الحمد لله وحده.
أما بعد، فبينا أنا أصلي خلف الإمام، إذ مرّ بي قول الله تعالى في سورة البقرة: ((الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)) [البقرة : 275] فقذف الله في روعي أن في هذه الآية دليلا على حجية القياس، ولا أدري إن كنت قد سُبقت إلى هذا الاستدلال أم لا. وذلك في قوله عز وجل: "ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا" فهنا ردّ من رب العزة تبارك وتعالى على الذين مثَّلوا الربا بالبيع، فحكموا عليه بحكم البيع قياسا. فتأملت كيف أنه سبحانه لما أجابهم، لم يبطل أصل القياس في الأحكام، وإنما أبطل هذا القياس بعينه، فقرر سبحانه أنه أحل البيع وحرم الربا، ولذا فلا مجال لقياس الربا على البيع. وعليه فبالمفهوم نقول، لولا أن حرم الله الربا، لكان لقياسهم ذاك حظ من النظر، للتشابه الظاهر بين الربا والبيع، ولكانت علة القياس: أجر نظير منفعة. فبين الله تعالى أن سبب بطلان هذا القياس أنه سبحانه قد حرّم الربا. ولو كان مطلق القياس باطلا – كأصل عقلي لاستنباط الأحكام – لما جاز أن يَحتج عليهم في إبطال قياسهم بكون الربا قد حرِّم، ولا يبين أن القياس نفسه باطل ومحرم أصلا! فليس من تمام الحجة ولا من كمال البيان أن يقصد المولى جل وعلا إلى الفرع فيبطله ويسكت عن الأصل مع كون بطلان ذلك الأصل وفساده أخطر من بطلان الفرع، وأدعى للتقرير والبيان، ومع كون تقريره في هذا المقام أقوى وأبلغ في المحاججة..
هذا والله أعلى وأعلم، والحمد لله رب العالمين.