قال الحافظ :
عند شرحه حديث (( أمرتُ أن أقاتلالناس حتى يقولوا لا إله إلا الله 000)) رقم [6924و6925] قال في ((فتح الباري)) [12/279] : ((وفيه منع قتل من قال لا إله إلاَّ الله ولو لم يزد عليها ، وهو كذلكلكن هل يصير بمجرد ذلك مسلماً ؟؟ الراجح لا ، بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر فانشهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه ، وإلى ذلك الاشارة بالإستثناءبقوله (( إلاّ بحق الإسلام )) . )) .أهـ .
مـــن كلام الحافظ يظهــر :
أ ـ يحكم بالإسلام لمجرد التلفظ بالشهادتين ومعلوم أنذلك بشرط مالم يقترن مع تلفظه مايدل على بقائه على الشرك.
ب ـ ولكن هل بالشهادتين فقط يعصم دمه ومالهويكون مسلماً ؟ الحافظ قال : (( لا )) حتى يلتزم أحكام الإسلام مثل الصلاة والزكاةوالصيام والحج والتي هي من حق الإسلام ، حيث بيَّن قبلُ في [12/277] معنى (( حقالإسلام )) فقال : ((فمهما ثبت أنه من حق الإسلام تناوله )).أهـ ونحوه قال في [1/76] وانظر ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب الحديث الثامــن [ص84-86] لـ(( إِلاَّ بحق الإسلام)) .
ج ـوماقاله الحافظ هو الذي عليه العمل عند السلف الصالح ، قال الإمام ابن تيمية في(( الفتاوى))[7/258] : (( الاعراب وغيرهم كانوا إذا اسلموا على عهد النبيr ألزموا بالأعمالالظاهرة : الصلاة ، والزكاة والصيام والحج ،ولم يكن أحد يترك بمجرد الكلمة )) . أهـ . ونحو قول الإمام ابن تيمية قال الحافظ ابن رجب في (( جامع العلوم والحكم )) [ص83] ، وانظر (( صحيح ابن خزيمة )) [4/7] .
دـ فيكون عند الحافظ لابد من التلفظ بالشهادتين لثبوت الحكم بالإسلام ابتداء ولابدمن العمل الظاهر مع الشهادتين في بقاء الحكم بالإسلام واستمراره .
وبهذا يكون ترك العمل الظاهر جملة يمنع الحكمبالإسلام على تاركه .
فيـكونعند الحافظ حكم ترك الصلاة شيءٌ وحكم ترك العمل الظاهر شيءٌ آخر. العمــل في مسمى الإيمان ، فترك الصلاة عند الحافظ ابن حجر كبيرة من الكبائر لايكفر تاركها فانظر ((فتحالباري )) [2/7و12و32]

ولا بأس من الزيادة بما يرسخ، ويثبت ما سبق:
1) في باب (تفاضل أهل الإيمان في الأعمال) ذكر الإمام البخاري حديث: (أخرجوا من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان) فقال الحافظ في (الفتح)(1/73): ((والمراد بحبة الخردل هنا ما زاد من الأعمال على أصل التوحيد، لقولـه في الرواية الأخرى ((أخرجوا من قال لا إله إلاّ الله وعمل من الخير ما يزن ذرة)))).اﻫ.
2) عند حديث: (أفلح إن صَدَقَ) قال الحافظ في (الفتح)(1/108): ((وقال ابن بطال: دل قولـه: (أفلح إن صدق) على أنه إن لم يصدق فيما التزم لا يفلح، وهذا بخلاف قول المرجئة)).اﻫ.
أ) الحافظ أقر هذا القول ولم يتعقبه بشيء، بل إنه تعقب ابن بطال في تتمة قوله المنقول، فانظره.
ب) يبقى الإشكال – كالعادة - في قوله: ((فيما التزم)).
ج) والالتزام هنا التزام الباطن والظاهر، ودليله:
د) قال عقبه: ((وهذا بخلاف قول المرجئة)). والخلاف مع المرجئة في الالتزام الظاهر، وليس في الالتزام الباطن.
هـ) قال في (الفتح)(1/107): ((.. أو القصد من القصة بيان أن المتمسك بالفرائض ناج وإن لم يفعل النوافل)).اﻫ.
و) مع أن التأمل في ((إن لم يصدق)) تكفي في الدلالة على الفعل الظاهر، مع التزام الباطن.

3) قال الإمام البخاري في كتاب (الإيمان)، من "صحيحه": باب من قال: إن الإيمان هو العمل… وقال ((لمثل هذا فليعمل العاملون)).اﻫ
في شرح هذا الباب قال الحافظ في "الفتح" (1/78): ((قوله (وقال) أي: الله عزَّ وجلَّ (لمثل هذا) أي: الفوز العظيم (فليعمل العاملون) أي: في الدنيا, والظـاهر أن المصنف تأولها بما تأول به الآيتين المتقدمتين، أي فليؤمن المؤمنون، أو يحمل العمل على عمومه؛ لأن من آمن لابد أن يقبل، ومن قبل فمن حقه أن يعمل، ومن عمل لابد أن ينال، فإذا وصل قال: لمثل هذا فليعمل العاملون)).اﻫ.
أ) قوله: (لابد أن يقبل) قال الإمام ابن باز في الحاشية (2) : ((أي: لابد أن يقبل ما جاء به الرسول ﷺ؛ إذ لا يتم إيمانه إلاّ بذلك)).اﻫ.
ب) قولـه: ((من قبل فمن حقه أن يعمل)) أي: استوجب عليه العمل، وثبت؛ لأن حق الرجل ما يلزمه حفظه، ومنعه، والدفاع عنه، وهو بمعنى أن الصادق في قبوله لا بد أن يقوم بالواجب؛ لذلك قال بعده: ((ومن عمل لا بد أن ينال)) والنوال يكون بالإخلاص والعمل المشروع.

4) عند قول ابن مسعود: ((اليقين الإيمان كله))، قال الحافظ في (الفتح) (1/48): ((إن مراد ابن مسعود أن اليقين هو أصل الإيمان، فإذا أيقن انبعثت الجوارح كلها للقاء الله بالأعمال الصالحة،.)).اﻫ.
إذا صح ما نقلته عن الحافظ فتكون النتيجة:
أن العمل في الجملة ركن في مسمى الإيمان، ولابد منه في التسمية بـ(المسلم) و (المؤمن) و (دخول الجنة).

والآن نأتي على ما أشكل من كلام الحافظ في هذه المسألة:
1) قال الحافظ في (الفتح) (1/46): ((...فالسلف قالوا هو اعتقاد بالقلب، ونطق باللسان، وعمل بالأركـان وأرادوا بذلك أن الأعمال شرط في كماله... والمعتزلة قالوا: هو العمل والنطق والاعتقاد. والفارق بينهم وبين السلف أنهم جعلوا الأعمال شرطًا في صحته والسلف جعلوها شرطًا في كماله )).اﻫ.
أ) قول الحافظ هذا، له محملًا وتوجيهًا مقبولًا ، وهو أن قوله: (شرطًا في كمالـه), مقابل قول المعتزلة: (شرطًا في صحته، فيكون ما هو شرط صحة عند المعتزلة فقط هو شرط كمال في فهم الحافظ لمراد السلف وهذه قرينة صريحة فتأمل..
ولهذا لا تجد تنبيهًا على الصواب من قبل الإمام ابن باز, وتحذيرًا من الخطإِ في قول الحافظ عند تصحيحه وتعليقه على (الفتح).
قال الإمام ابن باز في (تصحيحه وتعليقه) على (الفتح)(1/4): ((وقد وجدنا للشارح رحمه الله أخطاء لا يحسن السكوت عنها, فكتبنا عليها تعليقًا يتضمن تنبيه القارئ على الصواب وتحذيره من الخطإِ)).اﻫ. ولم يعلق على هذا الموضع.
2) عندما تكلُّم الحافظ في اقتران, وافتراق الإسلام والإيمان, قال في (الفتح) (1/115) : ((والذي يظهر من مجموع الأدلة أن لكل منهما حقيقة شرعية, كما أن لكل منهما حقيقة لغوية، لكن كل منهما مستلزم للآخر بمعنى التكميل لـه, فكما أن العامل لايكون مسلمًا كاملًا, إلا إذا اعتقد, فكذلك المعتقد لا يكون مؤمنًا كاملًا إلا إذا عمل)).اﻫ.
وعلينا أن يتأمل مراد الحافظ بـ(التكميل) و (كاملًا):
إذا فهم من قوله: ((المعتقد لا يكون مؤمنًا كاملًا إلا إذا عمل))، أن العمل كمال.
فليفهم أيضًا من قوله: ((أن العامل لا يكون مسلمًا كاملًا إلا إذا أعتقد)). أن الاعتقاد كمال.
وما أظن أحد سيفهم هذا.
وعليه فليراجع طريقة التعامل مع كلام الحافظ عندما نجد(كمال) أو(شرط كمال).
ولنضم ما يأتي إلى ما سبق:
نقل الحافظ في (الفتح), قول الزهري: (الإسلام الكلمة, والإيمان العمل). ثم بَيَّنَ مراد الزهري من هذا القول، فقال في (1/81-82): ((وقد استشكل هذا بالنظر إلى حديث سؤال جبريل, فإن ظاهره يخالفه, ويمكن أن يكون مراد الزهري أن المرء يحكم بإسلامه ويسمى مسلمًا إذا تلفظ بالكلمة - أي: كلمة الشهادة- وأنه لايسمى مؤمنًا إلا بالعمل، والعمل يشمل عمل القلب والجوارح، وعمل الجوارح يدل على صدقه.)).اﻫ.
ما الفرق في قولي الحافظ:
أ) ((المعتقد لا يكون مؤمنًا كاملًا إلا إذا عمل)).
ب) ((لا يسمى مؤمنًا إلا بالعمل... وعمل الجوارح يدل على صدقه))؟.
5) عند شرح حديث: ((فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله)).اﻫ.
قال الحافظ في (الفتح)(12/279): ((وفيه منع قتل من قال لا إله إلا الله ولو لم يزد عليها، وهو كذلك لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلمًا؟ الراجح لا، بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه، وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله: ((إلا بحق الإسلام)).اﻫ.
من قول الحافظ:
أ) يمنع قتل من قال: ((لا إله إلا الله)) ولو لم يزد عليها: ((محمد رسول الله)).
ب) لكن لا يصير بمجرد القول مسلمًا، حتى يختبر، بأن:
ج) يشهد بالرسالة فيقول: ((محمد رسول الله)).
د ) ويلتزم أحكام الإسلام، فإن كان كذلك:
هـ) حكم بإسلامه، لماذا؟.
و) لقوله ﷺ: »إلا بحق الإسلام«.
6) قول الحافظ: (يختبر) بَيَّنَه في (الفتح)(2/7) فقال: ((وكان النبي ﷺ أول ما يشترط بعد التوحيد إقامة الصلاة لأنها رأس العبادات البدنية، ثم أداء الزكاة لأنها رأس العبادات المالية، ثم يُعَلِّم كل قوم ما حاجتهم إليه أَمَسُّ)).اﻫ وانظر: (الفتح) (13/352-353).
قال الإمام ابن تيمية في "الفتاوى" (7/258): (الأعراب وغيرهم كانوا إذا أسلموا على عهد النبي ﷺ أُلزموا بالأعمال الظاهرة: الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، ولم يكن أحد يُتَرك بمجرد الكلمة)).اﻫ.
7) قولـه: (وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله: (إلا بحق الإسلام) ) بَيَّنه في (الفتح):
أ) في (1/76): ((... ولم يستدل أبوبكر في قتال مانعي الزكاة بالقياس فقط، بل أخذه أيضًا من قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه: ((إلا بحق الإسلام)). قال أبوبكر: ((والزكاة حق الإسلام)).اﻫ.
ب) وأيضًا في (1/76) قال: ((مع أن نص الحديث وهو قوله ((إلا بحق الإسلام)) يدخل فيه جميع ذلك)).اﻫ.
ج) وفي (12/277) قال: ((إن كان الضمير في قولـه ((بحقه)) للإسلام فمهما ثبت أنه من حق الإسلام تناوله)).اﻫ .
8) بعد قوله المنقول برقم (5) نقل قول البغوي: ((الكافر إذا كان وثنيًّا أو ثنويًّا لا يقر بالوحدانية، فإذا قال لا اله إلا الله حكم بإسلامه ثم يُجْبَرُ على قبول جميع أحكام الإسلام.)).اﻫ.
ثم قال الحافظ: ((ومقتضى قوله: ((يُجْبَر)) أنه إذا لم يلتزم تجرى عليه أحكام المرتد)).اﻫ.


وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.