ايها الاحبه وجدت هذا البحث ورأيت فيه تقرير مسألة حكم تلقين الميت على خلاف المشهور عند علمائنا المعاصرين , فارجو النقاش العلمي حول هذه المسأله , وهذا البحث من
إعداد : محمد حبيب الفندي

رأينا بعض الإخوة إذا ما حضروا دفن ميت من المسلمين ورأوا أحدا من المسلمين يلقنه بعد دفنه فإنهم يعترضون ويهمهمون ويدمدمون قائلين إن ذلك بدعة ..
والآن نريد أن نرى قول أهل السنة والجماعة في حكم تلقين الميت .

نبدأ في البداية فنسمع فتوى ابن تيمية رحمه الله :
وسئل ـ رحمه اللّه ـ مفتي الأنام، بقية السلف الكرام، تقي الدين بقية المجتهدين، أثابه اللّه وأحسن إليه عن تلقين الميت في قبره بعد الفراغ من دفنه، هل صح فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو عن صحابته‏؟‏ وهل إذا لم يكن فيه شيء يجوز فعله أم لا ‏؟‏
فأجاب‏:‏
هذا التلقين المذكور قد نقل عن طائفة من الصحابة‏:‏أنهم أمروا به، كأبي أمامة الباهلي، وغيره‏.‏ وروي فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه مما لا يحكم بصحته، ولم يكن كثير من الصحابة يفعل ذلك، فلهذا قال الإمام أحمد وغيره من العلماء‏:‏ إن هذا التلقين لا بأس به، فرخصوا فيه، ولم يأمروا به‏.‏ واستحبه طائفة من أصحاب الشافعي، وأحمد، وكرهه طائفة من العلماء من أصحاب مالك، وغيرهم‏.‏
/والذي في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه كان يقوم على قبر الرجل من أصحابه إذا دفن، ويقول‏:‏ ‏(‏سلوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل‏)‏‏.‏ وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏لقنوا أمواتكم لا إله إلا اللّه‏)‏‏.‏ فتلقين المحتضر سنة، مأمور بها‏.‏
وقد ثبت أن المقبور يسأل، ويمتحن، وأنه يؤمر بالدعاء له‏.‏ فلهذا قيل‏:‏ إن التلقين ينفعه، فإن الميت يسمع النداء‏.‏ كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏إنه ليسمع قرع نعالهم‏)‏، وأنه قال‏:‏ ‏(‏ما أنتم بأسمع لما أقول منهم‏)‏، وأنه أمرنا بالسلام على الموتي‏.‏ فقال‏:‏ ‏(‏ما من رجل يمر بقبر الرجل كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد اللّه روحه حتى يرد عليه السلام‏)‏‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

وسئل ـ رحمه اللّّه‏:‏ هل يجب تلقين الميت بعد دفنه أم لا ‏؟‏ وهل القراءة تصل إلى الميت‏؟‏
فأجاب‏:‏
تلقينه بعد موته ليس واجباً بالإجماع‏.‏ ولا كان من / عمل المسلمين المشهور بينهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه‏.‏ بل ذلك مأثور عن طائفة من الصحابة، كأبي أمامة، وواثلة بن الأسقع‏.‏
فمن الأئمة من رخص فيه كالإمـام أحمد‏.‏ وقد استحبه طائفة من أصحابه، وأصحاب الشافعي‏.‏ ومن العلماء من يكرهه لاعتقاده أنه بدعة‏.‏ فالأقـوال فيه ثلاثة‏:‏ الاستحباب، والكراهة، والإباحة، وهذا أعدل الأقوال‏.‏
فأما المستحب الذي أمر به وحض عليه النبي صلى الله عليه وسلم فهو الدعاء للميت‏.‏
وأما القراءة على القبر، فكرهها أبو حنفية، ومالك، وأحمد في إحدي الروايتين‏.‏ ولم يكن يكرهها في الأخري‏.‏ وإنما رخص فيها لأنه بلغه أن ابن عمر أوصي أن يقرأ عند قبره بفواتح البقرة، وخواتيمها‏.‏ور ي عن بعض الصحابة قراءة سورة البقرة‏.‏ فالقراءة عند الدفن مأثورة في الجملة، وأما بعد ذلك فلم ينقل فيه أثر‏.‏ واللّه أعلم‏.‏
وسئل‏:‏ هل يشرع تلقين الميت الكبير والصغير أو لا ‏؟‏ فأجاب‏:‏
وأما تلقين الميت، فقد ذكره طائفة من الخراسانيين من أصحاب الشافعي، واستحسنوه ـ أيضاً ـ ذكره المتولي والرافعي، وغيرهما‏.‏ وأما الشافعي نفسه، فلم ينقل عنه فيه شيء‏.‏
ومن الصحابة من كان يفعله ـ كأبي أمامة الباهلي، وواثلة بن الأسقع ـ وغيرهما من الصحابة‏.‏
ومن أصحاب أحمد من استحبه‏.‏ والتحقيق أنه جائز، وليس بسنة راتبة‏.‏ واللّه أعلم‏.‏
وسئل عن الختمة التي تعمل على الميت، والمقرئين بالأجرة‏.‏ هل قراءتهم تصل إلى الميت‏؟‏
وطعام الختمة يصل إلى الميت أم لا ‏؟‏ وإن كان / ولد الميت يداين لأجل الصدقة إلى الميسور‏:‏ تصل إلى الميت ‏؟‏
فأجاب‏:‏
استئجار الناس ليقرؤوا، ويهدوه إلى الميت، ليس بمشروع، ولا استحبه أحد من العلماء، فإن القرآن الذي يصل ما قرئ للّه‏.‏ فإذا كان قد استؤجر للقراءة للّه، والمستأجر لم يتصدق عن الميت، بل استأجر من يقرأ عبادة للّه ـ عز وجل ـ لم يصل إليه‏.‏
لكن إذا تصدق عن الميت على من يقرأ القرآن، أو غيرهم، ينفعه ذلك باتفاق المسلمين‏.‏ وكذلك من قرأ القرآن محتسباً، وأهداه إلى الميت، نفعه ذلك‏.‏ واللّه أعلم‏.‏

ـ روى مسلم والترمذي وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه : " لقنوا موتاكم لا إله إلا الله " .

ـ وروى مسلم والبيهقي وأحمد وغيرهم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال: إنّ الروح إذا قبض تبعه البصر" فصاح ناس من أهله، فقال: " لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمّنون على ما تقولون "، ثم قال: " اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين، وأخلفه في عقبه في الغابرين، واغفر لنا وله يا رب العالمين، اللهم افسح له في قبره ونوّر له فيه ".

( ويستحب تلقين الميت عقب دفنه، فيجلس عند رأسه إنسان ويقول: يا فلان ابن فلان، ويا عبد الله ابن أمة الله، اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا، شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق، وأن النار حق، وأن البعث حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور، وأنك رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمدٍ صلى الله عليه وسلم نبياً، وبالقرءان إماما، وبالكعبة قبلة، وبالمؤمنين إخوانا) . ذكره النووي في المجموع شرح المهذب كتاب الجنائز
ومن الأدلة على جواز التلقين ما رواه الطبراني عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: إذا أنا مت فاصنعوا بي كما أمرنا أن نصنع بموتانا فقال صلى الله عليه وسلم :" إذا مات أحدٌ من إخوانكم فسويتم عليه التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب ثم يقول: يا فلان ابن فلانة فإنه يستوي قاعداً ثم يقول: يا فلان ابن فلانة فإنه يقول: أرشدنا رحمك الله ولكن لا تشعرون فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، وأنك رضيت بالله ربّاً، وبالإسلام دينا ، وبمحمدٍ نبياً وبالقرءان إماما فإن منكرا ونكيرا يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه فيقول: انطلق بنا ما يقعدنا عند من لقن حجته، فقال رجل: يا رسول الله فإن لم يعرف أمه، قال عليه الصلاة والسلام: " ينسبه إلى أمه حواء يا فلان ابن حواء

قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في كتابه التلخيص الحبير (المطبوع في أسفل كتاب المجموع للنووي في ج5/243): "وإسناده صالح وقد قواه الضياء في أحكامه (الضياء هو أحد الحفاظ)".
انتهى كلام ابن حجر والذي بين أقواس من إضافتنا للتوضيح، فها هو ابن حجر يحكم على إسناد هذا الحديث أنه صالح، وكفى بابن حجر حاكما في أسانيد الحديث.
وفي هذا الحديث دليل على جواز التلقين الذي تعارف الناس عليه منذ عهد السلف الصالح ولم ينكره إلا قليل قد ظهروا في هذا الزمان همهم التضييق على المسلمين وتغريبهم عن دينهم، أعاذنا الله من ذلك.