بسم الله الرحمن الرحيم
من السنن الحسنة في زماننا هذا تتابع كثير من أهل السعة والفضل على نشر الكتب وتوزيعها.. إما عن طريق الجهات الحكومية أو المؤسسات الخيرية..
هذا الجهد والبذل مما يفرح به المسلمون ويدعون لأهله بالخير والخلَف..
لكن.. يبقى السؤال الكبير الذي يحتاج إلى النظر والتأمل:
هل تذهب الكتب إلى من يستحقها وينتفع بها كما أراد المحسنون -أحسن الله إليهم-؟!
الجواب المختصر: ليس كلها بل ولا أكثرها!!
والجواب المفصّل:
_كثير من طلاب العلم لا يحصلون على شيء منها.. لأنهم ليسوا على شرط الجهة الموزّعة..
_وكثير منهم يتورّعون عن أخذها.. خشية عدم القيام بحقها وقراءتها..
_وبعضهم لا يحب أن يأخذ شيئاً دون ثمن وهو يملك ثمنه.. وأعرف بعض من يفعل ذلك..
_ومنهم من يفوته وقت توزيعها..
_وكثير من طلاب العلم الكبار لا يمكنه الحصول على شيء منها لأنه ليس من بلدنا -وإن كان من أحبابنا المقيمين عندنا-..
وفي المقابل يأخذها حملة الشهادات وإن لم يكن بعضهم ممن يستحقها أو ينتفع بها، ومنهم من لو بيعت تلك الكتب بنصف أثمانها ما اشتراها لأنه لن ينظر فيها، ومن يريدها منهم فلن يعجزه ثمنها لأنه من حملة الشهادات..
وكثير منها يسرّبه العاملون في تلك الجهات إلى الأقارب والمعارف..
وكثير منها يأخذ طريقه من مخازن الوزارة إلى مكتبات الكتاب المستعمل لبيعها!!
فيذهب أكثر المال المبذول من قبل المحسنين هدراً إلى غير ما كانوا يرجون وهم لا يدرون، نسال الله أن لا يحرمهم أجر ما قصدوا من الخير..
ومما رأيت وسمعت:
_ أخبرني بعض أصحاب مكتبات الكتاب المستعمل، أن كتب وزارات الشؤون الإسلامية تأتيهم بكثرة! فما تلبث عندهم يوماً أو يومين إلا وقد بيعت بثمن مرتفع لشدة طلب الناس عليها.
_ ومنهم من حدثني أن سيارة (ونيت) محملة بالكامل من كتب الوزارة جاءتهم مباشرة من مخازن الوزارة واشتروا حمولتها، ورأيتُ أنا بعض بقاياها..
_ ورأيت بعض كتب الوزارات تباع بأسعار ثقيلة على طلاب العلم في تلك المكتبات لأنها تعلم أن الحصول عليها عسير على الكثير..
_ وأخبرني بعض الإخوة أنه أهدي إليه كتاب من أحد جماعة المسجد، دون أن يطلبه منه.. وهو كتاب في التفسير كبير _توزعه إحدى الجامعات حالياً_ ولا يباع..
_ وحُدِّثت أن فلاناً وفلاناً من الناس عنده عدة نسخ! من كتاب كذا وكذا مما توزعه تلك الوزارة جعلها زينة على أرفف مكتبته أو في مجلسه..
_ ورأيت في إحدى الاستراحات مجموعة الكتب التي جعلت في كرتون ورميت في مكان قصي وكادت تتلف من الغبار وبعض ماء الأمطار..
....
فلِم تتعب تلك الجهات نفسها باستئجار المخازن والمستودعات وتوظيف العاملين لتنظيم عملية التوزيع، ثم الدخول في نزاع من يستحق ومن لا يستحق.. إذا كانت هذه هي النتيجة؟!
ولِم تحتكر بعض الوزارات حقوق بعض الكتب وتمنعها من يريدها ولو بثمنها، ولا تسمح ببيع نسخ منها في المكتبات ما دامت تريد نشر العلم..!!؟؟
وحتى الكتب التي تباع بعض نسخها تجدها بأثمان مرتفعة لأن كمياتها قليلة!
ومن ندرتها يعمد بعض التجار إلى تصويرها وتجليدها وبيعها بأَضعاف أضعاف..!
فيا أحبابنا في جهات التوزيع ويا مسؤولينا ويا تجارنا.. إن خير سبيل لنشر هذه الكتب.. أن تُدعم أسعارها وتباع في المكتبات التجارية بكميات كبيرة وأسعار مخفضة (مطبوعة عليها).. وعند ذلك أجزم أن كل نسخة طُبعت ستأخذ طريقها إلى من يستحقها إن شاء الله، وسوف تكون كميات الكتب المطبوعة لهذا الغرض الطيب بهذه الطريقة أضعاف ما يتم توزيعه بالمجان، لأن أكثر القيمة سيرجع فيُدعم به طبعات أخرى من الكتاب.. ويصل توزيعها إلى جميع طلاب العلم حتى في البلاد التي لا تنتمي إليها تلك الجهات الموزعة..
ولكم في فعل بعض التجار الذين سلكوا هذا المسلك خير مثال..
ومن أراد أن يحجز لنفسه فوق ذلك نسخاً ليوزعها فالأمر إليه لكن لا تُحجز جميع الكميات للتوزيع الخيري ويُحرم منها من يريدها..
المهم أن لا تكون هذه الكتب المجانية ألعوبة في يد سماسرة الكتاب المستعمل أو الموظفين والمتنفّذين الذين يتقربون إلى معارفهم بكتب لم يدفعوا ريالاً واحداً من قيمتها..
أو تصبح كقطعة من الأثاث تجمل بها مجالس من أخذها وهو يستحقها..
فتأملوا يا رعاكم الله..