كنت كتبت حاشية على موضوع (الأخطاء بسبب الاشتباه بين الرواة) وجاء فيها:
من أعجب ما مر عليَّ من الأخطاء بسبب الاشتباه بين الرواة، خطأ توارد عليه ستة من الحفاظ، وهو فيما جاء من طريق جرير عن يونس عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله :( ما استجار عبد من النار سبع مرات في يوم إلا قالت النار يا رب إن عبدك فلانا قد استجارك مني فأجره، ولا يسأل الله عبد الجنة في يوم سبع مرات إلا قالت الجنة يا رب إن عبدك فلانا سألني فأدخله) أخرجه أبو يعلى في مسنده 11/54 والضياء المقدسي في صفة الجنة.
قال الضياء: هذا الحديث عندي على شرط الصحيحين .اهـ
وقال المنذري: رواه أبو يعلى بإسناد على شرط البخاري ومسلم (الترغيب 4/243)
وقال ابن القيم: وإسناده على شرط الصحيحين (حادي الأرواح ص122)
وقال ابن كثير: على شرط مسلم (النهاية في الملاحم والفتن 2/397)
وقال المناوي: وفي رواية لأبي يعلى بإسناد على شرط الشيخين (فيض القدير 6/145)
وقال الشوكاني: وأخرج أبو يعلى بإسناد على شرط الشيخين (تحفة الذاكرين للشوكاني ص80). ثم جاء الشيخ الألباني ففسر رجال الإسناد بأن (يونس) هو الأيلي، و(جريراً) هو ابن حازم .. ثم قال: وبالجملة فالحديث صحيح بلا ريب، ....،.اهـ ثم أغلظ القول لمن خالفه من المعاصرين في تفسير الرجال ومن ثَم في النتيجة، وأقول: وهذا كله خطأ، وجرير هو ابن عبد الحميد، ويونس هو ابن خباب الأُسيِّدي، أبو الجهم الكوفي، قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: مضطرب الحديث، وليس بالقوي. قلت: وقد اضطرب في هذا الحديث بعينه، فرواه على عدة أوجه، أشار إليها البخاري في تاريخه 2/79 [1755] والدارقطني في علله11/ 188-190 س[2213]. [وراجع ترجمة ابن خباب :تهذيب الكمال 32/503 والتقريب [7903] وغيرهما]. فتأمل كيف صار حديثٌ - راويه مضطرب الحديث، يقول فيه البخاري نفسه:(منكر الحديث) - إلى حديث على شرطه وشرط مسلم أيضاً . ثم إن الحديث إذا لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ولا أحمد في مسنده، ولا أحد من أهل الصحاح المشهورة، وهو بسلسلة على رسم الشيخين، وليس له أصل في الصحيحين، أو مايشير إليه عندهما، فلا يتسرع الناظر في قبول هذا الإسناد، حتى يطيل مدة النظر والبحث والمراجعة، وقد يبين له –بعد ذلك- أن الإسناد ليس أصلاً على رسم الصحيحين أو أحدهما، بل هو من تشابه أسماء الرواة، كما هو الحال في الحديث المزبور . والله أعلم .