" خَرَّجَ الإمامُ أحمدُ وأبُو دَاوُدَ والتِّرمذيُّ والنَّسائِيُّ وابنُ ماجَهْ وابنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ والحاكِمُ مِن حديثِ العَلاءِ بنِ عبد الرَّحمن، عن أبِيهِ عن أبي هُرَيرةَ عن النَّبِيِّ
قال:
« إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُوْمُوا حَتَّى رَمَضَانَ » ، وصحَّحَهُ التِّرمِذِيُّ وغَيرُهُ.
واخْتلفَ العُلماءُ فِي صِحَّةِ هَذا الحَدِيثِ، ثُمَّ في العَمَلِ به؛ فَأمَّا تصحِيحُهُ فَصَحَّحَهُ غَيرُ وَاحدٍ مِنهُم التِّرمِذِيُّ وابنُ حِبَّانَ والحَاكِمُ والطَّحَاوِيُّ وابْنُ عبدِ البر، وَتَكَلَّمَ فِيهِ مَنْ هُوَ أكْبَرُ مِن هَؤُلاءِ وَأعْلَمُ، وَقَالُوا :
هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ؛ مِنْهُم عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مَهدِي، والإِمامُ أَحْمَدُ وأبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ، والأَثْرَمُ.
وَقالَ الإمامُ أحمدُ : لَم يَرْوِ العَلاءُ حَدِيثًا أَنْكَرَ مِنْهُ، وَرَدَّهُ بِحَدِيثٍ :
« لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ » فإنَّ مَفْهُومَهُ جَوَازُ التَّقَدُّم بِأَكْثَرَ مِن يَوْمَيْنِ. وَقالَ الأَثْرَمُ : الأَحَادِيثُ كُلُّهَا تُخَالِفُهُ؛ يُشِيرُ إِلَى أَحَادِيثِ صِيَامِ النَّبِيِّ
شَعْبَانَ كُلَّهُ وَوَصْلِهِ بِرَمَضَانَ، وَنَهيهِ عَن التَّقَدُّمِ عَلَى رَمَضَانَ بِيَوْمَيْنِ، فَصَارَ الحَدِيثُ حينئذ شَاذًّا مُخَالِفًا لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيْحَةِ.
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ : هُوَ مَنْسُوخٌ،
وحَكَى الإِجْمَاعَ عَلَى تَرْكِ العَمَلِ بِهِ. وَأَكْثَرُ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ لا يُعْمَلُ بِهِ، وَقَد أَخَذَ بِهِ آخَرُونَ؛ مِنْهُم الشَّافِعِيُّ وأَصْحَابُهُ، ونَهَوْا عَن ابْتِدَاءِ التَّطَوُّعِ بِالصِّيَامِ بعد نصْفِ شَعْبَانَ لِمَنْ لَيْسَ لَهُ عَادَةٌ، وَوَافَقَهُم بَعضُ المُتَأَخِرِينَ مِن أَصْحابِنَا.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي عِلَّةِ النَّهِي، فَمِنهُم مَن قَالَ: خَشيةَ أَنْ يُزَادَ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَهَذا بَعِيدٌ جِدًّا فِيمَا بَعْدَ النِّصْفِ، وَإنَّمَا يُحْتَمَلُ هَذَا فِي التَّقدمِ بِيَومٍ أو يَوْمَيْنِ.
وَمِنْهُم مَن قالَ : النَّهي للتَّقوِّيِ عَلَى صِيَامِ رَمَضَانَ شَفَقَةً أَن يضعفَهُ ذلك عَن صِيَامِ رَمَضَانَ؛ وَرُوِيَ ذَلكَ عَن وَكِيْعٍ.
وَيَرُدُّ هَذَا صِيَامُ النَّبِيِّ
شَعْبَانَ كُلَّهُ أَو أَكْثَرَهُ وَوَصْلُهُ بِرَمَضَانَ. هَذا كُلُّهُ فِي الصِّيامِ بَعدَ نصْفِ شَعْبَانَ."
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــ
[ فائدة ] :
* جاءَ في سُؤَلاتِ أَبِي دَاوُدَ ( ص 434 ، 2002 ) : سَمِعتُ أحمدَ ذُكِرَ حَدِيثُ العَلاءِ بنِ عبدِ الرَّحمن، عَن أَبِيهِ ، عن أَبِي هُرَيْرَةَ :
« أَنَّ النَّبيَّ كانَ إذا دَخَلَ النِّصْفُ مِن شَعْبانَ أَمْسكَ عَن الصَّوْمِ »؟ ، فَقالَ : كَانَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ مَهدِي لَم يحدثنا بِهِ ، لأنَّ عن النَّبيِّ
خِلافُهُ، يعني : حَدِيث عائشةَ وأُمِّ سَلَمَةَ :
« أنَّ النَّبِيَّ كانَ يَصومُ شَعبانَ »، قالَ أَحْمَدُ : هَذا حديثٌ مُنْكَرٌ ـ يعني حديث العَلاءِ هذا.
* ذكر الإمامُ ابنُ قُدامةَ في " المغني " (ج 3 ص 327) أن الإمامَ أحمدَ قالَ عن حديث العلاء :
" لَيْسَ هُوَ بِمَحْفُوظٍ . وَسَأَلْنَا عَنْهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ مَهْدِيٍّ ، فَلَمْ يُصَحِّحْهُ ، وَلَمْ يُحَدِّثْنِي بِهِ ، وَكَانَ يَتَوَقَّاهُ . قَالَ أَحْمَدُ : وَالْعَلاءُ ثِقَةٌ لا يُنْكَرُ مِنْ حَدِيثِهِ إلا هَذَا ...".اهـ.