفاً له ، لأنه تعالى غَنِيٌّ عن خلقه ، لا يَتَّصِفُ بشيءٍ منه.




    المطلب الثاني : من أدلة السـنة


    1. حديث خولة بنت حكيم قالت : سمعت رسول الله r يقول : " من نزل منزلاً ثم قال : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك".([18])
    وحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال جاء رجل إلى النبي r فقال : يا رسول الله ، ما لقيت من عقرب لدغتني البارحة ، قال : " أما لو قلت حين أمسيت : أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضرك ". ([19])

    فأثبت النبي r بما ذكرناه عنه شرعية الاستعاذة بكلمات الله ، فلو كانت كلماته مخلوقة لكانت الاستعاذة بها شركاً ، لأنها استعاذة بمخلوق ، ومن المعلوم أن الاستعاذة بغير الله تعالى وأسمائه وصفاته شرك ، فكيف يصح أن يعلم النبي – صلى الله عليه وسلم – أمته ما هو شرك ظاهر ، وهو الذي جاءهم بالتوحيد الخالص ! فدل هذا على أن كلمات الله تعالى غير مخلوقة.
    قال نعيم بن حماد ( شيخ البخاري ومن أئمة السنة ) : " لا يستعاذ بالمخلوق ولا بكلام العباد والجن والإنس والملائكة ".
    قال البخاري عقبه : " وفى هذا دليل أن كلام الله غير مخلوق ، وأن سواه خلق " ([20]) ثم احتج البخاري لذلك بما ذكرنا.

    2. حديث أبي هريرة – رضى الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال : " فضل كلام الله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه ".([21])

    تضمن هذا الحديث إثبات عقيدة السلف ( القرآن كلام الله غير مخلوق ) وذلك من وجهين :

    الأول : التفريق بين كلام الله وما سواه من الكلام ، والكلام إما كلام الله الذي هو صفته ، أو الكلام المخلوق الذي يقع من خلقه ، فأضاف ما كان صفة لله إلى الله ، وعمم ما سواه ليشمل كل كلام سوى ما أضافه إلى الله ، ولو كان الجميع مخلوقاً لما كان هناك حاجةٌ إلى التفريق.

    والثانى : جعلَ الفرقَ بين كلام الله وكلام غيره كالفرقِ بين ذاتِ اللهِ وذاتِ غيرهِ ، فجعل كلامه مساوياً لذاته ، وكلام المخلوق مساوياً لذات المخلوق ، ولو كان كلامه مخلوقاً لم يساوه بذاته ، فإن الله تعالى ليس يساويه شيءٌ غيرُ صفاتهِ وأسمائهِ.

    وقد احتج بهذا الإمام عثمان بن سعيد الدارمي في " الرد على الجهمية " فقال بعدما ذكر الأحاديث في هذا المعنى :
    " ففي هذه الأحاديث بيان أن القرآن غير مخلوق ، لأنه ليس شيء من المخلوقين من التفاوت في فضل ما بينها كما بين الله وبين خلقه في الفضل ، لأن فضل ما بين المخلوقين يستدرك ، ولا يستدرك فضل الله على خلقه ، ولا يحصيه أحد ، وكذلك فضل كلامه على كلام المخلوقين ، ولو كان مخلوقاً لم يكن فضل ما بينه وبين سائر الكلام كفضل الله على خلقه ، ولا كعشر عشر جزء من ألف ألف جزء ، ولا قريباً ففهموه ، فإنه ليس كمثله شيء ، فلي ككلامه كلام ولن يؤتى بمثله أبداً "([22])












    المطلب الثالث : من أدلة الإجمــــــــــ اع

    (1) مالك بن أنس [إمام دار الهجرة] :
    قال عبد الله بن نافع : كان مالك يقول : " كلم الله موسى صلى الله عليه وسلم " ويقول : " القرآن كلام الله " ويستفظع قول من يقول : " القرآن مخلوق "([23])

    (2) سفيان بن عيينة [إمام الحجة] :
    سُئل عن القرآن ، فقال : " كلام الله ، وليس بمخلوق "([24])

    (3) عبد الله بن المبارك :
    قال : " القرآن كلام الله عز وجل ، ليس بخالق ولا مخلوق "([25]).

    (4) أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي الإمام :
    قال الربيع بن سليمان – صاحبه وتلميذه – حاكياً المناظرة التي جرت بينه وبين حفصٍ الفرد في القرآن : فسأل الشافعي ، فاحتج عليه الشافعي وطالت فيه المناظرة، فأقام الشافعي الحجة عليه بأن القرآن كلام الله غير مخلوق ، وكَفَّر حفص الفرد . قال الربيع : فلقيت حفصاً الفرد في المجلس بَعْدُ ، فقال : أراد الشافعي قتلي([26]).

    (5) وكيع بن الجراح [أحد كبار الحفاظ] :
    قال : " القرآن كلام الله عز وجل ليس بالمخلوق"([27]).
    (6) يزيد بن هارون [من كبار أئمة الحديث] :
    قال : " من قال : القرآن مخلوق. فهو كافر "([28]).

    (7) الإمام أحمد بن حنبل [إمام أهل السنة] :

    النقل عنه في ذلك متواتر ، والناقلون عنه لا يحصيهم العد ، وكفى ما كان منه في المحنة مع الجهمية المعتزلة القائلين بخلق القرآن ، ...ومما يحسن ذكره هنا ما قاله الإمام أحمد جوابا لسؤال المتوكل عن مسألة القرآن : "وقد روي عن غير واحد ممن مضى من سلفنا رحمهم الله أنهم كانوا يقولون : القرآن كلام الله عز وجل , وليس بمخلوق , وهو الذي أذهب إليه , ولست بصاحب كلام , ولا أرى الكلام في شيء من هذا , إلا ما كان في كتاب الله عز وجل , أو في حديث النبي صلى الله عليه وسلم , أو عن أصحابه أو عن التابعين , أما غير ذلك فإن الكلام فيه غير محمود " ([29]).

    (8) يحيى بن معين [إمام الجرح والتعديل] وأبو خيثمة زهير بن حرب [حافظ إمام ناقد] :
    قالا : " القرآن كلام الله عز وجل ، وهو غير مخلوق " ([30]).

    (9) عثمان بن أبي شيبة [ثقة حافظ] :
    قال : " القرآن كلام الله وليس بمخلوق " ([31]).

    (10) علي بن المديني [صيرفي الحديث وأهله] :
    قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة : سمعت علي بن المديني يقول قبل أن يموت بشهرين : " القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال : مخلوق ، فهو كافر " ([32]).

    (11) البخاري : محمد بن إسماعيل [أمير المؤمنين في الحديث] :
    قال :" القرآن كلام الله غير مخلوق"([33]).

    (12) جماعة من شيوخ أبي داود السجستاني صاحب " السنن " :
    قال أبو داود رحمه الله : سمعت إسحاق بن إبراهيم بن راهويه ، وهنَّاد بن السَّريّ ، وعبد الأعلى بن حماد ، وعبيد الله بن عمر بن ميسرة القواريري ، وحكيم بن سيف الرَّقيّ , وأيوب بن محمد , وسَوّار بن عبد الله , والربيع بن سليمان , وعبد الوهاب بن الحكم , ومحمد بن سفيان ، وعثمان بن أبي شيبة ، ومحمد بن بَكّار ، وأحمد بن الحنَفي ، ووهب بن بَقِيَّة ، ومن لا أحصيهم من علمائنا ، كل هؤلاء سمعتهم يقولون : " القرآن كلام الله ليس بمخلوق ". وبعضهم قال : " القرآن غير مخلوق " ([34]).

    (13) أبو حاتم وأبو زرعة الرازايان [عالمان حافظان ، من كبار أئمة الحديث] :
    قال عبد الرحمن بن أبي حاتم : سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أردكا عليه العلماء في جميع الأمصار ، وما يعتقدان من ذلك ، فقالا : " أدركنا العلماء في جميع الأمصار : حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً فكان من مذهبهم: الإيمان قول وعمل يزيد وينقص ، والقرآن كلام الله غير مخلوق بجميع جهاته" ([35]).

    (14) الإمام أبو عثمان الصابوني [من كبار أئمة أهل السنة] :
    قال : " ويشهد أصحاب الحديث ويعتقدون : أن القرآن كلام الله وكتابه ، وخطابه ووحيه وتنزيله ، غير مخلوق ، ومن قال بخلقه واعتقده فهو كافر عندهم " ([36]).

    ولو أردنا استيعاب ما بلغنا من أقوالهم في إثبات هذه العقيدة (القرآن كلام الله غير مخلوق) لاحتاج ذلك إلى تصنيف مستقل.
    وقد ساق الإمام أبو القاسم الطبري اللالكائي في كتابه العظيم " شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة " القول بذلك عن خمسمائة وخمسين نفساً من علماء الأمة وسلفها ، كلهم يقولون : " القرآن كلام الله غير مخلوق ، ومن قال : مخلوق ، فهو كافر ".
    قال رحمه الله : " فهؤلاء خمس مئة وخمسون نفساً أو أكثر ، من التابعين وأتباع التابعين والأئمة المرضيين ، سوى الصحابة الخيّرين ، على اختلاف الأعصار ومضي السنين والأعوام ، وفيهم نحو من مئة إمام ممن أخذ الناس بقولهم ، وتدينوا بمذاهبهم ، ولو اشتغلت بقل قول المحدثين لبلغت أسماؤهم ألوفاً كثيرة " ([37]).

    وفيما ذكر كفاية لإثبات قوة هذه العقيدة وأنها المذهب الحق وحده ومجانبةِ مخالفه للحق البيّن الصريح الذي أطبق على اعتقاده سادةُ علماءِ الأمةِ ، فهو إجماعُ أهلِ السنةِ الذي لا يقعُ فيه امتراءٌ ، والله أعلم.
    *** *** ***

    المطلب الرابع : أدلة العـقل

    وذلك من وجهين :
    الأول : أن كلام الله إن كان مخلوقاً ، فلا يخلو من أحد حالين :

    الأولى : أن يكون مخلوقاً قائماً بذات الله.
    الثانية : أن يكون منفصلاً عن الله بائناً عنه.
    وكلا الحالين باطل ، بل كفر شنيع.

    أما الأولى : فليزم منها أن يقوم المخلوق بالخالق وهو باطل في قول أهل السنة ، وعامة أهل البدع ، فإن الله تعالى مستغن عن خلقه من جميع الوجوه .

    وأما الثانية : فيلزم تعطيل صفة الكلام للباري تعالى إذ أن الصفة إنما تقوم بالموصوف لا تقوم بسواه ، فإذا قامت بغير الموصوف كانت وصفاً لمن قامت به ، وهذا معناه أن الرب تعالى غير متكلم ، وهو كفر بيّن ، كما بينا الدلالات عليه.

    والثاني : علمت أن الصفة لا تقوم بنفسها ، فإن كانت صفة للخالق قامت به ، وإن كانت صفة للمخلوق قامت به ولا بد .
    فالحركة والسكون والقيام والقعود والقدرة والإرادة والعلم والحياة وغيرها من الصفات ، إن أضيفت لشيء كانت وصفاً له ، وهي تابعة لمن قامت به ، فهذه صفات تضاف للمخلوق ، فهي صفات له حيث أضيفت له ، ومنها ما يضاف إلى الخالق ، كالقدرة والإرادة والعلم والحياة وغير ذلك ، فهي صفات له حيث أضيفت له ، وحيث أضيفت للمخلوق فهي مخلوقة ، وحيث أضيفت للخالق فهي غير مخلوقة.

    فصفة الكلام كغيرها من الصفات لا بد أن تقوم بمحَل ، فإذا قامت بمحَل كانت صفةً لذلك المحَل لا صفة لغيره ، فإن هي أضيفت إلي الخالق تعالى فهي صفته ، وإن أضيفت إلي غيره فهي صفة لذلك الغير ، وصفة الخالق غير مخلوقة كنفسه ، وصفة المخلوق مخلوقة كنفسه ، فلما أضاف الله لنفسه كلاماً ، ووصف نفسه به ، كان كلامه غير مخلوق لأنه تابع لنفسه ، ونفسه تعالى غير مخلوقة ، والكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات , يحتذى فيه حذوه ويتبع فيه مثاله.

    فإن قيل : هو مخلوق ، قلنا : إذا يتنزه الله عن الاتصاف بمخلوق ، وأنتم تنزهونه تعالى – بزعمكم – عن قيام الحوادث به , فحيث نزهتم ربكم تعالى عن ذلك ؛ فإنه يلزمكم أن لا تضيفوا إليه كلاما ، وبهذا تكذبون السمع والعقل الشاهدين على أن لله تعالى صفةَ الكلامِ ، كما بيناه فيما مضى.

    لكنهم أبو الإقرار بأن كلام الله تعالى غير مخلوق بأدهى مما سبق من الباطل ، فقالوا :
    نثبت أن الله متكلم بكلام قائم في غيره ، فكلم الله تعالى موسى بكلام مخلوق قائم بالشجرة ، لا به تعالى ، فنحن نزهناه عن قيام الحوادث به . قلنا : جعلتم الكلام إذاً صفة للمحل الذي قام به ، وهو على قولكم الشجرة ، فكانت الشجرة بهذا هي القائلة لموسى ( يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )(القصص: من الآية30) , فانتفى حينئذ الفرق بين قول الشجرة وقول فرعون اللعين ( أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ) (النازعـات: من الآية24) ؛ لأن كلامَ الشجرة صفتُها لا صفةُ الله ، وكلامَ فرعون صفتُه ، وكل ادعى الربوبية ، فلم يكن موسى إذاً محقاً في إنكاره قول فرعون وقبوله قول الشجرة. سبحان الله ! كم تجر البدع على أهلها من المحاذير ! تأمل رحمك الله هذا الكفر الصراح ، الذي أوقع أهله فيه الابتداع المشين ، وعدم الرضا والتسليم لحقائق التنزيل.

    [1] - معجم المناهي اللفظية ص .

    1- رواه حنبل في " المحنة " ص : 53 عن أحمد.

    2- رواه حنبل في " المحنة " ص : 54 عن أحمد.

    3- رواه صالح ابنه في " المحنة " ص : 120 – 121.

    4- رواه صالح في " المحنة " ص : 121 وعبد الله في " السنة " رقم 107 عن أبيهما به.

    5- أحد مناظري الإمام بحضرة المعتصم.

    6- رواه حنبل في " المحنة " ص : 45 عنه.

    7- رواه صالح في " المحنة " ص : 69 عنه.

    8- رواه ابن هانئ في " المسائل " 2 / 153 ، 154 عنه.

    9- حديث صحيح.
    أخرجه أحمد رقم (4904 ، 6072) وأبو داود رقم (3251) والترمذي رقم (1535) وابن حبان رقم (1177) – موارد) والحاكم 1 / 18 و 4 / 297 وآخرون من حديث عبد الله بن عمر به.
    قلت : وإسناده صحيح ، وقد حسّنه الترمذي ، وصححه الحاكم وأقره الذهبي.

    [11] - أخرجه عبد الله في " السنة " رقم 13 وسنده جيد.

    [12] - أخرجه ابن أبى حاتم في " آداب الشافعي " ص : 193 وأبو نعيم 9 / 113 والبيهقي في " السنن " 10 / 28 و " الأسماء والصفات " ص : 255 – 256 و " المناقب " 1 / 405 بإسناد صحيح.

    [13] - رواه ابنه عبد الله في " السنة " رقم 1.

    [14] - رواه ابنه صالح في " المحنة " ص : 52 ، 66 – 67.

    [15] - رواه أبو داود في " المسائل " ص : 262 عنه.

    [16] - رواه ابنه صالح في " المحنة " ص : 69.

    [17] - انظر " مجموع الفتاوى " : 12 / 247 ، 297.

    [18] - حديث صحيح : أخرجه أحمد 6 / 377 ، 409 ومسلم 4 / 2080 والترمذي رقم 3437 والنسائي في " عمل اليوم والليلة " رقم 560 – 561 وابن ماجه رقم 3547 من حديث سعد بن أبى وقاص عن خولة به.قال الترمذي : حديث حسن صحيح غريب "

    [19] - حديث صحيح : أخرجه مالك 2 / 951 وأحمد 2 / 375 ومسلم 4 / 2081 والنسائي في " عمل اليوم والليلة " رقم 585 ، 589 ، 591 ، 592 وابن ماجة 3518 من طريق أبى صالح السمان عن أبى هريرة به.

    [20] - " خلق أفعال العباد " ص 143.

    [21] - حديث حسن. سبق تخريجه ص 85 – 86 ..............................

    [22] - " الرد على الجهمية " ص 162 – 163.

    [23] - رواه صالح بن أحمد في " المحنة " ص 66 بسند صحيح عنه.

    [24] - أخرجه أبو داود في " المسائل " ص 265 بسند جيد عنه.

    [25] - رواه عبد الله بن أحمد في " السنة " رقم 144 وسنده صحيح وكذا رواه اللالكائي رقم 426.

    [26] - رواه ابن أبي حاتم في " آداب الشافعي " ص 194 – 195 وسنده صحيح.

    [27] - رواه عبد الله بن أحمد في " السنة " رقم 151 بسند صحيح.

    [28] - رواه أبو داود في " المسائل " ص 268 بسند صحيح.

    [29] - رواه صالح بن أحمد فى " المحنة " ص 122 , وعبد الله في " السنة " رقم 108 عن أبيهما.

    [30] - رواه عبد الله بن أحمد فى " السنة " رقم 173 بسند صحيح ، وانظر " تاريخ يحيى " رواية الدوري 3 / 335.

    [31] - رواه عبد الله بن أحمد في " السنة " رقم 163 عنه به.

    [32] - أخرجه ابن الطبري في " السنة " رقم 453 والخطيب في " تاريخ بغداد " 11 / 472 بسند صحيح ، وانظر : " مسائل ابن أبي شيبة لابن المديني" نص 113.

    [33] - " خلق أفعال العباد " ص : 37.

    [34] - " المسائل " لأبي داود ص 262.

    [35] - أخرجه ابن الطبري فى " السنة " 1 / 176 بسند صحيح.

    [36] - " رسالته فى السنة " نص / 6.

    [37] - كتاب " السنة " رقم 493.

  4. #4

    افتراضي رد: بحث "كلام الله تعالى بين أهل السنة والمعتزلة "

    الفصل الثاني
    "خلق القرآن" عند المعتزلة
    ويشتمل على مبحثين
    المبحث الأول
    أدلة المعتزلة على أن "القرآن مخلوق"
    والـرد عليهـا
    المبحث الثاني
    المعتزلة في ميزان أئمة السنة
    الفصل الثاني
    "خلق القرآن" عند المعتزلة
    مما استفاض به الخبر أن المعتزلة يقولون بخلق القرآن , قال القاضي عبد الجبار([1]) في المغني([2]) :
    " [ فصل : في وصف القرآن وسائر كلام الله تعالى بأنه مخلوق وما يتصل بذلك ] : قد بيَّنَّا فيما تقدم أن كلامه تعالى محدث , ...... وإذا ثبت ذلك وجب أن يجري مجرى سائر أفعاله , وإذا كانت توصف بأنها مخلوقة ؛ فكذلك القول في القرآن , ...... والقرآن بهذه الصفة , فيجب أن يوصف بأنه مخلوق " انتهى .

    وقال الزمخشري([3]) في تفسيره([4]) لسورة الأعراف : الآية [142] : " { وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ }: من غير واسطة كما يكلم الملك ، وتكليمه : أن يخلق الكلام منطوقاً به في بعض الأجرام كما خلقه مخطوطاً في اللوح ".
    وقال الفخر الرازي([5]) : " وأما القرآن الكريم , وهو من كلام الله تعالى , فإن المعتزلة يقولون : هو مخلوق ومحدث , وذلك لأنه نزل بعد التوراة وبعد الإنجيل , والمنزل مخلوق ومحدث "([6])
    المبحث الأول
    أدلة المعتزلة على أن "القرآن مخلوق"
    والرد عليها
    استدل المعتزلة على ما ذهبوا إليه من القول بخلق القرآن بعدة أدلة , وفيما يلي ذكر أهمها , مع الرد عليها :

    الدليل الأول :
    القرآن شيء ، وقد قال الله تعالى : ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) ( الزمر: من الآية62 ) ولفظ (كل) للعموم ، فالقرآن داخل في عموم ما خلق الله من الأشياء.

    الرد عليه :
    لا أحسب أن فساد هذا القول خافٍ على من قال به ، ولكنهم أرادوا إدخال الريب والشك على من لا يفهم ، وذلك أن صيغة (كل) وما يشبهها من صيغ العموم ، عموم كل منها إنما هو بحسبه ، قال تعالى في ريح عاد : ( تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا ) (الأحقاف:25)
    فالتدمير إنما كان بأمره تعالى ، وأمره تعالى كلامه ، قال : (فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ) فأبان أن مساكنهم لم تدمر ، ومقتضى ذلك أنها لم تدمر الأرض ولا الجبال ولا غير ذلك من سوى أهلها ، فدل ذلك على أن عموم (كل) إنما كان في حق الكفار المستحقين للوعيد , لا كلّ شيءٍ حتى من سواهم من الجماد وغيره , وهذا معقول ظاهر .

    ولقد أثبت تعالى أن له نفساً ، قال : ( تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ ) (المائدة: من الآية116) ، وقال تعالى : ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ) ( آل عمران : من الآية185) , فهل يُدْخِلُ الجهميُ نفسَ اللهِ تعالى في هذا العموم ؟
    إن الأنفس التي تموت إنما هي الأنفس المخلوقة ، أما الخالق تعالى بصفته فهو حي لا يموت .
    فدلت هذه النصوص على أن عموم (كلّ) إنما هو بِحَسَب الموضع الذي وردت فيه .

    فكذلك قوله تعالى ( اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ) , فالله تعالى شيء ، وصفته شيء ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ ) (الأنعام: من الآية19) , والمخلوق شيء ، والله هو الخالق وليس بمخلوق ، وصفاتهُ تابعةٌ لذاتهِ ، فليست بمخلوقةٍ ، والقرآن كلامه ، وكلامه صفته ، وصفته غير مخلوقة ، فالله شيءٌ غيُر مخلوقٍ ، وصفتهُ شيءٌ غيُر مخلوقٍ ، والمخلوقُ من وقع عليه فعلُ الخلقِ ، وهو كلُّ شيءٍ سوى الِله تعالى وصفتهِ.
    ولكنَ الجهميةَ المعتزلةَ أوقعهم في ذلك اعتقادُهم أن الله تعالى لا تقوم به الصفاتُ ، فصفاتُهُ عندهم غيرُهُ , وقد سبق أن الصفة إنما تقوم بالموصوف ، والكلام إنما يقوم بالمتكلم ، ولا تعقل ذاتٌ مجردةٌ عن الصفات ، وهذا من الجهمية المعتزلة هو التعطيلُ لصفات الخالق تعالى ، لأن الصفة إذا قامت بمحل كانت صفةً لذلك المَحَلّ ، فباعتقادهم تبطلُ جميعُ الصفاتِ.


    الدليل الثاني :
    القُرْآنُ مَجْعُوٌل ، قال تعالى : ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ) (الزخرف: من الآية3) , والجَعْلُ : الخَلْقُ .

    الرد عليه :
    لفظ (جَعَلَ) يأتي بمعنى (خَلَقَ) وبغيره. والقاعدة فيه : أنه لا يأتي بمعنى خلق إلا إذا تعدى إلى مفعول واحد ، ومنه قوله تعالى : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ) (الأنعام: من الآية1).

    وربما تعدى إلى مفعول واحد ولم يكن بمعنى خلق ، كقوله تعالى :( وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ )(الأنعام: من الآية100).

    أما إذا تعدى إلى مفعولين فلا يكون بمعنى (خلق) بأي حال ، ومن ذلك :
    قوله تعالى : ( فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا ) (البقرة: من الآية66) ,
    وقوله : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) ( الأنبياء: من الآية 73 ) ,
    فكذلك منه قوله تعالى : ( إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ) (الزخرف: من الآية3)
    فالمفعول الأول : الضمير ، والثانى : قرآناً ، والمعنى : قلناه قرآناً عربياً ، أو بيناه. فبطل تمويه المعتزلة.

    وقد أجاب الإمامُ أحمدُ رحمه الله المعتزليَّ حين احتج عليه بهذه الآية بقوله :
    " فقد قال الله تعالى : ( فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ) (الفيل:5) , أفخلقهم !!!


    الدليل الثالث :
    القرآنُ محدثٌ ، كما قال تعالى : ( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ ) (الانبياء:2) وكما قال تعالى : ( وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمَنِ مُحْدَثٍ إِلَّا كَانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ ) (الشعراء:5) ، والمحدث : المخلوق.

    الرد عليه :

    قوله (مُحْدَث) في الأصل من (الحُدوثِ) وهو كون الشيء بعد أن لم يكن ، والقرآنُ العظيمُ حين كان ينزل ، كان كلما نزل منه شيءٌ كان جديداً على الناس ، لم يكونوا علموه من قبل ، فهو مُحْدَثٌ بالنسبة إلى الناس ، ألا تراه قال : ( ما يأتيهم )؟ فهو محدث إليهم حين يأتيهم ، ومنه قول النبي – صلى الله عليه وسلم – : "إن الله يُحْدِثُ لنبيه ما شاء ، وإن مما أحدث لنبيه : أن لا تَكَلَّمُوا في الصلاة " ([7]).
    وأمر الله : قوله وكلامه ، وهو غير مخلوق ، مُحْدَثٌ بالنسبة إلى العباد ، أي : جَِديدٌ عليهم ، فليس المحدث هنا هو المخلوق.

    وهذا الجوابُ أحسنُ ما قيل في ذلك ، قال أبو عبيدٍ القاسمُ إمامُ العربيةِ : " (مُحْدَثٌ) حدث عند النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه لـمّا علَّم الله ما لم يكن يعلم " ([8]).

    وقال ابن قتيبة : " المُحْدَثُ ليس هو في موضع بمعنى : مخلوق ، فإن أنكروا ذلك فليقولوا في قول الله :
    ( لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً ) (الطلاق: من الآية1) أنه يخلق ، وكذلك ( لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) (طـه: من الآية113 ) أي يحدث لهم القرآن ذكرا ، والمعنى : يجدد عندهم ما لم يكن .
    وكذلك قوله : ( مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) (الأنبياء:2) أي ذكر حَدَثَ عندهم لم يكن قبل ذلك " ([9]).

    وقال شيخ الإسلام : " المُحْدَثُ في الآية ليس هو المخلوق الذي يقوله الجهميُّ ولكنه الذي أُنْزِلَ جديداً ، فإن الله كان ينزل القرآن شيئاً بعد شيءٍٍ ، فالـمُنْزَل أولاً هو قديمٌ بالنسبة إلى المُُنْزَل آخراً ، وكلُّ ما تقدمَ على غيرِهِ فهو قديمٌ في لغةِ العربِ " ([10]).

    وربما أجاب بعض الأئمة بغير هذا ، لكن هذا أصح وأظهر.




    الدليل الرابع :
    جعل الله أمره مقدوراً فقال : ( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً ) (الأحزاب: من الآية38 ) , وأمر الله : كلامه ، والمقدور : المخلوق.
    الرد عليه :
    إن لفظ (الأمر) إذا أضيف إلى الله تعالى يأتي على تفسيرين :

    الأول : يُرَادُ به المصدرُ ، كقوله تعالى : ( لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ )(الأعراف: 54) وهو غير مخلوق. وهذا يجمع على : (أوامر).

    والثاني : يُرَادُ به المفعولُ الذي هو المأمورُ المقدورُ ، كقوله تعالى : ( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً ) (الأحزاب: من الآية38 ) , فالأمر هنا هو المأمور ، وهذا يجمع على (أمور) وهو مخلوق.

    قال شيخ الإسلام : " ففي قوله : ( وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً ) (الأحزاب: من الآية38 ) المرادُ به المأمورُ به المقدورُ ، وهذا مخلوق ، وأما في قوله : (أمر الله) فأمره كلامه ، إذ لم ينزل إلينا الأفعال التي أمرنا بها ، وإنما أنزل القرآن ، وهذا كقوله : (إلى أهلها) فهذا الأمر هو كلامه " ([11]).
    قلت : ونظيره لفظ (الخلق) فإنه يأتي مصدراً ، فهو حينئذ فعل الرب تعالى وصفته ، ويأتي مفعولاً فهو حينئذ المخلوق الذي وقع عليه فعل الخلق ، فليس لفظ الأمر إذا على ما قالت الجهمية من اختصاصه بالمفعول المقدور.



    الدليل الخامس :

    سمى الله تعالى عيسى – صلى الله عليه وسلم – (كلمته) فقال : ( إنمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ) (النساء: ة171) وقال : ( يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ) (آل عمران: 45)) ، وعيسى مخلوقٌ ، فالكلمةُ مخلوقةٌ.

    الرد عليه :

    إن عيسى – عليه السلام – مخلوق ، خلقه الله بأمره حين قال له : ( قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (آل عمران:47) , كما قال تعالى : (كن) وقال : (كن) فكان عيسى بكلمة الله تعالى وقوله ( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ) (آل عمران:59 ) ،فكان عيسى بكلمة الله تعالى وقوله ( كن ) . فالكلمة (كن) لا عين عيسى ، والـمُكَوَّنُ بها هو عيسى عليه السلام.

    وبهذا أجاب غير واحد من الأئمة ، قال قتادة – وهو من أئمة التابعين في التفسير وغيره – قوله : ( بِكَلِمَةٍ مِنْهُ) (آل عمران: 45) ) قال : " قوله (كن) فسماه الله عز وجل كلمته ، لأنه كان عن كلمته كما يقال لما قدر الله من شيء : هذا قدر الله وقضاؤه ، يعنى به : هذا عن قدر الله وقضائه حدث " ([12]).


    الدليل السادس :

    القرآن ترد عليه سمات الحدوث والخلق ، وذلك من وجوه عدة :

    1. قال تعالى : (بدلنا) فأخبر عن وقوع النسخ فيه.
    2. هو حروف متعاقبة ، يسبق بعضها بعضاً.
    3. لا يكون إلا بمشيئة واختيار ، فيلزم منه أن تسبقه الحوادث ويتأخر عنها.
    1. له ابتداء وانتهاء وأول وآخر.
    2. هو متبعّض متجزّئ.
    3. منزل ، والنزول لا يكون إلا بحركة وانتقال وتحول.
    4. مكتوب في اللوح والمصاحف ، وما حُدَّ وحُصِرَ فهو مخلوق.

    وهذه الوجوه وما يشبهها صفات للمخلوق المحدث.

    الرد عليه :

    هذه المعاني جميعاً مبنية على أصلهم الذي ابتدعوه لإثبات خلق العالم وقدم الصانع ، وهو الاستدلال على حدوث العالم بطريقة الحركات ، فقالوا :

    لا يمكن معرفة الصانع إلا بإثبات حدوث العالم ، ولا يمكن حدوث العالم إلا بإثبات حدوث الأجسام ، والاستدلال على حدوث الأجسام إنما هو بحدوث الأعراض القائمة بها كالحركة والسكون .
    فهذا الأصل المبتدع هو الذي جرَّهم إلى القول بخلق القرآن ونفي الصفات والأفعال لله تعالى ([13]).

    ولو أنهم سلموا لنصوص الكتاب والسنة لكفتهم في ذلك ، ولانْتَشَلَتْهُ م من ورطة التعطيل ، فإن هذه أمور لا يُتوصَّل إليها بمجرد العقل ، والله تعالى قد أثبت أزليته وخلق العالم بأحسن البراهين وأقوى الحجج ، قال تعالى: ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ ) (الطور:35).
    وأصل المعتزلة الذي ابتدعوه أوقعهم في قياس صفة الخالق على المخلوق وصفته ، فإنهم إنما بنوا أصلهم على ما عهدوه في المخلوق من أحوالٍ وصفاتٍ ، فحَسِبُوا أن ذلك يلحق صفة من (ليس كمثله شيء) فقاسوا ما لم يحيطوا به علماً على ما حصلوه من الظنون والأوهام التي حَسِبوها غايةَ العلوم.

    وهذا من أعظم ما أدخله الشيطان – لعنه الله – من التلبيس على هؤلاء أن زين لهم ابتداعَ أصولٍ لم ترد في كتابٍ ولا سنةٍ فالتزموها والتزموا بسببها خلاف الشريعة ، فجعلوها الحاكم على الكتاب والسنة ، ومن تلك الأصول الفاسدة هذه الدعاوى المجردة عن البرهان مما هو َمْحُض العقولِ الزائفةِ ، القَفْرِ من نور الوحي.

    فكل ما أوردوه مما سموه (معقولاً) ليستدلوا به على خلق القرآن هو من قياسِ صفةِ الخالقِ على صفةِ المخلوقِ ، وهو كفرٌ باللهِ تعالى ، فإنه كما لا شِبْهَ له في ذاته فلا شِبْهَ له في صفاته .

    هذه أظهر ما استدل به الجهمية المعتزلة من الحجج (!) وأبينها وأقواها عندهم ، وقد بان لك زيفها وبطلانها ، وقارنها بما سبق ذكره من الأدلة لاعتقاد أهل السنة والجماعة ، يجلُ لك الحقُّ بذلك وتعلم استقامةَ منهجِ أهلِ السنةِ ، واتباعَ أهلِ البدعِِ للأهواءِ والظنونِ ، وصدق شيخ الإسلام – وهو بهم خبير – في قوله : " وليس مع هؤلاء عن الأنبياء قولٌ يوافقُ قولهم ، بل لهم شُبَهٌ عقليةٌ فاسدةٌ " ([14]).

    [1] - القاضي عبد الجبار : هو ابن أحمد بن عبد الجبار بن أحمد بن خليل ، العلامة المتكلم ، شيخ المعتزلة ،أبو الحسن الهمذاني صاحب التصانيف ، من كبار فقهاء الشافعية .ولي قضاء القضاة بالرَّي ، وتصانيفهكثيرة تخرَّج به خلق في الرأي الممقوت . مات في ذي القعدة سنة خمس عشرةوأربع مائة من أبناء التسعين .

    [2] - المغني في أبواب التوحيد والعدل للقاضي عبد الجبار ( 7 / 208 ).


    [3] - هو أبو القاسم محمود بن عمرو بن أحمد، الزمخشري الخوارزمي , ولقبه الأشهر هو " جار الله " , صاحب الالكشاف وصاحب الفائق وصاحب أساس البلاغة , ولد بـ "زمخشر" , يوم الأربعاء السابع والعشرين من شهر رجب سنه 467هـ , نشأ في بيت متدين , وطلب العلم ورحل في طلبه , وكان معتزلي الاعتقاد , رأساً في الاعتزال في زمانه , متظاهرا باعتزاله , داعيا إلى مذهبه.


    [4] - الكشاف للزمخشري . ط أولى مكتبة العبيكان1418هـ _ 1998 م : ( 2/ 151 ).


    [5] - الفخر الرازي : هو محمَّد بن عُمَر بن الحسن بن الحسين التَّيميّ البَكريّ ، الإمام فخر الدين الرازي ، ابن خطيب الري إمام المتكلمين ذو الباع الواسع في تعليق العلوم ، والاجتماع بالشاسع من حقائق المنطوق والمفهوم ، ولد سنة ثلاث وأربعين وقيل أربع وأربعين وخمسمائة , وكان أول أمره فقيراً ، ثم فتحت عليه الأرزاق , وانتشر اسمه وبعد صيته ، وقصد من أقطار الأرض لطلب العلم , وكانت له يد طولى في الوعظ باللسان العربي والفارسي ، ويلحقه فيه حال ، وكان من أهل الدين والتصوف وله يد فيه ، وتفسيره ينبىء عن ذلك , واشتهرت مصنفاته في الآفاق وأقبل الناس على الاشتغال بها ، ورفضوا كتب المتقدمين , ومن تصانيفه: التفسير ، والمطالب العالية ، ونهاية العقول ، والأربعين ، والمحصَّل ، والبيان ، والبرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان، والمباحث العمادية ، والمحصول ، وعيون المسائل ، وإرشاد النظار ، وأجوبة المسائل البخارية ، والمعالم ، وتحصيل الحق ، والزبدة ، وشرح الإشارات ، وعيون الحكمة ، وشرح الأسماء الحسنى ، وقيل : شرح مفصل الزمخشري في النحو ، ووجيز الغزالي في الفقه ، وسقط الزند لأبي العلاء , توفي الإمام رحمه الله بهراة في يوم الاثنين يوم عيد الفطر سنة ست وستمائة..


    [6]- خلق القرآن بين المعتزلة وأهل السنة للإمام الفخر الرازي , تحقيق / أحمد حجازي السقَّا ط دار الجيل _ بيروت ط : أولى سنة 1413هـ , 1992م.


    [7] - حديث جيد الإسناد . أخرجه أحمد ( 1 / 377 , 435 , 463 ) وأبو داود ( 924 ) والنسائي ( 3 / 19 ) عن عبد الله بن مسعود مرفوعا في قصة , وعلقه البخاري في "الصحيح"(13 / 496 ) .

    [8] - " خلق أفعال العباد " ص 37.

    [9] - " الاختلاف في اللفظ " ص 234 – 235 (عقائد السلف).

    [10] - " مجموع الفتاوى " 12 / 522.

    [11] - " مجموع الفتاوى " 8 / 412.

    [12] - رواه ابن جرير 3 / 269 بسند صحيح.

    [13] - انظر : " درء التعارض " 2 / 99.

    [14] - " مجموع الفتاوي " 12 / 48 .

  5. #5

    افتراضي رد: بحث "كلام الله تعالى بين أهل السنة والمعتزلة "

    المبحث الثاني
    المعتزلة في ميزان أئمة السنة
    سبق ذكر اعتقاد المعتزلة الجهمية في كلام الله , وما شبهوا به على الناس , وضربوا نصوص القرآن بعضها ببعض , وحرفوا معاني التنزيل , ووصفوا ربهم تعالى بالعيوب والنقائص , وحكموا على دينه بالأهواء والظنون , وحملوا الناس على ذلك رغبة ورهبة , وصدوهم عن الهدى إلا من ثبته الله تعالى , وتركوا فتنتهم لتفتح على الأمة أبواباً من الشر والبدعة لم تغلق إلى يوم الناس هذا , وقد اتفق أهل الحق من سلف الأمة وأئمتها على أن هؤلاء من شر طوائف أهل البدع , قال شيخ الإسلام : " حتى أخرجهم كثير عن الثنتين والسبعين فرقة "([1]) , وهذا معناه إخراجهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم , وقد تواترت النصوص عن الأئمة الأعلام في تكفيرهم ومجانبتهم وعدم موالاتهم , وأسوق هنا نبذا من ذلك :
    1. سفيان الثوري (أمير المؤمنين في الحديث) :
    قال : " من قال : إن (قل هو الله أحد) مخلوق ، فهو كافر " ([2])

    2. مالك بن أنس (إمام دار الهجرة) :
    قال رحمه الله : " من قال : القرآن مخلوق يستتاب ، فإن تاب وإلا ضربت عنقه " ([3])

    3. عبد الله بن المبارك (الإمام العلم) :
    كان يقول : " الجهمية كفار " ([4])

    4. معتمر بن سليمان ، حماد بن زيد ، يزيد بن زريع (محدثون ثقات أصحاب سنة) :
    قال فطر بن حماد (شيخ صدوق) : سألت معتمر بن سليمان فقلت : يا أبا محمد ، إمام لقوم يقول : القرآن مخلوق ، أُصلِّي خلفه؟ فقال : " ينبغي أن تضرب عنقه ".
    قال فطر : وسألت حماد بن زيد فقلت : يا أبا إسماعيل ، لنا إمام يقول : القرآن مخلوق ، أُصلِّي خلفه؟ قال: " صَلِّ خلف مسلم أحبُّ إليَّ "

    وسألت يزيد بن زريع فقلت : يا أبا معاوية ، إمام لقوم يقول : القرآن مخلوق ، أُصلِّي خلفه؟ قال : " لا، ولا كرامة " ([5])

    5. عبد الله بن أدريس الأوْدي (من أئمة المسلمين ثقة عابد) :
    قال يحيى بن يوسف الزِّمّيُّ (وكان ثقة عدلاً) : كنا عند عبد الله بن أدريس ، فجاءه رجل فقال : يا أبا محمد ، ما تقول في قوم يقولون : القرآن مخلوق؟ فقال : " أمن اليهود؟ " قال : لا ، قال : " فمن النصارى؟ " قال : لا ، قال : " فمن المجوس؟ " قال : لا ، قال : " فممن؟ " قال : من أهل التوحيد ، قال : " ليس هؤلاء من أهل التوحيد ، هؤلاء الزنادقة ، من زعم أن القرآن مخلوق فقد زعم أن الله مخلوق ، يقول الله : (بسم الله الرحمن الرحيم) فالله لا يكون مخلوقاً ، والرحمن لا يكون مخلوقاً ، وهذا أصل الزنادقة ، من قال هذا فعليه لعنة الله ، لا تجالسوهم ، ولا تناكحوهم " ([6])

    6. أبو بكر بن عياش (إمام عدل محدِّث مكثر) :
    قال : " من زعم لك أن القرآن مخلوق فهو عندنا كافر زنديق عدو لله ، لا تجالسه ، ولا تكلمه " ([7])

    7. وكيع بن الجراح (ثقة حافظ حجة) :
    قال : " أما الجهمي فإني أستتيبه ، فإن تاب وإلا قتلته " ([8])

    8. سفيان بن عيينة (إمام حجة فقيه) :
    قال : " القرآن كلام الله عز وجل ، من قال : مخلوق ، فهو كافر ، ومن شك في كفره فهو كافر " ([9])

    9. عبد الرحمن بن مهدي (علم ، من أثبت المحدِّثين وأحفظهم) :

    قال : " لو كان لي من الأمر شيء لقمت على الجسر ، فلا يمر بي أحد إلا سألته عن القرآن ، فإن قال : إنه مخلوق ، ضربت رأسه ورميت به في الماء " ([10])
    وقيل له : إن الجهمية يقولون : إن القرآن مخلوق ، فقال : " إن الجهمية لم يريدوا ذا ، وإنما أرادوا أن ينفوا أن يكون الرحمن على العرش استوى ، وأرادوا أن ينفوا أن يكون الله تعالى كلم موسى ، وقال الله تعالى : (وكلم الله موسى تكليما) [النساء : 164] ، وأرادوا أن ينفوا أن يكون القرآن كلام الله تعالى ، أرى أن يستتابوا ، فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم " ([11])

    10. أنس بن عياض أبو ضمرة الليثي (محدِّث ثقة صدوق) :
    قال إسحاق بن البهلول (ثقة عالم) : قلت لأنس بن عياض أبي ضمرة : أصلي خلف الجهمية؟
    قال : " لا (ومن يبتغ غير الإسلام ) " ([12])

    11. يزيد بن هارون (إمام في السنة ثبت حجة حافظ) :
    قال : " من قال : القرآن مخلوق ، فهو كافر " ([13])

    12. هشام بن عبد الملك الطيالسي (حافظ حجة) :
    قال : " من لم يعقد قلبه على أن القرآن ليس بمخلوق ، فهو خارج من الإسلام " ([14]).

    13. يحيى بن معين (العلم ، إمام أهل الحديث) :
    قال : " من قال : القرآن مخلوق ، فهو كافر " ([15]).


    14. أبو عبد الله أحمد بن حنبل (إمام أهل السنة) :

    والنقل عنه في تكفيرهم ، ومجانبتهم ، وترك الصلاة خلفهم ، والكشف عن مساوئهم ، لا يدخل تحت الحصر ، فمن ذلك :
    قال محمد بن يوسف (وكان ثقة) : سمعت رجلاً سأل أحمد بن حنبل ، فقال : يا أبا عبد الله ، أصلي خلف من يشرب المسكر؟ فقال : " لا " قال : فأصلي خلف من يقول : القرآن مخلوق؟
    فقال : " سبحان الله ، أنهاك عن مسلم ، وتسألني عن كافر !! " ([16]).

    15. أحمد بن صالح المصري (إمام ثبت حافظ) :
    قال أبو داود : سألت أحمد بن صالح عمن قال : القرآن مخلوق ، فقال : " كافر " ([17]).

    16. هارون بن موسى (ثقة صاحب سنة) :
    قال : " لم أسمع أحداً من أهل العلم بالمدينة وأهل السنن إلا وهم ينكرون على من قال : القرآن مخلوق ويكفرونه " ، قال هارون : " وأنا أقول بهذه السنة " ([18]).

    17. محمد بن إسماعيل البخاري (العلم ، صاحب الصحيح) :
    قال : " نظرت في كلام اليهود والنصارى والمجوس ، فما رأيت أضل في كفرهم منهم – يعني الجهمية – وإني لأستجهل من لا يكفرهم إلا من لا يعرف كفرهم " ([19]).

    18. أبو حاتم محمد بن إدريس ، وأبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم الرازيان (إماما الجرح والتعديل) :
    قالا : " ومن زعم أن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم كفراً ينقل عن الملة ، ومن شك في كفره ممن يفهم فهو كافر " ([20]).

    19. محمد بن إسحاق بن خزيمة (إمام الأئمة) :

    قال : " القرآن كلام الله غير مخلوق ، فمن قال إن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم ، لا تقبل شهادته، ولا يعاد إن مرض ، ولا يصلى عليه إن مات ، ولا يدفن في مقابر المسلمين ، ويستتاب ، فإن تاب وإلا ضربت عنقه "([21]).



    فهذه بعض أحكام الأئمة الأعلام في حق المعتزلة الجهمية ، تبين لك عن فرقان بين الحق والباطل ، والكفر والإيمان ، وهؤلاء الأعلام من سادة أئمة السلف الذين كانوا أسوة الناس الذين يفزع إليهم الناس في كشف الشبهات وإبانة الحق من دينهم.


    ولقد وقع في كلام بعض الأئمة تكفير بعض أعيان الجهمية ، فكفَّر جماعة من السلف الجعد بن درهم – أصل هذه الفتنة – وآخرون جهم بن صفوان – رأسها – وآخرون بشراً المريسي – المنافح عنها – وكفر الشافعي رحمه الله حفصاً الفرد – أحدَ دعاتهم – وهَمَّ بقتله.

    فإن قيل : أليسوا يشهدون أن لا إله إلا الله؟
    قلنا : بلى ، ولكنهم نقضوها بقولهم : مخلوقة ، ونقضوها بتكذيب القرآن ، وبنفي صفات رب العالمين ، ووصفه بالعجز والنقص ، بل وصفه بالعدم ، فأي توحيد بعد هذا؟!

    فإن قيل : هذا الإمام أحمد رحمه الله وهو من أشد الناس في هذه المسألة ، ولقَِيَ بسببها ما لقي ، لم يكفّر المأمون ، ولا المعتصم ، ولا الواثق ، بل ربما دعا لبعضهم ، وأقر بإمْرة المؤمنين ، وكانوا حملة راية الفتنة بخلق القرآن ، فلو كان كفراً مخرجاً من الإسلام لما دعا ، أو عفا ، أو أقر بإمرة المؤمنين.

    قلنا : هذا جهل من المعترض بحقيقة الأمر ، فإن إطلاق التكفير ليس كتعيينه ، إن الحكم به على المعيّن قد يتخلف لمعنى ، كتأويل ، أو جهل ، أو إكراه ، فإنه يقال : من قال كذا كفَر ، ومن اعتقد كذا فهو خارج من الإسلام ، وليس معناه أنّا إذا وجدنا مسلماً وقع في ذلك استحق وصف الكفر به ، حتى نعلم يقيناً أن قد بلغته الحجة الشرعية التامة الواضحة ، فانتفى جهله بذلك ، ولم يبق في نفسه نوع تأويل ، وهذا أمر يعسر في الغالب ، ولذا لم يكن من هدي السلف تكفير المعين حتى يوجد مقتضى التكفير وتنتفي موانعه ، ألست ترى تكفيرهم للجعد وجهم والمريسي؟ كفروهم بأعيانهم لانتفاء الجهل والتأويل ، لما تضمنت أقوالهم من صراحة الكفر ، وألست ترى تكفير الشافعي رحمه الله حفصاً الفرد؟ كان بعد مناظرة وبيان ، فقامت عليه الحجة ، وانتفى أن يكون له حجة ، فلم يقع الشافعي في حرج من تكفيره بعينه.

    والله المستعان , وعليه التكلان , ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

    *** *** ***
    المصادر والمراجع :

    هذه بعض المصادر والمراجع التي استقيت منها مادة هذا البحث :

    1 – العقيدة السلفية في كلام رب البرية . تأليف : الشيخ عبد الله بن يوسف الجديع .
    2 – البدعة الكبرى .
    3 – شرح العقيدة الطحاوية . شرحها : ابن أبي العز الحنفي .
    4 – كتاب السنة والرد على الجهمية . لعبد الله بن الإمام أحمد .
    5 – الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية . للإمام ابن القيم .
    6 – صحيح البخاري . للإمام محمد بن إسماعيل البخاري .
    7 – صحيح مسلم . للإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري .
    8 – البداية والنهاية . للحافظ ابن كثير .

    إلى غير ذلك من المراجع.

    والله الموفق للصواب

    [1] - " مجموع الفتاوي " 12 / 524.

    [2] - رواه عبد الله رقم 13 بسند جيد.

    [3] - رواه ابن أبي حاتم – كما في " السنة " لابن الطبري رقم 495 – بسند صالح.

    [4] - رواه عبد الله رقم 15 بسند صحيح.

    [5] - رواه عبد الله في السنة رقم 42 بسند حسن.

    [6] - رواه البخاري في (خلق أفعال العباد) رقم 5 ، وعبد الله بن أحمد في (السنة) رقم 29 بسند صحيح ، وكذا رواه الآجري في (الشريعة) ص 78.

    [7] - رواه أبو داود في (المسائل) ص 267 والآجري ص 79 بسند صحيح.

    [8] - رواه عبد الله في (السنة) رقم 31 بسند صحيح.

    [9] - رواه عبد الله رقم 25 بسند صحيح.

    [10] - رواه عبد الله رقم 46 ، وأبو داود ص 267 ، والآجري في (الشريعة) ص 80 بسند صحيح.

    [11] - رواه البيهقي في (الأسماء والصفات) ص 249 بسند صحيح.

    [12] - رواه عبد الله رقم 72 عن إسحاق به.

    [13] - رواه عبد الله في (السنة) رقم 52 بسند جيد.

    [14] - رواه أبو داود في (المسائل) ص 266 بسند صحيح.

    [15] - رواه عبد الله في (السنة) رقم 68 بسند جيد.

    [16] - رواه الآجري في (الشريعة) ص 81 بسند صحيح.

    [17] - رواه أبو داود في (المسائل) ص 268.

    [18] - رواه الآجري في (الشريعة) ص 78 – 89 بسند صحيح.

    [19] - (خلق أفعال العباد) رقم 35.

    [20] - رواه اللالكائي في (السنة) 1 / 178 بسند صحيح.

    [21] - رواه أبو عثمان الصابونى في (الرسالة) نص / 7 بسند صحيح.

  6. #6

    افتراضي رد: بحث "كلام الله تعالى بين أهل السنة والمعتزلة "

    تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2009
    الدولة
    ليبيا
    المشاركات
    1,389

    افتراضي رد: بحث "كلام الله تعالى بين أهل السنة والمعتزلة "

    حفظكم الله

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •